دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
فرضت فرنسا وبريطانيا على القمة الأوروبية نقاش تسليح المعارضة السورية. ووسط الخلافات الكبيرة التي طبعت سابقاً هذا النقاش، كان من الطبيعي ألا تلقى تجاوباً مطالبتهما برفع حظر توريد الأسلحة عن سوريا. أقصى ما أمكن الإجماع حوله، أمس، هو وضع نقاش الحظر في مقدمة أولويات وزراء خارجية دول الاتحاد، في اجتماع تشاوري قريب. ثمة دول رافضة تماماً للفكرة، وعلى رأسها ألمانيا، ودول مترددة، وقلة لا تمانع في استكشاف ما يحققه خيار التسليح، مع تشديد على ضرورة التحرك ضمن «موقف مشترك».
الرئيس الفرنسي أثار عاصفة النقاش في القمة. حالما وطئت قدماه بروكسل، سارع للإعلان عن دعمه تسليح المعارضة لتمكينها من إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وتسريع الانتقال السياسي الذي لا يريده الأخير، وهو رأس النظام السوري كما قال.
ولكن إعلان الاتحاد الأوروبي بالإجماع تسليح المعارضة يبدو مستحيلاً. لذلك، بادرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى التأكيد أن «الأمور لا تسير بهذه الطريقة» داخل الاتحاد، وأن رغبة دولتين في تبني قرار لا تعني أن يتبعهما الآخرون. ألمانيا تشكك بأن تسليح المعارضة سيصعّد الصراع، ومستشارتها «مقتنعة» بحجة أن روسيا وايران «تنتظران إشارة صغيرة» لجعل الأسلحة تتدفق ليس فقط إلى النظام السوري. لقد قالت، خلال مؤتمر صحافي، إنه ينبغي التفكير «بالوضع الهش في لبنان وما يعنيه تسليح حزب الله».
مثل ألمانيا، وافقت الدول الأوروبية على «إعادة فحص» حظر الأسلحة، لتحديد نطاق جديد ربما للتسوية. تسوية من الصعب، وفقاً للمعلن، أن تصل حدّ رفع الحظر. فأي قرار أوروبي مشترك يجب أن يُتخذ بالإجماع، وهو أمر لطالما جعل بيت القرارات الأوروبية قائماً على أعمدة التسويات. هذا ما قاله رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي، معقباً على الخلافات القائمة حول الحظر «ليس أمراً خارقاً للطبيعة على الإطلاق أن هناك حساسيات ووجهات نظر مختلفة، ولهذا هناك فن التسوية للوصول إلى أرضية مشتركة وإلى موقف مشترك».
أن تعلن دولة واحدة رفضها يعني هذا تعطيل قرار على المستوى الأوروبي. هذا ما جعل، مثلا، نقاشات الموازنة الأوروبية على المدى الطويل تدوم أشهراً، بسبب تهديد بريطانيا باستخدام «الفيتو».
ليست ألمانيا وحيدة في رفضها قرار التسليح، بل معظم الدول الأوروبية تراوح بين الرفض والتردد. مستشار النمسا فرنز فايمان، أعلن رفضه التام
لمبدأ التسليح من أساسه، بغض النظر عن معارضة أو نظام. موقف بلده هو الخشية على المجتمع السوري، بنسيجه وأقلياته. الأسباب المعلنة عموماً هي حزمة واحدة: السلاح سيتدفق والصراع سيتصاعد، إضافة إلى الخوف من وصوله إلى «الأيدي الخطأ».
نقاش رفع الحظر سيكون العنوان الرئيس في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، غير الرسمي، في دبلن يوم الجمعة المقبل. لكن اجتماعات تشاورية كهذه لا يمكن خلالها اتخاذ قرارات رسمية. والاجتماع الرسمي المقبل لوزراء الخارجية في أواخر نيسان. لكن هذا آخر ما يشغل بال فرنسا، كما قال مصدر أوروبي متابع للملف. المصدر قال لـ«السفير» إن الإمكانية التي تناور فيها باريس هي «الوصول إلى تسوية جديدة عبر قرار سياسي»، موضحاً أن ذلك إذا حصل سيكون «كافياً للتحرك» بمقتضى الاتفاق. رفع الحظر غير متوقع، لكن لا يمكن استبعاد إمكانية إيجاد صيغة «متعددة الاستخدام»، تسمح لكل دولة راغبة بمساعدة المعارضة كما ترى مناسباً. في الأصل، الصيغة الحالية التي تسمح بـ«المعدات غير الفتاكة» أوجدت لغرض مشابه، وكل من شاء ترجمته ما دام لا يرسل ذخيرة وما يطلقها.
ثمة إصرار أوروبي في عدم السماح بخطوة تخرق اتفاقاً مشتركاً حول الحظر، بشكل معلن، حتى لو كانت من بريطانيا وفرنسا. رئيس وزراء لوكسبمورغ جان كلود يونكر، قال لـ«السفير» حول هذه القضية، إن «عدم اتخاذ قرار مشترك خطير إلى حد ما، بما أننا نعطي الانطباع أننا نبتعد عن السياسة الخارجية المشتركة»، مضيفاً «ما هو مطلوب، هو قرار مشترك من الاتحاد الأوروبي».
رئيس المجلس الأوروبي كرّر ذلك بطريقة مختلفة، معتبراً ألا شيء يبرّر الذهاب في قرارات منفردة، فـ«هناك شعور متزايد بالإحباط إزاء الحالة الإنسانية في سوريا. وهناك شعور متزايد بالإحباط إزاء عدم إحراز تقدم على الجبهة السياسية»، مضيفاً «لكن، مرة أخرى، نعمل في إطار سياسة خارجية ودفاعية مشتركة، ونيتنا هي الاستمرار في العمل في هذا النوع من الإطار».
أما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فيبدو أنه تراجع خطوة عن الاندفاعة السابقة، ولا يمكن هنا إغفال ما قالته الخارجية الأميركية على لسان الناطقة باسمها، من تأييدها دعم الأوروبيين للمعارضة بـ«معدات غير فتاكة». كاميرون قال في القمة إن بلاده ستضغط لتسريع الانتقال السياسي، ولم يذكر إمداد المعارضة بالأسلحة بل العمل معها «للتأكد من أنهم يفعلون الصواب»، أما هذا العمل فمجاله لا يتضمن التسلح كما أوضح «بالمساعدة الفنية نستطيع القيام بذلك».
الرئيس الفرنسي أكد أن لديه ضمانات بألا تصل الأسلحة إلى «الأيدي الخطأ»، لكنه خفّف من وعد وزير خارجيته الذي تحدث عن قرار حول رفع الحظر خلال شهر آذار الحالي، إذ تحدث عن بذل كل جهده للاتفاق «بحلول نهاية أيار على أقصى تقدير».
المصدر :
السفير/وسيم ابراهيم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة