يتحدث الممسكون بالملف في عواصم الإقليم عن بوادر تفاهم ثلاثي إيراني تركي مصري على إطار للحل لا يزال بحاجة لإنضاج يرونه شبه محسوم في ضوء العجز الميداني عن اسقاط  النظام والهرولة الأميركية للتفاوض مع طهران تطورات الساحة الإقليمية خلال الأيام القليلة الماضية تبدو مبشرة بتوافق إيراني تركي مصري على إطار حل للأزمة السورية، لا تزال السعودية تنأى بنفسها عنه برغم المناكفة القطرية على أكثر من صعيد، وذلك بعيداً عن الاشتباك الإيراني المصري المعلن حول ملف التشيّع، والصدام التركي الإيراني المكشوف على الساحتين السورية والعراقية. على الأقل هذا ما تفيد به المعلومات الواردة من أكثر من عاصمة معنية بهذه الملف.

مصادر عربية ناشطة على خط طهران ــ القاهرة تقول إن «مواقف المصريين (في ما يتعلق بالأزمة السورية) تقترب شيئاً فشيئاً من الرؤية الإيرانية»، مشيرةً إلى أن ذلك تجلى في أوضح حلله في خلال زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى للقاهرة، برغم ما طفا إلى السطح من خلافات حول أكثر من ملف، بينها التشيع والبحرين وعرب الأهواز. وتضيف المصادر أن هذا التقارب يعود إلى سببين: الأول، أن «الإيرانيين استطاعوا أن يقدموا للمصريين أسباباً مقنعة للاستنتاج بأن ما يحصل في سوريا معركة غربية عربية، أكثر منها سورية ــ سورية». لا يعني هذا أبداً انتفاء عامل الصراع الداخلي في ما يجري، ولكن «يبدو واضحاً أن الهجوم الغربي على الدولة والجيش في سوريا هو الطاغي، واذا سمحتم (انتم المصريين) في وصوله إلى نهاياته، فإن الدور المقبل عليكم، بدليل ما يجري في مصر حالياً من اضطرابات وأعمال أمنية ومحاولات لتفكيك الجبهة الداخلية». أما السبب الثاني للتقارب، بحسب المصادر نفسها، فهو «الاختراق الذي أحدثه الإيرانيون مع (رئيس ائتلاف الدوحة) معاذ الخطيب، أي بكلام آخر مع الجناح الإخواني في المعارضة السورية، ما وضع (الرئيس محمد) مرسي وإخوان مصر في موقع حرج؛ هم ليسوا مع المجموعات الإرهابية ولا مع العلمانيين ولا الليبراليين… ولا توجد أجندة مصرية في سوريا وإنما أجندة إخوانية، وفي هذه النقطة بالذات افترق المصريون عن الأتراك».

ولعل كلام وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، في مجلس خاص قبل يومين، عن أن «إيران وروسيا والصين ومعاذ الخطيب مع اتفاق جنيف» ما يدعم هذه المقاربة، بحسب شخصية إيرانية كانت حاضرة في هذا المجلس تؤكد أن «هناك توافقاً مع مصر على حد أدنى: مع الحوار وضد العنف وتسليح المعارضة» السورية.

 

في هذه الأثناء، يكشف مسؤول عراقي، وثيق الصلة بالقيادتين التركية والسعودية، عن «وجود مراسلات خطية بين أنقرة وطهران تقر فيها السلطات التركية، للمرة الأولى، بأن الحل في سوريا هو عبر حوار بين المعارضة والنظام السوريين»، لافتة إلى أن هذه المراسلات لم تتضمن، كما جرت عليه العادة في الحوارات الشفهية، مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد.

مصادر إيرانية معنية بالملف السوري لا تؤكد ولا تنفي هذه المعلومة. تقول إن «الأتراك، وبعدما فشلوا في الميدان، وجدوا أنفسهم في وضع صعب. لا يستطيعون تدوير الزوايا ولا العمل على الخروج من المستنقع السوري، كما يفعل غيرهم، ولا يستطيعون المضي قدماً والغرق أكثر فأكثر. الطريق مسدودة أمامهم». وتضيف أن «الأتراك يحاولون أن يأخذوا على طاولة التفاوض ما عجزوا عنه بالقوة. يريدون معاذ الخطيب مفاوضاً وحيداً عن المعارضة، ويريدون (نائب الرئيس السوري فاروق) الشرع ولا أحد غيره مفاوضاً عن النظام»، مشيرةً إلى أنه «لا بد أنهم يسعون وراء هذا النصر المعنوي ليحفظ لهم ماء الوجه». وتابعت «جوابنا لهم، الذي حضر على طاولة القمة الثلاثية في القاهرة، كان بسيطاً: طالما أنها مسألة سورية بالأساس، وطالما أنها مفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين. إذا كنتم أنتم تريدون تعيين موفدي الطرفين، فماذا يشتغل السوريون؟»، لافتة إلى أن «الأتراك يبدون محرجين، ولكنهم لا يزالون متمسكين بموقفهم».

مصادر إيرانية أخرى معنية بالعلاقات المصرية الإيرانية أفادت بأن «الرسالة التي بعثت بها إلى القاهرة (أول من أمس) تؤكد أن أمر تحديد ممثل المعارضة يجب أن يبحث مع جميع أطرافها. المعارضة هي التي تقرر من يمثلها في الحوار، الخطيب لا يمثل كل الشعب السوري. وفي المقابل، الأسد وحكومته هما من يقرر من يمثلهما على الطاولة»، مشيرة إلى أن «الإشارات الأولى تفيد بأن المصريين اقتنعوا بذلك على ما يبدو».

أوساط الرئيس محمود أحمدي نجاد تقول إنه كان «واضحاً وحاسماً» خلال القمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة قبل نحو اسبوعين. وتضيف أنه «أكد لهم أن ما يفعلونه، في محاولة تسمية المفاوضين السوريين، لا يمت للديموقراطية بصلة»، مشيرة إلى أنه سأل محاوريه الرئيس محمد مرسي والرئيس التركي عبد الله غول عن «كيفية قبولهم بالذهاب إلى مجلس الأمن في وقت أن الخطة الرباعية التي تقدمت بها مصر تؤكد على الحل الإقليمي وعلى رفض أي تدخل أجنبي في الأزمة السورية». وبعدما أشارت المصادر إلى أن الجانب التركي أعرب عن مخاوف على سلامة معاذ الخطيب، أكدت أن الرئيس الإيراني «استفسر منهم عن كيفية مطالبتهم بمقعد للمجموعات المسلحة على طاولة التفاوض السورية في الوقت الذي تقاتل فيه سلطات أنقرة المسلحين على الأراضي التركية وتصفهم بأنهم ارهابيون ولا تعترف بهم. هل هذه ازدواجية في المعايير أم انتهازية تعكس مصالح مباشرة ورغبة في حصة من الكعكة السورية؟».

 

دوائر التقدير في طهران ترى أن «تمكن الدبلوماسية الإيرانية من تحقيق اختراقات على جبهات المعارضة السورية ومصر وتركيا حول الأزمة السورية يحرج الأطراف العربية». تضيف أن المعضلة بالنسبة لهؤلاء أن جبهة النظام في سوريا موحدة خلف الأسد، فيما المعارضة مشتتة أطيافاً مختلفة في ما بينها. كذلك الأمر بالنسبة لداعمي النظام، من إيران وروسيا والصين التي بات لديها تصور مشترك وموقف موحد «يقترب كثيراً من خطة الحل التي عرضها الأسد أخيراً»، فيما داعمو المعارضة السورية مشتتون ومنقسمون معسكرات مختلفة في ما بينهم، سواء على مستوى الدول الغربية، أو حتى على المستوى العربي.

وفي هذا السياق، وبغض النظر عن الخلاف العقائدي بين «الإخوان» المدعومين من قطر، وبين السلفيين المدعومين من السعودية، والذي تجلى في أوضح صوره في الخلاف بين الإخوان وحزب النور السلفي في مصر، هناك مقاربة خاصة للأزمة السورية في السعودية تجعلها في منأى عن الحراك الإقليمي للتسوية. مصدر خليجي مخضرم، ومعه المسؤول العراقي سالف الذكر، يتفقان على أن «السعودية ترفض الحل الإقليمي للأزمة السورية وتضغط باتجاه حل دولي، على قاعدة أن قبولها بالأول يعني قبولها بإيران جزءاً من الحل، فيما الثاني يجعل الجمهورية الإسلامية جزءاً من المشكلة». في المقابل، فإن «حكومة الإخوان في مصر، ومهما ابتعدت واختلفت مع طهران هي في النهاية حكومة إسلامية، على غرار مثيلتها في في الجمهورية الإسلامية وتبقى أقرب إليها من أي طرف ثالث. هذا حكم النص (القرآني الذي لا يمكن تجاوزه). في النهاية، حكومة الأخوان تكرس مصر أزهرية، على النقيض مع السلفية والوهابية».

ويبدو أن الشبح «الإخواني» بدأ يقض مضاجع إمارات الخليج ومشيخاتها. ولعل في الحراك الإماراتي الأخير ما يكشف بعضاً مما هو مستور: فضائية باسم «الغد العربي» تستعد للظهور، بتمويل إماراتي في معظمه، مهمتها، بحسب المصدر الخليجي الوثيق الصلة بالعائلات الحاكمة في الخليج، «اسقاط الحكومات الإخوانية في العالم العربي». وعلى ذمة المصدر نفسه، فإن «أجهزة الاستخبارات الخليجية لديها معلومات عن أن حكومات تونس والمغرب وليبيا ومصر في طريقها إلى السقوط الواحدة تلو الأخرى، وأن الدول الكبرى لم تعد معنية بالعمل على اسقاط الأسد، بل مقتنعة بأنها عاجزة عن تحقيق ذلك ولو أرادت. وأن كل التصريحات المخالفة لذلك ليست سوى علاقات عامة بانتظار موعد التسوية بعد أشهر».

في خضم كل هذه المعمعة، بدت لافتة كلمة الأمير السعودي تركي الفيصل، أمام المؤتمر الدولي الأول لمجلس العلاقات العربية الدولية الذي انعقد في الكويت قبل نحو اسبوع. ففي مقاربة عكست تخبط الحكم في السعودية أو تشتته، وتأتي مغايرة للسياق العام الذي يشير إلى إعادة تموضع سعودي من الأزمة السورية، طالب تركي الفيصل بتسليح المعارضة السورية بأسلحة متطورة جداً مضادة للطائرات ومضادة للدروع لكي تحدث تكافؤاً مع النظام بما يجبره على الدخول في حوار مجد. كما طالب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدم التفاوض مع إيران حتى ضمن ما يعرف بمجموعة 5 + 1 إلا بعد ضم دول مجلس التعاون الخليجي الـ6 إلى هذه الهيئة لأن أي إجراء يأتي خلافاً لذلك «يضع الأمن الخليجي والإقليمي في خطر».

لكن ما كان أكثر دهشة، في المؤتمر نفسه، مطالبة رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر بتأسيس منظمة للدول المطلة على الخليج العربي، في مناورة بدا واضحاً أنها مناكفة للسعودية مع ما تعنيه من قبول لإيران ضمن المنظومة الإقليمية الخليجية. المصدر الخليجي، الذي كان حاضناً للكثير من المشاركين في المؤتمر، يرى أن «خطوة كهذه تعتبر تحولاً إقليميا تجنّ منه السعودية»، مضيفاً أن حمد «يعرف أنه خسر اللعبة في سوريا، وهو يراقب الأميركي يتوسل المفاوضات مع إيران. وهو بذلك يغازل هذه الأخيرة. يريد أن يكون جزءاً من اللعبة، ولكن على طريقته الخاصة. يريد تكافؤاً مع الأسد يصرفه في وقت لاحق على طاولة المفاوضات».

تلميحات لا تبشر بخير وشيك على الأرض في سوريا. في النهاية، المفاوضون يصرفون بالسياسة ما كسبوه في العسكر. عسى ألا يكون كل هذا الحراك مقدمة لجولة ميدانية أخيرة، لا أحد يمكنه التنبؤ بمدى حجمها أو نطاقها أو خسائرها، تكون معمودية دم للتسوية المزعومة.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-19
  • 9322
  • من الأرشيف

ترويكا اقليمية نحو اطار حل سوري ومناكفة قطرية سعودية

يتحدث الممسكون بالملف في عواصم الإقليم عن بوادر تفاهم ثلاثي إيراني تركي مصري على إطار للحل لا يزال بحاجة لإنضاج يرونه شبه محسوم في ضوء العجز الميداني عن اسقاط  النظام والهرولة الأميركية للتفاوض مع طهران تطورات الساحة الإقليمية خلال الأيام القليلة الماضية تبدو مبشرة بتوافق إيراني تركي مصري على إطار حل للأزمة السورية، لا تزال السعودية تنأى بنفسها عنه برغم المناكفة القطرية على أكثر من صعيد، وذلك بعيداً عن الاشتباك الإيراني المصري المعلن حول ملف التشيّع، والصدام التركي الإيراني المكشوف على الساحتين السورية والعراقية. على الأقل هذا ما تفيد به المعلومات الواردة من أكثر من عاصمة معنية بهذه الملف. مصادر عربية ناشطة على خط طهران ــ القاهرة تقول إن «مواقف المصريين (في ما يتعلق بالأزمة السورية) تقترب شيئاً فشيئاً من الرؤية الإيرانية»، مشيرةً إلى أن ذلك تجلى في أوضح حلله في خلال زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد إلى للقاهرة، برغم ما طفا إلى السطح من خلافات حول أكثر من ملف، بينها التشيع والبحرين وعرب الأهواز. وتضيف المصادر أن هذا التقارب يعود إلى سببين: الأول، أن «الإيرانيين استطاعوا أن يقدموا للمصريين أسباباً مقنعة للاستنتاج بأن ما يحصل في سوريا معركة غربية عربية، أكثر منها سورية ــ سورية». لا يعني هذا أبداً انتفاء عامل الصراع الداخلي في ما يجري، ولكن «يبدو واضحاً أن الهجوم الغربي على الدولة والجيش في سوريا هو الطاغي، واذا سمحتم (انتم المصريين) في وصوله إلى نهاياته، فإن الدور المقبل عليكم، بدليل ما يجري في مصر حالياً من اضطرابات وأعمال أمنية ومحاولات لتفكيك الجبهة الداخلية». أما السبب الثاني للتقارب، بحسب المصادر نفسها، فهو «الاختراق الذي أحدثه الإيرانيون مع (رئيس ائتلاف الدوحة) معاذ الخطيب، أي بكلام آخر مع الجناح الإخواني في المعارضة السورية، ما وضع (الرئيس محمد) مرسي وإخوان مصر في موقع حرج؛ هم ليسوا مع المجموعات الإرهابية ولا مع العلمانيين ولا الليبراليين… ولا توجد أجندة مصرية في سوريا وإنما أجندة إخوانية، وفي هذه النقطة بالذات افترق المصريون عن الأتراك». ولعل كلام وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، في مجلس خاص قبل يومين، عن أن «إيران وروسيا والصين ومعاذ الخطيب مع اتفاق جنيف» ما يدعم هذه المقاربة، بحسب شخصية إيرانية كانت حاضرة في هذا المجلس تؤكد أن «هناك توافقاً مع مصر على حد أدنى: مع الحوار وضد العنف وتسليح المعارضة» السورية.   في هذه الأثناء، يكشف مسؤول عراقي، وثيق الصلة بالقيادتين التركية والسعودية، عن «وجود مراسلات خطية بين أنقرة وطهران تقر فيها السلطات التركية، للمرة الأولى، بأن الحل في سوريا هو عبر حوار بين المعارضة والنظام السوريين»، لافتة إلى أن هذه المراسلات لم تتضمن، كما جرت عليه العادة في الحوارات الشفهية، مطلب تنحي الرئيس بشار الأسد. مصادر إيرانية معنية بالملف السوري لا تؤكد ولا تنفي هذه المعلومة. تقول إن «الأتراك، وبعدما فشلوا في الميدان، وجدوا أنفسهم في وضع صعب. لا يستطيعون تدوير الزوايا ولا العمل على الخروج من المستنقع السوري، كما يفعل غيرهم، ولا يستطيعون المضي قدماً والغرق أكثر فأكثر. الطريق مسدودة أمامهم». وتضيف أن «الأتراك يحاولون أن يأخذوا على طاولة التفاوض ما عجزوا عنه بالقوة. يريدون معاذ الخطيب مفاوضاً وحيداً عن المعارضة، ويريدون (نائب الرئيس السوري فاروق) الشرع ولا أحد غيره مفاوضاً عن النظام»، مشيرةً إلى أنه «لا بد أنهم يسعون وراء هذا النصر المعنوي ليحفظ لهم ماء الوجه». وتابعت «جوابنا لهم، الذي حضر على طاولة القمة الثلاثية في القاهرة، كان بسيطاً: طالما أنها مسألة سورية بالأساس، وطالما أنها مفاوضات بين النظام والمعارضة السوريين. إذا كنتم أنتم تريدون تعيين موفدي الطرفين، فماذا يشتغل السوريون؟»، لافتة إلى أن «الأتراك يبدون محرجين، ولكنهم لا يزالون متمسكين بموقفهم». مصادر إيرانية أخرى معنية بالعلاقات المصرية الإيرانية أفادت بأن «الرسالة التي بعثت بها إلى القاهرة (أول من أمس) تؤكد أن أمر تحديد ممثل المعارضة يجب أن يبحث مع جميع أطرافها. المعارضة هي التي تقرر من يمثلها في الحوار، الخطيب لا يمثل كل الشعب السوري. وفي المقابل، الأسد وحكومته هما من يقرر من يمثلهما على الطاولة»، مشيرة إلى أن «الإشارات الأولى تفيد بأن المصريين اقتنعوا بذلك على ما يبدو». أوساط الرئيس محمود أحمدي نجاد تقول إنه كان «واضحاً وحاسماً» خلال القمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة قبل نحو اسبوعين. وتضيف أنه «أكد لهم أن ما يفعلونه، في محاولة تسمية المفاوضين السوريين، لا يمت للديموقراطية بصلة»، مشيرة إلى أنه سأل محاوريه الرئيس محمد مرسي والرئيس التركي عبد الله غول عن «كيفية قبولهم بالذهاب إلى مجلس الأمن في وقت أن الخطة الرباعية التي تقدمت بها مصر تؤكد على الحل الإقليمي وعلى رفض أي تدخل أجنبي في الأزمة السورية». وبعدما أشارت المصادر إلى أن الجانب التركي أعرب عن مخاوف على سلامة معاذ الخطيب، أكدت أن الرئيس الإيراني «استفسر منهم عن كيفية مطالبتهم بمقعد للمجموعات المسلحة على طاولة التفاوض السورية في الوقت الذي تقاتل فيه سلطات أنقرة المسلحين على الأراضي التركية وتصفهم بأنهم ارهابيون ولا تعترف بهم. هل هذه ازدواجية في المعايير أم انتهازية تعكس مصالح مباشرة ورغبة في حصة من الكعكة السورية؟».   دوائر التقدير في طهران ترى أن «تمكن الدبلوماسية الإيرانية من تحقيق اختراقات على جبهات المعارضة السورية ومصر وتركيا حول الأزمة السورية يحرج الأطراف العربية». تضيف أن المعضلة بالنسبة لهؤلاء أن جبهة النظام في سوريا موحدة خلف الأسد، فيما المعارضة مشتتة أطيافاً مختلفة في ما بينها. كذلك الأمر بالنسبة لداعمي النظام، من إيران وروسيا والصين التي بات لديها تصور مشترك وموقف موحد «يقترب كثيراً من خطة الحل التي عرضها الأسد أخيراً»، فيما داعمو المعارضة السورية مشتتون ومنقسمون معسكرات مختلفة في ما بينهم، سواء على مستوى الدول الغربية، أو حتى على المستوى العربي. وفي هذا السياق، وبغض النظر عن الخلاف العقائدي بين «الإخوان» المدعومين من قطر، وبين السلفيين المدعومين من السعودية، والذي تجلى في أوضح صوره في الخلاف بين الإخوان وحزب النور السلفي في مصر، هناك مقاربة خاصة للأزمة السورية في السعودية تجعلها في منأى عن الحراك الإقليمي للتسوية. مصدر خليجي مخضرم، ومعه المسؤول العراقي سالف الذكر، يتفقان على أن «السعودية ترفض الحل الإقليمي للأزمة السورية وتضغط باتجاه حل دولي، على قاعدة أن قبولها بالأول يعني قبولها بإيران جزءاً من الحل، فيما الثاني يجعل الجمهورية الإسلامية جزءاً من المشكلة». في المقابل، فإن «حكومة الإخوان في مصر، ومهما ابتعدت واختلفت مع طهران هي في النهاية حكومة إسلامية، على غرار مثيلتها في في الجمهورية الإسلامية وتبقى أقرب إليها من أي طرف ثالث. هذا حكم النص (القرآني الذي لا يمكن تجاوزه). في النهاية، حكومة الأخوان تكرس مصر أزهرية، على النقيض مع السلفية والوهابية». ويبدو أن الشبح «الإخواني» بدأ يقض مضاجع إمارات الخليج ومشيخاتها. ولعل في الحراك الإماراتي الأخير ما يكشف بعضاً مما هو مستور: فضائية باسم «الغد العربي» تستعد للظهور، بتمويل إماراتي في معظمه، مهمتها، بحسب المصدر الخليجي الوثيق الصلة بالعائلات الحاكمة في الخليج، «اسقاط الحكومات الإخوانية في العالم العربي». وعلى ذمة المصدر نفسه، فإن «أجهزة الاستخبارات الخليجية لديها معلومات عن أن حكومات تونس والمغرب وليبيا ومصر في طريقها إلى السقوط الواحدة تلو الأخرى، وأن الدول الكبرى لم تعد معنية بالعمل على اسقاط الأسد، بل مقتنعة بأنها عاجزة عن تحقيق ذلك ولو أرادت. وأن كل التصريحات المخالفة لذلك ليست سوى علاقات عامة بانتظار موعد التسوية بعد أشهر». في خضم كل هذه المعمعة، بدت لافتة كلمة الأمير السعودي تركي الفيصل، أمام المؤتمر الدولي الأول لمجلس العلاقات العربية الدولية الذي انعقد في الكويت قبل نحو اسبوع. ففي مقاربة عكست تخبط الحكم في السعودية أو تشتته، وتأتي مغايرة للسياق العام الذي يشير إلى إعادة تموضع سعودي من الأزمة السورية، طالب تركي الفيصل بتسليح المعارضة السورية بأسلحة متطورة جداً مضادة للطائرات ومضادة للدروع لكي تحدث تكافؤاً مع النظام بما يجبره على الدخول في حوار مجد. كما طالب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدم التفاوض مع إيران حتى ضمن ما يعرف بمجموعة 5 + 1 إلا بعد ضم دول مجلس التعاون الخليجي الـ6 إلى هذه الهيئة لأن أي إجراء يأتي خلافاً لذلك «يضع الأمن الخليجي والإقليمي في خطر». لكن ما كان أكثر دهشة، في المؤتمر نفسه، مطالبة رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم بن جبر بتأسيس منظمة للدول المطلة على الخليج العربي، في مناورة بدا واضحاً أنها مناكفة للسعودية مع ما تعنيه من قبول لإيران ضمن المنظومة الإقليمية الخليجية. المصدر الخليجي، الذي كان حاضناً للكثير من المشاركين في المؤتمر، يرى أن «خطوة كهذه تعتبر تحولاً إقليميا تجنّ منه السعودية»، مضيفاً أن حمد «يعرف أنه خسر اللعبة في سوريا، وهو يراقب الأميركي يتوسل المفاوضات مع إيران. وهو بذلك يغازل هذه الأخيرة. يريد أن يكون جزءاً من اللعبة، ولكن على طريقته الخاصة. يريد تكافؤاً مع الأسد يصرفه في وقت لاحق على طاولة المفاوضات». تلميحات لا تبشر بخير وشيك على الأرض في سوريا. في النهاية، المفاوضون يصرفون بالسياسة ما كسبوه في العسكر. عسى ألا يكون كل هذا الحراك مقدمة لجولة ميدانية أخيرة، لا أحد يمكنه التنبؤ بمدى حجمها أو نطاقها أو خسائرها، تكون معمودية دم للتسوية المزعومة.

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة