دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في الشام جاهلية .. وأهل الشام جهلاء بدينهم وشرعهم .. وهم أهل شرك وكفر وبدع .. ولا يعرفون المذهب الحق.
هكذا باختصار ينظر "الجهاديون" المتوافدون من مختلف أصقاع الأرض، إلى الشام وأهلها: كفار ومشركون وأهل بدع!! لذلك فإن الهدف من الجهاد ليس إسقاط النظام وحسب بل هداية أهل الشام إلى المذهب الحق: مذهب الوهابية، حيث التوحيد الخالص والإيمان الخالي من البدع والسلوك الموافق لآثار السلف الصالح!!!.
يخطئ من يظن أن الحرب الدموية الرهيبة التي تدور رحاها في سورية تستهدف إسقاط نظام الحكم أو تدمير مؤسسات الدولة أو حتى تفتيت الجيش وإنهاكه وحسب، ولا نغالي إذا قلنا أن الإسلام الشامي بنكهته الصوفية ووسطيته المعتدلة هو أحد أهم الأهداف المطلوب التخلص منها على هامش هذه الحرب.
لا يُقبل الجهاديّون على أرض الشام بهدف القتال ضد النظام الحاكم وحسب، ولا تنطلق دوافع إقبالهم من فكرة أن النظام كافر ويتوجب على كل مسلم الجهاد ضده حتى يسقط، فهم لا يكتفون بالجهاد ضد النظام ولا ولن يتوقفوا عند حدود إسقاطه، لأن غايتهم الحقيقة وهدفهم الأصيل من قيامهم بالجهاد في أرض الشام، أكبر من ذلك بكثير وأخطر من ذلك بكثير. إنهم وبحسب ما يقولونه هم ويعبرون عنه يستهدفون إضافة إلى إسقاط النظام الكافر، إسقاط الإسلام الشامي واستبداله عنوةً بإسلامهم الصحيح -بحسب زعمهم – أي الإسلام الوهابي. المستهدف هو المخزون التراثي الذي أبدعه أهل الشام على مدى قرون طويلة مكرسين فيه صيغة فهمهم المعتدلة لتعاليم الإسلام، والمستهدف هو طريقة الحياة التي استخلصها الشاميّون من تفاعلهم الخاص مع مبادئ الشريعة وأحكام الفقه، وأخيراً فإن المستهدف هو الروح الشامية بكل أبعادها وتجلياتها.
يصف (قرين الكلاش) أحد" الجهاديين" السعوديين المشهورين بالتغريد على تويتر، واقع أهل الشام بأربع كلمات "بدع ومنكرات وأضرحة وقبور" ثم يطلب من العلماء والمشائخ أن ينفروا إلى الشام لإنقاذ أهلها من حياة الكفر والشرك.
تشكل الأضرحة والقبور واحدة من أهم المظاهر التي يستشهد بها هؤلاء الجهاديّون لانتقاد الإسلام الشامي وتصويب سهام التكفير على أهله، وهذا يطرح تساؤلات كثيرة بخصوص الأحداث الكثيرة التي تم خلالها استهداف المقامات الدينية وأضرحة الأولياء في بعض المناطق السورية ولاسيما في حلب وإدلب، وأهمها الاعتداء على مقام النبي زكريا وسرقة محتوياته الأثرية.
ويعلن" الداعية" السعودي (عثمان النازح) الموجود في سورية منذ أشهر عديدة وبجرأة كبيرة تثير الاستغراب حول عدم وجود من يستنكر رأيه، حيث يقول بوضوح تام: "أهل الشام "مغيّبيــن" عن الدين .. وأهل العلم -يعني الوهابية- تركوهم للمتصوفة".
ولأن الجهل بالدين ضارب أطنابه في أرض الشام وفي قلوب وعقول أهل الشام، فإن الشيخ النازح يعبّر عن امتعاضه لأن "أئمة وخطباء المساجد الذين قابلهم لا يعرفون المذهب الحق في الصفات على مذهب أهل السنة" فحتى رجال الدين في الشام، بحسب هؤلاء الجهاديون، يعيشون في ظلام الجاهلية والشرك لأن الجهل بالصفات عندهم لا يؤدي إلا إلى حكم واحد بحق الجاهل وهو الشرك بالله. وتشجيعاً منه لعلماء الوهابية ومشائخها على القدوم إلى أرض الشام والعمل على نشر "مذهب الحق"، يلمح إلى أن جهوده قد حركت المياه الراكدة وجعلت أهل الشام يطالبون ويناشدون ويلتمسون منه أن يعلمهم الدين الحقيقي الصحيح، فيقول: " أهل الشام قد قد سئموا الجهل والتلبيس فأين المشمِّرون من الدعاة.. إنه مشروع أمة وليس أفراد".
مشروع أمة؟ وليس مجرد إسقاط للنظام، وإن كان إسقاط النظام بحسب هؤلاء وسيلة لازمة لتحقيق أهدافهم، لأنه لن يكون بإمكانهم تنفيذ مشروع "أمتهم" دون الجلوس على كرسي الحكم والإمساك بناصية القرار. وما هو مشروع الأمة المأمول؟ إنه نشر المذهب الوهابي بصيغته المتطرفة ورائحة النفط ورنّة الدولار.
وتأكيداً على أن التوقيت في الشام مناسب لتحقيق مشروع الأمة يطلق العالم السعودي المحدِّث (عبدالله بن عبد الرّحمن السّعد) صرخته الشهيرة: "ليُعلم أن أهل الشام الآن بحاجة ماسة إلى من يدعوهم ويعلمهم ويبيّن لهم دينهم، فعلى أهل العلم -من كان منهم مستطيعاُ أن يصل إليهم- أن يبذل جهده في ذلك، ولا يخفى أن الفرصة الآن مواتية للقيام بالدعوة إلى الله".
بعد كل ما سبق، ألا يكون من المنطقي أن يقال أن الحرب الدائرة في سورية وعلى سورية بأبعادها السياسية والعسكرية بين محورين إقليميين ومن ورائهما محوران عالميان، تتضمن في طياتها حرباً أخرى ذات أبعاد دينية تدور بين محورين متناقضين في فهمهما للإسلام، بين فهم شامي وسطي لهذا الإسلام من جهة وبين فهم سعودي وهابي من جهة أخرى، أو بين جاهلية شامية وفتح وهابي كما يزعم الجهاديون في أدبياتهم.
المصدر :
عربي برس/عبد الله علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة