طفحت الصحافة الإسرائيلية بالتقارير عن المماحكات والمساومات والألاعيب التي تجري في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وخصوصاً في المفاوضات الائتلافية بين «الليكود بيتنا» بزعامة بنيامين نتنياهو و«هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد. ولم يغير من هذه الصورة واقع اتفاق الأفرقاء على حل وسط يتقاسم فيه «الليكود بيتنا» و«هناك مستقبل» وزارتي التعليم والداخلية. وبموجب الاتفاق ينال «هناك مستقبل» وزارة التعليم المشتهاة ويأخذ الليكود وزارة الداخلية المهيمنة.

ولكن المفاوضات والمماحكات كانت القصة والحكاية. فحكومة تبدأ بهذا القدر من الإشكالات هي حكومة الاضطرار التي لا يرى أي طرف فيها أنها حكومة الخيار. فنتنياهو اضطر لقبول نفتالي بينت وحزبه «البيت اليهودي» شركاء له وما كان يرغب في حكومة تخلو من حلفائه الطبيعيين في الحزبين الحريديين: «شاس» و«يهدوت هتوراه». ولأن «هناك مستقبل» يعرض نفسه كبديل لنتنياهو وحكمه، فإن الأخير لم يكن يرغب لا في أن يمتلك يائير لبيد هذه القوة، وأكثر من ذلك لا يرغب في استخدامها وإظهار هذا الاستخدام.

وقد حقق «هناك مستقبل» أهدافاً جوهرية مهمة أبرزها إبعاد الحريديم عن الحكومة والاتفاق على صيغة تجنيدهم في الجيش، وفضلاً عن ذلك كله انتزع بقوة وزارة التعليم بعدما كان قد صارع على وزارة الخارجية. وأمام كل هذه الإنجازات بدا نتنياهو يشعر أن لبيد يقامر، وأنه لا يريد التواجد في الحكومة بقدر ما يريد إظهار عضلاته وصولاً للاستعداد لخوض انتخابات جديدة.

عموماً انفرجت الأزمة بوساطة نفتالي بينت الذي عرض اقتراح تقاسم الحقيبتين المختلف بشأنهما بعدما كانت المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود. وشكّل مقترح بينت الشامل نهاية للتهديدات المتبادلة بمنح وزارة التعليم

لشاي بيرون من «هناك مستقبل» وتنازلهم عن مطلب وزارة الداخلية. ولكن المقترح لم يتوقف هنا بل منح «البيت اليهودي» رئاسة لجنة المالية في الكنيست التي طالب بها، ومقابل ذلك يتعدل عدد الوزراء بإضافة وزير لحركة تسيبي ليفني هو عمير بيرتس، وينال الليكود نائب وزير آخر. وتضمن الاقتراح أيضاً عقد لقاء ثلاثي بين قادة الليكود و«هناك مستقبل» و«البيت اليهودي» لإتمام إبرام الاتفاق نهائياً وإعلانه.

وبلغت ذروة التوتر ظهر أمس، حينما أعلنت جهات ليكودية أن نتنياهو وجه إنذاراً ليائير لبيد مفاده: «إذا لم تتنازل فسوف أبدأ مفاوضات سريعة مع الحريديم لتشكيل ائتلاف آخر». وكان المقصود وجوب إنجاز الاتفاق خلال ساعات وإلا. وصارت المسألة برمتها، عند لبيد، تتلخص في كلمتين: حكومة ائتلافية أم انتخابات معادة؟ ولكن نتنياهو حاول أن يقول أن لديه خيار ثالث، وهو حكومة الـ55 نائباً بين «الليكود بيتنا» و«شاس» و«يهدوت هتوراه» و«حركة» ليفني.

وبالتأكيد فإن هذه حكومة أقلية مع الحريديم، ولا تحظى بشعبية واسعة خصوصاً في الوسط السياسي لكنها في نظر نتنياهو أفضل من حكومة تبدأ بتقييد حركته وإضعافه. وحكومة الأقلية في كل الأحوال خيار مر هو الآخر. غير أن العودة إلى استخدام هذا الخيار يظهر أن نتنياهو و«الليكود بيتنا» وصلوا الى الحد الأقصى من التنازلات في المفاوضات مع التحالف الثلاثي.

غير أن خيار الائتلاف في حكومة أقلية مع الحريديم كان خياراً قائماً طوال الوقت منذ ظهور نتائج الانتخابات. وكان أفيغدور ليبرمان من دعاة هذا الخيار الذي سيقود لاحقاً، بحسب رأيه، إلى شق «البيت اليهودي» وانضمام عدد من أعضائه إلى الائتلاف. طبعاً هذا إذا لم يأت نفتالي بينت شخصياً، وإذا لم يتفكك التحالف الثلاثي. وأمس ارتفعت بعض الأصوات في «البيت اليهودي» تقول إنها غير مستعدة لانتخابات معادة، ولا تريد الركض وراء أهواء يائير لبيد. وهذا ما حدا بنفتالي بينت يوم أمس، إلى إبلاغ ما أسماهم «رفاقي في الليكود» أن ينسوا أمر توجيه تهديدات لـ«صديقي» يائير لبيد.

غير أن الكلام الجميل والمنمّق من بينت لم يخف واقع أن التحالف الثلاثي بات يعاني من خطر التفكك الحقيقي. فتقريباً نال «البيت اليهودي» ما يريد من وزارات وربما أن مطلبه الوحيد الباقي هو ترؤس لجنة المالية في الكنيست. كما أن «كديما» برئاسة شاؤول موفاز الطامحة لنيل منصب وزاري وجدت نفسها تحت رحمة «هناك مستقبل» الذي يمكن أن يمنّ عليها بوزارة أو يحجبها عنها. وظلّ الخلاف الوزاري قائماً بين الليكود و«هناك مستقبل» حول وزارتي التعليم والداخلية. ويوحي كلا الطرفين بأن المعركة الدائرة ليست معركة شكلية، وإنما هي تعبير عن خلاصة فكر الحزبين. فمن يسيطر على التعليم يمكنه أن يوجه الإسرائيليين إلى حيث يريد.

وفي هذا السياق بدا يوم أمس، زعيم «البيت اليهودي» أقرب إلى الوسيط منه إلى الشريك والحليف للبيد. وربما أن نتنياهو يعتبر ذلك أول إنجاز له، الأمر الذي قد يوحي بأن العلاقات داخل الحكومة سوف تكون مغايرة لما كان أثناء المفاوضات. وكان نتنياهو يخشى أن يبقى لبيد وبينت حلفاء داخل الحــكومة، ويبـقيان «الليكود بيتنا» أقلية إذا تحالفا مع تسيبي ليفني.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-13
  • 6761
  • من الأرشيف

نتنياهو وحكومة «الإشكالات»: التهديدات تفتح طريق الاتفاق

طفحت الصحافة الإسرائيلية بالتقارير عن المماحكات والمساومات والألاعيب التي تجري في الحلبة السياسية الإسرائيلية، وخصوصاً في المفاوضات الائتلافية بين «الليكود بيتنا» بزعامة بنيامين نتنياهو و«هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد. ولم يغير من هذه الصورة واقع اتفاق الأفرقاء على حل وسط يتقاسم فيه «الليكود بيتنا» و«هناك مستقبل» وزارتي التعليم والداخلية. وبموجب الاتفاق ينال «هناك مستقبل» وزارة التعليم المشتهاة ويأخذ الليكود وزارة الداخلية المهيمنة. ولكن المفاوضات والمماحكات كانت القصة والحكاية. فحكومة تبدأ بهذا القدر من الإشكالات هي حكومة الاضطرار التي لا يرى أي طرف فيها أنها حكومة الخيار. فنتنياهو اضطر لقبول نفتالي بينت وحزبه «البيت اليهودي» شركاء له وما كان يرغب في حكومة تخلو من حلفائه الطبيعيين في الحزبين الحريديين: «شاس» و«يهدوت هتوراه». ولأن «هناك مستقبل» يعرض نفسه كبديل لنتنياهو وحكمه، فإن الأخير لم يكن يرغب لا في أن يمتلك يائير لبيد هذه القوة، وأكثر من ذلك لا يرغب في استخدامها وإظهار هذا الاستخدام. وقد حقق «هناك مستقبل» أهدافاً جوهرية مهمة أبرزها إبعاد الحريديم عن الحكومة والاتفاق على صيغة تجنيدهم في الجيش، وفضلاً عن ذلك كله انتزع بقوة وزارة التعليم بعدما كان قد صارع على وزارة الخارجية. وأمام كل هذه الإنجازات بدا نتنياهو يشعر أن لبيد يقامر، وأنه لا يريد التواجد في الحكومة بقدر ما يريد إظهار عضلاته وصولاً للاستعداد لخوض انتخابات جديدة. عموماً انفرجت الأزمة بوساطة نفتالي بينت الذي عرض اقتراح تقاسم الحقيبتين المختلف بشأنهما بعدما كانت المفاوضات قد وصلت إلى طريق مسدود. وشكّل مقترح بينت الشامل نهاية للتهديدات المتبادلة بمنح وزارة التعليم لشاي بيرون من «هناك مستقبل» وتنازلهم عن مطلب وزارة الداخلية. ولكن المقترح لم يتوقف هنا بل منح «البيت اليهودي» رئاسة لجنة المالية في الكنيست التي طالب بها، ومقابل ذلك يتعدل عدد الوزراء بإضافة وزير لحركة تسيبي ليفني هو عمير بيرتس، وينال الليكود نائب وزير آخر. وتضمن الاقتراح أيضاً عقد لقاء ثلاثي بين قادة الليكود و«هناك مستقبل» و«البيت اليهودي» لإتمام إبرام الاتفاق نهائياً وإعلانه. وبلغت ذروة التوتر ظهر أمس، حينما أعلنت جهات ليكودية أن نتنياهو وجه إنذاراً ليائير لبيد مفاده: «إذا لم تتنازل فسوف أبدأ مفاوضات سريعة مع الحريديم لتشكيل ائتلاف آخر». وكان المقصود وجوب إنجاز الاتفاق خلال ساعات وإلا. وصارت المسألة برمتها، عند لبيد، تتلخص في كلمتين: حكومة ائتلافية أم انتخابات معادة؟ ولكن نتنياهو حاول أن يقول أن لديه خيار ثالث، وهو حكومة الـ55 نائباً بين «الليكود بيتنا» و«شاس» و«يهدوت هتوراه» و«حركة» ليفني. وبالتأكيد فإن هذه حكومة أقلية مع الحريديم، ولا تحظى بشعبية واسعة خصوصاً في الوسط السياسي لكنها في نظر نتنياهو أفضل من حكومة تبدأ بتقييد حركته وإضعافه. وحكومة الأقلية في كل الأحوال خيار مر هو الآخر. غير أن العودة إلى استخدام هذا الخيار يظهر أن نتنياهو و«الليكود بيتنا» وصلوا الى الحد الأقصى من التنازلات في المفاوضات مع التحالف الثلاثي. غير أن خيار الائتلاف في حكومة أقلية مع الحريديم كان خياراً قائماً طوال الوقت منذ ظهور نتائج الانتخابات. وكان أفيغدور ليبرمان من دعاة هذا الخيار الذي سيقود لاحقاً، بحسب رأيه، إلى شق «البيت اليهودي» وانضمام عدد من أعضائه إلى الائتلاف. طبعاً هذا إذا لم يأت نفتالي بينت شخصياً، وإذا لم يتفكك التحالف الثلاثي. وأمس ارتفعت بعض الأصوات في «البيت اليهودي» تقول إنها غير مستعدة لانتخابات معادة، ولا تريد الركض وراء أهواء يائير لبيد. وهذا ما حدا بنفتالي بينت يوم أمس، إلى إبلاغ ما أسماهم «رفاقي في الليكود» أن ينسوا أمر توجيه تهديدات لـ«صديقي» يائير لبيد. غير أن الكلام الجميل والمنمّق من بينت لم يخف واقع أن التحالف الثلاثي بات يعاني من خطر التفكك الحقيقي. فتقريباً نال «البيت اليهودي» ما يريد من وزارات وربما أن مطلبه الوحيد الباقي هو ترؤس لجنة المالية في الكنيست. كما أن «كديما» برئاسة شاؤول موفاز الطامحة لنيل منصب وزاري وجدت نفسها تحت رحمة «هناك مستقبل» الذي يمكن أن يمنّ عليها بوزارة أو يحجبها عنها. وظلّ الخلاف الوزاري قائماً بين الليكود و«هناك مستقبل» حول وزارتي التعليم والداخلية. ويوحي كلا الطرفين بأن المعركة الدائرة ليست معركة شكلية، وإنما هي تعبير عن خلاصة فكر الحزبين. فمن يسيطر على التعليم يمكنه أن يوجه الإسرائيليين إلى حيث يريد. وفي هذا السياق بدا يوم أمس، زعيم «البيت اليهودي» أقرب إلى الوسيط منه إلى الشريك والحليف للبيد. وربما أن نتنياهو يعتبر ذلك أول إنجاز له، الأمر الذي قد يوحي بأن العلاقات داخل الحكومة سوف تكون مغايرة لما كان أثناء المفاوضات. وكان نتنياهو يخشى أن يبقى لبيد وبينت حلفاء داخل الحــكومة، ويبـقيان «الليكود بيتنا» أقلية إذا تحالفا مع تسيبي ليفني.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة