يثير الدعم القطري المريب لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة من جهة، وتوافد الدعاة السعوديين على تونس لنشر الفكر الوهابي من جهة ثانية،  قلقاً واسعاً في أوساط السياسيين والمفكرين من الزج بالبلاد في فتنة أهلية تستهدف نخر مؤسسات الدولة والمجتمع.

فقد بدت تونس، منذ الإطاحة بنظام الرئيس بن علي أرضاً مستباحة لدولة قطر التي ما انفكت تتدخل في الشأن التونسي تحت يافطة مساعدة الشعب من خلال دعم سياسي ومالي لحركة النهضة، ومقابل دعم الدولة الخليجية الصغيرة والثرية التي تضطلع بدور مشبوه في المنطقة، تقاطر الدعاة السعوديون على تونس في ما يشبه الغزوات الوهابية، التي عززت من استقواء الجماعات السلفية، حتى أنها باتت تعلن ولاءها علناً للفكر الوهابي الغريب عن المجتمع التونسي، يقابل ذلك صمت رسمي سعودي.

ولم تكن النخب السياسية والفكرية بغافلة عن خلفيات الدعم السياسي والضخ المالي السخي الذي تغدقه قطر على النهضة، بل كثيراًَ ما حذروا من خطورة التدخل في شؤون بلادهم.

ووصف المفكر هشام جعيط حركة النهضة بأنها حزب قطر في تونس، فيما طالب الناشط الحقوقي ورئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كمال الجندوبي دولة قطر بالكف عن دعم النهضة، معتبراً ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للتونسيين، الذين من حقهم أن يقرروا وحدهم مصير بلادهم.

وبرأي الجندوبي فإن قطر تنفذ أجندة مشبوهة في تونس، في إشارة إلى أن الدولة الخليجية تسعى إلى أن تدير من الخلف عملية الانتقال الديمقراطي عبر دعمها للنهضة ضد القوى الوطنية والتقدمية.

من جهته، أرجع الخبير السياسي عبد المجيد البدوي هذا الدعم المريب إلى سياسة الإغراق، إغراق البلاد في الإسلام السياسي من جهة لضرب قوى الحداثية ونخر المؤسسات السيادية للدولة، وإغراقها مالياً من خلال إثقالها بديون ذات فائدة مرتفعة.

وبرأي البدوي فإن تونس لم تتعرض، منذ استقلالها، إلى انتهاك سيادتها مثلما تتعرض له اليوم من طرف أجندة قطرية أميركية تنفذها النهضة.

ويلاحظ البدوي أن الهدف الاستراتيجي لهذه الأجندة يتمثل في إغراق المجتمع التونسي المنفتح والمتعدد سياسياً في نمط مجتمعي خليجي مغلق على ذاته، ولا يرى في الحداثة سوى نوعاً من الاغتراب عن الذات، وهو نفس المجتمع الذي تسعى إلى إقامته حركة النهضة.

أما الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد فقد حذر رئيس النهضة راشد الغنوشي من مغبة رهن تونس إلى مراكز نفوذ البترودولار، مشدداً على أن دعم قطر للنهضة لا يعني للتونسيين سوى تدخلاً سافراً في الشأن الوطني ومحاولة يائسة لضرب القوى الديمقراطية التي ترفض المساس بقيم المجتمع وفي مقدمتها قيم التسامح والتعايش.

ولم يتردد زعيم الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي في اتهام النهضة بسعيها لنخر مؤسسات الدولة الحديثة من خلال الهيمنة عليها من أجل أسلمتها، في إطار تنفيذ مشروع إسلامي تتبناه مختلف جماعات الإسلام السياسي التي تلقى دعماً من بعض دول الخليج، وخاصة من دولة قطر.

ويثير الصمت السعودي حيال العمل الدعوي لبعض مواطنيها موجة من الشكوك حول دورها السياسي، ويوضح عبد الستار عميرة الباحث في الجماعات الإسلامية أن الزيارات المتتالية للدعاة السعوديين لتونس لا يمكن فهمها خارج سياقها السياسي، إذ تحاول السعودية بناء أرضية دينية سلفية مناهضة للنهضة ولدور قطر في تونس.

وأضاف: إنه خلال الأشهر الأخيرة تحولت تونس إلى وجهة مفضلة للدعاة السعوديين والخليجيين عامة، إذ زارها العشرات من بينهم عائض القرني، وطلال الدوسري، وعبد العزيز بن نوفل، ومحمد موسى الشريف، وزكي اليحي، ومحمد بن عبد الله الدويش، وعبد المجيد المنصور، وفهد الزلفاوي، وأحمد بن عمر الحازمي، ومحمد العريفي، وخالد الحبشي، وهؤلاء محسوبون على الإخوان أو المتعاطفين معهم.

ولعله من الدلالة بمكان أن حي دوار هيشر الواقع شمال العاصمة تونس الذي ألقى في مسجده الداعية السعودي عبد المجيد المنصور سلسلة من الدروس والمحاضرات شهد خلال الفترة الأخيرة اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن وعناصر سلفية قال عنها رئيس الحكومة حمادي الجبالي: إنها تسعى لإقامة إمارة إسلامية.

وأحرقت الجماعات السلفية الوهابية خلال الأشهر الماضية 37 ضريحاً من أضرحة الأولياء، بعد أن أفتى الدعاة السعوديون بأنها من البدع.

وإزاء اختراق السلفية الوهابية للمجتمع حذر مفكرون وسياسيون من فتنة قادمة لا محالة ما لم يتم لجم جماعات تسعى إلى فرض نمط مجتمعي خليجي على المجتمع التونسي.

وحذر أستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة التونسية كمال الساكري من بداية فتنة حقيقية تعيشها تونس نتيجة تنامي الحضور الوهابي بفضل البترودولار والأئمة الذين يرسلونهم من دول الخليج، ويشدد الساكري على أنه ثمة أطراف خليجية مثل السعودية وقطر تمول عملية فتنة طائفية في تونس والرمي بالبلاد في أتون معركة بين المذاهب..

من جهتها، اعتبرت الباحثة لمياء الساكري أن تونس اليوم تتعرض لهجوم سعودي قطري بإرسال مثل هذا الرهط من شيوخ الجهل لتدمير مكاسب بلادنا لآلاف السنين وزرع بذور الفتنة في جسد وطننا الذي تجمعه وحدة المذهب.

ويقول السياسيون والمفكرون التونسيون: إن دعم قطر لحركة النهضة من جهة ودعم السعودية للجماعات السلفية من جهة أخرى يهدد تماسك المجتمع وتسامحه ويمهد الأرضية لفتنة هي في غنى عنها خاصة، وأنها تمر بمرحلة حرجة من تاريخها..

  • فريق ماسة
  • 2013-02-04
  • 10612
  • من الأرشيف

التونسيون: الغنوشي يرهن البلاد للبترودولار... حوّل تونس إلى أرض مستباحة لقطر والسعودية

  يثير الدعم القطري المريب لحركة النهضة الإسلامية الحاكمة من جهة، وتوافد الدعاة السعوديين على تونس لنشر الفكر الوهابي من جهة ثانية،  قلقاً واسعاً في أوساط السياسيين والمفكرين من الزج بالبلاد في فتنة أهلية تستهدف نخر مؤسسات الدولة والمجتمع. فقد بدت تونس، منذ الإطاحة بنظام الرئيس بن علي أرضاً مستباحة لدولة قطر التي ما انفكت تتدخل في الشأن التونسي تحت يافطة مساعدة الشعب من خلال دعم سياسي ومالي لحركة النهضة، ومقابل دعم الدولة الخليجية الصغيرة والثرية التي تضطلع بدور مشبوه في المنطقة، تقاطر الدعاة السعوديون على تونس في ما يشبه الغزوات الوهابية، التي عززت من استقواء الجماعات السلفية، حتى أنها باتت تعلن ولاءها علناً للفكر الوهابي الغريب عن المجتمع التونسي، يقابل ذلك صمت رسمي سعودي. ولم تكن النخب السياسية والفكرية بغافلة عن خلفيات الدعم السياسي والضخ المالي السخي الذي تغدقه قطر على النهضة، بل كثيراًَ ما حذروا من خطورة التدخل في شؤون بلادهم. ووصف المفكر هشام جعيط حركة النهضة بأنها حزب قطر في تونس، فيما طالب الناشط الحقوقي ورئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كمال الجندوبي دولة قطر بالكف عن دعم النهضة، معتبراً ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للتونسيين، الذين من حقهم أن يقرروا وحدهم مصير بلادهم. وبرأي الجندوبي فإن قطر تنفذ أجندة مشبوهة في تونس، في إشارة إلى أن الدولة الخليجية تسعى إلى أن تدير من الخلف عملية الانتقال الديمقراطي عبر دعمها للنهضة ضد القوى الوطنية والتقدمية. من جهته، أرجع الخبير السياسي عبد المجيد البدوي هذا الدعم المريب إلى سياسة الإغراق، إغراق البلاد في الإسلام السياسي من جهة لضرب قوى الحداثية ونخر المؤسسات السيادية للدولة، وإغراقها مالياً من خلال إثقالها بديون ذات فائدة مرتفعة. وبرأي البدوي فإن تونس لم تتعرض، منذ استقلالها، إلى انتهاك سيادتها مثلما تتعرض له اليوم من طرف أجندة قطرية أميركية تنفذها النهضة. ويلاحظ البدوي أن الهدف الاستراتيجي لهذه الأجندة يتمثل في إغراق المجتمع التونسي المنفتح والمتعدد سياسياً في نمط مجتمعي خليجي مغلق على ذاته، ولا يرى في الحداثة سوى نوعاً من الاغتراب عن الذات، وهو نفس المجتمع الذي تسعى إلى إقامته حركة النهضة. أما الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد فقد حذر رئيس النهضة راشد الغنوشي من مغبة رهن تونس إلى مراكز نفوذ البترودولار، مشدداً على أن دعم قطر للنهضة لا يعني للتونسيين سوى تدخلاً سافراً في الشأن الوطني ومحاولة يائسة لضرب القوى الديمقراطية التي ترفض المساس بقيم المجتمع وفي مقدمتها قيم التسامح والتعايش. ولم يتردد زعيم الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي في اتهام النهضة بسعيها لنخر مؤسسات الدولة الحديثة من خلال الهيمنة عليها من أجل أسلمتها، في إطار تنفيذ مشروع إسلامي تتبناه مختلف جماعات الإسلام السياسي التي تلقى دعماً من بعض دول الخليج، وخاصة من دولة قطر. ويثير الصمت السعودي حيال العمل الدعوي لبعض مواطنيها موجة من الشكوك حول دورها السياسي، ويوضح عبد الستار عميرة الباحث في الجماعات الإسلامية أن الزيارات المتتالية للدعاة السعوديين لتونس لا يمكن فهمها خارج سياقها السياسي، إذ تحاول السعودية بناء أرضية دينية سلفية مناهضة للنهضة ولدور قطر في تونس. وأضاف: إنه خلال الأشهر الأخيرة تحولت تونس إلى وجهة مفضلة للدعاة السعوديين والخليجيين عامة، إذ زارها العشرات من بينهم عائض القرني، وطلال الدوسري، وعبد العزيز بن نوفل، ومحمد موسى الشريف، وزكي اليحي، ومحمد بن عبد الله الدويش، وعبد المجيد المنصور، وفهد الزلفاوي، وأحمد بن عمر الحازمي، ومحمد العريفي، وخالد الحبشي، وهؤلاء محسوبون على الإخوان أو المتعاطفين معهم. ولعله من الدلالة بمكان أن حي دوار هيشر الواقع شمال العاصمة تونس الذي ألقى في مسجده الداعية السعودي عبد المجيد المنصور سلسلة من الدروس والمحاضرات شهد خلال الفترة الأخيرة اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن وعناصر سلفية قال عنها رئيس الحكومة حمادي الجبالي: إنها تسعى لإقامة إمارة إسلامية. وأحرقت الجماعات السلفية الوهابية خلال الأشهر الماضية 37 ضريحاً من أضرحة الأولياء، بعد أن أفتى الدعاة السعوديون بأنها من البدع. وإزاء اختراق السلفية الوهابية للمجتمع حذر مفكرون وسياسيون من فتنة قادمة لا محالة ما لم يتم لجم جماعات تسعى إلى فرض نمط مجتمعي خليجي على المجتمع التونسي. وحذر أستاذ الحضارة الإسلامية في الجامعة التونسية كمال الساكري من بداية فتنة حقيقية تعيشها تونس نتيجة تنامي الحضور الوهابي بفضل البترودولار والأئمة الذين يرسلونهم من دول الخليج، ويشدد الساكري على أنه ثمة أطراف خليجية مثل السعودية وقطر تمول عملية فتنة طائفية في تونس والرمي بالبلاد في أتون معركة بين المذاهب.. من جهتها، اعتبرت الباحثة لمياء الساكري أن تونس اليوم تتعرض لهجوم سعودي قطري بإرسال مثل هذا الرهط من شيوخ الجهل لتدمير مكاسب بلادنا لآلاف السنين وزرع بذور الفتنة في جسد وطننا الذي تجمعه وحدة المذهب. ويقول السياسيون والمفكرون التونسيون: إن دعم قطر لحركة النهضة من جهة ودعم السعودية للجماعات السلفية من جهة أخرى يهدد تماسك المجتمع وتسامحه ويمهد الأرضية لفتنة هي في غنى عنها خاصة، وأنها تمر بمرحلة حرجة من تاريخها..

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة