ماذا يعني أن يتواجد بطاركة أنطاكيا وسائر المشرق الثلاثة في سوريا، وهل هناك رابط بين التزامن والحدث أم أنه مجرد مناسبة دينية على أرض تشهد صراعات وحروب مستمرة منذ ما يقارب السنتين، وبالتالي هل أن وجودهم في العاصمة السورية هو متغير واضح أم أنه تكريس لمتغيرات حصلت؟

اسئلة عديدة ومشروعة رافقت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى دمشق بعد قطيعة طويلة بين البطريركية المارونية والنظام السوري استمرت أكثر من خمسة عقود لم يتخللها أي خرق في الجدار الجليدي الذي حكم العلاقة بين بكركي ببطاركتها المتعاقبين وقصر المهاجرين في دمشق.

واذا كان تواجد بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام أمراً طبيعياً نظراً لوجود الكرسي البطريركي في سوريا، ونظيره الأرثوذكسي للاعتبارات ذاتها، فان زيارة الراعي تحمل من المدلولات ما يكفي للاعتقاد بأن هناك متغيرات جذرية ليس فقط على المستوى المسيحي السوري اذا ما جاز التعبير بل المشرقي برمته، خصوصاً أن هذه الزيارة ما كانت لتتحقق لولا موافقة الفاتيكان التي جاءت مقرونة بمشاركة السفير البابوي إلى جانبه، فضلاً عن ملاحظة جديرة وهي أنها لو تمت من دون اعلان مسبق، الا أنها جاءت منسقة وهادئة للغاية ما يعني بأن الحكومة السورية كانت على علم مسبق بها، وهي حضرت لها بشكل كامل أكان من الجهة الأمنية أو السياسية.

هذا في الشكل، أما في المضمون فإن الراعي أراد توجيه رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر، خصوصاً الجهات الراغبة في الحد من الوجود المسيحي في الشرق، وهي التي نجحت في تعميم التجربة على فلسطين والعراق، كما أفلحت في التأسيس لهجرة مسيحية جديدة من سوريا ولبنان، لاسيما بعد أن تم استهداف القرى المسيحية في سوريا كما رموزها السياسية والدينية على حد سواء، بعد أن كان الوجود المسيحي في لبنان استهدف سياسياً واقتصادياً ما أدى إلى موجة هجرة عامة كادت أن تقلب الموازين الديمغرافية اذا لم تكن قد قلبتها بالفعل.

في المقلب الآخر، تلقف النظام السوري الرسالة بارتياح ورد عليها برسالة أبلغ بكثير مفادها أن الجيش السوري والقوى النظامية ما زالت تتحكم أمنياً وسياسياً بالعاصمة بكل مفاصلها، فضلا عن سيطرتها الكاملة على طول المسافة الممتدة من المصنع حتى العاصمة، والا لما تحرك الموكب البطريركي والمواكب الرسمية التابعة للنظام بكل حرية وارتياح دون الخشية من مفاجآت تعطل الزيارة وتلغي مفاعيلها وارتداداتها.

من جهة ثانية، يتوقف المراقبون عند المؤشرات الكثيرة التي رافقت الزيارة التي انتهت إلى قمة مسيحية بكل ما للكلمة من معنى على الأرض السورية الواقعة تحت سيطرة القوات النظامية، خصوصاً أن البطريرك الكاثوليكي والكاردينال الماروني هما من أبناء الكنيسة الكاثوليكية التابعة للكرسي الرسولي في الفاتيكان، بينما البطريرك الأرثوذكسي هو ابن الكنيسة الروسية، وذلك في ظل اعتقاد راسخ بأن هذه القمة وإن انتهت من دون لقاءات رسمية فانها لا تخلو على الاطلاق من المدلولات السياسية الواضحة التي تؤشر إلى متغيرات في الوضع السوري، وما زيارة الراعي تحديداً سوى تكريساً لها وموافقة ضمنية على فحواها، لاسيما أنها جاءت بعد ساعات على زيارة مماثلة قام بها الراعي إلى مدينة طرابلس التي يكثر الحديث حول تحولها الى امارة اسلامية، وهذا كله ليس من عوامل الصدفة انما استناداً إلى معطيات ترقى إلى درجة المعلومات التي لاقتها الفاتيكان في منتصف الطريق في اشارة إلى أن ما جاء على لسان الوفد السوري المشارك في الاحتفالات الدينية حول اقتصار امكانية الحلول على الحوار السياسي وهذا ما كانت دوائر الحاضرة قد نادت به منذ أشهر.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2013-02-10
  • 9958
  • من الأرشيف

هل أسست زيارة الراعي إلى سورية لمتغيرات أم أنها تكريس لها؟

ماذا يعني أن يتواجد بطاركة أنطاكيا وسائر المشرق الثلاثة في سوريا، وهل هناك رابط بين التزامن والحدث أم أنه مجرد مناسبة دينية على أرض تشهد صراعات وحروب مستمرة منذ ما يقارب السنتين، وبالتالي هل أن وجودهم في العاصمة السورية هو متغير واضح أم أنه تكريس لمتغيرات حصلت؟ اسئلة عديدة ومشروعة رافقت زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى دمشق بعد قطيعة طويلة بين البطريركية المارونية والنظام السوري استمرت أكثر من خمسة عقود لم يتخللها أي خرق في الجدار الجليدي الذي حكم العلاقة بين بكركي ببطاركتها المتعاقبين وقصر المهاجرين في دمشق. واذا كان تواجد بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام أمراً طبيعياً نظراً لوجود الكرسي البطريركي في سوريا، ونظيره الأرثوذكسي للاعتبارات ذاتها، فان زيارة الراعي تحمل من المدلولات ما يكفي للاعتقاد بأن هناك متغيرات جذرية ليس فقط على المستوى المسيحي السوري اذا ما جاز التعبير بل المشرقي برمته، خصوصاً أن هذه الزيارة ما كانت لتتحقق لولا موافقة الفاتيكان التي جاءت مقرونة بمشاركة السفير البابوي إلى جانبه، فضلاً عن ملاحظة جديرة وهي أنها لو تمت من دون اعلان مسبق، الا أنها جاءت منسقة وهادئة للغاية ما يعني بأن الحكومة السورية كانت على علم مسبق بها، وهي حضرت لها بشكل كامل أكان من الجهة الأمنية أو السياسية. هذا في الشكل، أما في المضمون فإن الراعي أراد توجيه رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر، خصوصاً الجهات الراغبة في الحد من الوجود المسيحي في الشرق، وهي التي نجحت في تعميم التجربة على فلسطين والعراق، كما أفلحت في التأسيس لهجرة مسيحية جديدة من سوريا ولبنان، لاسيما بعد أن تم استهداف القرى المسيحية في سوريا كما رموزها السياسية والدينية على حد سواء، بعد أن كان الوجود المسيحي في لبنان استهدف سياسياً واقتصادياً ما أدى إلى موجة هجرة عامة كادت أن تقلب الموازين الديمغرافية اذا لم تكن قد قلبتها بالفعل. في المقلب الآخر، تلقف النظام السوري الرسالة بارتياح ورد عليها برسالة أبلغ بكثير مفادها أن الجيش السوري والقوى النظامية ما زالت تتحكم أمنياً وسياسياً بالعاصمة بكل مفاصلها، فضلا عن سيطرتها الكاملة على طول المسافة الممتدة من المصنع حتى العاصمة، والا لما تحرك الموكب البطريركي والمواكب الرسمية التابعة للنظام بكل حرية وارتياح دون الخشية من مفاجآت تعطل الزيارة وتلغي مفاعيلها وارتداداتها. من جهة ثانية، يتوقف المراقبون عند المؤشرات الكثيرة التي رافقت الزيارة التي انتهت إلى قمة مسيحية بكل ما للكلمة من معنى على الأرض السورية الواقعة تحت سيطرة القوات النظامية، خصوصاً أن البطريرك الكاثوليكي والكاردينال الماروني هما من أبناء الكنيسة الكاثوليكية التابعة للكرسي الرسولي في الفاتيكان، بينما البطريرك الأرثوذكسي هو ابن الكنيسة الروسية، وذلك في ظل اعتقاد راسخ بأن هذه القمة وإن انتهت من دون لقاءات رسمية فانها لا تخلو على الاطلاق من المدلولات السياسية الواضحة التي تؤشر إلى متغيرات في الوضع السوري، وما زيارة الراعي تحديداً سوى تكريساً لها وموافقة ضمنية على فحواها، لاسيما أنها جاءت بعد ساعات على زيارة مماثلة قام بها الراعي إلى مدينة طرابلس التي يكثر الحديث حول تحولها الى امارة اسلامية، وهذا كله ليس من عوامل الصدفة انما استناداً إلى معطيات ترقى إلى درجة المعلومات التي لاقتها الفاتيكان في منتصف الطريق في اشارة إلى أن ما جاء على لسان الوفد السوري المشارك في الاحتفالات الدينية حول اقتصار امكانية الحلول على الحوار السياسي وهذا ما كانت دوائر الحاضرة قد نادت به منذ أشهر.    

المصدر : أنطوان الحايك - مقالات النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة