أعربت الجامعة العربية رسمياً، للمرة الأولى في تاريخها، عن استعدادها المبدئي لتبني مشاريع تبادل الأراضي في نطاق اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويفتح هذا الاستعداد الباب لقبول عربي باستمرار سيطرة إسرائيل على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين بأراض أخرى. وجاء هذا القبول في ختام مداولات أجراها وفد الجامعة العربية برئاسة رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم آل ثاني والأمين العام للجامعة نبيل العربي مع قادة الإدارة الأميركية.

وقد اجتمع وفد الجامعة مع كبار المسؤولين الأميركيين، وفي مقدمتهم نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري. وفي ختام المداولات، أعلن رئيس الوفد استعداد الجامعة لقبول «تغييرات طفيفة» في حدود العام 1967، الأمر الذي يسمح من وجهة نظر الإدارة الأميركية بتجسيد حل دولتين لشعبين. وضم وفد الجامعة عدداً من وزراء الخارجية والسفراء العرب المعتمدين في واشنطن، وكانت مهمة الوفد إقناع الإدارة بتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين على أساس المبادرة العربية.

وأشار وزير الخارجية الأميركي بعد لقائه الوفد العربي إلى أن «اللقاء كان بالغ الإيجابية، بالغ الفائدة، ومع نتائج إيجابية». وأوضح أن المسؤولين العرب «أعادوا تأكيد مبادرة السلام العربية، بهدف التوصل إلى إنهاء الصراع». وشدد كيري أمام الوفد العربي على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ملتزم برؤية الدولتين التي رسمها في العام 2011 في خطابه أمام الخارجية الأميركية، ووعد بمواصلة التشاور بشكل منتظم مع ممثلي الجامعة حتى تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

من جهته، قال رئيس الوزراء القطري، الذي تحدث باسم الوفد مع الصحافيين في بيت الضيافة الرسمي «بلير هاوس»، إن «تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو خيار استراتيجي للدول العربية». وأضاف «اننا نعيد التأكيد على مبادرة السلام العربية، من أجل تحقيق العدل والسلام المشترك للفلسطينيين والإسرائيليين، والاستقرار في الشرق الأوسط». وبعدها جاء الكلام الواضح حول «التغييرات الطفيفة» من خلال قوله إن «الاتفاق يجب أن يرتكز على حل الدولتين، على أساس خطوط الرابع من حزيران العام 1967، مع إمكان تبادل أراض بحد أدنى متشابه ومتبادل». وهذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها الخطاب الرسمي العربي حول مبادرة السلام العربية عن صيغة التطبيع مقابل عودة إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران.

وقد اختلفت الآراء حول الموقف العربي الجديد. وبينما رأى البعض أن هذا الموقف لا يحمل جديداً، رأى آخرون أن الكرة انتقلت إلى الملعب الإسرائيلي. وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية والمسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني ان العرب فهموا وجوب تغيير الحدود، و«الدول العربية جاءت وقالت لنا جميعا: سادتي، برغم كل العواصف حولنا، لا تزال لنا مصلحة في التقدم بالعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. ونحن نعود ونتعهد بأن التوصل للسلام معناه أيضاً التطبيع معنا». كما أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز اعتبر أنه من «الجيد أن العرب عادوا إلى المبادرة في هذا الوقت».

غير أن الموقف العربي الجديد يظهر من ناحية أخرى أن الإدارة الأميركية عموماً، ووزير الخارجية خصوصاً، يسعيان لإحداث اختراق في جمود المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. صحيح أن هناك أنباء تحدثت عن تبني جون كيري مقاربة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاقتصادية، التي ترى في التعاون الاقتصادي المدخل الأهم لتحريك العملية السياسية، لكن من المهم ملاحظة أن هذا فعل سياسي بامتياز.

لكن لا يمكن الحكم على الحركة الأميركية هذه من دون رؤية علائم تحرك إسرائيلي محدد. ومعروف أن نتنياهو مقيد حالياً بأكثر من قيد ضمن ائتلافه الحكومي، وخصوصاً من جانب حزب «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينت، الذي بات يعتبر حزب المستوطنين. ويصعب تخيل أي تحرك جدي للحكومة الإسرائيلية في تركيبتها الحالية. ومن المؤكد أن نتنياهو، الذي استغل حالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية ليشدد من مطالبه من العرب، يصعب عليه بعد الآن عدم المطالبة بالمزيد من «بوادر حسن النية». وإذا كانت الإدارة الأميركية قد ضغطت في الماضي، وقبل تحقيق السلام، على دول الخليج العربي مثلاً من أجل فتح ممثليات إسرائيلية في عواصمها، فليس هناك ما يمنع إسرائيل من معاودة المطالبة بخطوات تطبيعية قبيل الخوض في المفاوضات.

وأيا يكن الحال، من الواضح أن نتنياهو واليمين الإسرائيلي يستعدان لضغوط قد تمارس على إسرائيل من أجل التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين. وفي هذا السياق يدور الحديث صراحة في الليكود عن سن قانون يلزم أي حكومة بإجراء استفتاء شعبي قبل إقرار أي اتفاق مع الفلسطينيين. لكن زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أعلن معارضته مثل هذه الخطوة. وفضلاً عن ذلك كانت حكومات إسرائيل المتعاقبة قد رفضت المبادرة العربية بأشكال مختلفة. واليوم لا ترى الإدارة الأميركية في المبادرة العربية سوى جسر يسهل نزول السلطة الفلسطينية عن اشتراطاتها السابقة بشأن العودة إلى طاولة المفاوضات. وقد أعلن متحدثون باسم البيت الأبيض أنه لا نية لديهم لعقد قمة رباعية يتم الإعلان فيها عن العودة إلى طاولة المفاوضات.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-30
  • 8355
  • من الأرشيف

العرب يتخلون عن حدود الـ 67: تعديل مبادرة السلام برعاية أميركية

أعربت الجامعة العربية رسمياً، للمرة الأولى في تاريخها، عن استعدادها المبدئي لتبني مشاريع تبادل الأراضي في نطاق اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. ويفتح هذا الاستعداد الباب لقبول عربي باستمرار سيطرة إسرائيل على الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية مقابل تعويض الفلسطينيين بأراض أخرى. وجاء هذا القبول في ختام مداولات أجراها وفد الجامعة العربية برئاسة رئيس الحكومة القطرية حمد بن جاسم آل ثاني والأمين العام للجامعة نبيل العربي مع قادة الإدارة الأميركية. وقد اجتمع وفد الجامعة مع كبار المسؤولين الأميركيين، وفي مقدمتهم نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري. وفي ختام المداولات، أعلن رئيس الوفد استعداد الجامعة لقبول «تغييرات طفيفة» في حدود العام 1967، الأمر الذي يسمح من وجهة نظر الإدارة الأميركية بتجسيد حل دولتين لشعبين. وضم وفد الجامعة عدداً من وزراء الخارجية والسفراء العرب المعتمدين في واشنطن، وكانت مهمة الوفد إقناع الإدارة بتحريك العملية السياسية مع الفلسطينيين على أساس المبادرة العربية. وأشار وزير الخارجية الأميركي بعد لقائه الوفد العربي إلى أن «اللقاء كان بالغ الإيجابية، بالغ الفائدة، ومع نتائج إيجابية». وأوضح أن المسؤولين العرب «أعادوا تأكيد مبادرة السلام العربية، بهدف التوصل إلى إنهاء الصراع». وشدد كيري أمام الوفد العربي على أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ملتزم برؤية الدولتين التي رسمها في العام 2011 في خطابه أمام الخارجية الأميركية، ووعد بمواصلة التشاور بشكل منتظم مع ممثلي الجامعة حتى تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. من جهته، قال رئيس الوزراء القطري، الذي تحدث باسم الوفد مع الصحافيين في بيت الضيافة الرسمي «بلير هاوس»، إن «تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو خيار استراتيجي للدول العربية». وأضاف «اننا نعيد التأكيد على مبادرة السلام العربية، من أجل تحقيق العدل والسلام المشترك للفلسطينيين والإسرائيليين، والاستقرار في الشرق الأوسط». وبعدها جاء الكلام الواضح حول «التغييرات الطفيفة» من خلال قوله إن «الاتفاق يجب أن يرتكز على حل الدولتين، على أساس خطوط الرابع من حزيران العام 1967، مع إمكان تبادل أراض بحد أدنى متشابه ومتبادل». وهذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها الخطاب الرسمي العربي حول مبادرة السلام العربية عن صيغة التطبيع مقابل عودة إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران. وقد اختلفت الآراء حول الموقف العربي الجديد. وبينما رأى البعض أن هذا الموقف لا يحمل جديداً، رأى آخرون أن الكرة انتقلت إلى الملعب الإسرائيلي. وقالت وزيرة العدل الإسرائيلية والمسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني ان العرب فهموا وجوب تغيير الحدود، و«الدول العربية جاءت وقالت لنا جميعا: سادتي، برغم كل العواصف حولنا، لا تزال لنا مصلحة في التقدم بالعملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين. ونحن نعود ونتعهد بأن التوصل للسلام معناه أيضاً التطبيع معنا». كما أن الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز اعتبر أنه من «الجيد أن العرب عادوا إلى المبادرة في هذا الوقت». غير أن الموقف العربي الجديد يظهر من ناحية أخرى أن الإدارة الأميركية عموماً، ووزير الخارجية خصوصاً، يسعيان لإحداث اختراق في جمود المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. صحيح أن هناك أنباء تحدثت عن تبني جون كيري مقاربة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاقتصادية، التي ترى في التعاون الاقتصادي المدخل الأهم لتحريك العملية السياسية، لكن من المهم ملاحظة أن هذا فعل سياسي بامتياز. لكن لا يمكن الحكم على الحركة الأميركية هذه من دون رؤية علائم تحرك إسرائيلي محدد. ومعروف أن نتنياهو مقيد حالياً بأكثر من قيد ضمن ائتلافه الحكومي، وخصوصاً من جانب حزب «البيت اليهودي» بزعامة نفتالي بينت، الذي بات يعتبر حزب المستوطنين. ويصعب تخيل أي تحرك جدي للحكومة الإسرائيلية في تركيبتها الحالية. ومن المؤكد أن نتنياهو، الذي استغل حالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية ليشدد من مطالبه من العرب، يصعب عليه بعد الآن عدم المطالبة بالمزيد من «بوادر حسن النية». وإذا كانت الإدارة الأميركية قد ضغطت في الماضي، وقبل تحقيق السلام، على دول الخليج العربي مثلاً من أجل فتح ممثليات إسرائيلية في عواصمها، فليس هناك ما يمنع إسرائيل من معاودة المطالبة بخطوات تطبيعية قبيل الخوض في المفاوضات. وأيا يكن الحال، من الواضح أن نتنياهو واليمين الإسرائيلي يستعدان لضغوط قد تمارس على إسرائيل من أجل التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين. وفي هذا السياق يدور الحديث صراحة في الليكود عن سن قانون يلزم أي حكومة بإجراء استفتاء شعبي قبل إقرار أي اتفاق مع الفلسطينيين. لكن زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» أعلن معارضته مثل هذه الخطوة. وفضلاً عن ذلك كانت حكومات إسرائيل المتعاقبة قد رفضت المبادرة العربية بأشكال مختلفة. واليوم لا ترى الإدارة الأميركية في المبادرة العربية سوى جسر يسهل نزول السلطة الفلسطينية عن اشتراطاتها السابقة بشأن العودة إلى طاولة المفاوضات. وقد أعلن متحدثون باسم البيت الأبيض أنه لا نية لديهم لعقد قمة رباعية يتم الإعلان فيها عن العودة إلى طاولة المفاوضات.

المصدر : الماسة السورية/ حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة