محمد رعد ديبلوماسي مجرّب. الإطراء بين المزاح والجد، هو شهادة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في نائب «حزب الله»، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الفرنسي.

آلان مارسو حمل إلى الوزير واللجنة على قبيل الطرفة والتحليل، قرابة في التقييم قاله النائب اللبناني إلى الفرنسي خلال لقاء في بيروت، «عدونا واحد هو القاعدة. تعالوا نتحالف معاً، بدلاً من أن تضعونا على لائحة الإرهاب».

لا يزال «لبنان الطائفي» مرآة القراءة الفرنسية لسورية، خلال الجلسة المكرسة لتقديم رؤية الوزير الفرنسي وديبلوماسيته للنزاع السوري. لم يبتعد كثيراً ظل لبنان، سواء من خلال تدخل «حزب الله» في القتال، أو من خلال تشابك التحليل الفرنسي للتركيبة في البلدين، التي تكاد تستدعي «حلولاً» مشابهة كالطائف.

ويذهب التشابك إلى حد اكتشاف دور إقليمي لمقاتلي «حزب الله»، يتخطى بكثير التوقعات التي وضعت له في بداية الأزمة السورية، والتي قال الوزير الفرنسي إنها أحد عوامل تأخر سقوط النظام السوري، وإخفاق التوقعات، شارحاً أن بقاء الأسد في دمشق يعود في جزء منه «إلى ثلاثة أو أربعة آلاف مقاتل شيعي لبناني، أشداء مستعدون للموت».

وعلى الرغم من ابتسار القراءة المقدمة في الجلسة، إلا أن نصين صغيرين يعكسان نظرة متكلسة في فهم طموحات المنطقة وصراعاتها، لا تزال مختومة بخاتم المستشرقين، وبنزعة كولونيالية، تعمم التسويات والتوازنات الطائفية.

فعلى الأرجح، كما قال فابيوس، «انطلاقاً من الوضع المرعب على الأرض، من المستحيل أن نتخيل أننا سنحصل على جمهورية سورية غداً، على النمط الفرنسي، نظراً إلى طبيعة القوى المنخرطة. ينبغي علينا إذا أمكن، أن نصل إلى اتفاق سياسي، لكي يتمكن هؤلاء الناس من التعايش، وأن نجد سورية متعقلة. لكن سورية بعد النزاع والاتفاق السياسي، لن تكون ديكارتية بالضرورة، ولن تكون نسخة مطابقة للطائف. لكن في بلد مركب ومعقد، ينبغي احترام التعدد والحفاظ على الوحدة في آن، بيد أننا عندما ننظر إلى ما تطلبه الطائف من جهود، يمكن عندئذ تخيل ما سيتطلبه الأمر في سورية».

وفي مداخلة أخرى، تشرح رؤية الديبلوماسي لـ«الربيع العربي» من منظور الحرب الدينية. فعندما يتساءل عضو في لجنة الشؤون الخارجية عن طبيعة الصراع في المنطقة، «هل نحن إزاء حرب دينية تقودها الأسر المالكة النفطية خلف الإسلاميين لإسقاط الأنظمة العلمانية، في مواجهة محور شيعي لبناني ـ سوري ـ عراقي، تدعمه طهران؟».

يجيب فابيوس «إن ما نشهده ليس حرباً دينية، بل قلها بصيغة الجمع، وهي حرب مذاهب، سببها الخلاف السني الشيعي المؤسس، وتدور في ثناياه أطوار صراعات أخرى».

أما لماذا لم يسقط النظام السوري كما كان متوقعاً، فأسباب كثيرة تضافرت. «النظام لم يسقط، لأن إيران دعمت النظام بقوة، وبالرغم من أن المقاتلين سوريون، إلا أن الكادرات التي تقودهم إيرانية، وهناك واقعة استمرار الروس في تسليم النظام الأسلحة. وفي الجهة الأخرى لدينا ائتلاف مقسم ومشرذم، وتحف به ظاهرة التطرف الخطيرة، وفيها مقاتلون من أصول أوروبية، لا بل فرنسية، وهم يعدون بالمئات. ثم جاء تدهور الجوار العراقي واللبناني والأردني، حيث نجح النظام السوري بتطييف وتدويل الصراع ليبقى».

ما التصور لمؤتمر جنيف؟ يفكر فابيوس بأن «خريطة الطريق ينبغي أن تبدأ بإجلاس ممثلين عن النظام والمعارضة إلى طاولة حوار، ليبدأ النقاش بتشكيل حكومة انتقالية، وهناك من يقول ينبغي تشكيل وفد موحد، وهناك من يقترح فرق عمل حول قضايا الحكومة، أو وقف إطلاق النار، وفصل الملفات عن بعضها». وتعارض فرنسا دخول إيران قاعة المفاوضات، إذ ينبغي أن يحضر أولاً من لبى «جنيف 1».

«نعارض حضور إيران لسببين، أولهما أنها لم تعترف بجنيف 1. والآخر، نخشى أن يؤدي إشراكها في المؤتمر بأن تلجأ إلى تكتيك عرقلة الملف السوري للمساومة عليه في الملف النووي».

أما قضية تنحي الأسد وترحيله في بداية العملية السياسية، فلم تعد مطروحة في «جنيف» الثانية. يكتفي الوزير الفرنسي من «جنيف» بأنها تهمش الأسد بحسب قراءته للقبول بالعملية السياسية بحضوره طالما أن «حكومة انتقالية ستنال كل الصلاحيات». ولكن ينبغي لمن ينتدبهم النظام، أن يحوزوا سلطة القرار.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-30
  • 10866
  • من الأرشيف

إسقاط فرنسي لنموذج «الطائف» على سورية

محمد رعد ديبلوماسي مجرّب. الإطراء بين المزاح والجد، هو شهادة وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس في نائب «حزب الله»، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الفرنسي. آلان مارسو حمل إلى الوزير واللجنة على قبيل الطرفة والتحليل، قرابة في التقييم قاله النائب اللبناني إلى الفرنسي خلال لقاء في بيروت، «عدونا واحد هو القاعدة. تعالوا نتحالف معاً، بدلاً من أن تضعونا على لائحة الإرهاب». لا يزال «لبنان الطائفي» مرآة القراءة الفرنسية لسورية، خلال الجلسة المكرسة لتقديم رؤية الوزير الفرنسي وديبلوماسيته للنزاع السوري. لم يبتعد كثيراً ظل لبنان، سواء من خلال تدخل «حزب الله» في القتال، أو من خلال تشابك التحليل الفرنسي للتركيبة في البلدين، التي تكاد تستدعي «حلولاً» مشابهة كالطائف. ويذهب التشابك إلى حد اكتشاف دور إقليمي لمقاتلي «حزب الله»، يتخطى بكثير التوقعات التي وضعت له في بداية الأزمة السورية، والتي قال الوزير الفرنسي إنها أحد عوامل تأخر سقوط النظام السوري، وإخفاق التوقعات، شارحاً أن بقاء الأسد في دمشق يعود في جزء منه «إلى ثلاثة أو أربعة آلاف مقاتل شيعي لبناني، أشداء مستعدون للموت». وعلى الرغم من ابتسار القراءة المقدمة في الجلسة، إلا أن نصين صغيرين يعكسان نظرة متكلسة في فهم طموحات المنطقة وصراعاتها، لا تزال مختومة بخاتم المستشرقين، وبنزعة كولونيالية، تعمم التسويات والتوازنات الطائفية. فعلى الأرجح، كما قال فابيوس، «انطلاقاً من الوضع المرعب على الأرض، من المستحيل أن نتخيل أننا سنحصل على جمهورية سورية غداً، على النمط الفرنسي، نظراً إلى طبيعة القوى المنخرطة. ينبغي علينا إذا أمكن، أن نصل إلى اتفاق سياسي، لكي يتمكن هؤلاء الناس من التعايش، وأن نجد سورية متعقلة. لكن سورية بعد النزاع والاتفاق السياسي، لن تكون ديكارتية بالضرورة، ولن تكون نسخة مطابقة للطائف. لكن في بلد مركب ومعقد، ينبغي احترام التعدد والحفاظ على الوحدة في آن، بيد أننا عندما ننظر إلى ما تطلبه الطائف من جهود، يمكن عندئذ تخيل ما سيتطلبه الأمر في سورية». وفي مداخلة أخرى، تشرح رؤية الديبلوماسي لـ«الربيع العربي» من منظور الحرب الدينية. فعندما يتساءل عضو في لجنة الشؤون الخارجية عن طبيعة الصراع في المنطقة، «هل نحن إزاء حرب دينية تقودها الأسر المالكة النفطية خلف الإسلاميين لإسقاط الأنظمة العلمانية، في مواجهة محور شيعي لبناني ـ سوري ـ عراقي، تدعمه طهران؟». يجيب فابيوس «إن ما نشهده ليس حرباً دينية، بل قلها بصيغة الجمع، وهي حرب مذاهب، سببها الخلاف السني الشيعي المؤسس، وتدور في ثناياه أطوار صراعات أخرى». أما لماذا لم يسقط النظام السوري كما كان متوقعاً، فأسباب كثيرة تضافرت. «النظام لم يسقط، لأن إيران دعمت النظام بقوة، وبالرغم من أن المقاتلين سوريون، إلا أن الكادرات التي تقودهم إيرانية، وهناك واقعة استمرار الروس في تسليم النظام الأسلحة. وفي الجهة الأخرى لدينا ائتلاف مقسم ومشرذم، وتحف به ظاهرة التطرف الخطيرة، وفيها مقاتلون من أصول أوروبية، لا بل فرنسية، وهم يعدون بالمئات. ثم جاء تدهور الجوار العراقي واللبناني والأردني، حيث نجح النظام السوري بتطييف وتدويل الصراع ليبقى». ما التصور لمؤتمر جنيف؟ يفكر فابيوس بأن «خريطة الطريق ينبغي أن تبدأ بإجلاس ممثلين عن النظام والمعارضة إلى طاولة حوار، ليبدأ النقاش بتشكيل حكومة انتقالية، وهناك من يقول ينبغي تشكيل وفد موحد، وهناك من يقترح فرق عمل حول قضايا الحكومة، أو وقف إطلاق النار، وفصل الملفات عن بعضها». وتعارض فرنسا دخول إيران قاعة المفاوضات، إذ ينبغي أن يحضر أولاً من لبى «جنيف 1». «نعارض حضور إيران لسببين، أولهما أنها لم تعترف بجنيف 1. والآخر، نخشى أن يؤدي إشراكها في المؤتمر بأن تلجأ إلى تكتيك عرقلة الملف السوري للمساومة عليه في الملف النووي». أما قضية تنحي الأسد وترحيله في بداية العملية السياسية، فلم تعد مطروحة في «جنيف» الثانية. يكتفي الوزير الفرنسي من «جنيف» بأنها تهمش الأسد بحسب قراءته للقبول بالعملية السياسية بحضوره طالما أن «حكومة انتقالية ستنال كل الصلاحيات». ولكن ينبغي لمن ينتدبهم النظام، أن يحوزوا سلطة القرار.

المصدر : السفير/محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة