دشّن إعلان الجامعة العربية تعديل ما يسمى «المبادرة العربية للسلام» التي أقرت في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002، وإجازة مبدأ «تبادل أراض» بين إسرائيل والفلسطينيين، المرحلة الأولى من بازار تقديم التبرعات العربية السخية لإسرائيل من حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية التي سبق وأن اختصرت رسمياً، قبل عقود، بحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وذلك على خلفية المشهد الجديد المتشكل في المنطقة، واستعداد العديد من الأنظمة العربية، التي تنتظرها استحقاقات وازنة في المستقبل القريب، للانضواء في حلف إقليمي جديد، يضم إسرائيل وتركيا يهدف إلى مواجهة جبهة المقاومة (سورية وإيران وحزب الله). ولأن بوابة هذا الاصطفاف، وكما يدرك الأميركيون، تبدأ بالرواق الفلسطيني وإشكالاته المتراكمة والمجمّدة منذ فترة طويلة، كان لا بد من التعاطي معه كتوطئة لمعالجة الملفات التي تعتبرها الإدارة الأميركية أكثر أهمية وإلحاحاً، وبالأخص موضوع تشكيل جبهة واسعة ضد إيران. والأمر هنا لا يتعلق فقط بنقائص مسألة تبادل الأراضي التي سبق للمفاوض الفلسطيني أن وافق على أن تكون بنسبة 1.9 في المئة بعد مؤتمر أنابوليس في 2007، وإنما يتصل كذلك بالأعمدة الأساسية الأخرى للقضية الفلسطينية: حق العودة للاجئين الذين هُجروا من أرضهم عام 1948؛ القدس؛ الترتيبات الأمنية، فضلاً عن رزمة معقّدة من القضايا الفرعية الأخرى.

بداية، يبدو من المهم تحديد الفوارق ما بين قبول السلطة والمنظمة «المبدئي» بتبادل الأراضي، وموافقة الجامعة على هذا المفهوم، ولاسيما أن هوة واسعة تفصل بينهما. فالموقف الفلسطيني يربط القبول بالتبادل، أولاً: باعتراف الجانب الإسرائيلي بالسيادة الفلسطينية على كافة الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وباعتراف إسرائيل بأن هذه العملية (التبادل) شأن من شؤون هذه السيادة وليس على حسابها. أما ثانياً، فإن أقصى نسبة رقمية للتبادل لا يجب أن تتجاوز 2- 3% من الأراضي المتماثلة في القيمة الأمنية والاقتصادية. إذ لا يجوز، على سبيل المثال، مبادلة أراض في القدس وبيت لحم ونابلس ورام اللـه وسواها بأراض صحراوية في النقب. وعليه، فإن ثمة رفضاً قاطعاً للنسبة التي تطالب بها إسرائيل (من 7- 12%) والتي تكرّس عملياً سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية وتقطيع أوصالها، وتعرّض التواصل الجغرافي ما بين كافة مناطق شرقي النهر، تالياً، لخطر شديد.

أما بالنسبة لـ«المكرمة العربية» المتعلقة بإجازة التبادل كسلفة مجانية لا علاقة لها بأي اتفاق يمكن التوصل إليه في المستقبل، والتي تعني، عملياً، الموافقة على بقاء الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية، وعلى رسم حدود جديدة، فينبغي التوقف أمام المعطيات التالية: أن مجرد الموافقة العربية على هذا التنازل دون أي تحديد سياسي لمفهوم «التبادل» يفيد، في ظل الواقع الفلسطيني والعربي السائد، بوجود الاستعداد للمضي قدماً باتجاه تنازلات أخرى تحت ظلال ضعف السلطة الفلسطينية، وتآكل مكامن قوة منظمة التحرير، وتكرّس الانقسام الجغرافي والسياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعل الخطوة الأولى المتوقعة، في هذا السياق، هي توجه بعض العرب نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب قبل الاتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات، والتي يرى كثيرون أنها ليست في متناول اليد راهناً؛ ترجيح استغلال إسرائيل لهذا المعطى المستجد واستخدامه، وبدعم من الولايات المتحدة، كغطاء لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولاسيما في منطقة الأغوار، وضم الكتل الاستيطانية في الضفة، وتحويل المناطق التي اقتطعها جدار الفصل العنصري إلى مناطق أمنية «منزوعة» من الأرض الفلسطينية تحت ذريعة «الاحتياجات الأمنية».

في الوجهة الأخرى، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي امتنع عن التعقيب على هذه الانعطافة العربية بهدف ابتزاز المزيد من التنازلات، إلا أنه لم يخف أمله في تحولها إلى كرة ثلج متدحرجة تأخذ في طريقها ما تبقّى من حقوق فلسطينية، وذلك من خلال الزعم بأن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين «ليس صراعاً على الأراضي، بل هو على حقيقة وجود إسرائيل كدولة يهودية». وبالتالي، فإن المشكلة، وفق نتنياهو، هي «عدم رغبة الفلسطينيين بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي»، وعم رغبتهم كذلك بالوصول إلى اتفاق «يمنع إسرائيل من أن تكون دولة ثنائية القومية، ويوفر الاستقرار والأمن». أي، بكلام أدق، يريد نتنياهو من العرب، وقبل التعهد بأي شيء، وقبل العودة إلى طاولة المفاوضات، رفع وتيرة ضغطهم على الفلسطينيين، ليس فقط لإسقاط حق العودة، وإنما لمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتهجير فلسطينيي 1948 تحت ذريعة «الدولة اليهودية» التي تشكل النقيض الموضوعي للدولة «الثنائية القومية» التي دعا إليها البروفيسور اليهودي يهودا شنهاف مؤخراً، وإخراج الكتل الاستيطانية من دائرة التداول مع اقتطاع ما يتيسر من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك مناطق الأغوار، بحجة توفير الأمن والاستقرار، ناهيك عن تحريم التطرق إلى القدس ومستوطناتها المنتفخة باستمرار.

ولعل من المهم الإشارة، في هذا المضمار، إلى أن نتنياهو يرفض رفضاً قاطعاً مبدأ إدارة المفاوضات على أساس حدود العام 1967. وعندما صرح الرئيس أوباما عن تأييده لهذا المبدأ في خطابه في أيار 2011 هاجمه نتنياهو بحدة في الحاضرة الشهيرة أمام الكاميرات في الغرفة البيضاوية. وهو (نتنياهو) يصر على أن تبدأ أية مفاوضات مقبلة بالبحث في مسائل الأمن والاعتراف بدولة يهودية، وذلك في موازاة اتخاذ مبادرات تجاه الفلسطينيين. لا بل إنه، وانسجاماً مع رؤيته وشريكه الأساسي في حكومة الائتلاف (البيت اليهودي) أعاد التمسك بتنظيم استفتاء على أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين، وهو ما كان أقره الكنيست في تشرين الثاني، نوفمبر 2010 عندما تبنّى مشروع قانون يفرض تنظيم استفتاء بشأن أي انسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان السورية أو القدس الشرقية، قبل التصديق على اتفاقات السلام المحتملة مع سورية أو الفلسطينيين، وذلك في حال لم تصوت الأغلبية الموصوفة من ثلثي النواب في الكنيست (80 من 120) لمصلحة الانسحاب في إطار اتفاقات تسوية محتملة مع سورية أو مع السلطة الفلسطينية.

في ضوء ما سبق، وعلى قاعدة جنوح النظام العربي الرسمي إلى إفراغ مبادرة السلام العربية من مضمونها الأساسي الذي يربط ما بين إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس الشرقية والموافقة على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194، فإن الأكثر ترجيحاً هو ارتفاع منسوب الضغوط السياسية والاقتصادية على الفلسطينيين، ودفعهم باتجاه الحائط المسدود الذي سيطلق عليه مسمى «الدولة».

 

 

 لا يستطيع هذا الـ«حمد» وجوقته أن يعقدوا الصفقات على نعل طفل فلسطيني؟!

 

الشعب الفلسطيني وبغض النظر من تكون قيادته نقش على علمه وبالدم وتحديدا منذ العام 1974 ألا يسمح لأحد التدخل في قضيته اللهم إلا بما يتلاءم وثوابتها الوطنية: الحدود والسيادة الوطنية الكاملة والقدس وحقوق اللاجئين، إضافة إلى عدم الاعتراف بيهودية إسرائيل، وذلك في ضوء تجربته المريرة ونكبته المتلاحقة الحلقات منذ الـ1948 وقبلها وأحياناً كثيرة بمشاركة ذوي القربى. في خضم الأحداث المتسارعة والمتتالية التي خلقتها الحرب العدوانية على سورية، تغيب عن البال بعض التفاصيل التي تبدو ثانوية في بعض المحطات، ففي الاجتماع الأول للـ«جمعية العثمانية العربية» الذي تناول سورية، ما كاد هذا الـ«حمد» يتناول مطرقة الرئاسة من ممثل عُمان، حتى عبر عما يجول في خاطره، إذ قال في تناوله الأحداث في سورية: «يجب أن نذكر أن للشقيقة سورية حدوداً مشتركة مع إسرائيل!!!» (بمعنى ليس كما ليبيا)، وتابع معرجاً على القضية الفلسطينية طارحاً تصوره للحل دون أن يذكر ولا بكلمة واحدة الحق والثابت الأساس في القضية وهو حق اللاجئين.

مبادرة بدون «بديل استراتيجي»!

الكثيرون منا لم يلتفتوا حينها إلى هذه الجُمل أو ضاعت في خضم الموضوع الأساس، سورية، ولكن عند من لفتته أعادت حينها إلى الذاكرة المبادرة «العبد اللـه بوشية» وما أطلق عليها لاحقاً مبادرة السلام العربية بيروت 2002، والتي كانت نفقت بفعل رمي إسرائيل لها في سلة المهملات دون أن تتعب نفسها حتى في تناولها اللهم إلا في بعض ردود الفعل غير الجدية، وكان واضحاً أن هذا الـ«حمد» في كلمته الافتتاحية يحلم بأن يعيد إحياءها ولكن «نقية» مما كان «علق بها» ولو جزئياً وبشق النفس، على يد الرئيسين لحود والأسد في موضوع حقوق أبناء شعبنا اللاجئين الفلسطينيين وإن باقتراح حل بالتوافق، وحتى هذا لم يرضِ إسرائيل.

علمنا التاريخ أن من يريد أن يطرح مبادرة لحل قضية مع عدو أو خصم، يجب أن يكون لديه بديل إستراتيجي في وجه هذا العدو والخصم يجعله يحسب حساباً له، فأي بديل استراتيجي لدى هذا الـ«حمد» وصحبه يضعونه في مواجهة إسرائيل حتى تحسب لهم حساباً وتقبل منهم هكذا مبادرات وهكذا اقتراحات غير المزيد من الثغاء والزحف على البطون؟!

البديل الإستراتيجي الوحيد القائم وباعتراف إسرائيل سياسياً أمنياً وميدانياً بتأهيل جيشها في مواجهته منذ العام 2006 بعيد الحرب العدوانية على لبنان ونتائجها، هو الهلال الذي تشكل شمالها وفي قلبه سورية بموقعها وموقفها، والذي يقوم اليوم بمحاولة ضربه وقصم ظهره نيابة عنها أجراؤها من لدات هذا الـ«حمد».

لم يكن هذا الـ«حمد» ليطرح مثل هكذا اقتراح (تبادل أراض بأراض كلها فلسطينية) أمام مشغليه في البيت الأبيض ورغم أنه الأجير الوحيد عبر التاريخ الدافع لمشغله هذا ثمن قبوله شغالا عنده، وأن يطرح قبل ذلك كلمته الافتتاحية أمام مجلس وزراء الـ«الجمعية العثمانية العربية»، لولا أنه ضمن قبلاً فتوى جاهزة من المرشد وتلامذته في حماس الذين اكتفوا بإبداء الاستغراب على هذا الطرح. ولا أحسبن صمت القيادة الشرعية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية إلا من باب الإستراتيجية التي اتبعتها ومنذ زمن في مواجهة إسرائيل، وهي اللعب في الساحة التي تلعب فيها إسرائيل بغض النظر عن اجتهادات العرب، وعدم نقل المجابهة إلى الساحة العربية - العربية وذلك على خلفية خيبات الأمل وانعدام الإستراتيجية البديلة من ظهيرها المفترض، الدول العربية.

 

نتنياهو «يتف» في وجه الـ«حمد»

لم يطل الوقت الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بحاجة إليه ليتف في وجه هذا الـ«حمد» قائلاً: «القضية بيننا وبين الفلسطينيين ليست قضية أراض، القضية هي الاعتراف بنا دولة يهودية للشعب اليهودي»، وفقط قالها لدواع إسرائيلية داخلية ولولا ذلك لما كان كلف نفسه حتى بالتطرق لأقوال هذا الـ«حمد».

حتى الصحافة الإسرائيلية تناولت هذا الموضوع باقتضاب، والصحيفة المقربة من نتنياهو «يسرائيل هيوم - إسرائيل اليوم»، تناولته بقلم الكاتب درور أيدار قائلاً:

«الاعتقاد وكأن التنازل عن أراض يجلب مصالحة مع الفلسطينيين هو صحيح بالمنطق عند الغربيين، لكن الصراع هو ليس صراع أراض. لن يكون هنا سلام ما لم يكن هناك اعتراف (تذويت) لدى شعوب المنطقة في البيت القومي للشعب اليهودي». ويضيف الكثير ومنه:

«إسرائيل كدولة يهودية ككيان مستقل غير مقبولة في المنطقة. إسرائيل هي تحد كفري ومستفز للعالم الإسلامي ولما يؤمن به ولقيمِه. إسفين مزروع بين أعينهم، تابعة غربية في قلب الأرض الإسلامية المقدسة».

الكاتب هنا يعبر عن الذهنية السائدة لدى الأغلبية الساحقة ليس من القيادات الإسرائيلية فحسب وإنما لدى المواطنين الإسرائيليين، ولذلك وإن دفع هذا الـ«حمد» ولداته وأترابه لإسرائيل كل العرب والمسلمين خداماً وليس فقط تدمير سورية وتدجين المقاومة الإسلامية الفلسطينية، لن يكفي ذلك إسرائيل، ولن يكفيها حتى الاعتراف بها دولة يهودية ما دامت الإستراتيجية البديلة هي الزحف على البطون ومزيد من الزحف.

ومع هذا فموضوع تبادل الأراضي وبعد دخول منظمة التحرير اتفاقات أوسلو وما نتج عنها وفي كل المفاوضات التي تلت مباشِرة وغير مباشرة، ليس جديداً، ولكن ليس كما طرحه هذا الـ«حمد». وقد طُرح الموضوع مراراً وتكراراً، بدءاً باقتراح قديم منسي لرئيس الدولة الحالي بيرس بإقامة «حوض صناعي – بارك» مشترك أرضاً ومرافق في منطقة نقبوية متاخمة للخط الأخضر جنوبي الخليل وآخر على حدود قطاع غزة من الجنوب.

ومن ثم باقتراح إلحاق منطقة رملية من النقب جنوب غزة لا ماء فيها ولا مطر، يطلق عليها الإسرائيليون اسم «رمال حلوتسا»، ومن ثم كشفت مراكز أبحاث إسرائيلية عن اقتراح يُرسم بالخفاء تعطى فيها غزة مثلثا محاذيا من سيناء قاعدته على شاطئ البحر المتوسط وتُعوض مصر بمساحات على حدودها مع إسرائيل بين النقب وسيناء وبممر بري آمن بينها وبين الأردن شمالي مدينة إيلات.

ليس لأي قائد فلسطيني أن يفرط بأي من الثوابت الوطنية الفلسطينية

وطرح نائب وزير الدفاع الأسبق أبراهام سنيه ووزير الخارجية السابق ليبرمان تبادلا في الأراضي، بإلحاق منطقة مدينة أم الفحم المكتظة بالسكان بالضفة الغربية وذلك للحفاظ على ما يسمونه الكتل الاستيطانية. كل ذلك تخلصا من القنبلة الديموغرافية الفلسطينية وغير مقرون بالاعتراف بالثوابت الوطنية الفلسطينية.

كل هذه الاقتراحات باءت بالفشل واهترأت بالأدراج بسبب موقف القيادة الفلسطينية (ربما لا يُعجب هذا الكلام البعض ممن لهم مآخذ على السلطة الوطنية الفلسطينية)، إن كان ذلك في فترة الرئيس الراحل أبو عمار ياسر عرفات أو الفترة الحالية التي يقودها الرئيس أبو مازن محمود عباس، الموقف غير القابل بأي حديث عن هذا الموضوع إلا بعد الاعتراف أولا بالدولة الفلسطينية على حدود الـ4 من حزيران 1967 والغير مشروط بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وفقط حينها يمكن الحديث عن تبادل طفيف كماً وكيفاً.

ومهما كانت الوقائع المعلن منها وغير المعلن، لن يستطيع أي قائد فلسطيني ومهما بلغ «اعتداله» بالقاموس الشرق أوسطي أن يفرط بأي ثابت من الثوابت الوطنية الفلسطينية، لا الدولة السيادية ولا الحدود ولا القدس ولا حق اللاجئين مضافاً إلى ذلك الاعتراف بيهودية الدولة لما لذلك من إسقاطات على 1.7 مليون فلسطيني في شق الوطن «الثمان وأربعيني».

فكيف يجيز هذا الـ«حمد» لنفسه أن يطرح ومن وكله أن يطرح ما طرح في بلاط أسياده المدفوعي الأجر منه لقبوله عبداً؟!

إن كان بعدُ هنالك وطني فلسطيني أو عربي تنويري، ما زال يعتقد أن الحرب العدوانية على سورية والمقاومة اللبنانية والعربية عامة، هي حرب على الحرية للشعب السوري ودرء الخطر على اللبنانيين «الفرانكوفونيين» من حزب اللـه «المتخلف» ووقف «الزحف الفارسي» على ديار العرب انتقاماً لقادسية سعد بن أبي وقاص، ولا علاقة لها بفلسطين قضية العرب الأولى التي كانت وما زالت وستبقى، ولا علاقة لها بتحصين ما سماها نائب الرئيس الأميركي أمام منظمة أصدقاء إسرائيل الـ«إيباك» قبل مدة بالبارجة الأميركية الثابتة الوحيدة في الشرق الأوسط، إسرائيل، فله في كلام هذا الـ«حمد» المستعجل على إعطاء أسياده في البيت الأبيض وتل أبيب بلاد العرب لقمة سائغة مجزأة تسهيلاً للهضم، وقبل أن يضيق الحبل على عنقه وربما من أسياده فالعبد إن لم يؤت بالمطلوب منه يُداس، أو قبل أن تدور دوائر الشعوب العربية على كل خائن وإن كان خطف ثورتهم بالقرآن، والقرآن الكريم منه براء.

 

طويلة على رقبة حمد

يستطيع هذا الـ«حمد» أن يعرض نفسه ويعرض «علماءه» ويعرض «مفكريه» في الدوحة في سوق النخاسة متى شاء وكلما شاء وبالسعر البخس الذي يشاء، ولكنها «طويلة على رقبته» الفاقدة الإحساس من كثر اللطم والركل والركب، أن يتاجر بأرض شعب تفولذت قلوب أطفاله بالدم والجوع وبنار خيانة حُكام بعض ذوي القربى، فلن يستطيع هو وجوقته أن يعقد صفقة على نعل طفل فلسطيني حتى لو نال سراً أو علناً مباركة بعض أهل هذا الطفل المدفوعة الثمن بالدولار.

  • فريق ماسة
  • 2013-05-13
  • 10510
  • من الأرشيف

«جامعة حمد» وحملة التبرع بحقوق الشعب الفلسطيني!

دشّن إعلان الجامعة العربية تعديل ما يسمى «المبادرة العربية للسلام» التي أقرت في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002، وإجازة مبدأ «تبادل أراض» بين إسرائيل والفلسطينيين، المرحلة الأولى من بازار تقديم التبرعات العربية السخية لإسرائيل من حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية التي سبق وأن اختصرت رسمياً، قبل عقود، بحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وذلك على خلفية المشهد الجديد المتشكل في المنطقة، واستعداد العديد من الأنظمة العربية، التي تنتظرها استحقاقات وازنة في المستقبل القريب، للانضواء في حلف إقليمي جديد، يضم إسرائيل وتركيا يهدف إلى مواجهة جبهة المقاومة (سورية وإيران وحزب الله). ولأن بوابة هذا الاصطفاف، وكما يدرك الأميركيون، تبدأ بالرواق الفلسطيني وإشكالاته المتراكمة والمجمّدة منذ فترة طويلة، كان لا بد من التعاطي معه كتوطئة لمعالجة الملفات التي تعتبرها الإدارة الأميركية أكثر أهمية وإلحاحاً، وبالأخص موضوع تشكيل جبهة واسعة ضد إيران. والأمر هنا لا يتعلق فقط بنقائص مسألة تبادل الأراضي التي سبق للمفاوض الفلسطيني أن وافق على أن تكون بنسبة 1.9 في المئة بعد مؤتمر أنابوليس في 2007، وإنما يتصل كذلك بالأعمدة الأساسية الأخرى للقضية الفلسطينية: حق العودة للاجئين الذين هُجروا من أرضهم عام 1948؛ القدس؛ الترتيبات الأمنية، فضلاً عن رزمة معقّدة من القضايا الفرعية الأخرى. بداية، يبدو من المهم تحديد الفوارق ما بين قبول السلطة والمنظمة «المبدئي» بتبادل الأراضي، وموافقة الجامعة على هذا المفهوم، ولاسيما أن هوة واسعة تفصل بينهما. فالموقف الفلسطيني يربط القبول بالتبادل، أولاً: باعتراف الجانب الإسرائيلي بالسيادة الفلسطينية على كافة الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وباعتراف إسرائيل بأن هذه العملية (التبادل) شأن من شؤون هذه السيادة وليس على حسابها. أما ثانياً، فإن أقصى نسبة رقمية للتبادل لا يجب أن تتجاوز 2- 3% من الأراضي المتماثلة في القيمة الأمنية والاقتصادية. إذ لا يجوز، على سبيل المثال، مبادلة أراض في القدس وبيت لحم ونابلس ورام اللـه وسواها بأراض صحراوية في النقب. وعليه، فإن ثمة رفضاً قاطعاً للنسبة التي تطالب بها إسرائيل (من 7- 12%) والتي تكرّس عملياً سيطرة الاحتلال على الضفة الغربية وتقطيع أوصالها، وتعرّض التواصل الجغرافي ما بين كافة مناطق شرقي النهر، تالياً، لخطر شديد. أما بالنسبة لـ«المكرمة العربية» المتعلقة بإجازة التبادل كسلفة مجانية لا علاقة لها بأي اتفاق يمكن التوصل إليه في المستقبل، والتي تعني، عملياً، الموافقة على بقاء الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية، وعلى رسم حدود جديدة، فينبغي التوقف أمام المعطيات التالية: أن مجرد الموافقة العربية على هذا التنازل دون أي تحديد سياسي لمفهوم «التبادل» يفيد، في ظل الواقع الفلسطيني والعربي السائد، بوجود الاستعداد للمضي قدماً باتجاه تنازلات أخرى تحت ظلال ضعف السلطة الفلسطينية، وتآكل مكامن قوة منظمة التحرير، وتكرّس الانقسام الجغرافي والسياسي ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعل الخطوة الأولى المتوقعة، في هذا السياق، هي توجه بعض العرب نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب قبل الاتفاق على العودة إلى طاولة المفاوضات، والتي يرى كثيرون أنها ليست في متناول اليد راهناً؛ ترجيح استغلال إسرائيل لهذا المعطى المستجد واستخدامه، وبدعم من الولايات المتحدة، كغطاء لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولاسيما في منطقة الأغوار، وضم الكتل الاستيطانية في الضفة، وتحويل المناطق التي اقتطعها جدار الفصل العنصري إلى مناطق أمنية «منزوعة» من الأرض الفلسطينية تحت ذريعة «الاحتياجات الأمنية». في الوجهة الأخرى، وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي امتنع عن التعقيب على هذه الانعطافة العربية بهدف ابتزاز المزيد من التنازلات، إلا أنه لم يخف أمله في تحولها إلى كرة ثلج متدحرجة تأخذ في طريقها ما تبقّى من حقوق فلسطينية، وذلك من خلال الزعم بأن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين «ليس صراعاً على الأراضي، بل هو على حقيقة وجود إسرائيل كدولة يهودية». وبالتالي، فإن المشكلة، وفق نتنياهو، هي «عدم رغبة الفلسطينيين بدولة إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي»، وعم رغبتهم كذلك بالوصول إلى اتفاق «يمنع إسرائيل من أن تكون دولة ثنائية القومية، ويوفر الاستقرار والأمن». أي، بكلام أدق، يريد نتنياهو من العرب، وقبل التعهد بأي شيء، وقبل العودة إلى طاولة المفاوضات، رفع وتيرة ضغطهم على الفلسطينيين، ليس فقط لإسقاط حق العودة، وإنما لمنح إسرائيل الضوء الأخضر لتهجير فلسطينيي 1948 تحت ذريعة «الدولة اليهودية» التي تشكل النقيض الموضوعي للدولة «الثنائية القومية» التي دعا إليها البروفيسور اليهودي يهودا شنهاف مؤخراً، وإخراج الكتل الاستيطانية من دائرة التداول مع اقتطاع ما يتيسر من أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك مناطق الأغوار، بحجة توفير الأمن والاستقرار، ناهيك عن تحريم التطرق إلى القدس ومستوطناتها المنتفخة باستمرار. ولعل من المهم الإشارة، في هذا المضمار، إلى أن نتنياهو يرفض رفضاً قاطعاً مبدأ إدارة المفاوضات على أساس حدود العام 1967. وعندما صرح الرئيس أوباما عن تأييده لهذا المبدأ في خطابه في أيار 2011 هاجمه نتنياهو بحدة في الحاضرة الشهيرة أمام الكاميرات في الغرفة البيضاوية. وهو (نتنياهو) يصر على أن تبدأ أية مفاوضات مقبلة بالبحث في مسائل الأمن والاعتراف بدولة يهودية، وذلك في موازاة اتخاذ مبادرات تجاه الفلسطينيين. لا بل إنه، وانسجاماً مع رؤيته وشريكه الأساسي في حكومة الائتلاف (البيت اليهودي) أعاد التمسك بتنظيم استفتاء على أي اتفاق يتم التوصل إليه مع الفلسطينيين، وهو ما كان أقره الكنيست في تشرين الثاني، نوفمبر 2010 عندما تبنّى مشروع قانون يفرض تنظيم استفتاء بشأن أي انسحاب إسرائيلي من هضبة الجولان السورية أو القدس الشرقية، قبل التصديق على اتفاقات السلام المحتملة مع سورية أو الفلسطينيين، وذلك في حال لم تصوت الأغلبية الموصوفة من ثلثي النواب في الكنيست (80 من 120) لمصلحة الانسحاب في إطار اتفاقات تسوية محتملة مع سورية أو مع السلطة الفلسطينية. في ضوء ما سبق، وعلى قاعدة جنوح النظام العربي الرسمي إلى إفراغ مبادرة السلام العربية من مضمونها الأساسي الذي يربط ما بين إقامة علاقات طبيعية مع الكيان الإسرائيلي بالانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس الشرقية والموافقة على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس القرار 194، فإن الأكثر ترجيحاً هو ارتفاع منسوب الضغوط السياسية والاقتصادية على الفلسطينيين، ودفعهم باتجاه الحائط المسدود الذي سيطلق عليه مسمى «الدولة».      لا يستطيع هذا الـ«حمد» وجوقته أن يعقدوا الصفقات على نعل طفل فلسطيني؟!   الشعب الفلسطيني وبغض النظر من تكون قيادته نقش على علمه وبالدم وتحديدا منذ العام 1974 ألا يسمح لأحد التدخل في قضيته اللهم إلا بما يتلاءم وثوابتها الوطنية: الحدود والسيادة الوطنية الكاملة والقدس وحقوق اللاجئين، إضافة إلى عدم الاعتراف بيهودية إسرائيل، وذلك في ضوء تجربته المريرة ونكبته المتلاحقة الحلقات منذ الـ1948 وقبلها وأحياناً كثيرة بمشاركة ذوي القربى. في خضم الأحداث المتسارعة والمتتالية التي خلقتها الحرب العدوانية على سورية، تغيب عن البال بعض التفاصيل التي تبدو ثانوية في بعض المحطات، ففي الاجتماع الأول للـ«جمعية العثمانية العربية» الذي تناول سورية، ما كاد هذا الـ«حمد» يتناول مطرقة الرئاسة من ممثل عُمان، حتى عبر عما يجول في خاطره، إذ قال في تناوله الأحداث في سورية: «يجب أن نذكر أن للشقيقة سورية حدوداً مشتركة مع إسرائيل!!!» (بمعنى ليس كما ليبيا)، وتابع معرجاً على القضية الفلسطينية طارحاً تصوره للحل دون أن يذكر ولا بكلمة واحدة الحق والثابت الأساس في القضية وهو حق اللاجئين. مبادرة بدون «بديل استراتيجي»! الكثيرون منا لم يلتفتوا حينها إلى هذه الجُمل أو ضاعت في خضم الموضوع الأساس، سورية، ولكن عند من لفتته أعادت حينها إلى الذاكرة المبادرة «العبد اللـه بوشية» وما أطلق عليها لاحقاً مبادرة السلام العربية بيروت 2002، والتي كانت نفقت بفعل رمي إسرائيل لها في سلة المهملات دون أن تتعب نفسها حتى في تناولها اللهم إلا في بعض ردود الفعل غير الجدية، وكان واضحاً أن هذا الـ«حمد» في كلمته الافتتاحية يحلم بأن يعيد إحياءها ولكن «نقية» مما كان «علق بها» ولو جزئياً وبشق النفس، على يد الرئيسين لحود والأسد في موضوع حقوق أبناء شعبنا اللاجئين الفلسطينيين وإن باقتراح حل بالتوافق، وحتى هذا لم يرضِ إسرائيل. علمنا التاريخ أن من يريد أن يطرح مبادرة لحل قضية مع عدو أو خصم، يجب أن يكون لديه بديل إستراتيجي في وجه هذا العدو والخصم يجعله يحسب حساباً له، فأي بديل استراتيجي لدى هذا الـ«حمد» وصحبه يضعونه في مواجهة إسرائيل حتى تحسب لهم حساباً وتقبل منهم هكذا مبادرات وهكذا اقتراحات غير المزيد من الثغاء والزحف على البطون؟! البديل الإستراتيجي الوحيد القائم وباعتراف إسرائيل سياسياً أمنياً وميدانياً بتأهيل جيشها في مواجهته منذ العام 2006 بعيد الحرب العدوانية على لبنان ونتائجها، هو الهلال الذي تشكل شمالها وفي قلبه سورية بموقعها وموقفها، والذي يقوم اليوم بمحاولة ضربه وقصم ظهره نيابة عنها أجراؤها من لدات هذا الـ«حمد». لم يكن هذا الـ«حمد» ليطرح مثل هكذا اقتراح (تبادل أراض بأراض كلها فلسطينية) أمام مشغليه في البيت الأبيض ورغم أنه الأجير الوحيد عبر التاريخ الدافع لمشغله هذا ثمن قبوله شغالا عنده، وأن يطرح قبل ذلك كلمته الافتتاحية أمام مجلس وزراء الـ«الجمعية العثمانية العربية»، لولا أنه ضمن قبلاً فتوى جاهزة من المرشد وتلامذته في حماس الذين اكتفوا بإبداء الاستغراب على هذا الطرح. ولا أحسبن صمت القيادة الشرعية الفلسطينية المتمثلة في منظمة التحرير الفلسطينية إلا من باب الإستراتيجية التي اتبعتها ومنذ زمن في مواجهة إسرائيل، وهي اللعب في الساحة التي تلعب فيها إسرائيل بغض النظر عن اجتهادات العرب، وعدم نقل المجابهة إلى الساحة العربية - العربية وذلك على خلفية خيبات الأمل وانعدام الإستراتيجية البديلة من ظهيرها المفترض، الدول العربية.   نتنياهو «يتف» في وجه الـ«حمد» لم يطل الوقت الذي كان رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بحاجة إليه ليتف في وجه هذا الـ«حمد» قائلاً: «القضية بيننا وبين الفلسطينيين ليست قضية أراض، القضية هي الاعتراف بنا دولة يهودية للشعب اليهودي»، وفقط قالها لدواع إسرائيلية داخلية ولولا ذلك لما كان كلف نفسه حتى بالتطرق لأقوال هذا الـ«حمد». حتى الصحافة الإسرائيلية تناولت هذا الموضوع باقتضاب، والصحيفة المقربة من نتنياهو «يسرائيل هيوم - إسرائيل اليوم»، تناولته بقلم الكاتب درور أيدار قائلاً: «الاعتقاد وكأن التنازل عن أراض يجلب مصالحة مع الفلسطينيين هو صحيح بالمنطق عند الغربيين، لكن الصراع هو ليس صراع أراض. لن يكون هنا سلام ما لم يكن هناك اعتراف (تذويت) لدى شعوب المنطقة في البيت القومي للشعب اليهودي». ويضيف الكثير ومنه: «إسرائيل كدولة يهودية ككيان مستقل غير مقبولة في المنطقة. إسرائيل هي تحد كفري ومستفز للعالم الإسلامي ولما يؤمن به ولقيمِه. إسفين مزروع بين أعينهم، تابعة غربية في قلب الأرض الإسلامية المقدسة». الكاتب هنا يعبر عن الذهنية السائدة لدى الأغلبية الساحقة ليس من القيادات الإسرائيلية فحسب وإنما لدى المواطنين الإسرائيليين، ولذلك وإن دفع هذا الـ«حمد» ولداته وأترابه لإسرائيل كل العرب والمسلمين خداماً وليس فقط تدمير سورية وتدجين المقاومة الإسلامية الفلسطينية، لن يكفي ذلك إسرائيل، ولن يكفيها حتى الاعتراف بها دولة يهودية ما دامت الإستراتيجية البديلة هي الزحف على البطون ومزيد من الزحف. ومع هذا فموضوع تبادل الأراضي وبعد دخول منظمة التحرير اتفاقات أوسلو وما نتج عنها وفي كل المفاوضات التي تلت مباشِرة وغير مباشرة، ليس جديداً، ولكن ليس كما طرحه هذا الـ«حمد». وقد طُرح الموضوع مراراً وتكراراً، بدءاً باقتراح قديم منسي لرئيس الدولة الحالي بيرس بإقامة «حوض صناعي – بارك» مشترك أرضاً ومرافق في منطقة نقبوية متاخمة للخط الأخضر جنوبي الخليل وآخر على حدود قطاع غزة من الجنوب. ومن ثم باقتراح إلحاق منطقة رملية من النقب جنوب غزة لا ماء فيها ولا مطر، يطلق عليها الإسرائيليون اسم «رمال حلوتسا»، ومن ثم كشفت مراكز أبحاث إسرائيلية عن اقتراح يُرسم بالخفاء تعطى فيها غزة مثلثا محاذيا من سيناء قاعدته على شاطئ البحر المتوسط وتُعوض مصر بمساحات على حدودها مع إسرائيل بين النقب وسيناء وبممر بري آمن بينها وبين الأردن شمالي مدينة إيلات. ليس لأي قائد فلسطيني أن يفرط بأي من الثوابت الوطنية الفلسطينية وطرح نائب وزير الدفاع الأسبق أبراهام سنيه ووزير الخارجية السابق ليبرمان تبادلا في الأراضي، بإلحاق منطقة مدينة أم الفحم المكتظة بالسكان بالضفة الغربية وذلك للحفاظ على ما يسمونه الكتل الاستيطانية. كل ذلك تخلصا من القنبلة الديموغرافية الفلسطينية وغير مقرون بالاعتراف بالثوابت الوطنية الفلسطينية. كل هذه الاقتراحات باءت بالفشل واهترأت بالأدراج بسبب موقف القيادة الفلسطينية (ربما لا يُعجب هذا الكلام البعض ممن لهم مآخذ على السلطة الوطنية الفلسطينية)، إن كان ذلك في فترة الرئيس الراحل أبو عمار ياسر عرفات أو الفترة الحالية التي يقودها الرئيس أبو مازن محمود عباس، الموقف غير القابل بأي حديث عن هذا الموضوع إلا بعد الاعتراف أولا بالدولة الفلسطينية على حدود الـ4 من حزيران 1967 والغير مشروط بالاعتراف بيهودية إسرائيل، وفقط حينها يمكن الحديث عن تبادل طفيف كماً وكيفاً. ومهما كانت الوقائع المعلن منها وغير المعلن، لن يستطيع أي قائد فلسطيني ومهما بلغ «اعتداله» بالقاموس الشرق أوسطي أن يفرط بأي ثابت من الثوابت الوطنية الفلسطينية، لا الدولة السيادية ولا الحدود ولا القدس ولا حق اللاجئين مضافاً إلى ذلك الاعتراف بيهودية الدولة لما لذلك من إسقاطات على 1.7 مليون فلسطيني في شق الوطن «الثمان وأربعيني». فكيف يجيز هذا الـ«حمد» لنفسه أن يطرح ومن وكله أن يطرح ما طرح في بلاط أسياده المدفوعي الأجر منه لقبوله عبداً؟! إن كان بعدُ هنالك وطني فلسطيني أو عربي تنويري، ما زال يعتقد أن الحرب العدوانية على سورية والمقاومة اللبنانية والعربية عامة، هي حرب على الحرية للشعب السوري ودرء الخطر على اللبنانيين «الفرانكوفونيين» من حزب اللـه «المتخلف» ووقف «الزحف الفارسي» على ديار العرب انتقاماً لقادسية سعد بن أبي وقاص، ولا علاقة لها بفلسطين قضية العرب الأولى التي كانت وما زالت وستبقى، ولا علاقة لها بتحصين ما سماها نائب الرئيس الأميركي أمام منظمة أصدقاء إسرائيل الـ«إيباك» قبل مدة بالبارجة الأميركية الثابتة الوحيدة في الشرق الأوسط، إسرائيل، فله في كلام هذا الـ«حمد» المستعجل على إعطاء أسياده في البيت الأبيض وتل أبيب بلاد العرب لقمة سائغة مجزأة تسهيلاً للهضم، وقبل أن يضيق الحبل على عنقه وربما من أسياده فالعبد إن لم يؤت بالمطلوب منه يُداس، أو قبل أن تدور دوائر الشعوب العربية على كل خائن وإن كان خطف ثورتهم بالقرآن، والقرآن الكريم منه براء.   طويلة على رقبة حمد يستطيع هذا الـ«حمد» أن يعرض نفسه ويعرض «علماءه» ويعرض «مفكريه» في الدوحة في سوق النخاسة متى شاء وكلما شاء وبالسعر البخس الذي يشاء، ولكنها «طويلة على رقبته» الفاقدة الإحساس من كثر اللطم والركل والركب، أن يتاجر بأرض شعب تفولذت قلوب أطفاله بالدم والجوع وبنار خيانة حُكام بعض ذوي القربى، فلن يستطيع هو وجوقته أن يعقد صفقة على نعل طفل فلسطيني حتى لو نال سراً أو علناً مباركة بعض أهل هذا الطفل المدفوعة الثمن بالدولار.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة