بايعت «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة في سوريا، أمس، زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، لكنها تنصّلت في الوقت ذاته من إعلان تنظيم «دولة العراق الاسلامية»، وهو الفرع العراقي لـ«القاعدة»، دمجهما تحت راية واحدة، من دون نفيها بالكامل.

وفي حين أن البعض قد يعتبر أن تنصّل زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني من الدمج مع «دولة العراق الإسلامية»، محاولة للتخفيف من حدة المخاوف التي تثيرها مثل هذه الخطوة، فإن المبايعة التي أعلنها الجولاني للظواهري من شأنها في المقابل تأكيد النزعة المتطرفة لـ«النصرة» ورؤيتها الخاصة للشريعة وتطبيقها على السوريين.

وأعلن الجولاني، في شريط صوتي بث على مواقع إسلامية على الانترنت، أنه لم يستشر في موضوع الدمج مع «دولة العراق الاسلامية»، وأن مجموعته ستواصل استخدام «جبهة النصرة» كاسم لها.

ويبدو أن رسالة الجولاني محاولة من الجبهة للتأكيد للسوريين أن «النصرة» ستواصل تكريس جهدها لقتال القوات السورية وإسقاط النظام.

وقال الجولاني، في الشريط الصوتي، «أيّها المسلمون في كل مكان. قيادات الحركات الجهادية. قيادات الفصائل المسلحة. أهل الشام أبناء جبهة النصرة. لقد دار حديث منسوب إلى الشيخ أبي بكر البغدادي حفظه الله. وذكر في الخطاب المنسوب لأبي بكر البغدادي تبعية جبهة النصرة لدولة العراق الإسلامية، ثم أعلن فيه إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة واستبدالهما باسم واحد الدولة الإسلامية في العراق والشام. لذا نحيط الناس علماً أن قيادات الجبهة ومجلس شورتها والعبد الفقير، المسؤول العام لجبهة النصرة، لم يكونوا على علم بهذا الإعلان سوى ما سمعوه من وسائل الإعلام. فإن كان الخطاب المنسوب حقيقة، فإننا لم نستشر ولم نستأمر».

لكن الجولاني أضاف «إني لأستجيب الى دعوة البغدادي بالارتقاء من الادنى الى الاعلى، وأقول هذه بيعة من جبهة النصرة ومسؤولها العام نجددها لشيخ الجهاد أيمن الظواهري. فإننا نبايعه على السمع والطاعة في الهجرة والجهاد».

ويبدو أن الإسلاميين المتشددين في سوريا، قد استفادوا من أخطاء «دولة العراق الإسلامية»، حيث تحاول «جبهة النصرة» كسب الأهالي إلى صفها عبر تقديم الإعانات الإنسانية، وتوفير الأمن في بعض المناطق التي يسيطرون عليها، ومنع السرقات وهو ما أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها أمس من الرقة.

وما يؤكد هذا الأمر قول الجولاني «نطمئن أهلنا في الشام إن ما رأيتموه من الجبهة من ذودها عن دينكم وأعراضكم ودمائكم وحسن خلقها معكم ومع الجماعات المقاتلة ستبقى كما عهدتموها، وإن إعلان البيعة (للظواهري) لن يغير شيئاً في سياستها». وأضاف «استخلصنا من تجربتنا هناك (العراق) ما سر قلوب المؤمنين بأرض الشام تحت راية جبهة النصرة».

وحاول الجولاني طمأنة المجموعات المسلحة الأخرى في سوريا إلى انه لن يتم تهميشها. وقال «قضية الإعلان (عن الدمج) لم تكن محل اهتمام في ظل وجود الجوهر. ثم أن دولة الإسلام في الشام تبنى بسواعد الجميع، من دون إقصاء أي طرف أساس ممن شاركنا الجهاد والقتال من الفصائل المجاهدة والشيوخ المعتبرين من أهل السنة وإخواننا المهاجرين. كما أن قضية تأجيل إعلان الارتباط لم يكن لرقة في الدين أو لخَوْر أصاب رجال الجبهة وإنما حكمة مستندة على أصول شرعية وتاريخ طويل وبذل جهد في فهم السياسة الشرعية التي تلائم واقع الشام، والتي اتفق عليها أهل الحل والعقد في بلاد الشام من قيادات الجبهة وطلبة علمها ثم قيادات الفــــصائل الأخــــــرى وطلــــبة علمهم، ثم من يناصرنا من المشايخ الأفاضل وأهل الرأي والمشــــورة خارج البلاد».

الى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن «إعلان تنظيم القاعدة في العراق تبنيه لجبهة النصرة يضع مصداقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول المستقلة أمام اختبار حقيقي، عليها خلاله الاختيار بين الانحياز للإرهاب ممثلاً بالقاعدة التي تضرب سوريا أو الاعتراف بحق الشعب السوري وحكومته بمكافحة الإرهاب انسجاماً مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن».

ورأت وزارة الخارجية الأميركية أن هذا الإعلان «يؤكد ما كنا نعلم به منذ وقت طويل: إن جبهة النصرة هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة في العراق».

ويقول محللون إن تحالف «النصرة» مع «القاعدة» يمكن أن يقوّض الرصيد الذي تتمتع به لدى سوريين. وقال المتخصص في الشؤون السورية في «انترناشونال كرايزيس غروب» بيتر هارلينغ «لقد حصدت دعماًَ لا يُستهان به، إذ يمكنها أن تدّعي تحقيق نتائج وخصوصا أنها تجنبت عزل نفسها عن محيطها المباشر»، أي عن المدنيين. وأضاف إن «إعلان المبايعة للقاعدة سيرتد عليها، لأنها تنضم إلى كيان غريب عن الثقافة السورية ويعتبر أنه فشل في أماكن أخرى».

ويكتب هارون زيلين، في «معهد واشنطن»، أن تأخر البغدادي في الإعلان عن الدمج يعود إلى سببين: المخاوف الأمنية، والرغبة في أن يتعرف السوريون على جبهة النصرة وفق شروطهم هم، من دون أن تحول بينهم التأويلات الإعلامية الخاطئة في وقت مبكر، بسبب السمعة السيئة الناجمة عن الارتباط بتنظيم القاعدة».

ويضيف «قد يؤدي الإعلان عن الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى نتائج عكسية على المدى المتوسط إلى الطويل. وفي حين نالت مساعدات جبهة النصرة في أعمال الإدارة المحلية تقدير المدنيين، إلا أن المزيد من الناس أصبحوا يظهرون علامات الامتعاض والاستياء بسبب فرضها التصرفات الإسلامية الصارمة. فقد انتقد السكان في عدد من المدن الجبهة بسبب حظرها الكحول، وإجبارها النساء على ارتداء النقاب، وجلدها الرجال الذين يسيرون مع النساء في الشوارع. وعقب إعلان البغدادي، قد يكون هؤلاء الناس أكثر ميلاً للنظر إلى هذه التدابير على أنها فرض خارجي للإمبريالية الجهادية».

 

  • فريق ماسة
  • 2013-04-10
  • 7651
  • من الأرشيف

«النصرة» تبايع الظواهري وتتنصّل من البغدادي

بايعت «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة في سوريا، أمس، زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، لكنها تنصّلت في الوقت ذاته من إعلان تنظيم «دولة العراق الاسلامية»، وهو الفرع العراقي لـ«القاعدة»، دمجهما تحت راية واحدة، من دون نفيها بالكامل. وفي حين أن البعض قد يعتبر أن تنصّل زعيم «جبهة النصرة» أبو محمد الجولاني من الدمج مع «دولة العراق الإسلامية»، محاولة للتخفيف من حدة المخاوف التي تثيرها مثل هذه الخطوة، فإن المبايعة التي أعلنها الجولاني للظواهري من شأنها في المقابل تأكيد النزعة المتطرفة لـ«النصرة» ورؤيتها الخاصة للشريعة وتطبيقها على السوريين. وأعلن الجولاني، في شريط صوتي بث على مواقع إسلامية على الانترنت، أنه لم يستشر في موضوع الدمج مع «دولة العراق الاسلامية»، وأن مجموعته ستواصل استخدام «جبهة النصرة» كاسم لها. ويبدو أن رسالة الجولاني محاولة من الجبهة للتأكيد للسوريين أن «النصرة» ستواصل تكريس جهدها لقتال القوات السورية وإسقاط النظام. وقال الجولاني، في الشريط الصوتي، «أيّها المسلمون في كل مكان. قيادات الحركات الجهادية. قيادات الفصائل المسلحة. أهل الشام أبناء جبهة النصرة. لقد دار حديث منسوب إلى الشيخ أبي بكر البغدادي حفظه الله. وذكر في الخطاب المنسوب لأبي بكر البغدادي تبعية جبهة النصرة لدولة العراق الإسلامية، ثم أعلن فيه إلغاء اسم دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة واستبدالهما باسم واحد الدولة الإسلامية في العراق والشام. لذا نحيط الناس علماً أن قيادات الجبهة ومجلس شورتها والعبد الفقير، المسؤول العام لجبهة النصرة، لم يكونوا على علم بهذا الإعلان سوى ما سمعوه من وسائل الإعلام. فإن كان الخطاب المنسوب حقيقة، فإننا لم نستشر ولم نستأمر». لكن الجولاني أضاف «إني لأستجيب الى دعوة البغدادي بالارتقاء من الادنى الى الاعلى، وأقول هذه بيعة من جبهة النصرة ومسؤولها العام نجددها لشيخ الجهاد أيمن الظواهري. فإننا نبايعه على السمع والطاعة في الهجرة والجهاد». ويبدو أن الإسلاميين المتشددين في سوريا، قد استفادوا من أخطاء «دولة العراق الإسلامية»، حيث تحاول «جبهة النصرة» كسب الأهالي إلى صفها عبر تقديم الإعانات الإنسانية، وتوفير الأمن في بعض المناطق التي يسيطرون عليها، ومنع السرقات وهو ما أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير لها أمس من الرقة. وما يؤكد هذا الأمر قول الجولاني «نطمئن أهلنا في الشام إن ما رأيتموه من الجبهة من ذودها عن دينكم وأعراضكم ودمائكم وحسن خلقها معكم ومع الجماعات المقاتلة ستبقى كما عهدتموها، وإن إعلان البيعة (للظواهري) لن يغير شيئاً في سياستها». وأضاف «استخلصنا من تجربتنا هناك (العراق) ما سر قلوب المؤمنين بأرض الشام تحت راية جبهة النصرة». وحاول الجولاني طمأنة المجموعات المسلحة الأخرى في سوريا إلى انه لن يتم تهميشها. وقال «قضية الإعلان (عن الدمج) لم تكن محل اهتمام في ظل وجود الجوهر. ثم أن دولة الإسلام في الشام تبنى بسواعد الجميع، من دون إقصاء أي طرف أساس ممن شاركنا الجهاد والقتال من الفصائل المجاهدة والشيوخ المعتبرين من أهل السنة وإخواننا المهاجرين. كما أن قضية تأجيل إعلان الارتباط لم يكن لرقة في الدين أو لخَوْر أصاب رجال الجبهة وإنما حكمة مستندة على أصول شرعية وتاريخ طويل وبذل جهد في فهم السياسة الشرعية التي تلائم واقع الشام، والتي اتفق عليها أهل الحل والعقد في بلاد الشام من قيادات الجبهة وطلبة علمها ثم قيادات الفــــصائل الأخــــــرى وطلــــبة علمهم، ثم من يناصرنا من المشايخ الأفاضل وأهل الرأي والمشــــورة خارج البلاد». الى ذلك، ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) أن «إعلان تنظيم القاعدة في العراق تبنيه لجبهة النصرة يضع مصداقية الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والدول المستقلة أمام اختبار حقيقي، عليها خلاله الاختيار بين الانحياز للإرهاب ممثلاً بالقاعدة التي تضرب سوريا أو الاعتراف بحق الشعب السوري وحكومته بمكافحة الإرهاب انسجاماً مع الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن». ورأت وزارة الخارجية الأميركية أن هذا الإعلان «يؤكد ما كنا نعلم به منذ وقت طويل: إن جبهة النصرة هي الفرع السوري لتنظيم القاعدة في العراق». ويقول محللون إن تحالف «النصرة» مع «القاعدة» يمكن أن يقوّض الرصيد الذي تتمتع به لدى سوريين. وقال المتخصص في الشؤون السورية في «انترناشونال كرايزيس غروب» بيتر هارلينغ «لقد حصدت دعماًَ لا يُستهان به، إذ يمكنها أن تدّعي تحقيق نتائج وخصوصا أنها تجنبت عزل نفسها عن محيطها المباشر»، أي عن المدنيين. وأضاف إن «إعلان المبايعة للقاعدة سيرتد عليها، لأنها تنضم إلى كيان غريب عن الثقافة السورية ويعتبر أنه فشل في أماكن أخرى». ويكتب هارون زيلين، في «معهد واشنطن»، أن تأخر البغدادي في الإعلان عن الدمج يعود إلى سببين: المخاوف الأمنية، والرغبة في أن يتعرف السوريون على جبهة النصرة وفق شروطهم هم، من دون أن تحول بينهم التأويلات الإعلامية الخاطئة في وقت مبكر، بسبب السمعة السيئة الناجمة عن الارتباط بتنظيم القاعدة». ويضيف «قد يؤدي الإعلان عن الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى نتائج عكسية على المدى المتوسط إلى الطويل. وفي حين نالت مساعدات جبهة النصرة في أعمال الإدارة المحلية تقدير المدنيين، إلا أن المزيد من الناس أصبحوا يظهرون علامات الامتعاض والاستياء بسبب فرضها التصرفات الإسلامية الصارمة. فقد انتقد السكان في عدد من المدن الجبهة بسبب حظرها الكحول، وإجبارها النساء على ارتداء النقاب، وجلدها الرجال الذين يسيرون مع النساء في الشوارع. وعقب إعلان البغدادي، قد يكون هؤلاء الناس أكثر ميلاً للنظر إلى هذه التدابير على أنها فرض خارجي للإمبريالية الجهادية».  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة