منذ بداية الأحداث في سورية، لم تترك القيادة الروسية مناسبة إلا وأبدت فيها حرصاً شديداً على الحل السياسي للأزمة السورية،التي وقعت بتآمر خارجي تمثّل في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا على الصعيد الدولي، وبكل من قطر «وإسرائيل» وتركيا وبعض العرب الآخرين على المستوى الإقليمي. واتخذ ذلك أشكالاً متعددة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً بهدف أساسي وهو تدمير الدولة الوطنية السورية بكل مؤسساتها وإسقاط النظام السياسي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد.

التحرك الروسي على هذا الصعيد شكّل مروحة كبيرة من خلال التواصل المباشر وغير المباشر مع الدول المعنية والمتورطة في الحرب على سورية ومع قوى المعارضة بكل أطيافها تحقيقاً للمسعى الذي وضعته روسيا نصب عينيها منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث في سورية، وكان الأبرز والأهم في التحرك الروسي هو الإنجاز الذي تحقق في مؤتمر جنيف الذي وافقت عليه الولايات المتحدة الأميركية والدول التي شاركت فيه وعنوانه الحل السياس في سورية واستبعاد الحلول العسكرية أو التدخل العسكري الخارجي، كما كانت تحلم وتراهن بعض الدول وبعض الجهات المعارضة ممن يأتمر ويعمل تحت راية الاستخبارات الأميركية والفرنسية والتركية والقطرية و«الإسرائيلية» والبريطانية.

وتعتبر مصادر دبلوماسية عربية أن روسيا الثابتة في مواقفها من الأزمة السورية، قامت بدور إيجابي كبير مع شركائها الغربيين وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، ونجحت إلى حدّ ما في إفهام هؤلاء الشركاء أن الحل في سورية، لا يمكن أن يتم برحيل النظام والرئيس الأسد، لأن الشعب السوري وحده من يقرر هذا الأمر ولا تقرره أي دولة في العالم حتى روسيا حليفة سورية، ولكن بالرغم من هذا التطور غير المعلن في الموقف الأميركي حيال الاقتناع ببقاء الناظم، فإن الولايات المتحدة ما زالت تحاول أن تلعب في الأوراق المتبقية بين يديها على صعيد ما يحصل ميدانياً في سورية، في محاولة منها لتحقيق إنجاز ما تستطيع أن تستثمره في المفاوضات الجارية بينها وبين روسيا، وفي اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي والروسي في 16 و17 من حزيران المقبل.

وتضيف المصادر الدبلوماسية أنه انطلاقاً من هذا الرهان الأميركي الخاسر سلفاً، وافقت الإدارة الأميركية على طلب قطري ـ تركي مشترك بإعطاء المزيد من الوقت للعمل العسكري في سورية للمجموعات الإرهابية المسلحة، لإنجاز عمل عسكري واضح لمصلحة هذه المجموعات، وذلك من خلال زيادة الدعم بالسلاح والمال والمقاتلين الأجانب الذين تبيّن بصورة واضحة أنهم ينتمون إلى ما يسمّى بجبهة النصرة، وهي أحد فروع تنظيم القاعدة، هذا ما تأكد خلال الأيام القليلة الماضية وعلى لسان بعض قادة هذه المجموعات الإرهابية عن اندماجها مع تنظيم القاعدة في العراق والولاء لأيمن الظواهري، والإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضر بالموافقة على الاقتراح أو الطلب التركي ـ القطري بانتظار ما يمكن أن يحصل من تطورات ميدانية، وقد جاءت في الأيام القليلة الماضية لمصلحة الجيش السوري وفي أكثر من محافظة سورية، حيث شكلت إرباكاً للإرهابيين وللجهات والدول التي تدعمهم، خصوصاً بعدما بشروا بواسطة إعلامهم المأجور عن معركة دمشق الفاصلة ورسم سيناريوهات بمثابة تمنيات أكثر مما هي واقعية.

في ضوء ذلك كلّه، كانت روسيا في مرحلة معينة تراقب كل التحركات الأميركية والمواقف المعلنة حول الأزمة في سورية، من منطلق أن روسيا مرتاحة في نهاية المطاف إلى أن الإدارة الأميركية ستخضع لمبدأ القبول بالحوار بين الدولة الوطنية السورية وقوى المعارضة لأن الرهان على العمل العسكري بدأت الإدارة الأميركية حتى تتلمس أنه مستحيل وأن الجيش السوري يملك زمام المبادرة على الأرض، وأن المجموعات المسلحة لم تعد قادرة على تحقيق أي نصر عسكري في ظل قوة هذا الجيش، والإنجازات الكبيرة التي حققها في الأيام القليلة الماضية، واتباعه سياسة واستراتيجية جدية فاجأت المجموعات الإرهابية المسلحة والأطراف الداعمة لها، خصوصاً في منطقة ريف دمشق وريف حماه وحمص ودير الزور وحلب وريفها.

وترى المصادر الدبلوماسية أن هناك مزيداً من العنف ستشهده الساحة السورية من قبل الإرهابيين، وهم يحاولون من خلال إطلاق قذائف الهاون على أحياء العاصمة دمشق، ترهيب الناس وخلق حالة من القلق عندهم والتفجير الانتحاري الأخير الذي وقع قرب ساحة السبع بحرات، دليل واضح على الإفلاس الذي تعيشه تلك المجموعات خصوصاً بعد تطويق منطقة الغوطة الشرقية بشكل كامل من قبل الجيش السوري، ولذلك فإن الإدارة الأميركية وعملاءها في المنطقة وفي مقدمتهم قطر وتركيا، لن يتركوا فرصة واحدة إلا ويحاولون فيها العمل على تصعيد العمل الإرهابي في سورية، حتى قبيل انعقاد قمة بوتين ـ أوباما، فإذا فشلوا في تحقيق أي تغيير في الميدان وهذا لن يحصل برأي المصادر الدبلوماسية عندها فقط سيضطر الأميركي إلى القبول بالتسوية والتي عمودها الفقري مقررات جنيف كما تراها القيادة الروسية، وليس كما يحاول الترويج لها صقور الاستخبارات الأميركية ووزارة الخارجية لإجبار روسيا على القبول بالتفسير الأميركي لمقررات جنيف.

وتختم المصادر الدبلوماسية إلى أنه في ضوء الموقف الروسي الداعم للحل السلمي والبدء بالحوار بين المعارضة والدولة السورية، فإن روسيا أرادت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين وبعض العرب وتركيا، من خلال المناورات التي تجريها قواتها المسلحة البحرية في أكثر من بحر في العالم ومنها البحر الأبيض المتوسط، وبقاء السفن الحربية الروسية في البحر المتوسط قبالة الشواطئ السورية على أنها عازمة على المواجهة إذا فكرت هذه الدول عبر حلف الناتو و«إسرائيل» وتركيا بالقيام بأي عمل عسكري في سورية، ويبدو أن هذه الرسالة الروسية تمت قراءتها بجدية، وعليه فإن الأوضاع ستتجه في نهاية الأمر إلى رضوخ الإدارة الأميركية للدخول في التسوية على قاعدة مقررات جنيف، وزيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة إلى تركيا واللقاءات التي سيجريها الرئيس الأميركي مع بعض قادة دول المنطقة، خصوصاً المتورطة في الحرب على سورية تأتي في هذا السياق.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-12
  • 10843
  • من الأرشيف

الرسالة الروسية والقراءة الجدّية

منذ بداية الأحداث في سورية، لم تترك القيادة الروسية مناسبة إلا وأبدت فيها حرصاً شديداً على الحل السياسي للأزمة السورية،التي وقعت بتآمر خارجي تمثّل في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا على الصعيد الدولي، وبكل من قطر «وإسرائيل» وتركيا وبعض العرب الآخرين على المستوى الإقليمي. واتخذ ذلك أشكالاً متعددة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً واقتصادياً بهدف أساسي وهو تدمير الدولة الوطنية السورية بكل مؤسساتها وإسقاط النظام السياسي الذي يقوده الرئيس بشار الأسد. التحرك الروسي على هذا الصعيد شكّل مروحة كبيرة من خلال التواصل المباشر وغير المباشر مع الدول المعنية والمتورطة في الحرب على سورية ومع قوى المعارضة بكل أطيافها تحقيقاً للمسعى الذي وضعته روسيا نصب عينيها منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث في سورية، وكان الأبرز والأهم في التحرك الروسي هو الإنجاز الذي تحقق في مؤتمر جنيف الذي وافقت عليه الولايات المتحدة الأميركية والدول التي شاركت فيه وعنوانه الحل السياس في سورية واستبعاد الحلول العسكرية أو التدخل العسكري الخارجي، كما كانت تحلم وتراهن بعض الدول وبعض الجهات المعارضة ممن يأتمر ويعمل تحت راية الاستخبارات الأميركية والفرنسية والتركية والقطرية و«الإسرائيلية» والبريطانية. وتعتبر مصادر دبلوماسية عربية أن روسيا الثابتة في مواقفها من الأزمة السورية، قامت بدور إيجابي كبير مع شركائها الغربيين وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، ونجحت إلى حدّ ما في إفهام هؤلاء الشركاء أن الحل في سورية، لا يمكن أن يتم برحيل النظام والرئيس الأسد، لأن الشعب السوري وحده من يقرر هذا الأمر ولا تقرره أي دولة في العالم حتى روسيا حليفة سورية، ولكن بالرغم من هذا التطور غير المعلن في الموقف الأميركي حيال الاقتناع ببقاء الناظم، فإن الولايات المتحدة ما زالت تحاول أن تلعب في الأوراق المتبقية بين يديها على صعيد ما يحصل ميدانياً في سورية، في محاولة منها لتحقيق إنجاز ما تستطيع أن تستثمره في المفاوضات الجارية بينها وبين روسيا، وفي اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي والروسي في 16 و17 من حزيران المقبل. وتضيف المصادر الدبلوماسية أنه انطلاقاً من هذا الرهان الأميركي الخاسر سلفاً، وافقت الإدارة الأميركية على طلب قطري ـ تركي مشترك بإعطاء المزيد من الوقت للعمل العسكري في سورية للمجموعات الإرهابية المسلحة، لإنجاز عمل عسكري واضح لمصلحة هذه المجموعات، وذلك من خلال زيادة الدعم بالسلاح والمال والمقاتلين الأجانب الذين تبيّن بصورة واضحة أنهم ينتمون إلى ما يسمّى بجبهة النصرة، وهي أحد فروع تنظيم القاعدة، هذا ما تأكد خلال الأيام القليلة الماضية وعلى لسان بعض قادة هذه المجموعات الإرهابية عن اندماجها مع تنظيم القاعدة في العراق والولاء لأيمن الظواهري، والإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضر بالموافقة على الاقتراح أو الطلب التركي ـ القطري بانتظار ما يمكن أن يحصل من تطورات ميدانية، وقد جاءت في الأيام القليلة الماضية لمصلحة الجيش السوري وفي أكثر من محافظة سورية، حيث شكلت إرباكاً للإرهابيين وللجهات والدول التي تدعمهم، خصوصاً بعدما بشروا بواسطة إعلامهم المأجور عن معركة دمشق الفاصلة ورسم سيناريوهات بمثابة تمنيات أكثر مما هي واقعية. في ضوء ذلك كلّه، كانت روسيا في مرحلة معينة تراقب كل التحركات الأميركية والمواقف المعلنة حول الأزمة في سورية، من منطلق أن روسيا مرتاحة في نهاية المطاف إلى أن الإدارة الأميركية ستخضع لمبدأ القبول بالحوار بين الدولة الوطنية السورية وقوى المعارضة لأن الرهان على العمل العسكري بدأت الإدارة الأميركية حتى تتلمس أنه مستحيل وأن الجيش السوري يملك زمام المبادرة على الأرض، وأن المجموعات المسلحة لم تعد قادرة على تحقيق أي نصر عسكري في ظل قوة هذا الجيش، والإنجازات الكبيرة التي حققها في الأيام القليلة الماضية، واتباعه سياسة واستراتيجية جدية فاجأت المجموعات الإرهابية المسلحة والأطراف الداعمة لها، خصوصاً في منطقة ريف دمشق وريف حماه وحمص ودير الزور وحلب وريفها. وترى المصادر الدبلوماسية أن هناك مزيداً من العنف ستشهده الساحة السورية من قبل الإرهابيين، وهم يحاولون من خلال إطلاق قذائف الهاون على أحياء العاصمة دمشق، ترهيب الناس وخلق حالة من القلق عندهم والتفجير الانتحاري الأخير الذي وقع قرب ساحة السبع بحرات، دليل واضح على الإفلاس الذي تعيشه تلك المجموعات خصوصاً بعد تطويق منطقة الغوطة الشرقية بشكل كامل من قبل الجيش السوري، ولذلك فإن الإدارة الأميركية وعملاءها في المنطقة وفي مقدمتهم قطر وتركيا، لن يتركوا فرصة واحدة إلا ويحاولون فيها العمل على تصعيد العمل الإرهابي في سورية، حتى قبيل انعقاد قمة بوتين ـ أوباما، فإذا فشلوا في تحقيق أي تغيير في الميدان وهذا لن يحصل برأي المصادر الدبلوماسية عندها فقط سيضطر الأميركي إلى القبول بالتسوية والتي عمودها الفقري مقررات جنيف كما تراها القيادة الروسية، وليس كما يحاول الترويج لها صقور الاستخبارات الأميركية ووزارة الخارجية لإجبار روسيا على القبول بالتفسير الأميركي لمقررات جنيف. وتختم المصادر الدبلوماسية إلى أنه في ضوء الموقف الروسي الداعم للحل السلمي والبدء بالحوار بين المعارضة والدولة السورية، فإن روسيا أرادت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية وحلفائها الغربيين وبعض العرب وتركيا، من خلال المناورات التي تجريها قواتها المسلحة البحرية في أكثر من بحر في العالم ومنها البحر الأبيض المتوسط، وبقاء السفن الحربية الروسية في البحر المتوسط قبالة الشواطئ السورية على أنها عازمة على المواجهة إذا فكرت هذه الدول عبر حلف الناتو و«إسرائيل» وتركيا بالقيام بأي عمل عسكري في سورية، ويبدو أن هذه الرسالة الروسية تمت قراءتها بجدية، وعليه فإن الأوضاع ستتجه في نهاية الأمر إلى رضوخ الإدارة الأميركية للدخول في التسوية على قاعدة مقررات جنيف، وزيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الأخيرة إلى تركيا واللقاءات التي سيجريها الرئيس الأميركي مع بعض قادة دول المنطقة، خصوصاً المتورطة في الحرب على سورية تأتي في هذا السياق.

المصدر : البناء \ نور الدين الجمال


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة