دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
ضربتان في الرأس، هزّتا الحلف المعادي للمقاومة: هزيمة القصير وسقوط الأردوغانية، وقد جاءتا متزامنتين متعاضدتين، تؤذنان بتفكك المشروع الوهّابي ــــ العثماني ــــ الصهيوني للاستيلاء على المشرق.
في القصير، لم تكن هزيمة الإرهابيين مجرد هزيمة عسكرية، وإنما كانت، بالأساس، هزيمة نفسية. وهذا هو الأهم؛ ففي لحظة الحسم، انهارت معنويات المجموعات الإرهابية، وأصابها الذعر، وانتهت، في غضون ساعتين، إلى الاستسلام أو الفرار. الهزيمة النفسية تنتقل بالعدوى، وسنرى مشهد القصير يتكرر في المعارك اللاحقة لتحرير سورية من جيش الغزو المتكوّن من التكفيريين والقتلة واللصوص ومغامري الاستخبارات الإقليمية والدولية.
وبينما أغلقت هزيمة القصير، العامل اللبناني في الحرب على سورية، تلوح هزيمة الأردوغانية في ميدان تقسيم، كحركة تركية داخلية من شأنها أن تشل التدخل العثماني شمالا. ففي تركيا، لسنا، فقط، إزاء احتجاجات محلية تتعلق بمطالب محلية، وإنما، رئيسيا، إزاء تفكك النموذج الإخواني التركي لمعادلة الوئام الداخلي والتوسع الخارجي؛ لقد انشقت تركيا إلى تيار ديني حاكم وتيار مدني معارض. وهو انشقاق لا دواء له، ولا يمكن تجاوزه بالقمع أو التسويات، وإنما بالعودة إلى العلمانية. وهي الإطار الوحيد الممكن لضمان وحدة المجتمع التركي التعددي، عرقياً ودينياً وطائفياً وثقافياً وسياسياً.
يكتوي النظام الأردوغاني، الآن، بالنار التي أوقدها في سورية (والعراق)، بما في ذلك توطّن الإرهاب، والانقسام السسيو ثقافي للمجتمع والدولة. وهو وضع سيستدعي الجيش، عاجلا أم آجلا. وعلى هذه الخلفية، نستطيع القول إن اتفاق رجب أردوغان ـــ عبدالله أوجلان، أصبح من الماضي؛ فلا الأول يتمتع الآن بالإجماع اللازم لتنفيذه، ولا الثاني مستعد للتورّط مع نظام آفل. والأرجح أن أردوغان سيعود، في محاولة يائسة لاستعادة الاجماع التركي وراءه، إلى اشعال الجبهة الكردية. وسيصبّ ذلك، ميدانياً، في مصلحة سورية. ولكن، ربما جاء الوقت لكي نقول للأشقاء الأكراد بوضوح إن حل القضية الكردية ليس ممكناً بالتقافز الانتهازي بين المعسكرات، كما أنه مستحيل خارج إطار الأخوة الكردية ـــ العربية.
يواجه الغزو الغربي ـــ الوهابي ـــ العثماني ـــ الصهيوني لسورية، إذاً، مأزقا لا يمكن حله من دون الحرب الأميركية ـــ الإسرائيلية الشاملة. وهذا الخيار غير واقعي لثلاثة أسباب، أولاً، كلفته العسكرية والسياسية، وثانياً، كونه مغامرة غير مضمونة النتائج، وثالثاً، الاعتراض الروسي.
ماذا يبقى أمام الغزاة، والحال هذه، سوى جنون التحشيد المذهبي بوصفه السلاح الوحيد الباقي في أيديهم. وقد استغل «سياسيو» الغزو وفقهاؤه وإعلاميّوه وكتّابه، المشاركة البطولية لمقاتلي حزب الله في معركة القصير ـــ الهادفة، بالأساس، إلى تأمين ظهر المقاومة وطرق امدادها ـ لكي ينظموا حملة سُعار مذهبي تنطلق من هجوم حاقد غير مسبوق على الحزب المقاوم، وتهدف إلى تحقيق ما يلي:
أولاً، السعي لاستدراك الانهيار النفسي الشامل للمجموعات الإرهابية في سورية، ومحاولة شدّ أزرها بالتحريض المذهبي والطائفي، وانتشالها من حالة الإحباط والنزوع الجماعي إلى إلقاء السلاح، الاستسلام والفرار، إلى حالة اندفاع مذهبي،
ثانياً، إشعال الفتنة على مستوى المنطقة، ومداواة الفشل في إسقاط سورية بالسعي إلى احراق المشرق كله. إنها رسالة للتصعيد الأمني على أسس مذهبية وطائفية في لبنان، والدفع إلى المزيد من عمليات القتل في العراق، وعرقلة تبلور خط وطني لا مذهبي في صفوف المقاومين الفلسطينيين، وخلق أجواء مشحونة تحدّ من نمو التيار الوطني الأردني المندفع للاقتراب من سورية والعراق ومحور المقاومة.
بعد القصير ـــ تقسيم، لم يعد لدى الغزاة، سوى الجنون المحض، من مفتي السعودية إلى قرضاوي قَطر إلى الإخوان المسلمين واليمين الأميركي والإعلام الإسرائيلي، وليس انتهاء بليبراليي السلفية والسفارات الأميركية وشبكاتها المحلية. وأنا لا أنظر، أبداً، باستخفاف إلى هذا الجنون ومفاعيله؛ إذ أن لديه الامكانات المقترنة بانعدام أي ضوابط أخلاقية، للعمل على إحراق المشرق كله.
لا تراجع، بالطبع، في الميدان، بل الذهاب إلى الحسم السريع، ولا تراجع عن الخطوة القومية الجريئة ــــ والشرعية لأنها تتم بطلب من الحكومة السورية الشرعية ــــ لمشاركة مقاتلي حزب الله في هذه المعارك. ولكن آن الأوان لمواجهة الجنون المذهبي بالعقلانية. والحل واضح: لقد بدأ الشرخ المذهبي في العراق ما بعد 2003، ويمكن، فقط، أن ينتهي على أرضه: إن اطفاء مظلومية العرب السنّة في هذا البلد، هي المنطلق الأهمّ لمواجهة الانشقاق المذهبي على مستوى المشرق. وهذه المهمة منوطة، اليوم، بسعي محور المقاومة زائد روسيا، للتوصل إلى صيغة جامعة لإعادة توحيد العراق في دولة وطنية، لا طائفية.
المصدر :
الأخبار/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة