دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
لو جمعنا الفتاوى السلفية المتعلّقة بالجنس، فسنكون، توّاً، في جنّة جنسية بلا ضوابط اجتماعية أو إنسانية أو أخلاقية من أي نوع، سوى ضوابط الشرع التي يمكن التلاعب بها من قبل المفتين، إلى حدّ الذي يستجيب لأكثر الرغبات هَوَسَاً للمجاهدين، من اغتصاب السبايا إلى التمتّع العابر بالمجاهدات، وحتى تشريع الشذوذ.
بالإضافة إلى الفتاوى التي تشرّع للمجاهدين، حرية قتل «الأغيار» المسالمين أو الأسرى، والتمثيل بالجثث، وتدمير المؤسسات ونهبها، وإحراق الكنائس والحسينيات، وتفجير المساجد «المخالفة في الرأي»، والاستيلاء على الممتلكات وسرقة الأموال وفرض الأتاوى، و"الولاء للأجنبي" في مواجهة العدو "الطائفي أو المذهبي"، بالإضافة إلى كل ذلك وسواه، ينبغي منح المجاهدين، مروحة كاملة من التسهيلات الجنسية التي تحوّل الجنّة السماوية الموعودة، بحوريّاتها وغلمانها، إلى جنّة أرضية، في الهُنا والآن؛ فالمقصد الشرعي الذي تهون، عنده، كل المقاصد الشرعية، الاجتماعية والأخلاقية، هو الانتصار على أعداء الدين الصحيح من المذاهب والطوائف الأخرى. وهو ما يبرر، في ميكافيلية دينية بلا عقال، فتاوى القتل والنهب والجنس، التي تزوّد الوحوش السلفية المقاتلة، بكلّ ما يلبّي غرائزها البدائية، في ميدان القتال.
لكن ليست السلفية المقاتلة هي التي تصنع الوحوش. بالعكس، الوحوش هم الذين يصنعونها؛ فالقسم الأساسي من هؤلاء هم، غالباً، مجرمون سابقون أو ذوو ميول إجرامية مكبوحة اجتماعياً أو أمنياً. وتمنحهم العقيدة القتالية للسلفية الجهادية، رخصة شرعية وغطاء أخلاقياً وسياسياً، لممارسة الإجرام، من دون إدانة المجتمع أو تأنيب الضمير. وفي وضع الفوضى الأمنية للحرب الأهلية، المموّلة والمغطّاة دولياً، تنفلت العقلية الإجرامية من كل قيد يكبحها.
فتاوى الإباحية الجنسية غير معترَف بها، بالطبع، لدى المفتين الرسميين، ومعظمها لا يصمد أمام سجال فقهي، لكنها، مع ذلك، تجد لها مكاناً لدى أوساط المؤمنين ممن يتبعون الإفتاء الجهادي. وهو مكان غير قابل للإلغاء، طالما أنه لا توجد مرجعية دينية عُليا مجمع عليها وعلى فتاواها.
لنأخذْ، مثلا، فتوى جهاد النكاح. وهي فتوى تعتبر قيام امرأة بتوفير المتعة الجنسية المؤقتة للمجاهد في الحرب جهاداً في سبيل الله. يعني ذلك، عملياً، كتيبة من النساء متخصصة في تقديم الخدمات الشبقية الميدانية من دون علاقة شخصية بين مقدمة الخدمة والمستفيد منها. هناك، بالطبع، الإجراء الشكلي لـ «زواج شرعي» يتم عقده قبل الممارسة الجنسية، وإلغاؤه بعدها. لكن، في النهاية، هناك تشريع للجنس غير الشخصيّ، أي للبغاء، سوى أن عاملات الجنس هاته لا يتقاضين أجوراً، وإنما أجورهن عند الله، بوصفهنّ مجاهدات لنصرة الدين. لكنهن، في المقابل، يحصلن على ما يعوز البغايا المأجورات، أي الشرف.
سأقف عند نموذج يرينا إلى أي حد تؤثر الفتاوى الجهادية على جمهورها: لن أتحدّث عن حالة المجاهد الذي سعى لإرسال شقيقته إلى ميدان جهاد النكاح في سوريا، بل عن حالة أكثر دلالة هي حالة المجاهد الذي طلّق زوجته، لكي يمكّنها من شرف الالتحاق بتقديم الخدمات الجنسية لزملائه. هنا، نحن أمام متضرّر شخصيّ من الفتوى، متضرّر منها، وجدانياً وعائلياً وعملياً، لكنه ينساق إليها محطِّماً كل العوائق الثقافية والنفسية التي تحول دون إقدامه على التضحية بزوجته تطبيقاً للفتوى التي أتاحت لشريكته، أيضاً، أن تكون مجاهدة: الأولوية المطلقة على كل أولوية، حياتية أو إنسانية أو عائلية، هي للجهاد.
لكن فتاوى الجنس الحرّ البغائيّ والشاذّ، التي ازدهرت في «الثورة السورية» إلى حد الانفلات، لها مقدمات وأخوات متزامنات، صدرت وتصدر، بكثافة، في أوساط فئات مختلفة من السلفيين والجماعات والشخصيات الدينية، مثل إرضاع الكبير، والأنماط غير الاجتماعية من عقود الزواج، كالمسيار والفرند وسواها الكثير، وفتاوى التمتّع بمُلْك اليمين، وغير ذلك مما نراه دارجا في تصريحات دعاة وداعيات في مصر وخصوصا في الخليج.
تكشف فتاوى الجنس الكثيفة ميولا لاستخدام الشرع في مجالين جنسيين، أولهما تشريع ممارسات جنسية واقعية ومرغوبة، لكنها مذمومة اجتماعيا وأخلاقيا، وثانيهما تشريع الهلوسات الشبقية التي تضغط على المؤمنين والمؤمنات، وتوتّرهم بين حدّي الالتزام الديني والهوس الجنسي، فيكون الحل هو الجمع بين الحدّين في فتاوى ومناقشات تخلق فضاء المصالحة والتداخل بينهما. وهو فضاء يجد كامل استحقاقاته في كسر الحاجز بين الحياة الواقعية ووعود الإباحية الجنسية في الجنّة؛ فالمجاهد الانتحاري الذي يملأ جيوبه بحبوب الفياغرا، واثق من أنه سيلقى الحوريات في انتظاره بعد الموت "شهيدا"، لكن الحدود بين «الحياتين»، تتداخل عنده، بحيث يذهب إلى الحوريات السماويات، مصطحبا معه المقوّيات الجنسية الأرضية.
المصدر :
الأخبار/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة