يتراقص الكلام الغربي حول سورية وتغص الإدارة الأميركية بمضمون ما سلمت به لأن التسوية في مضمونها تقوم على ركيزة الإخفاق الأميركي المشين في إسقاط الرئيس بشار الأسد و تنطلق من حقيقة الفشل الإمبراطوري في إخضاع الدولة الوطنية و الشعب و الجيش السوريين للهيمنة الأميركية الصهيونية .

لأن الحقيقة العارية التي سلم بها جون كيري مؤخرا هي تسوية بمعنى الهزيمة للولايات المتحدة والغرب الاستعماري و جوقة حكام الخليج و تركيا يدور الغرب و يلتف عليها من خلال الكلام عن تسليح العصابات الإرهابية و التهويل بتوسيع نطاق العمليات و مسرحها قبل الجلوس إلى طاولة التكريس الرسمي في قمة أميركية روسية لم تعد بعيدة كما يقول الدبلوماسيون في الشرق و الغرب.

أولا بطلب أميركي دعا وزيرا خارجية المستعمرتين الفرنسية و البريطانية لوران فابيوس و وليم هيغ لتسليح العصابات المسلحة في سورية ثم خرج رئيس حكومة صاحبة الجلالة ديفيد كاميرون نافيا و ظهر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند متلعثما في الاجتماع الأوروبي لمناقشة الموضوع ، مع العلم أن ما قدمه الغرب من سلاح و شبكات اتصالات بات في أيدي العصابات العاجزة عن تحقيق تقدم جدي في الميدان و فرق التدخل و التخريب و التدريب الغربية الأميركية و الفرنسية و البريطانية ناشطة في لبنان و الأردن و العراق أيضا.

أمام الردع السياسي الروسي تم تسريب كلام في الكواليس الأميركية عن أن وظيفة وعود السلاح من جديد هي رفع معنويات العصابات مع دنو استحقاق التفاوض الروسي الأميركي الذي سيلزم حكومات العدوان بترتيبات وقف العنف التي طرحها الأسد في برنامجه للحل السياسي .

 

لكن ربع الساعة الأخير على الطريقة الأميركية هو هامش لاستهلاك قدرات العملاء في تحسين الشروط قبل الاعتراف الصريح بفشل العدوان على الدولة العربية التي قال ديفيد بيترايوس إنها المسؤولة عن إفشال المشاريع الأميركية للشرق منذ أكثر من ثلاثين عاما أي منذ اتفاقيات كمب ديفيد و الاحتلال الإسرائيلي للبنان و الخلاصة : موجة التصريحات والبيانات المتضاربة و المرتبكة تعبر عن مأزق العدوان على الدولة السورية وليست كما يوحي الغرب وحكومات الخليج وتركيا إيذانا بحشد قدرات هجومية جديدة لتصعيد العدوان.

ثانيا شهد الأسبوع الماضي تطورا دراماتيكيا على الصعيد السياسي المتصل بالوضع السوري من خلال الإنذار الشديد الذي انطوت عليه اللهجة الروسية في التعامل مع الموقف الأميركي من مشروع التسوية الذي تم التفاهم عليه في جنيف قبل ثمانية أشهر وشكلت التصريحات الفرنسية والبريطانية حول إرسال السلاح إلى العصابات الإرهابية في سورية مناسبة لهز العصا الروسية من خلال بيان وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قال إن أي عمل من هذا القبيل سيعامل على انه خرق للقانون الدولي و قد بات معلوما أن تحريك الأسطول الروسي في المتوسط و إلى ميناء طرطوس و رسم خطوط حمراء حول نوعية الأسلحة التي تزود بها العصابات الإرهابية باتت من أدوات الضبط و الربط الروسية لصد حلف العدوان على سورية و لترجمة مضمون معادلات القوة الجديدة في العالم و المنطقة .

لقد جهد وزير الخارجية الأميركية جون كيري خلال جولته الأخيرة للتلاعب بما تم التفاهم عليه مع روسيا في جنيف ،لكن وجد كيري نفسه مضطرا لإصدار إعلان سياسي شكل صدمة عنيفة للواجهات المعارضة العميلة عندما أعلن عن التزام الولايات المتحدة بالحل السياسي المتمثل بالتحضير لمفاوضات بين الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية و هو تحاشى عامدا مفردة الحوار التي تعني أن الأمر هو شراكة في صناعة الحل وفق تعريف الرئيس الأسد تدعى إليها جميع مكونات الطيف السياسي الوطني في سورية تحت سقف الدولة الوطنية السورية لكنه أرغم على الإقرار بخضوع واشنطن لسقوط شعار التنحي .

ثالثا الإعلان الأميركي يأتي بعد مرور عامين من اندلاع الأحداث وبعد تورط واشنطن في رفع شعار تنحي الأسد كعنوان للحرب و بوصفه هدفا مركزيا تسعى إليه ،وبالتالي يمثل كلام كيري إقرارا بهزيمة كاملة تجد الولايات المتحدة صعوبة كبيرة في هضمها وفي دفع عملائها وشركائها إلى ابتلاع النتائج المرتقبة و التكيف معها ولذلك يسود الازدواج السلوك الأميركي .

ضمن خطة ربع الساعة الأخير يبدو واضحا أن الولايات المتحدة تقوم بجهود يائسة للتأثير على التوازنات و هي زجت بالأردن في الحرب على سورية من خلال معسكرات التدريب التي أقيمت لديه وعبر شحنات السلاح الكرواتية التي مولتها السعودية وخزنت في الأردن لتهريبها إلى داخل سورية خلال الأشهر الثلاث الأخيرة، في حين تنتشر إعلاميا سيناريوهات عديدة تلوح بتدخل إسرائيلي في سورية هدفه إقامة شريط حدودي يسلم لعصابة الجيش الحر الجاري تدريبها في الأردن بينما تروج الدعاية الغربية لتوقعات تتصل بهجمات جديدة للعاصبات الإرهابية في دمشق و لسيناريوهات حرب شاملة في المنطقة تبادر إليها إسرائيل بالتزامن مع تفجير واسع داخل لبنان و العراق.

رابعا الحقيقة التي تقود إليها جميع الحسابات هي أن أي مغامرة إسرائيلية في سورية أو في لبنان وفقا لما ألمح بعض القادة الإسرائيليين ستكون نتائجها كارثية على إسرائيل وعلى المصالح الغربية في المنطقة فتوازن القوى الإجمالي ثابت وراسخ لجهة قدرات الردع عند منظومة المقاومة أي إيران وسورية والمقاومة اللبنانية و هذه المنظومة متشابكة بتحالف عالمي أوسع يضم روسيا و الصين ومجموعة البريكس محوره تحرير العالم من الهيمنة الأميركية .

و في هذا المجال يقر الخبراء بأنه رغم كل الأحداث والاضطرابات يحتفظ الجيش السوري باستعداد كبير لردع إسرائيل وما تزال قدرات الدفاع الجوي و منظومة سلاح الصواريخ السورية سليمة ، على الرغم مما لحق بهما في بعض المناطق على يد الجماعات المرتبطة بالمخابرات الغربية و الإسرائيلية و التركية الخليجية ، و يعترف الإسرائيليون والأميركيون معا بأن الجيش السوري أثبت تماسكه وصلابة منظومة القيادة والسيطرة التي يمتاز بها وهو ما يعني أن إسرائيل التي تتوقع في حالة الحرب تساقط 1500 صاروخ في اليوم الواحد من لبنان على عمقها الاقتصادي والاستراتيجي عليها أن تتحسب لآلاف الصواريخ السورية يوميا عدا عن مفاجآت المقاومة التي توعد بها قائدها السيد حسن نصرالله غير مرة .

خامسا بعد عامين على الحرب العالمية التي تستهدف سورية يراهن رئيس الأركان الإسرائيلي على إطالة أمد النزيف السوري وقد طرح في مؤتمر هرتسيليا مشروعه لتمزيق سورية ولبنان بهدف إشعال حرائق كبرى تغطي عملية تهجير واسعة لفلسطيني الضفة ولأبناء فلسطين المحتلة عام 48 من أجل إعلان الدولة اليهودية وهذا ما يكشف حقيقة الأهداف الكامنة خلف استهداف الدولة الوطنية السورية وتورط حكام تركيا والخليج في مشروع الدولة اليهودية و في تصفية قضية فلسطين فلم يتردد الجنرال بني غانتس في الإعلان أن قواته ستنفذ خطة تهجير الفلسطينيين وتوطينهم ضمن مسار الحرائق اللبنانية والسورية الموعودة .

توقعات غانتس سوف تتكشف عن أحلام يقظة فالوقائع تشير إلى أن الدولة الوطنية السورية بصمودها وثباتها ستقلب المعادلات بينما المقاومة اللبنانية ومعها القوى الوطنية متنبهة لما يخطط في لبنان وان وقعت المواجهات الكبرى فعلى الإسرائيليين أن يفكروا بما سيتبقى من كيانهم قبل إعلان مجلس الأمن الدولي لموعد وقف القتال.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-16
  • 12783
  • من الأرشيف

لأنها تسوية بمعنى الهزيمة

يتراقص الكلام الغربي حول سورية وتغص الإدارة الأميركية بمضمون ما سلمت به لأن التسوية في مضمونها تقوم على ركيزة الإخفاق الأميركي المشين في إسقاط الرئيس بشار الأسد و تنطلق من حقيقة الفشل الإمبراطوري في إخضاع الدولة الوطنية و الشعب و الجيش السوريين للهيمنة الأميركية الصهيونية . لأن الحقيقة العارية التي سلم بها جون كيري مؤخرا هي تسوية بمعنى الهزيمة للولايات المتحدة والغرب الاستعماري و جوقة حكام الخليج و تركيا يدور الغرب و يلتف عليها من خلال الكلام عن تسليح العصابات الإرهابية و التهويل بتوسيع نطاق العمليات و مسرحها قبل الجلوس إلى طاولة التكريس الرسمي في قمة أميركية روسية لم تعد بعيدة كما يقول الدبلوماسيون في الشرق و الغرب. أولا بطلب أميركي دعا وزيرا خارجية المستعمرتين الفرنسية و البريطانية لوران فابيوس و وليم هيغ لتسليح العصابات المسلحة في سورية ثم خرج رئيس حكومة صاحبة الجلالة ديفيد كاميرون نافيا و ظهر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند متلعثما في الاجتماع الأوروبي لمناقشة الموضوع ، مع العلم أن ما قدمه الغرب من سلاح و شبكات اتصالات بات في أيدي العصابات العاجزة عن تحقيق تقدم جدي في الميدان و فرق التدخل و التخريب و التدريب الغربية الأميركية و الفرنسية و البريطانية ناشطة في لبنان و الأردن و العراق أيضا. أمام الردع السياسي الروسي تم تسريب كلام في الكواليس الأميركية عن أن وظيفة وعود السلاح من جديد هي رفع معنويات العصابات مع دنو استحقاق التفاوض الروسي الأميركي الذي سيلزم حكومات العدوان بترتيبات وقف العنف التي طرحها الأسد في برنامجه للحل السياسي .   لكن ربع الساعة الأخير على الطريقة الأميركية هو هامش لاستهلاك قدرات العملاء في تحسين الشروط قبل الاعتراف الصريح بفشل العدوان على الدولة العربية التي قال ديفيد بيترايوس إنها المسؤولة عن إفشال المشاريع الأميركية للشرق منذ أكثر من ثلاثين عاما أي منذ اتفاقيات كمب ديفيد و الاحتلال الإسرائيلي للبنان و الخلاصة : موجة التصريحات والبيانات المتضاربة و المرتبكة تعبر عن مأزق العدوان على الدولة السورية وليست كما يوحي الغرب وحكومات الخليج وتركيا إيذانا بحشد قدرات هجومية جديدة لتصعيد العدوان. ثانيا شهد الأسبوع الماضي تطورا دراماتيكيا على الصعيد السياسي المتصل بالوضع السوري من خلال الإنذار الشديد الذي انطوت عليه اللهجة الروسية في التعامل مع الموقف الأميركي من مشروع التسوية الذي تم التفاهم عليه في جنيف قبل ثمانية أشهر وشكلت التصريحات الفرنسية والبريطانية حول إرسال السلاح إلى العصابات الإرهابية في سورية مناسبة لهز العصا الروسية من خلال بيان وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قال إن أي عمل من هذا القبيل سيعامل على انه خرق للقانون الدولي و قد بات معلوما أن تحريك الأسطول الروسي في المتوسط و إلى ميناء طرطوس و رسم خطوط حمراء حول نوعية الأسلحة التي تزود بها العصابات الإرهابية باتت من أدوات الضبط و الربط الروسية لصد حلف العدوان على سورية و لترجمة مضمون معادلات القوة الجديدة في العالم و المنطقة . لقد جهد وزير الخارجية الأميركية جون كيري خلال جولته الأخيرة للتلاعب بما تم التفاهم عليه مع روسيا في جنيف ،لكن وجد كيري نفسه مضطرا لإصدار إعلان سياسي شكل صدمة عنيفة للواجهات المعارضة العميلة عندما أعلن عن التزام الولايات المتحدة بالحل السياسي المتمثل بالتحضير لمفاوضات بين الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية و هو تحاشى عامدا مفردة الحوار التي تعني أن الأمر هو شراكة في صناعة الحل وفق تعريف الرئيس الأسد تدعى إليها جميع مكونات الطيف السياسي الوطني في سورية تحت سقف الدولة الوطنية السورية لكنه أرغم على الإقرار بخضوع واشنطن لسقوط شعار التنحي . ثالثا الإعلان الأميركي يأتي بعد مرور عامين من اندلاع الأحداث وبعد تورط واشنطن في رفع شعار تنحي الأسد كعنوان للحرب و بوصفه هدفا مركزيا تسعى إليه ،وبالتالي يمثل كلام كيري إقرارا بهزيمة كاملة تجد الولايات المتحدة صعوبة كبيرة في هضمها وفي دفع عملائها وشركائها إلى ابتلاع النتائج المرتقبة و التكيف معها ولذلك يسود الازدواج السلوك الأميركي . ضمن خطة ربع الساعة الأخير يبدو واضحا أن الولايات المتحدة تقوم بجهود يائسة للتأثير على التوازنات و هي زجت بالأردن في الحرب على سورية من خلال معسكرات التدريب التي أقيمت لديه وعبر شحنات السلاح الكرواتية التي مولتها السعودية وخزنت في الأردن لتهريبها إلى داخل سورية خلال الأشهر الثلاث الأخيرة، في حين تنتشر إعلاميا سيناريوهات عديدة تلوح بتدخل إسرائيلي في سورية هدفه إقامة شريط حدودي يسلم لعصابة الجيش الحر الجاري تدريبها في الأردن بينما تروج الدعاية الغربية لتوقعات تتصل بهجمات جديدة للعاصبات الإرهابية في دمشق و لسيناريوهات حرب شاملة في المنطقة تبادر إليها إسرائيل بالتزامن مع تفجير واسع داخل لبنان و العراق. رابعا الحقيقة التي تقود إليها جميع الحسابات هي أن أي مغامرة إسرائيلية في سورية أو في لبنان وفقا لما ألمح بعض القادة الإسرائيليين ستكون نتائجها كارثية على إسرائيل وعلى المصالح الغربية في المنطقة فتوازن القوى الإجمالي ثابت وراسخ لجهة قدرات الردع عند منظومة المقاومة أي إيران وسورية والمقاومة اللبنانية و هذه المنظومة متشابكة بتحالف عالمي أوسع يضم روسيا و الصين ومجموعة البريكس محوره تحرير العالم من الهيمنة الأميركية . و في هذا المجال يقر الخبراء بأنه رغم كل الأحداث والاضطرابات يحتفظ الجيش السوري باستعداد كبير لردع إسرائيل وما تزال قدرات الدفاع الجوي و منظومة سلاح الصواريخ السورية سليمة ، على الرغم مما لحق بهما في بعض المناطق على يد الجماعات المرتبطة بالمخابرات الغربية و الإسرائيلية و التركية الخليجية ، و يعترف الإسرائيليون والأميركيون معا بأن الجيش السوري أثبت تماسكه وصلابة منظومة القيادة والسيطرة التي يمتاز بها وهو ما يعني أن إسرائيل التي تتوقع في حالة الحرب تساقط 1500 صاروخ في اليوم الواحد من لبنان على عمقها الاقتصادي والاستراتيجي عليها أن تتحسب لآلاف الصواريخ السورية يوميا عدا عن مفاجآت المقاومة التي توعد بها قائدها السيد حسن نصرالله غير مرة . خامسا بعد عامين على الحرب العالمية التي تستهدف سورية يراهن رئيس الأركان الإسرائيلي على إطالة أمد النزيف السوري وقد طرح في مؤتمر هرتسيليا مشروعه لتمزيق سورية ولبنان بهدف إشعال حرائق كبرى تغطي عملية تهجير واسعة لفلسطيني الضفة ولأبناء فلسطين المحتلة عام 48 من أجل إعلان الدولة اليهودية وهذا ما يكشف حقيقة الأهداف الكامنة خلف استهداف الدولة الوطنية السورية وتورط حكام تركيا والخليج في مشروع الدولة اليهودية و في تصفية قضية فلسطين فلم يتردد الجنرال بني غانتس في الإعلان أن قواته ستنفذ خطة تهجير الفلسطينيين وتوطينهم ضمن مسار الحرائق اللبنانية والسورية الموعودة . توقعات غانتس سوف تتكشف عن أحلام يقظة فالوقائع تشير إلى أن الدولة الوطنية السورية بصمودها وثباتها ستقلب المعادلات بينما المقاومة اللبنانية ومعها القوى الوطنية متنبهة لما يخطط في لبنان وان وقعت المواجهات الكبرى فعلى الإسرائيليين أن يفكروا بما سيتبقى من كيانهم قبل إعلان مجلس الأمن الدولي لموعد وقف القتال.

المصدر : غالب قنديل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة