سقط لبنان تماما في فخ الصراع على سوريا. انتهى زمن التسويات الطائفية والمذهبية والمصلحية. بات القرار المركزي خارج لبنان. لا أحد يستطيع تشكيل حكومة او اجراء انتخابات، ولكن الجميع قادر على تعطيل الحكومة والانتخابات.

لم يعد مهما كيف ومن سيشكل الحكومة المقبلة في الداخل اللبناني، الأهم من هي الجهات الخارجية القادرة على توجيه الامور سلبا وايجابا. يمكن التفكير بالاطراف التالية: الولايات المتحدة، السعودية، ايران، سوريا وربما لقطر بعض التأثير أيضا.

يقول المسؤولون السعوديون، وفق عائدين من عندهم، ان الرياض تنحو صوب الوسطية الايجابية. لا مجال لدعم طرف ضد آخر لا في داخل البيت السني، ولا على مستوى الساحة اللبنانية. وصل الأمر بمسؤول سعودي الى حد القول لاحد زواره ان ثمة خطأ شائعا في لبنان يفيد بان السعودية تدعم سعد الحريري ضد نجيب ميقاتي أو انها تفضل فؤاد السنيورة على الحريري او غيره، والواقع ان الرياض تنظر الى ضرورة عدم اغراق لبنان في موجات عنف جديدة وتريد الحفاظ على استقراره بغض النظر عمن سيتولى الحكومة حتى ولو كان لها علاقات خاصة مع هذا الطرف او ذاك .

اسم فؤاد السنيورة تردد غير مرة في الاونة الاخيرة في خلال لقاء بين مسؤول سعودي وضيف لبناني. انشرح الضيف خصوصا انه كان قد ضاق ذرعا بحليفه الحريري. اعتقد ان الرياض تميل اكثر صوب السنيورة، فسعى للتذكير بالخطأ الفادح الذي «ارتكبه الحريري بفتح ابواب الخليج لسمير جعجع». لم يلق جوابا.

هذا هو الموقف الرسمي المركزي السعودي. يبدو الملك عبدالله مستعيدا لدور الحذر. هي الحكمة السعودية التي افتقدها اللبنانيون منذ غرقت بعض الجهات السعودية والخليجية في آتون الحرب السورية وصارت طرفا فكثر العمل ضد النظام السوري و«حزب الله» وأغدق الدعم للسلفية الجهادية باسم نصرة أهل السنة.

قد تلتقي هذه الجهات مع مصالح بعض الأطراف الإقليمية أو الخليجية في تحويل لبنان إلى قاعدة للضغط والهجوم على النظام السوري. هنا يصبح الخطر كبيرا ولذلك ثمة من سعى في الآونة الاخيرة لسحب بعض الفتائل المرشحة لتفجير الاوضاع. من هذه المساعي مثلا طلب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من امير قطر الشيخ حمد في خلال لقائهما في القمة العربية الاخيرة في الدوحة وقف مساعدة الشيخ احمد الاسير. سبقه الى ذلك طلب مماثل تقدم به فؤاد السنيورة حين زار الدوحة.

كان جواب امير قطر للرجلين ان لا علم له باي دعم وانه لو كان ثمة جهة تدعم فسوف يوقفها. جرى حديث أيضا عن تيارات جهادية وسلفية بدأت تظهر بكثرة في لبنان. ربما تم تجفيف بعض مصادر التمويل عن الأسير فعلا وفق ما يقول عائدون من الدوحة.

مشكلة السعودية أن علاقتها بلبنان حاليا لا تنفصل مطلقا عن دورها في سوريا وعلاقتها مع إيران. أيام قليلة فصلت بين إعلان السعودية اعتقال خلية جواسيس مرتبطة بإيران، وبين تهديد الرئيس الأميركي باراك اوباما ووعيده من قلب إسرائيل ضد إيران و"حزب الله".

تخلل ذلك انعقاد القمة العربية في الدوحة وتسليم مقعد سوريا الى الائتلاف السوري الذي يمثل جزءا من المعارضة السورية، كانت طهران أول المحذرين. لم يتردد نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان في مخاطبة الدوحة وجامعة الدول العربية بالقول ان القرارات الصادرة من خارج سوريا تعتبر خطأ استراتيجيا. ذهب ابعد من ذلك حذر قطر من الاستمرار في دعم المسلحين. سبقته تحذيرات ايرانية اخرى للدوحة في السياق نفسه.

تزامنت هذه التطورات مع المصالحة التركية الاسرائيلية والمصالحة بين انقرة و"حزب العمال الكردستاني"، واعيد انتخاب خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي لحركة "حماس" ومحاولة لتعويم الدور المصري بالنسبة لـ"حماس" او للمصالحة بينها وبين "فتح".

أما في لبنان فكان البارز استقالة نجيب ميقاتي. لا يخفي الرجل امام زواره ان اسبابا كثيرة داخلية وخارجية دفعته لهذه الخطوة. لا ينكر مطلقا قلقه من تطورات مقبلة قد لا يريد تحمل مسؤوليتها من على رأس الحكومة. هو ينفي بشدة ان يكون للاميركيين دور في خطوته. أما السعودية، فهو يقسم بكل ما يؤمن انه لم يبلغها لا حين زاره السفير علي عواض العسيري قبيل الاستقالة ولا بعدها. هو ابلغ وزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو الذي رجاه ان يبقى. لماذا أبلغه بذلك؟ لا احد يعلم.

السفيرة الاميركية في لبنان مورا كونيلي كانت قد حددت الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة. طالبت باجراء الانتخابات في موعدها وفق "قانون الستين"، ونصحت بحكومة تعبر عن تطلعات الشعب اللبناني. ماذا تقصد بهذه التطلعات؟ وهل تعتبر ان التطلعات موحدة في بلد يعيش اقصى تشتته؟ لا أحد يعلم .

من يراقب بدقة ما يجري في المنطقة، يشعر فعلا بأن ثمة ترتيبا لاوضاع المحيط السوري بغية رفع مستوى الضغط السياسي والعسكري. يشي ذلك بتفاقم الخطر على المستوى الأمني داخل سوريا وفي المناطق الحدودية.

هنا بالضبط يستقر السؤال المركزي حول سوريا ومستقبل لبنان. ثمة من يعتقد بانها ما تزال قادرة على لعب دور كبير في تشكيل الحكومة والتأثير على الانتخابات لان حلفاءها هم الاقوى. وثمة من يقول انها قد لا تستطيع المساهمة في التشكيل ولكنها بالتأكيد قادرة على التعطيل.

المعادلة واضحة: طرف يريد للحكومة المقبلة اولا والانتخابات لاحقا ان تساهم في ضرب النظام السوري وحلفائه، وطرف آخر مستعد للقيام بأي شيء بغية عدم حصول ذلك.

فكيف والحال هذه ستقوم حكومة تمثل كل اللبنانيين، وستجري انتخابات نزيهة؟

الامور تبدو بالغة التعقيد والصعوبة، وكل شيء ينذر بان لا الحرب على أرض سوريا قريبة الانتهاء ولا لبنان سيبقى بعيدا عنها، ولكن الحركة الديبلوماسية لا تهدأ، فهذا حسين امير عبد اللهيان نفسه يزور القاهرة، وترشح بعض المعلومات حول مساع جدية لاعادة تحريك محور مصر ـ ايران ـ السعودية ليس فقط حيال سوريا ولكن ايضا بشأن لبنان.

لا يمكن تصور اي حل في لبنان من دون السعودية وسوريا وايران، فهل تكون القاهرة مدخلا ؟ ربما ، الا اذا كان البعض لا يزال يعتقد بان سقوط النظام السوري هو مسألة أسابيع كما كانت الحال قبل عامين.

الأصعب من ذلك ان خلف الاطراف المتصارعة محورين اقليميين ودوليين: الاول، يريد حكومة حرب ضد سوريا من دون "حزب الله"، والثاني، يريد حكومة تمنع الضغط على النظام السوري من لبنان.

وبين الطرفين، عاد لبنان الى عين العاصفة، بفضل تجار السياسة الذين يحكمونه. فأي ساذج يعتقد ان ثمة حلولا قريبة بالنسبة للحكومة او الانتخابات او الحوار.

الوقت الان ليس لذلك وانما لمزيد من الفوضى والفراغ والاقتتال. هذا هو الدور المؤسف للبنان في حروب المحاور.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-03
  • 10480
  • من الأرشيف

لبـنان فـي عيـن العـاصفـة: لا حكـومـة ولا انتخـابـات

سقط لبنان تماما في فخ الصراع على سوريا. انتهى زمن التسويات الطائفية والمذهبية والمصلحية. بات القرار المركزي خارج لبنان. لا أحد يستطيع تشكيل حكومة او اجراء انتخابات، ولكن الجميع قادر على تعطيل الحكومة والانتخابات. لم يعد مهما كيف ومن سيشكل الحكومة المقبلة في الداخل اللبناني، الأهم من هي الجهات الخارجية القادرة على توجيه الامور سلبا وايجابا. يمكن التفكير بالاطراف التالية: الولايات المتحدة، السعودية، ايران، سوريا وربما لقطر بعض التأثير أيضا. يقول المسؤولون السعوديون، وفق عائدين من عندهم، ان الرياض تنحو صوب الوسطية الايجابية. لا مجال لدعم طرف ضد آخر لا في داخل البيت السني، ولا على مستوى الساحة اللبنانية. وصل الأمر بمسؤول سعودي الى حد القول لاحد زواره ان ثمة خطأ شائعا في لبنان يفيد بان السعودية تدعم سعد الحريري ضد نجيب ميقاتي أو انها تفضل فؤاد السنيورة على الحريري او غيره، والواقع ان الرياض تنظر الى ضرورة عدم اغراق لبنان في موجات عنف جديدة وتريد الحفاظ على استقراره بغض النظر عمن سيتولى الحكومة حتى ولو كان لها علاقات خاصة مع هذا الطرف او ذاك . اسم فؤاد السنيورة تردد غير مرة في الاونة الاخيرة في خلال لقاء بين مسؤول سعودي وضيف لبناني. انشرح الضيف خصوصا انه كان قد ضاق ذرعا بحليفه الحريري. اعتقد ان الرياض تميل اكثر صوب السنيورة، فسعى للتذكير بالخطأ الفادح الذي «ارتكبه الحريري بفتح ابواب الخليج لسمير جعجع». لم يلق جوابا. هذا هو الموقف الرسمي المركزي السعودي. يبدو الملك عبدالله مستعيدا لدور الحذر. هي الحكمة السعودية التي افتقدها اللبنانيون منذ غرقت بعض الجهات السعودية والخليجية في آتون الحرب السورية وصارت طرفا فكثر العمل ضد النظام السوري و«حزب الله» وأغدق الدعم للسلفية الجهادية باسم نصرة أهل السنة. قد تلتقي هذه الجهات مع مصالح بعض الأطراف الإقليمية أو الخليجية في تحويل لبنان إلى قاعدة للضغط والهجوم على النظام السوري. هنا يصبح الخطر كبيرا ولذلك ثمة من سعى في الآونة الاخيرة لسحب بعض الفتائل المرشحة لتفجير الاوضاع. من هذه المساعي مثلا طلب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من امير قطر الشيخ حمد في خلال لقائهما في القمة العربية الاخيرة في الدوحة وقف مساعدة الشيخ احمد الاسير. سبقه الى ذلك طلب مماثل تقدم به فؤاد السنيورة حين زار الدوحة. كان جواب امير قطر للرجلين ان لا علم له باي دعم وانه لو كان ثمة جهة تدعم فسوف يوقفها. جرى حديث أيضا عن تيارات جهادية وسلفية بدأت تظهر بكثرة في لبنان. ربما تم تجفيف بعض مصادر التمويل عن الأسير فعلا وفق ما يقول عائدون من الدوحة. مشكلة السعودية أن علاقتها بلبنان حاليا لا تنفصل مطلقا عن دورها في سوريا وعلاقتها مع إيران. أيام قليلة فصلت بين إعلان السعودية اعتقال خلية جواسيس مرتبطة بإيران، وبين تهديد الرئيس الأميركي باراك اوباما ووعيده من قلب إسرائيل ضد إيران و"حزب الله". تخلل ذلك انعقاد القمة العربية في الدوحة وتسليم مقعد سوريا الى الائتلاف السوري الذي يمثل جزءا من المعارضة السورية، كانت طهران أول المحذرين. لم يتردد نائب وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان في مخاطبة الدوحة وجامعة الدول العربية بالقول ان القرارات الصادرة من خارج سوريا تعتبر خطأ استراتيجيا. ذهب ابعد من ذلك حذر قطر من الاستمرار في دعم المسلحين. سبقته تحذيرات ايرانية اخرى للدوحة في السياق نفسه. تزامنت هذه التطورات مع المصالحة التركية الاسرائيلية والمصالحة بين انقرة و"حزب العمال الكردستاني"، واعيد انتخاب خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي لحركة "حماس" ومحاولة لتعويم الدور المصري بالنسبة لـ"حماس" او للمصالحة بينها وبين "فتح". أما في لبنان فكان البارز استقالة نجيب ميقاتي. لا يخفي الرجل امام زواره ان اسبابا كثيرة داخلية وخارجية دفعته لهذه الخطوة. لا ينكر مطلقا قلقه من تطورات مقبلة قد لا يريد تحمل مسؤوليتها من على رأس الحكومة. هو ينفي بشدة ان يكون للاميركيين دور في خطوته. أما السعودية، فهو يقسم بكل ما يؤمن انه لم يبلغها لا حين زاره السفير علي عواض العسيري قبيل الاستقالة ولا بعدها. هو ابلغ وزير خارجية تركيا احمد داوود اوغلو الذي رجاه ان يبقى. لماذا أبلغه بذلك؟ لا احد يعلم. السفيرة الاميركية في لبنان مورا كونيلي كانت قد حددت الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة. طالبت باجراء الانتخابات في موعدها وفق "قانون الستين"، ونصحت بحكومة تعبر عن تطلعات الشعب اللبناني. ماذا تقصد بهذه التطلعات؟ وهل تعتبر ان التطلعات موحدة في بلد يعيش اقصى تشتته؟ لا أحد يعلم . من يراقب بدقة ما يجري في المنطقة، يشعر فعلا بأن ثمة ترتيبا لاوضاع المحيط السوري بغية رفع مستوى الضغط السياسي والعسكري. يشي ذلك بتفاقم الخطر على المستوى الأمني داخل سوريا وفي المناطق الحدودية. هنا بالضبط يستقر السؤال المركزي حول سوريا ومستقبل لبنان. ثمة من يعتقد بانها ما تزال قادرة على لعب دور كبير في تشكيل الحكومة والتأثير على الانتخابات لان حلفاءها هم الاقوى. وثمة من يقول انها قد لا تستطيع المساهمة في التشكيل ولكنها بالتأكيد قادرة على التعطيل. المعادلة واضحة: طرف يريد للحكومة المقبلة اولا والانتخابات لاحقا ان تساهم في ضرب النظام السوري وحلفائه، وطرف آخر مستعد للقيام بأي شيء بغية عدم حصول ذلك. فكيف والحال هذه ستقوم حكومة تمثل كل اللبنانيين، وستجري انتخابات نزيهة؟ الامور تبدو بالغة التعقيد والصعوبة، وكل شيء ينذر بان لا الحرب على أرض سوريا قريبة الانتهاء ولا لبنان سيبقى بعيدا عنها، ولكن الحركة الديبلوماسية لا تهدأ، فهذا حسين امير عبد اللهيان نفسه يزور القاهرة، وترشح بعض المعلومات حول مساع جدية لاعادة تحريك محور مصر ـ ايران ـ السعودية ليس فقط حيال سوريا ولكن ايضا بشأن لبنان. لا يمكن تصور اي حل في لبنان من دون السعودية وسوريا وايران، فهل تكون القاهرة مدخلا ؟ ربما ، الا اذا كان البعض لا يزال يعتقد بان سقوط النظام السوري هو مسألة أسابيع كما كانت الحال قبل عامين. الأصعب من ذلك ان خلف الاطراف المتصارعة محورين اقليميين ودوليين: الاول، يريد حكومة حرب ضد سوريا من دون "حزب الله"، والثاني، يريد حكومة تمنع الضغط على النظام السوري من لبنان. وبين الطرفين، عاد لبنان الى عين العاصفة، بفضل تجار السياسة الذين يحكمونه. فأي ساذج يعتقد ان ثمة حلولا قريبة بالنسبة للحكومة او الانتخابات او الحوار. الوقت الان ليس لذلك وانما لمزيد من الفوضى والفراغ والاقتتال. هذا هو الدور المؤسف للبنان في حروب المحاور.

المصدر : السفير \ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة