دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تحلّ اليوم الذكرى العاشرة للحرب الأميركية على العراق. كلّفت هذه الحرب العدوانية مئات آلاف الشهداء وملايين المشردين العراقيين وتدمير مؤسسات الدولة،وأهمها الجيش الوطني. ومن الجانب الأميركي كانت الكلفة باهظة مع أكثر من 5000 قتيل و55 ألف معطوب جسدياً، وربما مثلهم من المعطوبين نفسياً، بالإضافة إلى تريليونيّ دولار. وهو ما أنتج ما يُعرَف بـ «العقدة العراقية».
لم يمض العراق، بعد إزاحة صدام، نحو ديموقراطية حديثة بناءة، وإنما نحو تفسيخ المجتمع العراقي إلى مجاميع مذهبية وقومية، تنتمي في عقليتها وممارستها إلى ما قبل الدولة. وما يزال الإرهاب فاعلاً في البلاد، والانقسامات حادة، ومشاريع إعادة البناء معطّلة.
الخلاصة المستفادة من التجربة العراقية المفجعة هي أن فكرة إعادة بناء الدول ودمقرطتها من فوق، ببرامج استشراقية، وبتجاهل تكوينها الواقعي ونمط بنائها السياسي وتوازنات علاقاتها الداخلية، هي فكرة كارثية.
دمقرطة العراق، كانت بالنسبة للأميركيين، تعني شيئاً واحداً هو عملية نقل السلطة .."طائفيا"... وهو ما أسس لحرب أهلية ما تزال مستعرة.
ما يحدث في سورية، منذ سنتين، هو تكرار لهذه التجربة بوسائل أخرى؛ فبدلاً من القوات الأميركية، تقوم المجموعات السلفية الجهادية بالمهمة المطلوبة، مهمة تحطيم الدولة السورية. وهي عملية ستستمر وتتصاعد حتى لو تنحّى الرئيس بشار الأسد. ولعل المثال الليبي الفاجع يضع النقاط على الحروف.
شكلت سورية، منذ مطلع الألفية، البند الثاني على اللائحة الأميركية لدمقرطة الشرق الأوسط. وجوهر هذه العملية يكمن في نقل السلطة، على أساس طائفي وبالقوة وبالتدخل الخارجي، "طائفيا". وستؤسس هذه العملية، بدورها، لمحاصصة تنتج عوامل الحرب الأهلية أو التقسيم.
البلد الثالث على اللائحة هو الأردن الذي يكمن المشروع الأميركي لدمقرطته في نقطة واحدة وحيدة، هي تمكين ما يعتبره الأميركيون «أكثرية فلسطينية»، من السيطرة على الدولة من دون تحطيمها ـــ كالعراق وسورية ـــ لسببين، أولهما أن استقرار الأردن هو حاجة توطينية بعيدة المدى، وثانيهما وجود نوع من التحالف بين خط أساسي في الدولة الأردنية والمقاربة الأميركية.
والأردن، اليوم، على شفا الهاوية؛ ففي غضون الشهر الأخير، شهدت البلاد تصعيدين غير مسبوقين، قد يتشابكان، في أي لحظة، في ظل ما يشبه غياب الدولة والفوضى السياسية وضياع البوصلة: التصعيد الأول يتمثل في حملة نيابية سياسية واسعة، تطالب، وبلغة التهديد بالعنف، بفتح باب التجنيس والمحاصصة السياسية أمام الأردنيين ــــ الفلسطينيين، والتصعيد الثاني يتمثل في التهديدات الصريحة لسلفيين جهاديين عائدين من سورية، باقتراب افتتاح «الجبهة الأردنية» أمام الجهاد.
ووسط هذه الأجواء المشحونة الخطيرة، صار لا بد من مقاربة مستجدة، وطنية وديموقراطية وواقعية، تسعى لرأب الانقسام الداخلي، ومنع تحوّله إلى مجابهة دموية:
أولاً، التوصّل إلى معيار قانوني واحد للتمتع بالجنسية الأردنية في قانون جديد للجنسية، يعتبر أن الأردني هو مَن كان يقيم، بصورة دائمة، في الأردن (الضفة الشرقية)، بغض النظر عن أصله، بتاريخ فك الإرتباط بين الضفتين، في 31 تموز 1988، ثانياً، منح جميع الفلسطينيين المقيمين، ممن لا يحوزون الجنسية الأردنية، كافة الحقوق المدنية كجالية عربية لها وضع خاص، ثالثاً، حل الإشكال القانوني للغزيين المقيمين في الأردن من خلال منحهم جواز السفر الفلسطيني، وتنظيم وجودهم القانوني في البلاد، على أن يتمتعوا بكافة الحقوق المدنية، رابعاً، بالنسبة لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير فلسطينيين، يتم منحهم الحقوق المدنية كاملة، ما عدا الجنسية، سوى في حالتين: أبناء الأرملة وأبناء المطلقة.
أما في ما يتصل بالحقوق السياسية للأردنيين، بغض النظر عن أصولهم، فلدينا نموذج الحل الماليزي القائم على إدماج النخب بين القطاعين، العام والخاص، في عملية متدرجة مخططة تكفل، في النهاية، توحيد النخب وإنهاء الانشقاق. وذلك، وفق ما يأتي:
أولاً، الدمج بين المعايير المعتمدة عالمياً للتمثيل. وهي تشمل المعيار الجغرافي والمعيار التنموي والتمييز الايجابي للأطراف والمعيار السكاني، ثانياً، الشروع في خطة وطنية للتنمية المستدامة في المحافظات، تعمّ سكانها بغض النظر عن أصولهم، لتحسين مستوى حياتهم ودمجهم في الاقتصاد، وتطوير مستوى ونوعية مشاركتهم السياسية، ثالثاً، عدم التدخل السياسي في المؤسسة العسكرية والأمنية اللتين تقدران، مؤسسياً ومهنياً، كيف تديران هيكليتهما، رابعاً، رفض المحاصصة كلياً، واعتماد مبدأ المواطنة.
يرتبط كل ذلك بسياق تفاهم وطني شامل، يقوم على اقتصاد عادل وديموقراطية اجتماعية وفتح الأبواب والفرص أمام المواهب والقدرات الشابة، وتطوير الخدمات العامة، وتحرير البلد من الفساد والحفاظ على الكرامة الانسانية للجميع.
المصدر :
الأخبار/ ناهض حتر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة