دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في العام 2001، توقع كبير اقتصاديي مصرف «غولدمان ساكس» جيم أونيل بأن اقتصاديات البرازيل وروسيا والهند والصين سوف تتفوق على اقتصاديات أميركا والدول السبع الكبرى في منتصف القرن.
ومع اندلاع الأزمة المالية العالمية بعد سبع سنوات، تحققت «النبوءة». ومنذ ذلك الحين، عندما أعلنت مجموعة «البريكس» من روسيا تأسيس نظام عالمي يواجه الهيمنة الغربية، وحتى الآن في جنوب أفريقيا في القمة الخامسة التي اختتمت أعمالها أمس، مسار اقتصادي ـ سياسي متصاعد تسلكه الدول الخمس، وسط تحديات يطرحها الخارج والداخل على السواء.
وفي ظلّ سعي دول «البريكس» إلى رصّ الصفوف اقتصادياً وسياسياً، تنظر أميركا والدول الكبرى بذعر إلى قدرات المجموعة «الناشئة».. والخطر الذي تشكله على الخريطة الجيو ـ استراتيجية العالمية، لا سيما أن الاعتبارات السياسية والإستراتيجية في المنطقة العربيّة احتلت حيّزاً بارزاً.
القمة الخامسة: سوريا أولاً.. وإيران
بدا لافتاً تزامن قمة «البريكس» في دوربن مع القمة العربية التي استضافتها الدوحة. من دوربن، التي حضر افتتاح قمتها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والصيني تشي جين بينغ ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ورئيسة البرازيل ديلما روسيف ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، كان الموقف واضحاً: لا لعسكرة الأزمة في سورية. الاستنكار لما تشهده سوريا من انتهاكات لحقوق الإنسان، دفعهم لاتخاذ قرار مماثل، هكذا يقول البيان الذي ناشد «كل الأطراف» تمكين الوكالات الإنسانية من إيصال المساعدات.
روسيا تقود دفة القرار السوري في «البريكس»، هذا ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف قائلاً إن «موقف مجموعة البريكس من الأزمة السورية أقرب ما يكون إلى موقف روسيا». وكان الرئيس السوري بشار الأسد دعا في رسالة وجهها إلى الرئيس الجنوب أفريقي جاكوب زوما إلى «المساهمة في وقف فوري للعنف في سوريا بهدف ضمان نجاح الحل السياسي الذي يتطلب إرادة دولية واضحة بتجفيف مصادر الإرهاب ووقف تمويله وتسليحها». وأتت الرسالة بعد زيارة قامت بها المستشارة الرئاسية بثينة شعبان إلى كل من الهند وجنوب أفريقيا بهدف الحصول على دعم واضح من تلك الدول. وتشكل دول «البريكس» بالنسبة لدمشق من بداية تشكلها خلال العقد الماضي ثقلاً موازياً للمحور الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة، ويبسط سيطرته ونفوذه على منظمات دولية وإقليمية. وفيما تظهر سياسة الدول الخمس، على خلاف المحور المنافس، عدم الميل للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولا تقبل التورط في النزاعات ذات الطابع الأهلي، يبقى الرهان لدى مسؤولين وديبلوماسيين، تحدثوا مع مراسل «السفير» زياد حيدر، على وضعية هذه الدول في المحافل الدولية حيث تبقى منسجمة بوضوح مع السياسة الروسية التي تبني على اتفاق جنيف، وتفضل ممارسة دور بعيد عن التدخل المباشر.
وفي ما يتعلق بإيران، عبرت «البريكس» عن قلقها إزاء خطر التصعيد العسكري، في وقت أكدت أن «لا بديل لحل تفاوضي للأزمة النووية الإيرانية»، وعلى «حق إيران باستخدام الطاقة النووية لغايات سلمية في إطار واجباتها الدولية».
«البنك الدولي».. وداعاً؟
احتل مشروع إنشاء المصرف الإنمائي الحيّز الأكبر من نقاشات دول البريكس، وهو مشروع يفترض أن يشكل منعطفاً حقيقياً في مسار سحب بساط السيطرة الاقتصادية من بين يدي «الشمال العجوز» بحسب وصف صحيفة «لوموند» الفرنسية، حيث يساعد المصرف في التخلص من التبعية للبنك الدولي واحتياطي صندوق النقد.
ويفترض أن يبدأ المصرف الجديد برأسمال قدره 50 مليار دولار بحسب الدراسات، أي 10 مليارات لكل دولة.
وفيما لم يخرج عن القمة إقرار نهائي لتأسيس الصندوق، أعلن زوما «إطلاق المفاوضات رسمياً في سان بطرسبرغ في أيلول المقبل، لتأسيس مصرف جديد مخصص لحاجاتنا الذاتية في البنى التحتية».
ما سبق عدّه البعض فشلاً في قدرة «البريكس» على تأسيس أجسام مشتركة، حيث اعتبرت بعض الصحف أن المصرف سيبقى «رمزياً». وهو ما أشارت إليه مجلة «فورين بوليسي» عن الاختلاف في نمو الدول الخمس، حيث أن جنوب أفريقيا ليست مصدر فائدة كبرى أو إنتاجية بعكس الهند أو البرازيل، مع العلم أن اقتصاد روسيا، وهي أصغر دولة في «البريكس»، يتفوق بأربع مرات على جنوب أفريقيا... ثم ما الذي قد يشجع الصين على الاستثمار في مصرف إنمائي؟
لكن المعنيين رأوا في التأجيل مساراً طبيعياً لمشروع بهذه الضخامة. وفي السياق، أشار مصدر ديبلوماسي روسي لـ«السفير» إلى أن ترتيباً مماثلاً لا يمكن ارتجاله في فترة قصيرة، فهو يتطلب زمناً معيناً، للخروج بمصرف قادر على مواجهة التداعيات الاقتصادية العالمية. كما لفت المصدر إلى مشروع تأسيس مجلس أعمال ينسّق التعاون الاقتصادي بين البلدان الخمسة، وإلى أهمية الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى موسكو، مشدداً على أن القمة كانت خطوة جديدة نحو تطور جذري في المنظمة التي ابتعدت عن الاجتماعات الشكلية.
مرسي و«الإيبريكس»
سعى الرئيس المصري محمد مرسي في القمة لاستعادة الثقة المفقودة بالاقتصاد المصري، كما لتحسين العلاقات المتوترة منذ عقود طويلة مع أفريقيا. وفي خطوة مبالغة في التفاؤل تمنى مرسي الانضمام، عند تحسن الوضع الاقتصادي لمصر، إلى المجموعة ليتغيّر بذلك اسمها فتصبح «إيبريكس». واستعرض في الكلمة التي ألقاها أمام القمة رؤية مصر تجاه سبل تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية.
ميزة «البريكس».. والتحديات
استطاعت مجموعة «البريكس» خلال السنوات القليلة الماضية أن تصنع لنفسها مكانة شديدة الأهمية داخل المجتمع الدولي. فدول البريكس هي أسرع دول العالم نمواً حالياً وأقلها تأثراً بالأزمة المالية.
وتختلف «البريكس» عن غيرها من الائتلافات الدولية، إذ لا يربطها شيء على المستويات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية، فهي تأتي من أربع قارات مختلفة، فضلاً عن وجود تباين واضح في مستويات النمو بين أعضائها. لكن هناك رابطاً مهماً ترتكز عليه المجموعة هو سبب نشأتها: رفض الهيمنة الغربية على الاقتصاد والسياسة العالمية. وهي تتبنى مواقف مشابهة طرحتها في القمة الأخيرة من سورية والنووي الإيراني وأفغانستان وقضايا الشرق الأوسط.
لكن ما يميّز المجموعة الهجينة هو نفسه ما يشكّل جوهر تحدياتها. صحيح أنها تجتمع حول مواقف مشتركة، إلا أن هناك فروقات شاسعة في سلم أولوياتها. وهنا يستحضر المراقبون ما تتعرض له سوق البرازيل من إغراق بالأحذية الصينية، وجنوب أفريقيا بالملابس الصينية، وفرض الهند رسوماً على بعض السلع الصينية، ووجود خلافات بين موسكو وبكين حول تسعير النفط الروسي.. وغيرها من معالم الخلاف.
المصدر :
السفير/ هيفاء زعيتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة