يعيد البيت الأبيض ترتيب أولويات سياساته الخارجية من خلال تعيينات تعيد خلط الأوراق في مفاصل فريق الأمن القومي، وتعكس مدى التناغم داخل هذا الفريق في المرحلة المقبلة، كما يأتي تعيين فيليب غوردون في البيت الأبيض في سياق اعتقاد الرئيس باراك أوباما أن التعاون مع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي هو مفتاح سياسة واشنطن في الشرق الأوسط.

غوردون، الذي يعمل حالياً كمساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، سيتولى في البيت الأبيض ابتداءً من 11 آذار المقبل مسؤولية «المنطقة الوسطى» في فريق عمل أوباما للأمن القومي، أي أنه سيتسلم عملياً منصب دينيس روس الذي استقال منه في العاشر من تشرين الثاني العام 2011. سيكون غوردون مسؤولاً عن ثلاث مناطق جغرافية هي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة الخليج وإيران والعراق، وجزء من جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان). المسؤول عن منطقة الخليج والعراق وإيران في البيت الأبيض هو بونيت تالوار، والمسؤول المؤقت عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو بريم كومار (بعد مغادرة ستيف سيمون)، وكان كومار تولى سابقاً الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية والمصرية في مجلس الأمن القومي، وليس معروفاً بعد إذا ما سيتم تثبيته في هذا المنصب. هذه الهيكلة أو توزيع المناصب الجغرافية أقرب إلى الجيش الأميركي من توزيع المهام الذي تعتمده وزارة الخارجية.

مستشار الأمن القومي توم دونيلون ذكر في بيان أنه خلال السنوات الأربع الأخيرة كان غوردون «لا غنى عنه في مساعدتنا على وضع سياسات ومعالجة قضايا حول العالم، بما في ذلك ليبيا وسوريا وإيران»، وهو خدم في التسعينيات أيضاً كمسؤول عن الشؤون الأوروبية في البيت الأبيض خلال ولاية الرئيس الأسبق بيل كلينتون. وتربط غوردون علاقة قديمة مع فريق عمل أوباما، فهو كان مستشار السياسة الخارجية لحملته الرئاسية في العام 2008. وخلال جلسة الاستماع حول تعيينه في منصبه الحالي في وزارة الخارجية، طرح عليه السيناتور روبرت مينينديز أسئلة صعبة حول موقفه من الإبادة الجماعية الأرمنية، لأنه كان كتب في مقالات سابقة أن الإقرار بهذه الإبادة في الكونغرس سيؤدي إلى تعطيل لا مبرر له في العلاقات الأميركية ـ التركية.

وخلال تجربة غوردون في الخارجية، ركز بشكل خاص على الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وتركيا، ما يعني أن تعيينه في منصبه الجديد يعكس مدى اهتمام أوباما بالتعاون مع هذه الأطراف لمقاربة التحديات في سوريا وإيران وليبيا وأفغانستان.

نشر غوردون في العام 2008 كتاباً تحت عنوان «كسب تركيا: كيف يمكن لأميركا وأوروبا وتركيا إعادة إحياء شراكة تتضاءل»، حيث دعا إلى خطة تتفادى خسارة تركيا، وتقضي بإجراء تسوية بين أنقرة من جهة وأرمينيا وقبرص والأكراد من جهة ثانية، بالإضافة إلى تجديد التزام الاتحاد الأوروبي بعضوية تركيا. في تموز الماضي، وخلال زيارة إلى اسطنبول، صرح غوردون «نحن لا نرى لمستقبل سوريا منطقة حكم ذاتي كردية، نريد أن نرى سوريا تبقى موحدة»، وتابع «لقد كنا واضحين مع كل من الأكراد في سوريا ونظرائهم في تركيا إننا لا ندعم تحركاً نحو الحكم الذاتي أو الانفصال».

وهو أيضاً شخصية مقربة من الفرنسيين، وقد ترجم في العام 2007 كتاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تحت عنوان «شهادة: فرنسا وأوروبا والعالم في القرن الواحد والعشرين». ونشر مع وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين في العام 2001 كتاباً تحت عنوان «فرنسا في عصر العولمة».

حتى لو أن لبنان ليس مدار اهتمام في واشنطن هذه الأيام، إلا أنه لا بد من طرح تساؤل حول نظرة غوردون لهذا الملف. لا يوجد الكثير من المؤشرات لاهتمام غوردون بالتفاصيل اللبنانية، لكنه كتب مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» في 25 تموز العام 2006 تحت عنوان «القوة الجوية لن تقوم بالأمر». ويقول في بداية المقال «لدى المؤرخين العسكريين اسم للمنطق وراء حملة إسرائيل العسكرية في لبنان، إنها مغالطة القصف الإستراتيجي». ويشرح السياق التاريخي لفشل إستراتيجية القصف الجوي، ويضيف «النظرية تكاد تكون متقنة مثل أولئك الذين افترضوا أن عرض القوة الأميركية في العراق سيجلب السلام والديموقراطية في أنحاء المنطقة، ولكن حتى هذا أقل واقعية. المسألة ليست إذا ما كان حزب الله مسؤولاً عن هذه الأزمة، وهو مسؤول، أو إذا ما كان لدى إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولديها الحق، المسألة إذا ما كانت هذه الإستراتيجية المحددة ستنجح. ولن تنجح».

ويأتي تعيين غوردون في سياق تعيين كيري ووزير الدفاع تشاك هايغل، أي شخصيات تتماهى مع أوباما في رفض الخيار العسكري، والإصرار على التعاون الدولي والعقوبات لدفع جدول أعمال واشنطن في السياسة الخارجية.

التعيينات لا تزال في بداياتها، وقد بدأت الآن مرحلتها الثانية بعد الانتهاء من المناصب الرئيسية. جينيفر بساكي، وهي المتحدثة السابقة باسم حملة أوباما، ستتولى قريباً منصب المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند، التي قد تحل محل غوردون في الخارجية الأميركية، لكن هذه المعلومات غير مؤكدة بعد. أما مدير سياسة التخطيط في وزارة الخارجية جايك ساليفن فانتقل إلى البيت الأبيض، وأصبح مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، كما يتوقع بقاء كل من نائب وزير الخارجية بيل بيرنز ووكيل وزير الخارجية ويندي شيرمان في منصبيهما، لكن هناك حديث غير مؤكد حول عدم استمرار مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط اليزابيث جونز في منصبها.

وفي هذا الوقت يستمر وزير الخارجية جون كيري في تعيين مساعديه لتنطلق الوزارة بيروقراطياً في عملها. كبير موظفيه السابق في مجلس الشيوخ فرانك لوينشاين سيركز على قضايا الشرق الأوسط، وهناك احتمال أن يتم تعيينه مبعوثاً يتابع قضايا التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي بدلاً من المبعوث الحالي ديفيد هيل الذي لا يزال مؤقتاً في منصبه منذ استقالة سلفه جورج ميتشل.

  • فريق ماسة
  • 2013-03-03
  • 11142
  • من الأرشيف

غوردون منسّقاً لأوباما في الشرق الأوسط

يعيد البيت الأبيض ترتيب أولويات سياساته الخارجية من خلال تعيينات تعيد خلط الأوراق في مفاصل فريق الأمن القومي، وتعكس مدى التناغم داخل هذا الفريق في المرحلة المقبلة، كما يأتي تعيين فيليب غوردون في البيت الأبيض في سياق اعتقاد الرئيس باراك أوباما أن التعاون مع الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي هو مفتاح سياسة واشنطن في الشرق الأوسط. غوردون، الذي يعمل حالياً كمساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية والأوراسية، سيتولى في البيت الأبيض ابتداءً من 11 آذار المقبل مسؤولية «المنطقة الوسطى» في فريق عمل أوباما للأمن القومي، أي أنه سيتسلم عملياً منصب دينيس روس الذي استقال منه في العاشر من تشرين الثاني العام 2011. سيكون غوردون مسؤولاً عن ثلاث مناطق جغرافية هي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنطقة الخليج وإيران والعراق، وجزء من جنوب آسيا (أفغانستان وباكستان). المسؤول عن منطقة الخليج والعراق وإيران في البيت الأبيض هو بونيت تالوار، والمسؤول المؤقت عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو بريم كومار (بعد مغادرة ستيف سيمون)، وكان كومار تولى سابقاً الشؤون الفلسطينية والإسرائيلية والمصرية في مجلس الأمن القومي، وليس معروفاً بعد إذا ما سيتم تثبيته في هذا المنصب. هذه الهيكلة أو توزيع المناصب الجغرافية أقرب إلى الجيش الأميركي من توزيع المهام الذي تعتمده وزارة الخارجية. مستشار الأمن القومي توم دونيلون ذكر في بيان أنه خلال السنوات الأربع الأخيرة كان غوردون «لا غنى عنه في مساعدتنا على وضع سياسات ومعالجة قضايا حول العالم، بما في ذلك ليبيا وسوريا وإيران»، وهو خدم في التسعينيات أيضاً كمسؤول عن الشؤون الأوروبية في البيت الأبيض خلال ولاية الرئيس الأسبق بيل كلينتون. وتربط غوردون علاقة قديمة مع فريق عمل أوباما، فهو كان مستشار السياسة الخارجية لحملته الرئاسية في العام 2008. وخلال جلسة الاستماع حول تعيينه في منصبه الحالي في وزارة الخارجية، طرح عليه السيناتور روبرت مينينديز أسئلة صعبة حول موقفه من الإبادة الجماعية الأرمنية، لأنه كان كتب في مقالات سابقة أن الإقرار بهذه الإبادة في الكونغرس سيؤدي إلى تعطيل لا مبرر له في العلاقات الأميركية ـ التركية. وخلال تجربة غوردون في الخارجية، ركز بشكل خاص على الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وتركيا، ما يعني أن تعيينه في منصبه الجديد يعكس مدى اهتمام أوباما بالتعاون مع هذه الأطراف لمقاربة التحديات في سوريا وإيران وليبيا وأفغانستان. نشر غوردون في العام 2008 كتاباً تحت عنوان «كسب تركيا: كيف يمكن لأميركا وأوروبا وتركيا إعادة إحياء شراكة تتضاءل»، حيث دعا إلى خطة تتفادى خسارة تركيا، وتقضي بإجراء تسوية بين أنقرة من جهة وأرمينيا وقبرص والأكراد من جهة ثانية، بالإضافة إلى تجديد التزام الاتحاد الأوروبي بعضوية تركيا. في تموز الماضي، وخلال زيارة إلى اسطنبول، صرح غوردون «نحن لا نرى لمستقبل سوريا منطقة حكم ذاتي كردية، نريد أن نرى سوريا تبقى موحدة»، وتابع «لقد كنا واضحين مع كل من الأكراد في سوريا ونظرائهم في تركيا إننا لا ندعم تحركاً نحو الحكم الذاتي أو الانفصال». وهو أيضاً شخصية مقربة من الفرنسيين، وقد ترجم في العام 2007 كتاب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي تحت عنوان «شهادة: فرنسا وأوروبا والعالم في القرن الواحد والعشرين». ونشر مع وزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين في العام 2001 كتاباً تحت عنوان «فرنسا في عصر العولمة». حتى لو أن لبنان ليس مدار اهتمام في واشنطن هذه الأيام، إلا أنه لا بد من طرح تساؤل حول نظرة غوردون لهذا الملف. لا يوجد الكثير من المؤشرات لاهتمام غوردون بالتفاصيل اللبنانية، لكنه كتب مقالاً في صحيفة «واشنطن بوست» في 25 تموز العام 2006 تحت عنوان «القوة الجوية لن تقوم بالأمر». ويقول في بداية المقال «لدى المؤرخين العسكريين اسم للمنطق وراء حملة إسرائيل العسكرية في لبنان، إنها مغالطة القصف الإستراتيجي». ويشرح السياق التاريخي لفشل إستراتيجية القصف الجوي، ويضيف «النظرية تكاد تكون متقنة مثل أولئك الذين افترضوا أن عرض القوة الأميركية في العراق سيجلب السلام والديموقراطية في أنحاء المنطقة، ولكن حتى هذا أقل واقعية. المسألة ليست إذا ما كان حزب الله مسؤولاً عن هذه الأزمة، وهو مسؤول، أو إذا ما كان لدى إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، ولديها الحق، المسألة إذا ما كانت هذه الإستراتيجية المحددة ستنجح. ولن تنجح». ويأتي تعيين غوردون في سياق تعيين كيري ووزير الدفاع تشاك هايغل، أي شخصيات تتماهى مع أوباما في رفض الخيار العسكري، والإصرار على التعاون الدولي والعقوبات لدفع جدول أعمال واشنطن في السياسة الخارجية. التعيينات لا تزال في بداياتها، وقد بدأت الآن مرحلتها الثانية بعد الانتهاء من المناصب الرئيسية. جينيفر بساكي، وهي المتحدثة السابقة باسم حملة أوباما، ستتولى قريباً منصب المتحدثة باسم وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند، التي قد تحل محل غوردون في الخارجية الأميركية، لكن هذه المعلومات غير مؤكدة بعد. أما مدير سياسة التخطيط في وزارة الخارجية جايك ساليفن فانتقل إلى البيت الأبيض، وأصبح مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس جو بايدن، كما يتوقع بقاء كل من نائب وزير الخارجية بيل بيرنز ووكيل وزير الخارجية ويندي شيرمان في منصبيهما، لكن هناك حديث غير مؤكد حول عدم استمرار مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط اليزابيث جونز في منصبها. وفي هذا الوقت يستمر وزير الخارجية جون كيري في تعيين مساعديه لتنطلق الوزارة بيروقراطياً في عملها. كبير موظفيه السابق في مجلس الشيوخ فرانك لوينشاين سيركز على قضايا الشرق الأوسط، وهناك احتمال أن يتم تعيينه مبعوثاً يتابع قضايا التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي بدلاً من المبعوث الحالي ديفيد هيل الذي لا يزال مؤقتاً في منصبه منذ استقالة سلفه جورج ميتشل.

المصدر : جو معكرون\ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة