الجزء الأوسع من استراتيجية واشنطن في سورية للاستخبارات الأميركية. لم تبلور الإدارة الأميركية الجديدة استراتيجية واضحة وهجومية ضد النظام السوري بما يكفي لإرضاء طموح الصقور في وزارة الخارجية وحسم الموقف لمصلحة الخيار العسكري، الذي دعت إليه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون و«المجموعة السورية» المحيطة بها.

لم تنتظر الاستخبارات الأميركية مع ذلك منذ بداية «الثورة» السورية، ارتسام خط سياسي أميركي في التعاطي، يرجّح كفة احد الخيارين على الآخر، العسكري والسياسي، بيد أنها ملكت أجندتها الأولى التي تحولت منذ أشهر إلى عنوان عريض يفرض نفسه على التعاطي الأميركي مع سورية، ويفيض عنه ليصبح أيضاً احد حجج الأوروبيين لتسليح المعارضة علناً، ورفع الحظر الأوروبي، وهو جاري سراً بأي حال.

التسليح لا بد منه كي تزداد فرص السلام في سورية. أو الجانب الآخر من الحجة نفسها: التسليح والتدريب في المعسكرات التركية والأردنية، لفرض جناح معتدل داخل «كتائب الثورة» السورية، وفي صفوف المقاتلين، وعزل الجماعات «الجهادية»، وتحجيم دورها في سورية ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد.

وينقل قطب سوري معارض عن مسؤول أميركي بارز، اشرف طويلا على الملف السوري، قوله إن حضور الاستخبارات الأميركية في سورية يعوّض عن غياب الدعم الواضح لخيار الحل العسكري كما ينبغي أن تكون عليه سياسة واشنطن تجاه النظام السوري.

ونقل المعارض السوري عن المسؤول الأميركي قوله إن الاستخبارات الأميركية هي التي نظمت عملية تفجير مكتب الأمن القومي في دمشق. وكانت العملية التي وقعت في 18 تموز الماضي أدت إلى قطع رأس الأجهزة الأمنية السورية، وتدمير جزء كبير من خلية الأزمة التي تساند الأسد. وقتل خلال العملية قائد الاستخبارات العسكرية آصف شوكت، ووزير الدفاع داوود راجحة، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، ورئيس الأركان حسن توركماني. وفي 22 تموز، بعد أربعة أيام، اغتيل المشرف الأساسي على البرنامج الصاروخي السوري الدكتور نبيل زغيب. ومنذ بداية الحراك اغتيل عدد كبير من الضباط السوريين والطيارين والعاملين في برامج دفاعية أساسية، لا علاقة لها بالقتال الدائر على الجبهات السورية.

وقال المسؤول الأميركي للمعارض السوري إن عمليات نوعية تخطط لها الاستخبارات الأميركية في سورية، لتحطيم النظام وأركانه شبيهة بتلك التي استهدفت القضاء على خلية الأزمة. ويفكر الأميركيون أن ضرب النظام على رأسه، واغتيال الرئيس بشار الأسد، سيؤدي إلى وضع حد سريع للصراع وانهيار المنظومة الأمنية السورية التي يعتقدون بأن هرمها في يد الرئيس. ويقول المعارض السوري إن الأميركيين لا يقدرون الأخطار الناجمة عن تلك العمليات التي ستؤدي إلى زعزعة مؤسسات لا بد من بقائها لإدارة ما بعد الأسد، خصوصاً الجيش السوري.

وقال المعارض السوري إن الأميركيين، الذين التقاهم، لا يبدون فهماً كبيراً للوضع في سورية، كما انه على العكس مما يقولون، لا يظهرون أنهم استوعبوا دروس العراق كما يكررون، سواء في علاقتهم بالمعارضة السورية أو في اعتبار بعض العاملين في الخارجية التفاهم مع روسيا خياراً تكتيكياً.

وعزا المعارض مواقف الصقور «البدائية» إلى قرب بعضهم من مراكز الأبحاث التي يمولها اللوبي الصهيوني في العاصمة الأميركية. وقال إن فكرة التدخل النوعي في سورية الذي تحققه الاستخبارات الأميركية عبر التدريب والاغتيالات تشق طريقها. ويبدي الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومعه فريق محدود حول وزير الخارجية جون كيري، مقاومة فريق من المستشارين في الخارجية، يريدون تدخلاً نوعياً إذا لم يكن شاملاً، ولا يؤدي إلى حرب شاملة. ويعرف «فريق الصقور» أن الرئيس الأميركي كان قد قاد حملته الانتخابية تحت شعارات تقليص الانتشار العسكري الأميركي، والانسحاب من أفغانستان، وأن الرأي العام الأميركي لا يؤيد تدخلاً عسكرياً جديداً، لا سيما في سورية. وقال مسؤول أميركي بارز إن التدخل النوعي سيساعد على مواصلة قضم الأرض، من الشمال حتى دمشق وانهيار النظام.

ورغم أن الأميركيين يكررون أن الحل السياسي لا يزال الخيار الأفضل، إلا أن التفاهم مع الروس يعاني من عدم الحسم في قضية بقاء أو تنحي الأسد خلال العملية الانتقالية. وكان الاجتماع الروسي - الأميركي، في لندن مطلع آذار الحالي، قد أحرز بعض التقدم. وقال خبير في الشؤون الروسية إن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومساعد وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنز قد أعادا الاتفاق على تنفيذ «بيان جنيف» والذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لتحويله إلى قرار ملزم، لكن اجتماعاً كان مقرراً في 15 الشهر الحالي بين وزراء خارجية الخمسة الكبار في نيويورك، يتناول أفغانستان أيضاً، الغي بسبب عودة الأميركيين إلى المطالبة بتنحي الاسد.

ويقول المعارض السوري إن الأميركيين يعرفون أن الحسم العسكري ضد الجيش السوري عمل مستحيل، كما أن هزيمة المعارضة المسلحة ليست في متناول النظام. أما الانشقاقات فلم تطل أياً من عناصر الدائرة الأولى في الجيش والأمن والنظام، ولا توجد رهانات على حدوث انشقاقات من هذا النوع، مع استمرار صعود الإسلاميين في المعارضة المسلحة، الذي يقوّي عصبية الجيش السوري ولحمته.

ويراهن الأميركيون في التدخل النوعي على تحطيم النظام السوري وإضعافه، لجلبه إلى طاولة التنازلات والتفاوض بشروطهم. ويقول معارض سوري إن إطالة أمد الصراع، يخدم مصالح الولايات المتحدة، ومصالح حليفها الإسرائيلي، بتدمير الجيش السوري، وإضعاف الموقع السوري الاستراتيجي وإخراجه من معادلة الصراع نهائياً، كائناً ما كان النظام المقبل الذي سيحكم فوق الركام السوري. كما أن استمرار تدمير الموقع السوري، سيحيل دمشق عبئاً على الحليف الإيراني المحاصر بالعقوبات، وهو ما تريده واشنطن. كما أن تدمير الموقع السوري، يحيله من دون فائدة تذكر لطهران، التي اندفعت التي التحالف معه عندما كان قوياً ومفيداً، ولن تتمسك به عندما يفقد فائدته، ويصبح ضعيفاً، بعد تدمير مؤسساته وتحطيم موارده الوطنية.

وتحدث المسؤول الأميركي عن علاقته بالمعارضة السورية. وقال «نستقبل في واشنطن نوعين من المعارضين، فالبعض يأتي ويقول لنا اقصفونا (سوريا) والبعض الآخر يطالب بمساعدات مادية».

ويتوقف الرهان الأميركي، بحسب المعارض السوري كما لمس في واشنطن عند حدين، قد تضطر فيهما واشنطن، تحت ضغط عامل الأمن الإسرائيلي إلى التدخل أو تعديل سياستها: انتشار الصراع خارج سوريا، وخروج الوضع عن السيطرة في مناطق المعارضة، إذا ما استمر النظام في المقاومة. وقال المعارض إن الأميركيين يراقبون أيضاً خروج مناطق في الشمال السوري وفي الوسط وأماكن أخرى عن سيطرة النظام والمعارضة، ويراهنون على وقف انهيارها بتقوية «الائتلاف الوطني السوري» المعارض عسكرياً، وهو رهان قد لا يتحقق قبل سحق ما تبقى من العمران والاجتماع السوريين.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-27
  • 12416
  • من الأرشيف

خـراب سـورية: سـياسـة أميركيـة غيـر معلنـة

الجزء الأوسع من استراتيجية واشنطن في سورية للاستخبارات الأميركية. لم تبلور الإدارة الأميركية الجديدة استراتيجية واضحة وهجومية ضد النظام السوري بما يكفي لإرضاء طموح الصقور في وزارة الخارجية وحسم الموقف لمصلحة الخيار العسكري، الذي دعت إليه وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون و«المجموعة السورية» المحيطة بها. لم تنتظر الاستخبارات الأميركية مع ذلك منذ بداية «الثورة» السورية، ارتسام خط سياسي أميركي في التعاطي، يرجّح كفة احد الخيارين على الآخر، العسكري والسياسي، بيد أنها ملكت أجندتها الأولى التي تحولت منذ أشهر إلى عنوان عريض يفرض نفسه على التعاطي الأميركي مع سورية، ويفيض عنه ليصبح أيضاً احد حجج الأوروبيين لتسليح المعارضة علناً، ورفع الحظر الأوروبي، وهو جاري سراً بأي حال. التسليح لا بد منه كي تزداد فرص السلام في سورية. أو الجانب الآخر من الحجة نفسها: التسليح والتدريب في المعسكرات التركية والأردنية، لفرض جناح معتدل داخل «كتائب الثورة» السورية، وفي صفوف المقاتلين، وعزل الجماعات «الجهادية»، وتحجيم دورها في سورية ما بعد الرئيس السوري بشار الأسد. وينقل قطب سوري معارض عن مسؤول أميركي بارز، اشرف طويلا على الملف السوري، قوله إن حضور الاستخبارات الأميركية في سورية يعوّض عن غياب الدعم الواضح لخيار الحل العسكري كما ينبغي أن تكون عليه سياسة واشنطن تجاه النظام السوري. ونقل المعارض السوري عن المسؤول الأميركي قوله إن الاستخبارات الأميركية هي التي نظمت عملية تفجير مكتب الأمن القومي في دمشق. وكانت العملية التي وقعت في 18 تموز الماضي أدت إلى قطع رأس الأجهزة الأمنية السورية، وتدمير جزء كبير من خلية الأزمة التي تساند الأسد. وقتل خلال العملية قائد الاستخبارات العسكرية آصف شوكت، ووزير الدفاع داوود راجحة، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، ورئيس الأركان حسن توركماني. وفي 22 تموز، بعد أربعة أيام، اغتيل المشرف الأساسي على البرنامج الصاروخي السوري الدكتور نبيل زغيب. ومنذ بداية الحراك اغتيل عدد كبير من الضباط السوريين والطيارين والعاملين في برامج دفاعية أساسية، لا علاقة لها بالقتال الدائر على الجبهات السورية. وقال المسؤول الأميركي للمعارض السوري إن عمليات نوعية تخطط لها الاستخبارات الأميركية في سورية، لتحطيم النظام وأركانه شبيهة بتلك التي استهدفت القضاء على خلية الأزمة. ويفكر الأميركيون أن ضرب النظام على رأسه، واغتيال الرئيس بشار الأسد، سيؤدي إلى وضع حد سريع للصراع وانهيار المنظومة الأمنية السورية التي يعتقدون بأن هرمها في يد الرئيس. ويقول المعارض السوري إن الأميركيين لا يقدرون الأخطار الناجمة عن تلك العمليات التي ستؤدي إلى زعزعة مؤسسات لا بد من بقائها لإدارة ما بعد الأسد، خصوصاً الجيش السوري. وقال المعارض السوري إن الأميركيين، الذين التقاهم، لا يبدون فهماً كبيراً للوضع في سورية، كما انه على العكس مما يقولون، لا يظهرون أنهم استوعبوا دروس العراق كما يكررون، سواء في علاقتهم بالمعارضة السورية أو في اعتبار بعض العاملين في الخارجية التفاهم مع روسيا خياراً تكتيكياً. وعزا المعارض مواقف الصقور «البدائية» إلى قرب بعضهم من مراكز الأبحاث التي يمولها اللوبي الصهيوني في العاصمة الأميركية. وقال إن فكرة التدخل النوعي في سورية الذي تحققه الاستخبارات الأميركية عبر التدريب والاغتيالات تشق طريقها. ويبدي الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومعه فريق محدود حول وزير الخارجية جون كيري، مقاومة فريق من المستشارين في الخارجية، يريدون تدخلاً نوعياً إذا لم يكن شاملاً، ولا يؤدي إلى حرب شاملة. ويعرف «فريق الصقور» أن الرئيس الأميركي كان قد قاد حملته الانتخابية تحت شعارات تقليص الانتشار العسكري الأميركي، والانسحاب من أفغانستان، وأن الرأي العام الأميركي لا يؤيد تدخلاً عسكرياً جديداً، لا سيما في سورية. وقال مسؤول أميركي بارز إن التدخل النوعي سيساعد على مواصلة قضم الأرض، من الشمال حتى دمشق وانهيار النظام. ورغم أن الأميركيين يكررون أن الحل السياسي لا يزال الخيار الأفضل، إلا أن التفاهم مع الروس يعاني من عدم الحسم في قضية بقاء أو تنحي الأسد خلال العملية الانتقالية. وكان الاجتماع الروسي - الأميركي، في لندن مطلع آذار الحالي، قد أحرز بعض التقدم. وقال خبير في الشؤون الروسية إن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومساعد وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنز قد أعادا الاتفاق على تنفيذ «بيان جنيف» والذهاب إلى مجلس الأمن الدولي لتحويله إلى قرار ملزم، لكن اجتماعاً كان مقرراً في 15 الشهر الحالي بين وزراء خارجية الخمسة الكبار في نيويورك، يتناول أفغانستان أيضاً، الغي بسبب عودة الأميركيين إلى المطالبة بتنحي الاسد. ويقول المعارض السوري إن الأميركيين يعرفون أن الحسم العسكري ضد الجيش السوري عمل مستحيل، كما أن هزيمة المعارضة المسلحة ليست في متناول النظام. أما الانشقاقات فلم تطل أياً من عناصر الدائرة الأولى في الجيش والأمن والنظام، ولا توجد رهانات على حدوث انشقاقات من هذا النوع، مع استمرار صعود الإسلاميين في المعارضة المسلحة، الذي يقوّي عصبية الجيش السوري ولحمته. ويراهن الأميركيون في التدخل النوعي على تحطيم النظام السوري وإضعافه، لجلبه إلى طاولة التنازلات والتفاوض بشروطهم. ويقول معارض سوري إن إطالة أمد الصراع، يخدم مصالح الولايات المتحدة، ومصالح حليفها الإسرائيلي، بتدمير الجيش السوري، وإضعاف الموقع السوري الاستراتيجي وإخراجه من معادلة الصراع نهائياً، كائناً ما كان النظام المقبل الذي سيحكم فوق الركام السوري. كما أن استمرار تدمير الموقع السوري، سيحيل دمشق عبئاً على الحليف الإيراني المحاصر بالعقوبات، وهو ما تريده واشنطن. كما أن تدمير الموقع السوري، يحيله من دون فائدة تذكر لطهران، التي اندفعت التي التحالف معه عندما كان قوياً ومفيداً، ولن تتمسك به عندما يفقد فائدته، ويصبح ضعيفاً، بعد تدمير مؤسساته وتحطيم موارده الوطنية. وتحدث المسؤول الأميركي عن علاقته بالمعارضة السورية. وقال «نستقبل في واشنطن نوعين من المعارضين، فالبعض يأتي ويقول لنا اقصفونا (سوريا) والبعض الآخر يطالب بمساعدات مادية». ويتوقف الرهان الأميركي، بحسب المعارض السوري كما لمس في واشنطن عند حدين، قد تضطر فيهما واشنطن، تحت ضغط عامل الأمن الإسرائيلي إلى التدخل أو تعديل سياستها: انتشار الصراع خارج سوريا، وخروج الوضع عن السيطرة في مناطق المعارضة، إذا ما استمر النظام في المقاومة. وقال المعارض إن الأميركيين يراقبون أيضاً خروج مناطق في الشمال السوري وفي الوسط وأماكن أخرى عن سيطرة النظام والمعارضة، ويراهنون على وقف انهيارها بتقوية «الائتلاف الوطني السوري» المعارض عسكرياً، وهو رهان قد لا يتحقق قبل سحق ما تبقى من العمران والاجتماع السوريين.

المصدر : السفير/ محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة