سألني صديق سعودي أمس: عندما كان غازي كنعان يفرض على المسؤولين اللبنانيين امرا، او يبلغهم قراراً، هل كان يترك لهم هامش ادعاء أنهم اصحاب الفكرة على الاقل؟ هذا وليد جنبلاط يقول إنه هو من أتى بتمام سلام رئيساً للحكومة!

لرئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي روايته لخلفية قراره المفاجئ. شرح يطول حول ما دفعه الى اعلان عدم قدرته على تحمل الموقف اكثر. وعندما غادر ليرتاح في بريطانيا، لم يكن في مناخ ان الاتجاه يقوى لتسمية بديل عنه لرئاسة الحكومة.

وللأمانة، فهو لم يكن واثقا تماما بأن النائب وليد جنبلاط سوف يخوض معركة بقائه في السرايا الكبيرة، بل صاغ على طريقته عبارة لافتة: اذا وجد البيك مصلحته في مكان آخر، فلن ينازع الارض من اجلي!

لكن الرئيس ميقاتي، كان يأمل في مكان آخر أن يتمسك به رئيس الجمهورية ميشال سليمان شريكاً في ادارة البلاد. واكثر من ذلك، كان ميقاتي يستعد لمواجهة استحقاق أن سليمان يريد حصة وزارية اكبر من تلك التي تخصه الان، وانه لم يعد يقبل وزيراً محسوباً عليه وعلى غيره في الوقت نفسه.

أما جنبلاط، فنام مطمئناً إلى ان مفتاح التكليف بيده. صحيح انه يعرف حجم المتغيرات التي طرأت على الواقع الاقليمي والدولي أخيراً، لكنه كان واثقا بأن في مقدوره اعادة تسمية ميقاتي بالتفاهم مع قوى 8 اذار، وإقناع السعودية بان تعديلاً في التركيبة الحكومية يتيح دخول 14 اذار الى الحكومة دون تفجير البلاد.

التفاهم الذي نشأ بين سليمان وميقاتي وجنبلاط، وحظي بتغطية او لا ممانعة من العواصم الفاعلة عربيا وغربياً، كان يراد منه تنفيذ انقلاب ابيض على حزب الله وحلفائه. الهدف منه، ترويض المقاومة واشعارها بأن «زمن الاول تحول»، واغراء الرئيس نبيه بري باحتلال مساحة خاصة به بعيدا عن حزب الله، وتخيير العماد ميشال عون بين «مقتضيات الواقعية» التي تتطلب تنازلات مختلفة، والخروج لمصلحة الاخرين.

 

ثمة روايات وشائعات واحاديث كثيرة عن هذه الساعات العصيبة، لكن الاكيد ان شيئا ما قد حصل ولم يكن في حسابات الفرسان الثلاثة:

أولاً: فاجأ حزب الله الرئيس ميقاتي بأنه غير متمسك به رئيسا للحكومة، او للدقة، غير مستعد لدفع اثمان اضافية في مقابل بقاء الحكومة الحالية.

ثانياً: فاجأ الغرب الرئيس ميقاتي بان التخلص من هذه الحكومة صار امرا مستحباً، وانه لا خشية على الاستقرار، اذا ما طلب من الانصار في لبنان السعي الى تخفيف التوتر، وهو ما حصل في اكثر من منطقة لبنانية.

ثالثاً: فاجأت السعودية النائب وليد جنبلاط، بأنها ترحب باستقالة ميقاتي، وان المقابل الذي تدفعه لقاء هذه الخطوة ينحصر في وقف الحملة عليه، لكن الرياض تفكر في العودة الى لبنان من خلال انقلاب مضاد لما تعدّه انقلاب حزب الله وسوريا عندما جرت إطاحة حكومة سعد الحريري، وانها تريد حكومة مواجهة، ورشحت لرئاستها اللواء اشرف ريفي: أنت لا تريد التمديد للرجل في منصبه، حسناً سوف نأتي به رئيساً للحكومة او وزيرا للداخلية. السعودية هنا تكرر ما فعله الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد عندما رفض الرئيس سليم الحص تعيين سامي الخطيب مديراً عاما لقوى الامن الداخلي، فكانت النتيجة تعيينه وزيرا للداخلية في الحكومة التالية.

فجأة، دخل الجميع في النفق. عانى ميشال سليمان صداعاً متواصلاً. لم تقبل حكومة 8 آذار خطته للانتخابات النيابية. وتجاهلت قراره بالاعتكاف. ثم طارت الحكومة من دون ضمانات واضحة، فتبع ذلك اعلان بكركي الحرم على قانون الستين. وليتوج الامر، بابلاغه قرار تسمية تمام سلام، تماما، كما حصل مع خالد زهرمان.

اكتشف الرئيس ميقاتي انه سحب من السباق سريعا، وان تطورات الساعات الاخيرة، دلت على أن حزب الله وحده من يقف الى جانبه ويطرح عودته الى رئاسة الحكومة. فكان له تعويضه المعنوي، بان يسبق اعلان ترشيح سلام، ببيان عزوف عن التشريح لرئاسة الحكومة.

لكن «العلقة» مع جنبلاط، الذي انبته متاخرا الى ضيق هامش المناورة. لا استقالة ميقاتي ودوره البارز فيها، شفعا له عند صاحب الامر في الجزيرة، ولا هو قادر على ابتزاز حزب الله وحلفائه. وكل ما يمكن رشوته به، حقه في الظهور على الجمهور معلناً انه هو من جاء بتمام سلام رئيساً للحكومة الجديدة.

لكن جنبلاط، المتوتر لأسباب كثيرة، لم ينتبه الى انه «مفركش بتيابو» كما يقال بالعامية. يكفي مشهده وهو يتحدث عن الازمة السورية. يصف «النأي بالنفس» بانه اهم انجاز للرئيس ميقاتي، ثم يتهم حزب الله ومجموعات من الشمال بخرق هذا الموقف، ويدعو الى عدم ربط الملفات الداخلية بالحدث السوري... لكنه، لكي لا ينسى الناس حقيقته القاسية، رتب جلسته في كرسيه، رفع حاجبيه، ودعا الى قتل كل درزي يؤيد الرئيس بشار الأسد.ثمن المغامرة غير المحسوبة التي قام بها فرسان الوقت الضائع دُفِع في الانتقال السريع للبنان من وصاية عنجر وعوكر إلى وصاية بندر. والله أعلم ما اذا كان الامر يتوقف عند هذا الحد، أو أنه سيكون لهؤلاء رفاقهم من الذين تظهر صورهم عادة عند فتح المزاد على الحقائب الوزارية!

 

  • فريق ماسة
  • 2013-04-05
  • 9461
  • من الأرشيف

الانقلاب الفاشل.. مغامرة الثلاثي سليمان وميقاتي وجنبلاط

سألني صديق سعودي أمس: عندما كان غازي كنعان يفرض على المسؤولين اللبنانيين امرا، او يبلغهم قراراً، هل كان يترك لهم هامش ادعاء أنهم اصحاب الفكرة على الاقل؟ هذا وليد جنبلاط يقول إنه هو من أتى بتمام سلام رئيساً للحكومة! لرئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي روايته لخلفية قراره المفاجئ. شرح يطول حول ما دفعه الى اعلان عدم قدرته على تحمل الموقف اكثر. وعندما غادر ليرتاح في بريطانيا، لم يكن في مناخ ان الاتجاه يقوى لتسمية بديل عنه لرئاسة الحكومة. وللأمانة، فهو لم يكن واثقا تماما بأن النائب وليد جنبلاط سوف يخوض معركة بقائه في السرايا الكبيرة، بل صاغ على طريقته عبارة لافتة: اذا وجد البيك مصلحته في مكان آخر، فلن ينازع الارض من اجلي! لكن الرئيس ميقاتي، كان يأمل في مكان آخر أن يتمسك به رئيس الجمهورية ميشال سليمان شريكاً في ادارة البلاد. واكثر من ذلك، كان ميقاتي يستعد لمواجهة استحقاق أن سليمان يريد حصة وزارية اكبر من تلك التي تخصه الان، وانه لم يعد يقبل وزيراً محسوباً عليه وعلى غيره في الوقت نفسه. أما جنبلاط، فنام مطمئناً إلى ان مفتاح التكليف بيده. صحيح انه يعرف حجم المتغيرات التي طرأت على الواقع الاقليمي والدولي أخيراً، لكنه كان واثقا بأن في مقدوره اعادة تسمية ميقاتي بالتفاهم مع قوى 8 اذار، وإقناع السعودية بان تعديلاً في التركيبة الحكومية يتيح دخول 14 اذار الى الحكومة دون تفجير البلاد. التفاهم الذي نشأ بين سليمان وميقاتي وجنبلاط، وحظي بتغطية او لا ممانعة من العواصم الفاعلة عربيا وغربياً، كان يراد منه تنفيذ انقلاب ابيض على حزب الله وحلفائه. الهدف منه، ترويض المقاومة واشعارها بأن «زمن الاول تحول»، واغراء الرئيس نبيه بري باحتلال مساحة خاصة به بعيدا عن حزب الله، وتخيير العماد ميشال عون بين «مقتضيات الواقعية» التي تتطلب تنازلات مختلفة، والخروج لمصلحة الاخرين.   ثمة روايات وشائعات واحاديث كثيرة عن هذه الساعات العصيبة، لكن الاكيد ان شيئا ما قد حصل ولم يكن في حسابات الفرسان الثلاثة: أولاً: فاجأ حزب الله الرئيس ميقاتي بأنه غير متمسك به رئيسا للحكومة، او للدقة، غير مستعد لدفع اثمان اضافية في مقابل بقاء الحكومة الحالية. ثانياً: فاجأ الغرب الرئيس ميقاتي بان التخلص من هذه الحكومة صار امرا مستحباً، وانه لا خشية على الاستقرار، اذا ما طلب من الانصار في لبنان السعي الى تخفيف التوتر، وهو ما حصل في اكثر من منطقة لبنانية. ثالثاً: فاجأت السعودية النائب وليد جنبلاط، بأنها ترحب باستقالة ميقاتي، وان المقابل الذي تدفعه لقاء هذه الخطوة ينحصر في وقف الحملة عليه، لكن الرياض تفكر في العودة الى لبنان من خلال انقلاب مضاد لما تعدّه انقلاب حزب الله وسوريا عندما جرت إطاحة حكومة سعد الحريري، وانها تريد حكومة مواجهة، ورشحت لرئاستها اللواء اشرف ريفي: أنت لا تريد التمديد للرجل في منصبه، حسناً سوف نأتي به رئيساً للحكومة او وزيرا للداخلية. السعودية هنا تكرر ما فعله الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد عندما رفض الرئيس سليم الحص تعيين سامي الخطيب مديراً عاما لقوى الامن الداخلي، فكانت النتيجة تعيينه وزيرا للداخلية في الحكومة التالية. فجأة، دخل الجميع في النفق. عانى ميشال سليمان صداعاً متواصلاً. لم تقبل حكومة 8 آذار خطته للانتخابات النيابية. وتجاهلت قراره بالاعتكاف. ثم طارت الحكومة من دون ضمانات واضحة، فتبع ذلك اعلان بكركي الحرم على قانون الستين. وليتوج الامر، بابلاغه قرار تسمية تمام سلام، تماما، كما حصل مع خالد زهرمان. اكتشف الرئيس ميقاتي انه سحب من السباق سريعا، وان تطورات الساعات الاخيرة، دلت على أن حزب الله وحده من يقف الى جانبه ويطرح عودته الى رئاسة الحكومة. فكان له تعويضه المعنوي، بان يسبق اعلان ترشيح سلام، ببيان عزوف عن التشريح لرئاسة الحكومة. لكن «العلقة» مع جنبلاط، الذي انبته متاخرا الى ضيق هامش المناورة. لا استقالة ميقاتي ودوره البارز فيها، شفعا له عند صاحب الامر في الجزيرة، ولا هو قادر على ابتزاز حزب الله وحلفائه. وكل ما يمكن رشوته به، حقه في الظهور على الجمهور معلناً انه هو من جاء بتمام سلام رئيساً للحكومة الجديدة. لكن جنبلاط، المتوتر لأسباب كثيرة، لم ينتبه الى انه «مفركش بتيابو» كما يقال بالعامية. يكفي مشهده وهو يتحدث عن الازمة السورية. يصف «النأي بالنفس» بانه اهم انجاز للرئيس ميقاتي، ثم يتهم حزب الله ومجموعات من الشمال بخرق هذا الموقف، ويدعو الى عدم ربط الملفات الداخلية بالحدث السوري... لكنه، لكي لا ينسى الناس حقيقته القاسية، رتب جلسته في كرسيه، رفع حاجبيه، ودعا الى قتل كل درزي يؤيد الرئيس بشار الأسد.ثمن المغامرة غير المحسوبة التي قام بها فرسان الوقت الضائع دُفِع في الانتقال السريع للبنان من وصاية عنجر وعوكر إلى وصاية بندر. والله أعلم ما اذا كان الامر يتوقف عند هذا الحد، أو أنه سيكون لهؤلاء رفاقهم من الذين تظهر صورهم عادة عند فتح المزاد على الحقائب الوزارية!  

المصدر : الأخبار \ابراهيم الأمين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة