دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في إطار حركة دبلوماسية مكثفة تشهدها دمشق منذ ثلاثة أيام، التقى على مأدبة غداء أمس الرئيس السوري بشار الأسد، ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، ووزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو. وحضر الغداء معاون نائب رئيس الجمهورية حسن توركماني، ووزير الخارجية وليد المعلم، والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان، والسفير التركي في دمشق. وخلال هذا الغداء جرى بحث "العلاقات بين سورية ولبنان وتركيا وسبل تعزيزها بما ينعكس إيجابا على قضايا المنطقة، وخصوصا القضية الفلسطينية"
وكان الرئيس الأسد عقد ظهر أمس لقاء ثالثا مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في قصر الشعب، مقر إقامته في دمشق. وذلك استكمالا لمحادثاتهما التي بدأت أول من أمس بعد اجتماع هيئة المتابعة والتنسيق السورية - اللبنانية، حيث التقى الأسد الحريري والوفد الوزاري المرافق له الذي ضم 13 وزيرا. وبعد مغادرة الوفد مكث الحريري في دمشق حيث عقد اجتماعا غير رسمي مع الأسد مساء أول من أمس، ليستكملا محادثاتهما في اجتماع ثالث جرى الإعلان عنه أمس. وقال بيان رسمي إن الجانبين «أعربا عن ارتياحهما للخطوات التي تم تحقيقها على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين، وأكدا تصميمهما على المضي في الارتقاء بهذه العلاقات إلى المستوى الذي يحقق طموحات الشعبين الشقيقين». كما جرى بحث سبل ترجمة الاتفاقات التي تم توقيعها بين سورية ولبنان لخلق شبكة مصالح ذات منفعة متبادلة للشعبين والبلدين
من جانب آخر، استقبل الأسد ظهر أمس وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وبحث معه «العلاقات الثنائية المميزة بين سورية وتركيا والتطور السريع الذي تشهده هذه العلاقات ورغبة البلدين في استثمار هذه العلاقة المتميزة لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة».. حيث أكد الجانبان على ضرورة «أن تأتي الحلول لمشكلات المنطقة من دولها وليس من الخارج». وقال بيان رسمي إنه تم تناول «الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وعملية السلام المتوقفة جراء الممارسات العدوانية للحكومة المتطرفة في إسرائيل بسبب اعتبارها إلى الآن من قبل بعض القوى فوق الأعراف والقوانين الدولية».. وأكد الجانبان «ضرورة إجراء تحقيق دولي مستقل حول الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل ضد المدنيين العزل على متن (أسطول الحرية).
ودعا الرئيس الأسد وأوغلو إلى "تكثيف الجهود من أجل كسر الحصار غير الإنساني المفروض على قطاع غزة وأهمية تحقيق المصالحة الفلسطينية التي تمثل ضمانة لدعم نضال الشعب الفلسطيني لاسترجاع حقوقه المغتصبة"
وفي الشأن العراقي قال البيان إن وجهات النظر كانت "متفقة حول ضرورة بذل الجهود من أجل الإسراع في تشكيل حكومة عراقية تعمل على توحيد العراقيين لإحلال الأمن والاستقرار في العراق"
وبعد اللقاء الذي حضره معاون نائب رئيس الجمهورية حسن توركماني ووزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان والسفير التركي في دمشق، أقام الرئيس الأسد مأدبة غداء عمل على شرف رئيس الوزراء اللبناني ووزير الخارجية التركي، جرى خلالها بحث "العلاقات بين سورية ولبنان وتركيا وسبل تعزيزها بما ينعكس إيجابا على قضايا المنطقة، وخصوصا القضية الفلسطينية"
الأوراق السورية
لا يملك أي متابع سياسي إلا أن يعجب من الطريقة التي تجمع بها دمشق أوراقها السياسية إقليميا، وقدرتها البارعة على التعامل مع متناقضات، وقوى متباينة والخروج من أزمات كانت تبدو عاصفة وتطيح أي نظام. وأقرب مثال على ذلك اليومان الماضيان. ففي الوقت نفسه الذي كانت توقع فيه العشرات من اتفاقات التعاون خلال زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بعد سنوات من العلاقة الصعبة مع لبنان وقوى «14 آذار»، كانت تستضيف اجتماعات بين فرقاء عراقيين؛ إياد علاوي ومقتدى الصدر في ما يبدو أنها وساطة سورية بتأييد غربي للمساعدة في حل عقدة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة المتعثرة منذ أشهر
ومثل لبنان الذي وصلت العلاقات معه إلى درجة توتر كبيرة بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، والاتهامات التي صدرت بوجود تورط من جهات أو أشخاص في سورية، كانت العلاقة مع العراق بعد إطاحة صدام حسين متوترة وأكثر اشتعالا مع الاتهامات التي كانت توجهها بغداد والقوات الأميركية هناك لسورية بتسهيل دخول المقاتلين والانتحاريين
إقليميا، طورت دمشق علاقات جيدة سياسيا واقتصاديا مع تركيا التي حشدت جيوشها على حدود سورية في فترة حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد بسبب قضية زعيم حزب العمال الكردستاني، كما أن لها علاقات جيدة أيضا - كما يظهر على السطح - مع إيران رغم الاختلاف الشديد بين النظامين في إيران وسورية آيديولوجيا
دوليا، ورغم العقوبات المفروضة وقوائم الإرهاب إلى آخره، تبدو واشنطن حريصة على فتح جسور وقنوات مع دمشق في سياسة تهدف كما هو معلن إلى التأثير من خلال الحوار والضغط على اتجاهات دمشق ومحاولة إبعادها عن إيران، وفي الاتجاه نفسه تسير أوروبا. تبقى إسرائيل وقضية الجولان المحتل، وأيضا فإن هناك ما يشبه الاتفاق غير المعلن أو رغبة مشتركة في إبقاء الأوضاع هادئة على الحدود. وإذا احتاج الأمر إلى تسخين فيكون ذلك عن طريق لبنان وحدوده الجنوبية
كيف تستطيع دمشق الجمع بين هذه التناقضات واللعب بأوراقها بهذه الطريقة؟ هل هي مهارة أو شطارة من نوع خاص، أم دهاء كما يحلو للبعض تصويره؟ بالتأكيد هناك قدر من الشطارة البراغماتية. لكن السياسة لا تدار بالشطارة فقط. إنه الموقع والجغرافيا الذي توجد فيه سورية في قلب منطقة تموج بالأزمات وعوامل الانفجار، خاصة مع تداخل ملفات إسرائيل وإيران والعراق أو تصادمها مع المصالح الدولية، خاصة ما يتعلق أخيرا بالملف النووي الإيراني
واستفادت دمشق من هذا الموقع الاستراتيجي وأهميتها بالنسبة إلى أمن هذه المنطقة سواء دوليا أو إقليميا في لعب أوراقها السياسية، والقفز فوق الأزمات. لكنها لم تستفد حتى الآن بالدرجة الكافية من أهم أوراقها استراتيجيا
الأوراق الأهم هي جغرافيتها منذ أيام طريق الحرير، وتوسطها مفترق طرق في جغرافية القرن العشرين دولتين أكبر هما تركيا والعراق، ودولتين أصغر هما لبنان والأردن بحدود برية مشتركة. وهي أسواق واعدة للتجارة والاستثمار، يمكن أن تخلق - إذا توفرت الأدوات والفكر الصحيح - منطقة اقتصادية تموج بالنشاط بما يحسن دخل الفرد ويخلق وظائف جديدة، ويطور التكنولوجيا، شرط أن تعطى قوى السوق فرصتها للتنفس بعيدا عن البيروقراطيين وأصحاب الآيديولوجيات التي عفا عليها الزمن. لو حدث ذلك، فستذوب الحساسيات لصالح المصالح، ويكون الجميع سعداء؛ أنظمة وشعوبا. ولن تكون هناك حاجة للتعامل مع فصائل وجماعات كبر حجمها إلى درجة وقوعها في وهم أنها في حجم دول، بينما في ظروف طبيعية كان أقصى ما يحلم به زعماء هذه الجماعات هو مقعد في بلدية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة