دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الأولوية للأنين في القصير لا لصيحات النصر. هنريتش بول قال «عندما تكون هناك قبور لا استطيع الا ان اجثو من اجل ذلك الصديق الذي يدعى الحزن». هل نجثو الآن امام الحزن ام امام الخراب؟ مرة اخرى يأخذنا فرانز كافكا الذي يسأل ما اذا كانت الصلاة تكفي لكي يمد الله يده الى الحطام…
هناك كان يوجد بشر يشبهون الاشجار، ولعلهم يشبهون الهواء ايضا، ربما كانوا ضحايا اللامبالاة، وكان يفترض ان يصرخوا ضد اللامبالاة، لكنهم حتماً لم يتواطأوا مع تلك الاقدام الهمجية الخارجة للتو من الكهوف والتي تفهم الشريعة داروينياً، ولكن بطريقة اخرى. لاحظوا ادبياتهم: يرتقي الكائن البشري ليغدو… قرداً.
رجاء لا تبحثوا عن الحلقة المفقودة التي لم يعثر عليها العالم الانكليزي. انها حتما في وجوههم. انها حتما في لحاهم…
لا احد يمكنه ان يكون ضد الصرخة من اجل ان تكون الحياة هي الحياة. ولكن ما الذي حصل عندما ذهبت لعبة الامم، ولعبة الخناجر، الى حدودها القصوى؟ كل اولئك المرتزقة، ومن اصقاع الارض، وما تحت الارض، من اجل ازالة النظام في سورية. من فضلكم قولوا لنا مرة واحدة ما هو النظام البديل، نظام قطاع الطرق ام نظام قاطعي الرؤوس؟
ليس دفاعاً عن نظام. لكن هذا هو النموذج. ان تكون ديمقراطياً، وثورياً بطبيعة الحال، يعني ان تأكل لحوم البشر دون الحاجة الى الشوكة والسكين. الفتاوى تقول ذلك، وتقول باغتصاب القاصرات كما سجلت عشرات الحالات في القصير وريفها. هل يمكن ان يكون الجسد هكذا، الروح هكذا، مستودعاً للعار؟
قيل لنا ان احدهم ويدعى «ابو منجل» (لاحظوا رهافة اللقب) كان يوزع بفتاواه على ضحاياه من النساء تأشيرات دخول الى الجنة. ثمة امرأة تمكنت من الفرار، وقالت «لا اتوقع ان يكون الشيطان اكثر قباحة من ذلك الرجل». من سنوات قال الباكستاني حبيب الله كاشان «عندما تتحدث الى اولئك الناس لا بد ان ترثي لحال الشيطان». الرجل استاذ جامعي من وزيرستان واستطاع الفرار، ولكن بعد مصرع ابيه وشقيقه…
الآن القصير تحتاج الى قلب، نعرف ان اهلها يمكن ان يكتفوا بالعودة الى المنازل المهدمة لان فيها نكهة الايام الجميلة. ولكن من لا يعرف كيف اختيرت هذه المدينة بالذات لتكون مقبرة للنظام، ومنها بالذات تتشكل تلك الامارة التي تمتد في العمق السوري كما في العمق اللبناني، مع وضع خطة مجنونة قيل لنا ان وثائقها باتت موجودة من اجل اجتثاث او ترحيل او ذبح كل من لا يقول قول ابي منجل إياه واترابه…
غداً عندما تكشف اوراق القصير الفضائح من كل الاشكال، ستكون الفضيحة الكبرى، الحقيقة الكبرى. ألهذا قال الاسقف الجليل لنا، وقد اوردنا ذلك في مقالة سابقة، انه يحسب عندما تتناهى اليه تصريحات بعض القادة المسيحيين ان هؤلاء التحقوا بـ «جبهة النصرة». تابعوا بدقة ما يصدر عنهم من كلام. لم يدركوا البتة ان من يتصدرون المشهد في سوريا ليسوا عناصر «الجيش السوري الحر» الذين تناثروا قبلياً ومناطقياً واحياناً مزاجياً، وانما شيوخ «جبهة النصرة» الذين لا مكان لديهم للآخر، من الفئة الاخرى، ولو كان سنياً الا اذا كان قاتلاً ويقر بأن النص القرآني دعا الى النحر والاغتصاب ثم النحر والاغتصاب.
ما حدث في القصير يتجاوز بكثير حدود المدينة، وحدود المنطقة وربما حدود سوريا. هل ادرك الذين يرفضون الحوار ويصرون على القتال حتى آخر نقطة دم في سوريا ان ازالة النظام رهان سيزيفي، وان الذين يشتبكون بالايدي في اسطنبول من اجل رئاسة الائتلاف الذي لا يعدو كونه هيئة افتراضية، وستبقى افتراضية، لا بد ان يشتبكوا بالدبابات اذا ما وصلوا الى تخوم السلطة؟
كان منظر جورج صبرا الذي نعرف كيف يعامل بازدراء من «الاخوان المسلمين» والذي طلبت «جبهة النصرة» اقصاءه من الصفوف الامامية بالنظر الى انتمائه الديني، يدعو الى الشفقة فعلاً وهو يحاول ان يقلد زاباتا او غيفارا. لا ريب انكم شاهدتموه وسخرتم كثيرا من ذلك الثائر الذي لا يليق حتى بريشة كاريكاتورية من الدرجة الثالثة.
لمن يهمه الامر، اقرأوا عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً ما حدث في القصير. لا يمكن القول ان النظام سيبقى على حاله، لكن ما حدث يعني ان المعارضة التي قدمت إليها مليارات الدولارات (وهذا اعلن رسمياً) والتي استقطبت مالياً او عقائدياً عشرات الآلاف من الذين وفدوا من الصومال كما من الشيشان كما من عشرات الدول الاخرى، قد سقطت، بعدما قالت ان في القصير سيوارى فلاديمير بوتين ومن معه الثرى…
من لا يعرف كيف تم الاعداد لمعركة القصير على انها المعركة التي يتحدد فيها مصير سوريا بل ومصير المنطقة؟ وعلى هذا الاساس لن تسقط ولن تسقط. جورج صبرا يستغيث، وفهد المصري الذي ضاع بين زجاجات الويسكي فلم يعرف ما اذا كان على ضفاف العاصي ام على ضفاف السين (كذب لاحدى القنوات وقال انه عند الحدود اللبنانية ـ السورية فيما كان في باريس بين التروكاديرو والشانزليزيه)، فيما كان سليم ادريس يهدد بنقل المعركة الى لبنان وهو الذي يعلم ان جحافله كانت من ورق وستبقى من ورق…
الاكثر اثارة للذهول ان جهات عربية ابلغت بعض اركان المعارضة ان التدخل العسكري الخارجي بات اقرب الى التنفيذ من اي وقت مضى. انتظروا، اذاً، طائرات الاطلسي فوق دمشق، وليستعد أكلة لحوم البشر للتلذذ بضحاياهم. ولكن من خسر معركة القصير، بكل ما يحيط بها، هل يمكن ان يربح معركة دمشق؟
بصراحة قال لهم ديفيد اغناثيوس «من ينتظر طائرات الاطلسي هناك كمن ينتظر غودو». في مسرحية صمويل بيكيت الشهيرة لا وجود لغودو الذي لا يأتي ابداً….
المصدر :
الديار/ نبيه برجي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة