قبل سنوات أدرك محمد طه (35 سنة) أن لا أمل في الحصول على وظيفة حكومية تتناسب مع مؤهله (بكالريوس تجارة)، وتأكد من أن العمل الحر هو الطريق الوحيد لكسب العيش... حلم محمد بمشروع يتناسب مع قدراته وتعليمه، الا أنه فوجئ في مقر «الصندوق الاجتماعي للتنمية» بأن المشروع الذي حلم به لم يكن سوى قرض لتمويل شراء سيارة صغيرة بغرض توزيع اسطوانات الغاز على المنازل.

اليوم، قرر محمد، والآلاف من موزعي اسطوانات الغاز، الاضراب عن العمل، وقطع الطرق المؤدية الى مصانع تعبئة الغاز، بعد صدور قرار وزارة التموين برفع سعر اسطوانة الغاز المنزلي من خمسة جنيهات مصرية (0،75 دولار ) الى ثمانية جنيهات.

يقول محمد «الازمة الكبيرة في القرار الجديد إنه حدد هامش الربح للموزع بجنيهين للاسطوانة. وللعلم فإن السيارة تستطيع توزيع 20 اسطوانة في اليوم فقط، ما يعني أن المكسب هو 40 جنيهاً في اليوم، وبخصم مصاريف السيارة يتبقى اقل من 30 جنيهاً توزع على الشخصين اللذين يعملان على السيارة، فيصبح نصيب العامل 15 جنيهاً وهو ما لا يكفي لشراء وجبة لفرد واحد».

وضربت أزمة ارتفاع أسعار اسطوانات الغاز المنزلي قطاعين، الأول هو المستهلك، والثاني مندوب التوزيع. كلا الطرفين أضيرا من الزيادة.

محمد ومن يعمل معه انتظروا رفع أسعار أسطوانات الغاز منذ فترة طويلة لرفع هامش الربح من عملية التوزيع، فالاسعار ثابتة منذ نحو عقدين من الزمن عند خمسة جنيهات مصرية.

ويقول محمد «بالطبع لم يكن هناك أي موزع يبيع الاسطوانة بسعرها الرسمي فهامش الربح لا يتعدى جنيهاً ونصف الجنيه لكل اسطوانة، فكنا مضطرين لبيع الاسطوانة بأغلى من ثمنها وهو عمل غير قانوني لكننا دفعنا اليه بسبب ضيق الحال».

وبحسب وزارة البترول المصرية فإن مصر تستهلك مليون اسطوانة غاز طهي يومياً، 80 في المئة منها لأغراض منزلية، و20 في المئة لأغراض تجارية. ويتم توزيع معظم تلك الكمية في قرى ريفية لم تصل اليها بعد خدمة الغاز الطبيعي الذي ارتفعت اسعاره هو الاخر قبل شهرين. ووفق الوزارة فإن الحكومة لا تزال تتحمل اكثر من 70 جنيهاً في تكلفة انتاج اسطوانة البوتاغاز المنزلية والتي تصل إلى نحو 78 جنيهاً للاسطوانة الواحدة.

ويقول أحد زبائن محمد، ويدعى خالد فوزي، وهو يقطن في منطقة وسط القاهرة، «لم أحصل على اسطوانة الغاز منذ اعوام كثيرة بسعر الخمسة جنيهات الرسمي، فالاسعار تتراوح بين 20 جنيهاً للاسطوانة، وقد تصل الى 50 جنيهاً في بعض الاحيان».

ويرى أن زيادة الثمن الرسمي لاسطوانات الغاز ولو ببضع جنيهات يؤدي الى رفع الثمن غير الرسمي الذي تصل به الاسطوانة الى المستهلك باضعاف مضاعفة، ما قد يودي إلى اضطرابات واسعة في البلاد التي تعاني اصلا من اضطربات سياسية في ظل حكم جماعة «الاخوان المسلمين» عقب نجاح «ثورة 25 يناير» التي أطاحت الرئيس حسني مبارك.

زيادة الأسعار جاءت قبل يومين من وصول وفد صندوق النقد الدولي إلى القاهرة لاستئناف محادثات بشأن قرض قيمته 4،8 مليارات دولار تحتاجه مصر بشدة لاحتواء عجز متفاقم في الموازنة، ودعم عملتها التي تتراجع بوتيرة متسارعة. وكان تخفيض الدعم على المنتجات النفطية أحد شروط تمرير القرض، حيث تتوقع الحكومة ان يوفر رفع سعر اسطوانات غاز الطهي 20 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي.

وتزامنت الزيادة أيضا مع اضراب الموزعين، الذي أدى إلى تفاقم أزمة غاز الطهي في مصر حيث خرج الألاف من المواطنين في مختلف انحاء مصر في تظاهرات تطالب فيه بغاز الطهي وهو ما دفع بعض الاحزاب السياسية ذات الخلفيات الدينية كـ«حزب الحرية والعدالة» الحاكم في مصر والذراع السياسية لجماعة «الاخوان المسلمين» إلى استغلال الازمة لصنع دعاية انتخابية عبر توزيع اسطونات الغاز عبر اعضائه في انحاء مصر.

ويرى محمد أن الحكومة على علم جيد بأن هامش الربح الذي وضعته وزارة التموين لا يكفي، موضحاً أن «الحكومة تدفعنا إلى بيع الاسطوانات في السوق السوداء الا انها في الوقت ذاته شددت علي العقوبات في حالة البيع بأعلى من الاسعار المقررة ليصل الامر الى الحبس بعد أن كانت تقتصر العقوبة على الغرامة فقط في الماضي».

هذه الخطوات أحدثت انتعاشاً في السوق السوداء لاسطوانات الغاز حيث وصل السعر إلى اكثر من 60 جنيهاً في بعض المناطق، في حين شهدت بعض القرى تقاتلاً بين مواطنين للحصول على اسطوانة غاز من منافذ التوزيع الحكومية التي استطاعت ان تفتح ابوابها للجمهور.

رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية في الاتحاد العام للغرف التجارية حسام عرفات قال لـ«السفير» إن جميع مستودعات البوتاغاز على مستوى الجمهورية متوقفة عن العمل تماماً بسبب حالة الارتباك التي أصابت السوق بعد قرار الحكومة المفاجئ بتطبيق نظام الاسعار الجديد في توزيع الاسطوانات.

وأضاف عرفات أن «الموزعين يطالبون بهامش ربح معقول بنحو أربعة جنيهات للاسطوانة حتى يتمكنوا من تقديم خدمة مقبولة من دون الحاجة للجوء للبيع بأسعار أعلى من الاسعار الرسمية».

ورأى عرفات ان قرارات الحكومة هذه تدفع موزعي الاسطوانات إلى إيجاد «اقتصاد سري» لأنه لا يعقل ان يعيش فرد بهامش الربح الذي اقرته الحكومة.

  • فريق ماسة
  • 2013-04-03
  • 4842
  • من الأرشيف

مصر: اسطوانة الغاز حلم مشتهى!

قبل سنوات أدرك محمد طه (35 سنة) أن لا أمل في الحصول على وظيفة حكومية تتناسب مع مؤهله (بكالريوس تجارة)، وتأكد من أن العمل الحر هو الطريق الوحيد لكسب العيش... حلم محمد بمشروع يتناسب مع قدراته وتعليمه، الا أنه فوجئ في مقر «الصندوق الاجتماعي للتنمية» بأن المشروع الذي حلم به لم يكن سوى قرض لتمويل شراء سيارة صغيرة بغرض توزيع اسطوانات الغاز على المنازل. اليوم، قرر محمد، والآلاف من موزعي اسطوانات الغاز، الاضراب عن العمل، وقطع الطرق المؤدية الى مصانع تعبئة الغاز، بعد صدور قرار وزارة التموين برفع سعر اسطوانة الغاز المنزلي من خمسة جنيهات مصرية (0،75 دولار ) الى ثمانية جنيهات. يقول محمد «الازمة الكبيرة في القرار الجديد إنه حدد هامش الربح للموزع بجنيهين للاسطوانة. وللعلم فإن السيارة تستطيع توزيع 20 اسطوانة في اليوم فقط، ما يعني أن المكسب هو 40 جنيهاً في اليوم، وبخصم مصاريف السيارة يتبقى اقل من 30 جنيهاً توزع على الشخصين اللذين يعملان على السيارة، فيصبح نصيب العامل 15 جنيهاً وهو ما لا يكفي لشراء وجبة لفرد واحد». وضربت أزمة ارتفاع أسعار اسطوانات الغاز المنزلي قطاعين، الأول هو المستهلك، والثاني مندوب التوزيع. كلا الطرفين أضيرا من الزيادة. محمد ومن يعمل معه انتظروا رفع أسعار أسطوانات الغاز منذ فترة طويلة لرفع هامش الربح من عملية التوزيع، فالاسعار ثابتة منذ نحو عقدين من الزمن عند خمسة جنيهات مصرية. ويقول محمد «بالطبع لم يكن هناك أي موزع يبيع الاسطوانة بسعرها الرسمي فهامش الربح لا يتعدى جنيهاً ونصف الجنيه لكل اسطوانة، فكنا مضطرين لبيع الاسطوانة بأغلى من ثمنها وهو عمل غير قانوني لكننا دفعنا اليه بسبب ضيق الحال». وبحسب وزارة البترول المصرية فإن مصر تستهلك مليون اسطوانة غاز طهي يومياً، 80 في المئة منها لأغراض منزلية، و20 في المئة لأغراض تجارية. ويتم توزيع معظم تلك الكمية في قرى ريفية لم تصل اليها بعد خدمة الغاز الطبيعي الذي ارتفعت اسعاره هو الاخر قبل شهرين. ووفق الوزارة فإن الحكومة لا تزال تتحمل اكثر من 70 جنيهاً في تكلفة انتاج اسطوانة البوتاغاز المنزلية والتي تصل إلى نحو 78 جنيهاً للاسطوانة الواحدة. ويقول أحد زبائن محمد، ويدعى خالد فوزي، وهو يقطن في منطقة وسط القاهرة، «لم أحصل على اسطوانة الغاز منذ اعوام كثيرة بسعر الخمسة جنيهات الرسمي، فالاسعار تتراوح بين 20 جنيهاً للاسطوانة، وقد تصل الى 50 جنيهاً في بعض الاحيان». ويرى أن زيادة الثمن الرسمي لاسطوانات الغاز ولو ببضع جنيهات يؤدي الى رفع الثمن غير الرسمي الذي تصل به الاسطوانة الى المستهلك باضعاف مضاعفة، ما قد يودي إلى اضطرابات واسعة في البلاد التي تعاني اصلا من اضطربات سياسية في ظل حكم جماعة «الاخوان المسلمين» عقب نجاح «ثورة 25 يناير» التي أطاحت الرئيس حسني مبارك. زيادة الأسعار جاءت قبل يومين من وصول وفد صندوق النقد الدولي إلى القاهرة لاستئناف محادثات بشأن قرض قيمته 4،8 مليارات دولار تحتاجه مصر بشدة لاحتواء عجز متفاقم في الموازنة، ودعم عملتها التي تتراجع بوتيرة متسارعة. وكان تخفيض الدعم على المنتجات النفطية أحد شروط تمرير القرض، حيث تتوقع الحكومة ان يوفر رفع سعر اسطوانات غاز الطهي 20 مليار جنيه بنهاية العام المالي الحالي. وتزامنت الزيادة أيضا مع اضراب الموزعين، الذي أدى إلى تفاقم أزمة غاز الطهي في مصر حيث خرج الألاف من المواطنين في مختلف انحاء مصر في تظاهرات تطالب فيه بغاز الطهي وهو ما دفع بعض الاحزاب السياسية ذات الخلفيات الدينية كـ«حزب الحرية والعدالة» الحاكم في مصر والذراع السياسية لجماعة «الاخوان المسلمين» إلى استغلال الازمة لصنع دعاية انتخابية عبر توزيع اسطونات الغاز عبر اعضائه في انحاء مصر. ويرى محمد أن الحكومة على علم جيد بأن هامش الربح الذي وضعته وزارة التموين لا يكفي، موضحاً أن «الحكومة تدفعنا إلى بيع الاسطوانات في السوق السوداء الا انها في الوقت ذاته شددت علي العقوبات في حالة البيع بأعلى من الاسعار المقررة ليصل الامر الى الحبس بعد أن كانت تقتصر العقوبة على الغرامة فقط في الماضي». هذه الخطوات أحدثت انتعاشاً في السوق السوداء لاسطوانات الغاز حيث وصل السعر إلى اكثر من 60 جنيهاً في بعض المناطق، في حين شهدت بعض القرى تقاتلاً بين مواطنين للحصول على اسطوانة غاز من منافذ التوزيع الحكومية التي استطاعت ان تفتح ابوابها للجمهور. رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية في الاتحاد العام للغرف التجارية حسام عرفات قال لـ«السفير» إن جميع مستودعات البوتاغاز على مستوى الجمهورية متوقفة عن العمل تماماً بسبب حالة الارتباك التي أصابت السوق بعد قرار الحكومة المفاجئ بتطبيق نظام الاسعار الجديد في توزيع الاسطوانات. وأضاف عرفات أن «الموزعين يطالبون بهامش ربح معقول بنحو أربعة جنيهات للاسطوانة حتى يتمكنوا من تقديم خدمة مقبولة من دون الحاجة للجوء للبيع بأسعار أعلى من الاسعار الرسمية». ورأى عرفات ان قرارات الحكومة هذه تدفع موزعي الاسطوانات إلى إيجاد «اقتصاد سري» لأنه لا يعقل ان يعيش فرد بهامش الربح الذي اقرته الحكومة.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة