في كتابه بعنوان "الأمير"، أورد الفيلسوف الفرنسي "نيكولا مكيافيلي" (1469 – 1527)، نظريّة تقول "إنّ أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم"، وهذا بالفعل ما طبّقه الجيش السوري خلال الأيّام القليلة الماضية، حيث أنّه، وبدل إنتظار الهجوم الكبير الذي يُنتظر أن تنفّذه المعارضة السورية على دمشق في الربيع المقبل، حاول هو شنّ هجوم إستباقي على المعارضة، لمنعها من إستكمال تحضيراتها تمهيداً لمحاولة الدخول إلى عمق العاصمة دمشق. فما هي الخطط العسكرية المعتمدة من قبل كلّ من المعارضة والنظام، وكيف تتحرّك قوّات كلّ منهما على الأرض؟

 

بالنسبة إلى المعارضة السورية، هي لا ترغب بتكرار الأخطاء السابقة عندما تحرّكت في مناطق داخل دمشق، من دون تأمين مناطق إمداد ودعم لوجستي خلفي للوحدات الأمامية، الأمر الذي أوقع خسائر فادحة في صفوفها. وهي اليوم حريصة على التحرّك ببطء نحو العاصمة السورية، عبر سياسة القضم المتتالي للبلدات والقرى في ريف دمشق. والهجمات التي تشنّها حالياً قرب العاصمة، لا تمثّل إطلاقاً "معركة دمشق الكبرى المنتظرة"، حتى لو أنّ بعض قادة المعارضة الميدانيّين أعلنوا ذلك. فهذا الأمر غير صحيح، ولا يدلّ إلا على الفوضى الإعلامية التي تعتري صفوف المعارضة، وعلى غياب التنسيق الميداني الجدّي بين تيّاراتها ومقاتليها الموزّعين على فصائل عدّة.

وتنفيذاً للخطة الفعليّة الموضوعة، كانت المعارضة السورية قد شنّت في الفترة الأخيرة سلسلة هجمات على معظم قواعد الدفاع الجوّي في محافظة دمشق، والتي يبلغ عددها 11 قاعدة. وأبرز النتائج المحقّقة السيطرة على مقرّ الدفاع الجوّي الأساسي لمجمل ريف دمشق، والذي هو بقيادة "اللواء 82"،  وكذلك على مقرّ "اللواء 22" في منطقة "الغوطة الشرقيّة" للعاصمة السوريّة. وحاولت المعارضة التقدّم والسيطرة على مختلف المطارات العسكرية في دمشق وريفها، والتي يبلغ عددها الإجمالي ستة مطارات. وحقّقت نتائج جزئيّة في حملتها هذه، حيث نجحت هجماتها في بعض المواقع، مثل كل من مطار "مرج  السلطان" العسكري، ومطار "عقربا" العسكري الذي يقع في مكان وسطي ما بين مدينة دمشق ومطار العاصمة السورية الدولي، قبل أن يتمكّن الجيش السوري من إستعادته. وفشلت هجمات المعارضة في التقدّم بإتجاه مطار "السيدة زينب" الذي يتميّز بمدرجه الطويل الذي يسمح بإقلاع طائرات "سوخوي" و"ميغ" وهبوطها، إلى جانب إستخدامه الأساسي كمحطّة أساسية لحركة الطوافات الحربيّة، شأنه شأن المطارات الأخرى، مثل "المزّة" و"الضمير" و"الناصريّة"، وهي كلّها مطارات صغيرة لا تزال يقبضة الجيش السوري.

وحاولت المعارضة السورية في الأيام القليلة الماضية، القيام بعمليّات التقدّم نحو العاصمة السورية، عبر أكثر من موقع ونقطة، في إستكمال للخطة الرامية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من القرى والبلدات في ريف دمشق، تمهيداً للهجوم الكبير مطلع الربيع في حال تحقيق النجاح في الحفاظ على مناطق السيطرة الحالية في الأرياف، وتعزيزها بالعديد والعتاد.

في المقابل، يعمل النظام السوري الواعي تماماً لهذه الخطة منذ أسابيع عدّة، على إفشالها عبر تكثيف الغارات الجويّة والقصف البرّي العنيف على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف دمشق بشكل خاص. وهو إعتمد في الأيام القليلة الماضية، خطة جديدة نسبياً تقضي بالإنسحاب المتعمّد من المناطق التي تتعرّض لهجمات من المعارضة، قبل شنّ هجمات مضادة عليها، بشكل مركّز. وفي هذا السياق، سمح النظام السوري لمسلّحي المعارضة بالتقدّم من جوبر وزملكا في إتجاه ساحة العباسيّين، بعد إخلاء عدد من المواقع المتقدّمة عمداً، قبل أن يشنّ هجوماً معاكساً عنيفاً ومنظّماً. و"السيناريو" نفسه تكرّر في مناطق أخرى، ومنها على سبيل المثال، الطريق الدائري في دمشق، وتحديداً عند "تقاطع حرملة" شمالي جوبر مباشرة. وقد سقط العديد من الإصابات بين قتيل وجريح للمعارضة في هذه الهجمات، والهجمات المضادة التي نفّذها الجيش السوري، مع الإشارة إلى أنّه لو نجح المعارضون في السيطرة على الطريق الدائري، لكانوا ربطوا جوبر بالغوطة الشرقيّة. وتمّ تنفيذ عمليّات نوعيّة للجيش السوري على البلدات المحيطة بمطار دمشق الدولي، ودارت إشتباكات عنيفة في كل من "بيت سحم" و"الذابية" و"حجيرة". كما هاجم الجيش السوري وقصف العديد من البلدات الواقعة على جانبي المطار. ودارت معارك في قرية "حران العواميد" القريبة من مطار دمشق الدولي، وبلدة النشابية ومحيطها، وفي مزارع دوما وحرستا زملكا وعربين و"عين ترما". وقَصِف الجيش السوري العنيف، إستهدف ايضاً، كما غاراته الجويّة، المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في داريا، و"الغوطة الغربيّة"، ومعضميّة الشام. وهاجم الجيش السوري بعنف جيوب المعارضة في جنوب العاصمة ، خاصة في "الحجر الأسود" والتضامن والقدم والعسالي، وفي شرقها أيضاً. وتوجد في هذه المناطق أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيّين من كل من درعا وحمص، إضافة إلى أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيّين.

ويمكن القول مما تقدّم، إنّ الجيش السوري يواصل العمل على تأخير وعلى إفشال خطّة المعارضة القاضية بالدخول إلى العاصمة، والسيطرة على مناطق في عمقها، لما لهذه الخطوة من نتائج معنويّة هائلة على مجمل الصراع، في حال تحقيقها. لكن نجاحه في صدّ هجمات المعارضة على العاصمة حتى الآن، إن عبر الدفاع التقليدي، أو عبر الهجمات الإستباقيّة، وإيقاعه خسائر كبيرة في صفوف قوّات المعارضة في الأيام القليلة الماضية، لم يحجب حقيقة السيطرة المتزايدة للمعارضة على الشمال السوري، وعلى حلب ثاني أكبر مدينة سورية، وعلى العديد من المدن والأرياف على امتداد الخريطة السورية. كما لم يحجب حقيقة أنّ "الأخبار الطيّبة" بالنسبة للنظام ولمؤيّديه، صارت متمثّلة بالنجاح في الدفاع عن دمشق، وليس في طرد المعارضة من مناطق سيطرتها في سوريا!

 

 

  • فريق ماسة
  • 2013-02-10
  • 7482
  • من الأرشيف

هجوم إستباقي للجيش السوري على المعارضة بريف دمشق

في كتابه بعنوان "الأمير"، أورد الفيلسوف الفرنسي "نيكولا مكيافيلي" (1469 – 1527)، نظريّة تقول "إنّ أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم"، وهذا بالفعل ما طبّقه الجيش السوري خلال الأيّام القليلة الماضية، حيث أنّه، وبدل إنتظار الهجوم الكبير الذي يُنتظر أن تنفّذه المعارضة السورية على دمشق في الربيع المقبل، حاول هو شنّ هجوم إستباقي على المعارضة، لمنعها من إستكمال تحضيراتها تمهيداً لمحاولة الدخول إلى عمق العاصمة دمشق. فما هي الخطط العسكرية المعتمدة من قبل كلّ من المعارضة والنظام، وكيف تتحرّك قوّات كلّ منهما على الأرض؟   بالنسبة إلى المعارضة السورية، هي لا ترغب بتكرار الأخطاء السابقة عندما تحرّكت في مناطق داخل دمشق، من دون تأمين مناطق إمداد ودعم لوجستي خلفي للوحدات الأمامية، الأمر الذي أوقع خسائر فادحة في صفوفها. وهي اليوم حريصة على التحرّك ببطء نحو العاصمة السورية، عبر سياسة القضم المتتالي للبلدات والقرى في ريف دمشق. والهجمات التي تشنّها حالياً قرب العاصمة، لا تمثّل إطلاقاً "معركة دمشق الكبرى المنتظرة"، حتى لو أنّ بعض قادة المعارضة الميدانيّين أعلنوا ذلك. فهذا الأمر غير صحيح، ولا يدلّ إلا على الفوضى الإعلامية التي تعتري صفوف المعارضة، وعلى غياب التنسيق الميداني الجدّي بين تيّاراتها ومقاتليها الموزّعين على فصائل عدّة. وتنفيذاً للخطة الفعليّة الموضوعة، كانت المعارضة السورية قد شنّت في الفترة الأخيرة سلسلة هجمات على معظم قواعد الدفاع الجوّي في محافظة دمشق، والتي يبلغ عددها 11 قاعدة. وأبرز النتائج المحقّقة السيطرة على مقرّ الدفاع الجوّي الأساسي لمجمل ريف دمشق، والذي هو بقيادة "اللواء 82"،  وكذلك على مقرّ "اللواء 22" في منطقة "الغوطة الشرقيّة" للعاصمة السوريّة. وحاولت المعارضة التقدّم والسيطرة على مختلف المطارات العسكرية في دمشق وريفها، والتي يبلغ عددها الإجمالي ستة مطارات. وحقّقت نتائج جزئيّة في حملتها هذه، حيث نجحت هجماتها في بعض المواقع، مثل كل من مطار "مرج  السلطان" العسكري، ومطار "عقربا" العسكري الذي يقع في مكان وسطي ما بين مدينة دمشق ومطار العاصمة السورية الدولي، قبل أن يتمكّن الجيش السوري من إستعادته. وفشلت هجمات المعارضة في التقدّم بإتجاه مطار "السيدة زينب" الذي يتميّز بمدرجه الطويل الذي يسمح بإقلاع طائرات "سوخوي" و"ميغ" وهبوطها، إلى جانب إستخدامه الأساسي كمحطّة أساسية لحركة الطوافات الحربيّة، شأنه شأن المطارات الأخرى، مثل "المزّة" و"الضمير" و"الناصريّة"، وهي كلّها مطارات صغيرة لا تزال يقبضة الجيش السوري. وحاولت المعارضة السورية في الأيام القليلة الماضية، القيام بعمليّات التقدّم نحو العاصمة السورية، عبر أكثر من موقع ونقطة، في إستكمال للخطة الرامية بالسيطرة على أكبر قدر ممكن من القرى والبلدات في ريف دمشق، تمهيداً للهجوم الكبير مطلع الربيع في حال تحقيق النجاح في الحفاظ على مناطق السيطرة الحالية في الأرياف، وتعزيزها بالعديد والعتاد. في المقابل، يعمل النظام السوري الواعي تماماً لهذه الخطة منذ أسابيع عدّة، على إفشالها عبر تكثيف الغارات الجويّة والقصف البرّي العنيف على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف دمشق بشكل خاص. وهو إعتمد في الأيام القليلة الماضية، خطة جديدة نسبياً تقضي بالإنسحاب المتعمّد من المناطق التي تتعرّض لهجمات من المعارضة، قبل شنّ هجمات مضادة عليها، بشكل مركّز. وفي هذا السياق، سمح النظام السوري لمسلّحي المعارضة بالتقدّم من جوبر وزملكا في إتجاه ساحة العباسيّين، بعد إخلاء عدد من المواقع المتقدّمة عمداً، قبل أن يشنّ هجوماً معاكساً عنيفاً ومنظّماً. و"السيناريو" نفسه تكرّر في مناطق أخرى، ومنها على سبيل المثال، الطريق الدائري في دمشق، وتحديداً عند "تقاطع حرملة" شمالي جوبر مباشرة. وقد سقط العديد من الإصابات بين قتيل وجريح للمعارضة في هذه الهجمات، والهجمات المضادة التي نفّذها الجيش السوري، مع الإشارة إلى أنّه لو نجح المعارضون في السيطرة على الطريق الدائري، لكانوا ربطوا جوبر بالغوطة الشرقيّة. وتمّ تنفيذ عمليّات نوعيّة للجيش السوري على البلدات المحيطة بمطار دمشق الدولي، ودارت إشتباكات عنيفة في كل من "بيت سحم" و"الذابية" و"حجيرة". كما هاجم الجيش السوري وقصف العديد من البلدات الواقعة على جانبي المطار. ودارت معارك في قرية "حران العواميد" القريبة من مطار دمشق الدولي، وبلدة النشابية ومحيطها، وفي مزارع دوما وحرستا زملكا وعربين و"عين ترما". وقَصِف الجيش السوري العنيف، إستهدف ايضاً، كما غاراته الجويّة، المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في داريا، و"الغوطة الغربيّة"، ومعضميّة الشام. وهاجم الجيش السوري بعنف جيوب المعارضة في جنوب العاصمة ، خاصة في "الحجر الأسود" والتضامن والقدم والعسالي، وفي شرقها أيضاً. وتوجد في هذه المناطق أعداد كبيرة من النازحين الفلسطينيّين من كل من درعا وحمص، إضافة إلى أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيّين. ويمكن القول مما تقدّم، إنّ الجيش السوري يواصل العمل على تأخير وعلى إفشال خطّة المعارضة القاضية بالدخول إلى العاصمة، والسيطرة على مناطق في عمقها، لما لهذه الخطوة من نتائج معنويّة هائلة على مجمل الصراع، في حال تحقيقها. لكن نجاحه في صدّ هجمات المعارضة على العاصمة حتى الآن، إن عبر الدفاع التقليدي، أو عبر الهجمات الإستباقيّة، وإيقاعه خسائر كبيرة في صفوف قوّات المعارضة في الأيام القليلة الماضية، لم يحجب حقيقة السيطرة المتزايدة للمعارضة على الشمال السوري، وعلى حلب ثاني أكبر مدينة سورية، وعلى العديد من المدن والأرياف على امتداد الخريطة السورية. كما لم يحجب حقيقة أنّ "الأخبار الطيّبة" بالنسبة للنظام ولمؤيّديه، صارت متمثّلة بالنجاح في الدفاع عن دمشق، وليس في طرد المعارضة من مناطق سيطرتها في سوريا!    

المصدر : ناجي س. البستاني - مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة