بعد فشل المشروع التركي بتعيين "والٍ تركي" على سورية في أيلول 2012، أعطى الأميركيون أوامرهم للجامعة العربية بضرورة تعيين والٍ سوري الأصل أميركي الهوى والقرار ليكون رئيس حكومة مؤقتة أو انتقالية أو في المنفى، وذلك لتحقيق الأهداف الآتية:

- تعدد الهيئات والائتلافات السياسية المعارضة سياسياً وفكرياً وعسكرياً. فعلى المستوى السياسي: مجلس اسطنبول وائتلاف الدوحة وهيئة التنسيق والإخوان، والتجمع الجديد الذي ستؤسسه قطر للرسميين المنشقين عن النظام.

- تعيين رئيس هيئة تنفيذية سيُلغي عملياً كل الهيئات السابقة التي تشكلت، وستحصر الجهات الدولية والعربية اتصالاتها ودعمها لهذه المؤسسة الجديدة، أي إلغاء ما تم تأسيسه على مدى العامين الماضيين، تحضيراً للمرحلة المقبلة (الخطة ب)، بعدما فشل مشروع إسقاط النظام، وبدأت مرحلة الحوار مع النظام للوصول إلى تأمين المشاركة في الحكم في سورية.

- تسعى أميركا إلى ولادة هذه المؤسسة "الوسطية" بين ما يسمى الحكومة وبين الائتلاف أو التجمع السياسي، وربطها مباشرة بالإدارة الأميركية، والبدء بعزل الوكلاء الإقليميين (تركيا وقطر والسعودية) من إدارة الحل السياسي.

- إبقاء التجمعات العسكرية (جبهة النصرة والجيش السوري الحر وكتائب التكفيريين وعصابات الجريمة المنظمة) من مسؤولية الأتراك والقطريين والسعوديين، وتحمّل نفقاتهم وتبعات تجميعهم، حتى إذا أمرت أميركا بوقف الدعم تحوّل هؤلاء التكفيريون إلى الانتقام من داعميهم، عبر الإنتشار في ساحاتهم، لتستكمل أميركا عملية تدمير الدول والكيانات العربية وفق طريقة المنهج المخابراتي الذي يعتمد على إبادة الأدلة والأدوات وإخفاء الجريمة، فيُقتل القاتل ويكلف كل عميل تصفية العميل الآخر بعد إنجاز المهمة، كما حصل في أفغانستان، حيث تم دعم وتسهيل عمل المجاهدين "الأفغان العرب"، وبعد الهزيمة السوفياتية جاءت أميركا وباكستان بـ"حركة طالبان" للقضاء على المجاهدين (رباني وشاه مسعود وحكمتيار)، وبعد إنجاز مهمتهم جاء الغزو الدولي بقيادة أميركا للقضاء على حركة طالبان نفسها.

في العراق حرّض الأميركيون صدام على غزو إيران والكويت، وطلبوا من دول الخليج التمويل والدعم، ومن ثم انقلبوا عليه وأسقطوه وأعدموه، وعندما وجدوا أن الحكم الجديد لن يستقيم معهم أو يأمنوا له، بدأوا باستيراد "القاعدة" إلى العراق وفق نظرية إحراق العراق ماداموا لا يستطيعون البقاء فيه، وهكذا سيفعلون في سورية؛ سيخترعون كل يوم هيئة أو مجلس لقتل ما قبله، بانتظار ساعة الحسم "السياسي"، لتأمين مصالح اميركا في المنطقة، وقد يعاقب الأميركيون أدواتهم لفشلهم في إسقاط النظام السوري بعدما تعهدوا بذلك، ويمكن أن نشهد إسقاط أردوغان التركي، وتغيير أحد الأميرين في قطر (حمد بن خليفة أو حمد بن جاسم) عندما يتم توقيع الاتفاق السوري - السوري عبر التفاوض الأميركي - الروسي.

مع بداية العالم الثالث، ما يزال الغزو الدولي لسورية مستمراً؛ جيوشاً ومخابرات وتكفيريين، مؤسسات دولية وإقليمية، ما يزال تخريب سوريا وتدميرها مستمراً بأموال عربية وقرارات أميركية – "إسرائيلية"، وبأيادٍ إرهابية تكفيرية.

على الشعب السوري أن يتساءل حتى لو انتصرت المعارضة المسلحة في سورية: ماذا يمكن أن تعطيهم أفضل مما أعطاهم النظام، الذي بدأ عملية الإصلاح وسد الثغرات لصالح الشعب؟

من سيحكم سورية؛ المعارضة السورية أو أميركا أو تركيا أو قطر أو السعودية؟

هل سيتقاتل الأتراك مع العرب، وقطر مع السعودية، والتكفيريون مع العلمانيين عندما سيدّعي كل فريق أنه صاحب الفضل بتدمير سورية وإسقاط النظام؟

كم سيحتاج "الحكم الجديد" من المال والوقت لإعادة ما تدمّر في سورية؟ وهل يستطيع دون مقابل سياسي عبر التخلي عن السيادة والكرامة، وتوقيع اتفاقية سلام مع العدو "الإسرائيلي"؟

هل ستبقى سورية موحَّدة أم ستنقسم إلى دويلات مذهبية وقومية؟ وأين المشكلة إذا صارت قطر (أقل من مليون نسمة) دولة عظمى؟!

هل يرضى الشعب السوري ذو الانتماء القومي الناصع، ومنبع الثورة العربية ضد العثمانيين وضد الانتداب الفرنسي، وقبلهم ضد الفرنجة، والحاضن لسلطة المقاومة العربية، بأن يتنازل عن كل هذا التاريخ الكريم من أجل حفنة من الدولارات، ليستسلم للغزو الأميركي والمال العربي الذي يشتري النساء والآثار ببراميل النفط التي لم يخترعها الملوك والأمراء، بل صادروها وحرموا شعوبهم منها؟

نحن نعتقد أن الشعب السوري وجيشه وقيادته لن يتنازلوا عن تاريخهم وحقهم، وعلينا ألا نتركهم وحيدين في ساحة المعركة لأنهم لم يتركونا وحيدين عندما غزانا المحتلون وحاصرنا الأعداء والأشقاء.

إلى متى يبقى أهل العلم والدين صامتين أو متواطئين؟ أليس من واجبهم الجهر بكلمة الحق لاستعادة هؤلاء الشباب من التكفيريين الذين التبس عليهم القول وضبابية المعرفة وقلة الوعي، فأخذ بعضهم، وعن غير قصد نتيجة القهر والحرمان والتهميش، يقاتل "في سبيل الله" و"عزة الإسلام"، لكنهم وقعوا في فخ المؤامرة الأميركية وأدواتها من الأنظمة والمؤسسات الدينية التابعة؟

فليبدأ الحوار مع ما يلي البنادق من السلفيين والتكفيريين الذين تعرضوا لـ"غسل دماغ" منهجي وتراكمي، حتى صار المعروف عندهم منكراً والمنكر معروفاً، والمقاومة عدواً، والمحتل صديقاً وداعماً.

علينا الدعوة إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، ومقاتلة "الإسرائيلي" والأميركي وكل مستعمر، واستعادة الأبناء والأشقاء من أتون "داحس والغبراء" الجديدة، فالمستعمر هو الرابح طالما أن القاتل والمقتول من المسلمين، ومن المسيحيين الذين لا يتصالحون مع "إسرائيل"، ويحمون أوطانهم وكرامتهم وأعراضهم.

عسى أن يهدي الله سبحانه الجميع ويعودوا إلى سواء السبيل؛ في إطار الوحدة والحوار لحفظ ما تبقّى من الأمة.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-14
  • 10206
  • من الأرشيف

التحالف الدولي.. وتعيين "الوالي" على سورية

بعد فشل المشروع التركي بتعيين "والٍ تركي" على سورية في أيلول 2012، أعطى الأميركيون أوامرهم للجامعة العربية بضرورة تعيين والٍ سوري الأصل أميركي الهوى والقرار ليكون رئيس حكومة مؤقتة أو انتقالية أو في المنفى، وذلك لتحقيق الأهداف الآتية: - تعدد الهيئات والائتلافات السياسية المعارضة سياسياً وفكرياً وعسكرياً. فعلى المستوى السياسي: مجلس اسطنبول وائتلاف الدوحة وهيئة التنسيق والإخوان، والتجمع الجديد الذي ستؤسسه قطر للرسميين المنشقين عن النظام. - تعيين رئيس هيئة تنفيذية سيُلغي عملياً كل الهيئات السابقة التي تشكلت، وستحصر الجهات الدولية والعربية اتصالاتها ودعمها لهذه المؤسسة الجديدة، أي إلغاء ما تم تأسيسه على مدى العامين الماضيين، تحضيراً للمرحلة المقبلة (الخطة ب)، بعدما فشل مشروع إسقاط النظام، وبدأت مرحلة الحوار مع النظام للوصول إلى تأمين المشاركة في الحكم في سورية. - تسعى أميركا إلى ولادة هذه المؤسسة "الوسطية" بين ما يسمى الحكومة وبين الائتلاف أو التجمع السياسي، وربطها مباشرة بالإدارة الأميركية، والبدء بعزل الوكلاء الإقليميين (تركيا وقطر والسعودية) من إدارة الحل السياسي. - إبقاء التجمعات العسكرية (جبهة النصرة والجيش السوري الحر وكتائب التكفيريين وعصابات الجريمة المنظمة) من مسؤولية الأتراك والقطريين والسعوديين، وتحمّل نفقاتهم وتبعات تجميعهم، حتى إذا أمرت أميركا بوقف الدعم تحوّل هؤلاء التكفيريون إلى الانتقام من داعميهم، عبر الإنتشار في ساحاتهم، لتستكمل أميركا عملية تدمير الدول والكيانات العربية وفق طريقة المنهج المخابراتي الذي يعتمد على إبادة الأدلة والأدوات وإخفاء الجريمة، فيُقتل القاتل ويكلف كل عميل تصفية العميل الآخر بعد إنجاز المهمة، كما حصل في أفغانستان، حيث تم دعم وتسهيل عمل المجاهدين "الأفغان العرب"، وبعد الهزيمة السوفياتية جاءت أميركا وباكستان بـ"حركة طالبان" للقضاء على المجاهدين (رباني وشاه مسعود وحكمتيار)، وبعد إنجاز مهمتهم جاء الغزو الدولي بقيادة أميركا للقضاء على حركة طالبان نفسها. في العراق حرّض الأميركيون صدام على غزو إيران والكويت، وطلبوا من دول الخليج التمويل والدعم، ومن ثم انقلبوا عليه وأسقطوه وأعدموه، وعندما وجدوا أن الحكم الجديد لن يستقيم معهم أو يأمنوا له، بدأوا باستيراد "القاعدة" إلى العراق وفق نظرية إحراق العراق ماداموا لا يستطيعون البقاء فيه، وهكذا سيفعلون في سورية؛ سيخترعون كل يوم هيئة أو مجلس لقتل ما قبله، بانتظار ساعة الحسم "السياسي"، لتأمين مصالح اميركا في المنطقة، وقد يعاقب الأميركيون أدواتهم لفشلهم في إسقاط النظام السوري بعدما تعهدوا بذلك، ويمكن أن نشهد إسقاط أردوغان التركي، وتغيير أحد الأميرين في قطر (حمد بن خليفة أو حمد بن جاسم) عندما يتم توقيع الاتفاق السوري - السوري عبر التفاوض الأميركي - الروسي. مع بداية العالم الثالث، ما يزال الغزو الدولي لسورية مستمراً؛ جيوشاً ومخابرات وتكفيريين، مؤسسات دولية وإقليمية، ما يزال تخريب سوريا وتدميرها مستمراً بأموال عربية وقرارات أميركية – "إسرائيلية"، وبأيادٍ إرهابية تكفيرية. على الشعب السوري أن يتساءل حتى لو انتصرت المعارضة المسلحة في سورية: ماذا يمكن أن تعطيهم أفضل مما أعطاهم النظام، الذي بدأ عملية الإصلاح وسد الثغرات لصالح الشعب؟ من سيحكم سورية؛ المعارضة السورية أو أميركا أو تركيا أو قطر أو السعودية؟ هل سيتقاتل الأتراك مع العرب، وقطر مع السعودية، والتكفيريون مع العلمانيين عندما سيدّعي كل فريق أنه صاحب الفضل بتدمير سورية وإسقاط النظام؟ كم سيحتاج "الحكم الجديد" من المال والوقت لإعادة ما تدمّر في سورية؟ وهل يستطيع دون مقابل سياسي عبر التخلي عن السيادة والكرامة، وتوقيع اتفاقية سلام مع العدو "الإسرائيلي"؟ هل ستبقى سورية موحَّدة أم ستنقسم إلى دويلات مذهبية وقومية؟ وأين المشكلة إذا صارت قطر (أقل من مليون نسمة) دولة عظمى؟! هل يرضى الشعب السوري ذو الانتماء القومي الناصع، ومنبع الثورة العربية ضد العثمانيين وضد الانتداب الفرنسي، وقبلهم ضد الفرنجة، والحاضن لسلطة المقاومة العربية، بأن يتنازل عن كل هذا التاريخ الكريم من أجل حفنة من الدولارات، ليستسلم للغزو الأميركي والمال العربي الذي يشتري النساء والآثار ببراميل النفط التي لم يخترعها الملوك والأمراء، بل صادروها وحرموا شعوبهم منها؟ نحن نعتقد أن الشعب السوري وجيشه وقيادته لن يتنازلوا عن تاريخهم وحقهم، وعلينا ألا نتركهم وحيدين في ساحة المعركة لأنهم لم يتركونا وحيدين عندما غزانا المحتلون وحاصرنا الأعداء والأشقاء. إلى متى يبقى أهل العلم والدين صامتين أو متواطئين؟ أليس من واجبهم الجهر بكلمة الحق لاستعادة هؤلاء الشباب من التكفيريين الذين التبس عليهم القول وضبابية المعرفة وقلة الوعي، فأخذ بعضهم، وعن غير قصد نتيجة القهر والحرمان والتهميش، يقاتل "في سبيل الله" و"عزة الإسلام"، لكنهم وقعوا في فخ المؤامرة الأميركية وأدواتها من الأنظمة والمؤسسات الدينية التابعة؟ فليبدأ الحوار مع ما يلي البنادق من السلفيين والتكفيريين الذين تعرضوا لـ"غسل دماغ" منهجي وتراكمي، حتى صار المعروف عندهم منكراً والمنكر معروفاً، والمقاومة عدواً، والمحتل صديقاً وداعماً. علينا الدعوة إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، ومقاتلة "الإسرائيلي" والأميركي وكل مستعمر، واستعادة الأبناء والأشقاء من أتون "داحس والغبراء" الجديدة، فالمستعمر هو الرابح طالما أن القاتل والمقتول من المسلمين، ومن المسيحيين الذين لا يتصالحون مع "إسرائيل"، ويحمون أوطانهم وكرامتهم وأعراضهم. عسى أن يهدي الله سبحانه الجميع ويعودوا إلى سواء السبيل؛ في إطار الوحدة والحوار لحفظ ما تبقّى من الأمة.

المصدر : الثبات/ نسيب حطيط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة