ضحية لبنانية جديدة تسقط في اميركا، على يد اعلامها الذي يدعي الحياد والنزاهة والموضوعية والمعرفة، لكنه في لحظات معينة يبدو اشبه بإعلام رسمي في اي دولة من العالم الثالث، يلتزم الخط والتوجيه الآتيين من القصر ويعممهما ويُكسبهما مرتبة القداسة، ويعتبرهما دليلا على صحة نظرية القائد وحكمته ودقة ثوابت المؤسسة الحاكمة

الزميلة اوكتافيا نصر، اللبنانية الانتماء، الفلسطينية الاصل، لكنها لم تتمكن من حمل اي من الهويتين، وهي تحتفظ بالجنسية الاميركية فقط، التي اكتسبتها منذ نحو عشرين عاما، خسرت بالأمس معركة لم تبدأها ولم تخضها، وربما لم تكن تعنيها. كتبت خاطرة عابرة على عنوانها في موقع التويتر الخاص بها، عبرت فيها عن حزنها لرحيل السيد محمد حسين فضل الله، فطُردت خلال ساعات فقط من عملها في شبكة «سي ان ان»، حيث كانت تقدم واحدا من اهم البرامج الاخبارية، «تقارير عالمية»، الذي يسلط الضوء على ما تنشره الصحافة المكتوبة وتبثه المحطات التلفزيونية في اي بلد او منطقة في العالم، بعد كل حدث مهم. وكان نصيب الاعلام العربي والاسلامي في هذا البرنامج كبيرا، لان الحدث الاهم في السنوات العشر الاخيرة بالنسبة الى الجمهور الاميركي والعالمي، كان عربيا او اسلاميا

كانت اوكتافيا، المتخرجة في بداياتها من المؤسسة اللبنانية للارسال، احدى العربيات البارزات في الشبكة، وكانت ربما احدى اكثرهن موضوعية، لانها لم تكن تنتمي الى اي تيار او اتجاه سياسي، وكانت تقدم مهنيتها على ما عداها. لم تكن تخفي الوجوه العربية والاسلامية القبيحة في الاعلام كما في السياسة، لكنها كانت تحرص على الايحاء ولو من بعيد، بالاستعانة بنصوص من الصحافة العربية ومحطات التلفزيون، بان هذه الوجوه لا تختزل العرب والمسلمين، الذين تعرفهم جيدا برغم هويتها المسيحية واقامتها اللبنانية التي ابقتها في منأى عنهم، على الاقل خلال الحرب الاهلية، التي كانت اوكتافيا تشاهدها وتشهد عليها من «المناطق الشرقية» ومن الـ"ال بي سي"

لم تكن اوكتافيا تتبع السيد فضل الله، لكنها بالتأكيد كانت تتابع مسيرته المناهضة لكل غلو وتطرف شيعي واسلامي عام، التي وضعته على تماس مع ايران وسوريا وحزب الله، واستقطبت جمهورا عريضا يقيم وزنا للوطنية اللبنانية، التي تحتوي الجميع مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة، ويقر بحدود لبنان وقدراته ويعارض استخداماته المفرطة.. برغم انها شاهدت على شاشة الـ«سي ان ان» التغطية الاخبارية الموسعة لنبأ رحيله الذي تقدم على خبر زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بادين الى العراق، والذي تضمن مغالطة كبرى عندما وصف الراحل بأنه مرشد حزب الله

كان فضل الله على الارجح سلاحا خفيا تستخدمه اوكتافيا لتقول للجمهور الاميركي ان العرب والمسلمين ليسوا قطاع رؤوس فقط. لكنها اكتشفت ان الحكم عليها لن يكون ارحم من الحكم الذي انزل بحق زميلتها هيلين توماس بعد مسيرة اعلامية باهرة امتدت نحو خمسين عاما، لانها عبرت عن رأي عفوي بدولة اسرائيل. طُردت اوكتافيا من الـ«سي ان ان»، على موقف عابر لم تقله على الشاشة، بل ورد على عنوانها الشخصي، الذي يخضع لرقابة اشد من رقابة اي جهاز استخبارات عربي

تلك هي اميركا الظالمة، والمعادية، والمنافية حتى لأبسط أشكال التعبير عن الرأي، وأكثرها اعتدالا
  • فريق ماسة
  • 2010-07-08
  • 10458
  • من الأرشيف

شهادة أوكتافيا

ضحية لبنانية جديدة تسقط في اميركا، على يد اعلامها الذي يدعي الحياد والنزاهة والموضوعية والمعرفة، لكنه في لحظات معينة يبدو اشبه بإعلام رسمي في اي دولة من العالم الثالث، يلتزم الخط والتوجيه الآتيين من القصر ويعممهما ويُكسبهما مرتبة القداسة، ويعتبرهما دليلا على صحة نظرية القائد وحكمته ودقة ثوابت المؤسسة الحاكمة الزميلة اوكتافيا نصر، اللبنانية الانتماء، الفلسطينية الاصل، لكنها لم تتمكن من حمل اي من الهويتين، وهي تحتفظ بالجنسية الاميركية فقط، التي اكتسبتها منذ نحو عشرين عاما، خسرت بالأمس معركة لم تبدأها ولم تخضها، وربما لم تكن تعنيها. كتبت خاطرة عابرة على عنوانها في موقع التويتر الخاص بها، عبرت فيها عن حزنها لرحيل السيد محمد حسين فضل الله، فطُردت خلال ساعات فقط من عملها في شبكة «سي ان ان»، حيث كانت تقدم واحدا من اهم البرامج الاخبارية، «تقارير عالمية»، الذي يسلط الضوء على ما تنشره الصحافة المكتوبة وتبثه المحطات التلفزيونية في اي بلد او منطقة في العالم، بعد كل حدث مهم. وكان نصيب الاعلام العربي والاسلامي في هذا البرنامج كبيرا، لان الحدث الاهم في السنوات العشر الاخيرة بالنسبة الى الجمهور الاميركي والعالمي، كان عربيا او اسلاميا كانت اوكتافيا، المتخرجة في بداياتها من المؤسسة اللبنانية للارسال، احدى العربيات البارزات في الشبكة، وكانت ربما احدى اكثرهن موضوعية، لانها لم تكن تنتمي الى اي تيار او اتجاه سياسي، وكانت تقدم مهنيتها على ما عداها. لم تكن تخفي الوجوه العربية والاسلامية القبيحة في الاعلام كما في السياسة، لكنها كانت تحرص على الايحاء ولو من بعيد، بالاستعانة بنصوص من الصحافة العربية ومحطات التلفزيون، بان هذه الوجوه لا تختزل العرب والمسلمين، الذين تعرفهم جيدا برغم هويتها المسيحية واقامتها اللبنانية التي ابقتها في منأى عنهم، على الاقل خلال الحرب الاهلية، التي كانت اوكتافيا تشاهدها وتشهد عليها من «المناطق الشرقية» ومن الـ"ال بي سي" لم تكن اوكتافيا تتبع السيد فضل الله، لكنها بالتأكيد كانت تتابع مسيرته المناهضة لكل غلو وتطرف شيعي واسلامي عام، التي وضعته على تماس مع ايران وسوريا وحزب الله، واستقطبت جمهورا عريضا يقيم وزنا للوطنية اللبنانية، التي تحتوي الجميع مسيحيين ومسلمين، سنة وشيعة، ويقر بحدود لبنان وقدراته ويعارض استخداماته المفرطة.. برغم انها شاهدت على شاشة الـ«سي ان ان» التغطية الاخبارية الموسعة لنبأ رحيله الذي تقدم على خبر زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بادين الى العراق، والذي تضمن مغالطة كبرى عندما وصف الراحل بأنه مرشد حزب الله كان فضل الله على الارجح سلاحا خفيا تستخدمه اوكتافيا لتقول للجمهور الاميركي ان العرب والمسلمين ليسوا قطاع رؤوس فقط. لكنها اكتشفت ان الحكم عليها لن يكون ارحم من الحكم الذي انزل بحق زميلتها هيلين توماس بعد مسيرة اعلامية باهرة امتدت نحو خمسين عاما، لانها عبرت عن رأي عفوي بدولة اسرائيل. طُردت اوكتافيا من الـ«سي ان ان»، على موقف عابر لم تقله على الشاشة، بل ورد على عنوانها الشخصي، الذي يخضع لرقابة اشد من رقابة اي جهاز استخبارات عربي تلك هي اميركا الظالمة، والمعادية، والمنافية حتى لأبسط أشكال التعبير عن الرأي، وأكثرها اعتدالا


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة