بدت أوساط السلطة الفلسطينية في رام الله مرتاحة لزيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما، إذ أجرت له مراسم استقبال رسمية كاملة، في حين أن إدارتي الرئيسين كلينتون وبوش لم تقبلا تنظيم استقبالات دولة لهما، لدى زيارتهما الأراضي الفلسطينية المحتلة (1998 و2008)، ففي هذه المرة كان ثمة بروتوكول كامل، مع بساط أحمر، وحرس شرف، وفرقة موسيقية عزفت النشيدين الفلسطيني والأميركي.

اللافت أن هذه الأوساط «لاحظت» أن أوباما انحنى برأسه أمام العلم الفلسطيني (وفق تقرير جريدة مقربة من السلطة)، لكنها ويا للأسف لم تلاحظ أنه غادر الخطاب الذي كان تحدث به في أول عامين من إدارته الأولى، خصوصاً لجهة مطالبته القيادة الفلسطينية بالقفز عن مسألة الاستيطان والمشاركة في المفاوضات «من دون شروط مسبقة»، وفي مماثلته بين قيام الولايات المتحدة وإسرائيل، ومقاربته الرؤية الصهيونية ـ الدينية في هذا الشأن، بقوله: «بالنسبة الى الشعب اليهودي، الرحلة إلى دولة إسرائيل الموعودة... تخللتها عقود من المعاناة والمنفى... حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية – أن تكون حراً في وطنك».

كذلك، فإن هذه الأوساط لم تلاحظ تقرير الرئيس الأميركي بأنه «حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، ولا قوله إن «على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية». طبعاً لا يمكن تجاهل أن أوباما طالب الإسرائيليين باعتبار الاستيطان عقبة في طريق السلام وبقبول حق الفلسطينيين بدولة مستقلة قابلة للحياة، لكن هذا الكلام قاله، أيضاً، كثير من رؤساء الدول، صغيرة أو كبيرة، ومنهم رؤساء اميركيون سابقون. وفي الواقع، فإن مشكلة الولايات المتحدة أنها في الموضوع الفلسطيني تقول الكثير، من دون ان تفعل شيئاً، بل إنها تفعل الكثير لمصلحة الإسرائيليين والتغطية عليهم، وهذا حصل أخيراً في موقفها المعارض لطلب فلسطين قبولها كدولة مراقبة في الامم المتحدة. وعلى العموم، فإن اوباما قال ذلك في إطار فهمه لفكرة «انقاذ اسرائيل من نفسها»، فهو يعتقد أن إسرائيل باتت على «مفترق طرق»، مع كل ما يحصل في العالم العربي، ومع وجود تيار عالمي يمكن ان يؤدي الى عزلها، واعتباره أن قيام دولة فلسطينية هو أفضل لأمن إسرائيل ولوضعها باعتبارها دولة يهودية.

ربما أن هذه الأوساط لم تلاحظ هذه الأشياء «البسيطة»، لانشغالها عن قضية شعبها، بانبهارها بزيارة رئيس اقوى وأغنى دولة في العالم، ولاهتمامها بالإعداد لأكلات الحمص والفول والفلافل والمسخّن له، ليس بسبب موجبات الضيافة فحسب، بل على اعتبار أن ذلك بات من موجبات الصراع، لمنافسة إسرائيل، حتى ولو على معدة اوباما وذائقته.

الآن، ومع الإقرار بأهمية زيارة كهذه، لا سيما بالنسبة الى اعتراف الولايات المتحدة بالفلسطينيين، لا بد من تعزيز الإدراك، أيضاً، بأن ثمة خطأ جوهرياً في كل ما يجري، إذ لا يجوز على الإطلاق التضحية بالقضية وبالرواية الفلسطينيتين وبحقوق شعب فلسطين لمجرد تعزيز مكانة السلطة، هذا أولاً.

ثانياً، آن للقيادة الفلسطينية أن تدرك أنها ما كانت لتحظى بمكانة السلطة لولا كفاح الفلسطينيين، الطويل والعنيد والمضني، ولولا انتفاضتهم وتضحيتهم ومقاومتهم وصمودهم في وطنهم، أي أن هذا الأمر لم يحصل بسبب الشطارة والفهلوة، بخاصّة من المفاوضين الأشاوس، ولا بواسطة التوسّلات والمناشدات وإبداء حسن النية، ولا بسبب الامتثال لشروط «بناء الثقة» وفق المواصفات الإسرائيلية والأميركية.

ثالثاً، لعل ما يؤسف له حقاً هو إصرار القيادة الفلسطينية على بناء سياساتها وخياراتها على توهّمات، فمن غير المعقول التعويل على تغيير في الموقف الأميركي في وقت تعمل فيه على إضعاف الروح الكفاحية عند شعبها، وإطفاء روح المقاومة والتحدي للاحتلال عنده، سواء في الحديث المجاني عن منع قيام انتفاضة شعبية جديدة، أو في المبالغة بدور الأجهزة الأمنية، التي تنسّق مع الاحتلال، والتي تقوم بكل شيء لكبح أية حراكات شعبية، وهي أجهزة تستهلك حوالى ثلث موازنة السلطة!

رابعاً، ينبغي أن يكون مفهوماً أن الإدارة الاميركية، أو أياً كان، لا يمكن أن تكون فلسطينية أكثر من القيادة الفلسطينية ذاتها. هكذا لا يمكن ان يؤدي تحوّل الخطابات الفلسطينية نحو اعتبار الصراع مع الاسرائيليين مجرد صراع على بقعة أرض هنا أو هناك، وعلى هذه المستوطنة او تلك، والتفريط بقيم الحقيقة والعدالة والتحرّر من الاحتلال، وضمنه التغطية على الطابع الاستعماري والعنصري والديني للدولة الإسرائيلية، لا يمكن ان تؤدي هذه التنازلات الى تقريب الموقف الاميركي من حقوق الفلسطينيين، كما لا يجوز تقديم هذه التنازلات بهدف قيام دولة مستقلة بأي ثمن. والمعنى أن القيادة الفلسطينية التي أعطت التعليمات لنزع نصب يمثل خريطة فلسطين الكاملة من مدخل بيت لحم، حتى لا تتسبّب بإزعاج الرئيس اوباما، والتي تتعاطى مع إسرائيل بصفتها حقيقة مطلقة إلى الأبد، هي التي سهّلت على الرئيس اوباما خطابه «الصهيوني».

خامساً، يتّضح من كل ما تقدم أن معضلة الفلسطينيين تكمن، أيضاً، في أن قيادتهم باتت في الحلبة السياسية، بما فيها حلبة الصراع التفاوضي، من دون أوراق قوة، فهي، مثلاً، تناست أو أزاحت من معادلات القوة، أكثر من نصف شعبها، بتهميشها قضية اللاجئين، في حين أن إسرائيل تجد نفسها معنية ليس فقط بعتاة المستوطنين المتديّنين في الضفة الغربية، وإنما بأي يهودي في اقصى بقاع العالم. وتخلّت السلطة الفلسطينية أيضاً عن عمقها الشعبي العربي، بعدم فهمها، وعدم محاولتها استثمار التداعيات الناجمة عن اندلاع الثورات العربية (على نواقصها ومشكلاتها وثغراتها)، في إطار صراعها مع إسرائيل، في حين أن بنيامين نتانياهو أدخل الورقة الإيرانية كعامل قوة لمصلحته في إطار التجاذبات الدائرة بينه وبين الإدارة الأميركية. وفي كل ذلك تبدو تصرفات القيادة الفلسطينية وكأنها تعيش في جزيرة، منقطعة الصلة عن محيطها، وعن التغيرات التي تحصل على بعد عشرات الكيلومترات منها، في حين أن اسرائيل لا تدّخر ورقة لا تستعملها، من صراعها مع ايران، إلى وجود «حزب الله» في لبنان، مروراً بسلطة «حماس» في غزة، والكيماوي في سورية، وصولاً إلى تخوّفاتها على أمنها، بعد التغيرات الناجمة عن الثورات العربية.

المؤسف أن القيادة الفلسطينية في كل هذا لا تدرك، أو لا تريد أن تدرك، أن العالم، ومن ضمنه الولايات المتحدة، يتغير، وأن العالم العربي يتغير أيضاً، أي أن اسرائيل باتت تخسر محيطها، وصورتها، فهي لم تعد تحتكر مكانة الضحية، ولا مكانة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وهي باتت تبدو كمن يثقل على السياسات الغربية في الشرق الأوسط، ويضر بالأمن والاستقرار العالميين، ما يفرض على السلطة الفلسطينية التمهّل، ومراجعة خياراتها، ومواكبة التغييرات التي تحصل، لا التصرّف على الطريقة الإسرائيلية ذاتها، وكأن شيئاً لم يحصل البتة.

أيضاً، يبدو غريباً أن هــذه القيادة لـم تدرك بعد ان سلوكها الامتثالي، والمتأسس على التزام اثبات الثقة والصدقية إزاء اسرائيل، لم يفعل شيئاً سوى طمأنة الإدارة الاميركيـة، ونوم الإسرائيليين على واقع الاحتلال، لا سيما بعدما بات هذا الاحتلال مطمئنّاً ومريحاً ومربحاً في الوقت نفسه بالنسبة اليهم.

اللافت ان كل هذا يحصل في وقت تزداد فيه اسرائيل غطرسة، وإصراراً على فرض املاءاتها في عملية التسوية على الفلسطينيين. فبعد استجابتهم شرط «الأمن أولاً»، حيث لم يسقط قتيل اسرائيلي في الضفة الغربية في العام الماضي (وفق ما اخبر نتانياهو نفسه الرئيس اوباما)، باتت الأولوية لمعالجة الملف النووي الإيراني، ثم جاءت التداعيات الناجمة عن الثورات العربية، وكل ذلك مع استمرار مطالبة إسرائيل الفلسطينيين بالاعتراف بها كدولة يهودية، ومع مضيها في بناء المستوطنات وإقامة جدار الفصل العنصري.

 

قصارى القول، ان المسار الذي تتبعه القيادة الفلسطينية لا يخدم قضية فلسطين، بل إنه على عكس ذلك يؤدي إلى أفول قضيتهم، وتآكل حقوقهم، وتقويض وحدتهم وإجماعهم. وفوق ذلك، فإن مساراً كهذا يؤدي الى قيام مجرد دولة مسخ، ودولة تابعة ومجزأة، وهي حتى أقل بكثير من «الدولة المسخ» التي كانت أدبيات حركة «فتح» هاجمتها ودانتها وقاومتها، في أواخر الستينات من القرن الماضي، لمن يتذكر ذلك.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-25
  • 10454
  • من الأرشيف

أوباما في زيارة دولة إلى سلطة من دون دولة!

بدت أوساط السلطة الفلسطينية في رام الله مرتاحة لزيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما، إذ أجرت له مراسم استقبال رسمية كاملة، في حين أن إدارتي الرئيسين كلينتون وبوش لم تقبلا تنظيم استقبالات دولة لهما، لدى زيارتهما الأراضي الفلسطينية المحتلة (1998 و2008)، ففي هذه المرة كان ثمة بروتوكول كامل، مع بساط أحمر، وحرس شرف، وفرقة موسيقية عزفت النشيدين الفلسطيني والأميركي. اللافت أن هذه الأوساط «لاحظت» أن أوباما انحنى برأسه أمام العلم الفلسطيني (وفق تقرير جريدة مقربة من السلطة)، لكنها ويا للأسف لم تلاحظ أنه غادر الخطاب الذي كان تحدث به في أول عامين من إدارته الأولى، خصوصاً لجهة مطالبته القيادة الفلسطينية بالقفز عن مسألة الاستيطان والمشاركة في المفاوضات «من دون شروط مسبقة»، وفي مماثلته بين قيام الولايات المتحدة وإسرائيل، ومقاربته الرؤية الصهيونية ـ الدينية في هذا الشأن، بقوله: «بالنسبة الى الشعب اليهودي، الرحلة إلى دولة إسرائيل الموعودة... تخللتها عقود من المعاناة والمنفى... حلم الحرية وجد أخيراً تعبيره الكامل في فكرة الصهيونية – أن تكون حراً في وطنك». كذلك، فإن هذه الأوساط لم تلاحظ تقرير الرئيس الأميركي بأنه «حان الوقت لأن يخطو العالم العربي إلى الأمام تجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل»، ولا قوله إن «على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية». طبعاً لا يمكن تجاهل أن أوباما طالب الإسرائيليين باعتبار الاستيطان عقبة في طريق السلام وبقبول حق الفلسطينيين بدولة مستقلة قابلة للحياة، لكن هذا الكلام قاله، أيضاً، كثير من رؤساء الدول، صغيرة أو كبيرة، ومنهم رؤساء اميركيون سابقون. وفي الواقع، فإن مشكلة الولايات المتحدة أنها في الموضوع الفلسطيني تقول الكثير، من دون ان تفعل شيئاً، بل إنها تفعل الكثير لمصلحة الإسرائيليين والتغطية عليهم، وهذا حصل أخيراً في موقفها المعارض لطلب فلسطين قبولها كدولة مراقبة في الامم المتحدة. وعلى العموم، فإن اوباما قال ذلك في إطار فهمه لفكرة «انقاذ اسرائيل من نفسها»، فهو يعتقد أن إسرائيل باتت على «مفترق طرق»، مع كل ما يحصل في العالم العربي، ومع وجود تيار عالمي يمكن ان يؤدي الى عزلها، واعتباره أن قيام دولة فلسطينية هو أفضل لأمن إسرائيل ولوضعها باعتبارها دولة يهودية. ربما أن هذه الأوساط لم تلاحظ هذه الأشياء «البسيطة»، لانشغالها عن قضية شعبها، بانبهارها بزيارة رئيس اقوى وأغنى دولة في العالم، ولاهتمامها بالإعداد لأكلات الحمص والفول والفلافل والمسخّن له، ليس بسبب موجبات الضيافة فحسب، بل على اعتبار أن ذلك بات من موجبات الصراع، لمنافسة إسرائيل، حتى ولو على معدة اوباما وذائقته. الآن، ومع الإقرار بأهمية زيارة كهذه، لا سيما بالنسبة الى اعتراف الولايات المتحدة بالفلسطينيين، لا بد من تعزيز الإدراك، أيضاً، بأن ثمة خطأ جوهرياً في كل ما يجري، إذ لا يجوز على الإطلاق التضحية بالقضية وبالرواية الفلسطينيتين وبحقوق شعب فلسطين لمجرد تعزيز مكانة السلطة، هذا أولاً. ثانياً، آن للقيادة الفلسطينية أن تدرك أنها ما كانت لتحظى بمكانة السلطة لولا كفاح الفلسطينيين، الطويل والعنيد والمضني، ولولا انتفاضتهم وتضحيتهم ومقاومتهم وصمودهم في وطنهم، أي أن هذا الأمر لم يحصل بسبب الشطارة والفهلوة، بخاصّة من المفاوضين الأشاوس، ولا بواسطة التوسّلات والمناشدات وإبداء حسن النية، ولا بسبب الامتثال لشروط «بناء الثقة» وفق المواصفات الإسرائيلية والأميركية. ثالثاً، لعل ما يؤسف له حقاً هو إصرار القيادة الفلسطينية على بناء سياساتها وخياراتها على توهّمات، فمن غير المعقول التعويل على تغيير في الموقف الأميركي في وقت تعمل فيه على إضعاف الروح الكفاحية عند شعبها، وإطفاء روح المقاومة والتحدي للاحتلال عنده، سواء في الحديث المجاني عن منع قيام انتفاضة شعبية جديدة، أو في المبالغة بدور الأجهزة الأمنية، التي تنسّق مع الاحتلال، والتي تقوم بكل شيء لكبح أية حراكات شعبية، وهي أجهزة تستهلك حوالى ثلث موازنة السلطة! رابعاً، ينبغي أن يكون مفهوماً أن الإدارة الاميركية، أو أياً كان، لا يمكن أن تكون فلسطينية أكثر من القيادة الفلسطينية ذاتها. هكذا لا يمكن ان يؤدي تحوّل الخطابات الفلسطينية نحو اعتبار الصراع مع الاسرائيليين مجرد صراع على بقعة أرض هنا أو هناك، وعلى هذه المستوطنة او تلك، والتفريط بقيم الحقيقة والعدالة والتحرّر من الاحتلال، وضمنه التغطية على الطابع الاستعماري والعنصري والديني للدولة الإسرائيلية، لا يمكن ان تؤدي هذه التنازلات الى تقريب الموقف الاميركي من حقوق الفلسطينيين، كما لا يجوز تقديم هذه التنازلات بهدف قيام دولة مستقلة بأي ثمن. والمعنى أن القيادة الفلسطينية التي أعطت التعليمات لنزع نصب يمثل خريطة فلسطين الكاملة من مدخل بيت لحم، حتى لا تتسبّب بإزعاج الرئيس اوباما، والتي تتعاطى مع إسرائيل بصفتها حقيقة مطلقة إلى الأبد، هي التي سهّلت على الرئيس اوباما خطابه «الصهيوني». خامساً، يتّضح من كل ما تقدم أن معضلة الفلسطينيين تكمن، أيضاً، في أن قيادتهم باتت في الحلبة السياسية، بما فيها حلبة الصراع التفاوضي، من دون أوراق قوة، فهي، مثلاً، تناست أو أزاحت من معادلات القوة، أكثر من نصف شعبها، بتهميشها قضية اللاجئين، في حين أن إسرائيل تجد نفسها معنية ليس فقط بعتاة المستوطنين المتديّنين في الضفة الغربية، وإنما بأي يهودي في اقصى بقاع العالم. وتخلّت السلطة الفلسطينية أيضاً عن عمقها الشعبي العربي، بعدم فهمها، وعدم محاولتها استثمار التداعيات الناجمة عن اندلاع الثورات العربية (على نواقصها ومشكلاتها وثغراتها)، في إطار صراعها مع إسرائيل، في حين أن بنيامين نتانياهو أدخل الورقة الإيرانية كعامل قوة لمصلحته في إطار التجاذبات الدائرة بينه وبين الإدارة الأميركية. وفي كل ذلك تبدو تصرفات القيادة الفلسطينية وكأنها تعيش في جزيرة، منقطعة الصلة عن محيطها، وعن التغيرات التي تحصل على بعد عشرات الكيلومترات منها، في حين أن اسرائيل لا تدّخر ورقة لا تستعملها، من صراعها مع ايران، إلى وجود «حزب الله» في لبنان، مروراً بسلطة «حماس» في غزة، والكيماوي في سورية، وصولاً إلى تخوّفاتها على أمنها، بعد التغيرات الناجمة عن الثورات العربية. المؤسف أن القيادة الفلسطينية في كل هذا لا تدرك، أو لا تريد أن تدرك، أن العالم، ومن ضمنه الولايات المتحدة، يتغير، وأن العالم العربي يتغير أيضاً، أي أن اسرائيل باتت تخسر محيطها، وصورتها، فهي لم تعد تحتكر مكانة الضحية، ولا مكانة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، وهي باتت تبدو كمن يثقل على السياسات الغربية في الشرق الأوسط، ويضر بالأمن والاستقرار العالميين، ما يفرض على السلطة الفلسطينية التمهّل، ومراجعة خياراتها، ومواكبة التغييرات التي تحصل، لا التصرّف على الطريقة الإسرائيلية ذاتها، وكأن شيئاً لم يحصل البتة. أيضاً، يبدو غريباً أن هــذه القيادة لـم تدرك بعد ان سلوكها الامتثالي، والمتأسس على التزام اثبات الثقة والصدقية إزاء اسرائيل، لم يفعل شيئاً سوى طمأنة الإدارة الاميركيـة، ونوم الإسرائيليين على واقع الاحتلال، لا سيما بعدما بات هذا الاحتلال مطمئنّاً ومريحاً ومربحاً في الوقت نفسه بالنسبة اليهم. اللافت ان كل هذا يحصل في وقت تزداد فيه اسرائيل غطرسة، وإصراراً على فرض املاءاتها في عملية التسوية على الفلسطينيين. فبعد استجابتهم شرط «الأمن أولاً»، حيث لم يسقط قتيل اسرائيلي في الضفة الغربية في العام الماضي (وفق ما اخبر نتانياهو نفسه الرئيس اوباما)، باتت الأولوية لمعالجة الملف النووي الإيراني، ثم جاءت التداعيات الناجمة عن الثورات العربية، وكل ذلك مع استمرار مطالبة إسرائيل الفلسطينيين بالاعتراف بها كدولة يهودية، ومع مضيها في بناء المستوطنات وإقامة جدار الفصل العنصري.   قصارى القول، ان المسار الذي تتبعه القيادة الفلسطينية لا يخدم قضية فلسطين، بل إنه على عكس ذلك يؤدي إلى أفول قضيتهم، وتآكل حقوقهم، وتقويض وحدتهم وإجماعهم. وفوق ذلك، فإن مساراً كهذا يؤدي الى قيام مجرد دولة مسخ، ودولة تابعة ومجزأة، وهي حتى أقل بكثير من «الدولة المسخ» التي كانت أدبيات حركة «فتح» هاجمتها ودانتها وقاومتها، في أواخر الستينات من القرن الماضي، لمن يتذكر ذلك.

المصدر : الحياة/ماجد كيالي *


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة