استحوذت مبادرة رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد معاذ الخطيب على اهتمام الإعلاميين والقنوات التلفزيونية، وكادت تغطي على الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية.

ولم تهدأ بعد الإثارة التي بدأها إعلان الرجل عن «رغبة مشروطة بالحوار»، تراجع عنها سريعا، فسحبها عن صفحته الشخصية على «فايسبوك» بعد وقت قصير على انتشارها وتراجع عنها كليا بعد اجتماع القاهرة الذي ضم هيئة «الائتلاف» التأسيسية، ليعود ويضعها ضمن سياق سياسي عام يتناسب والظروف الدولية والإقليمية، ويدعمها بلقاء هو الأول جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وآخر بوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي.

ورغم أن رحلة الخطيب إلى ميونيخ لا تخلو من نتائج سياسية بالانفتاح على طهران وموسكو، إلا أن مبادرته لم تبدُ حصيلة تدقيق سياسي ومراجعة تحليلية، وإنما بدت لمن يعرف الرجل جيدا، تستند بشكل رئيسي للعامل الشخصي الذي عرف عنه قبل فراره من سوريا، حيث يشاع عنه سمعة متواضعة وسعة علم، ورغبة في العمل السلمي، وإن كان لم يخف معارضته حتى في لحظات ظهوره النادرة على شاشات التلفزة من قلب دمشق.

وبعد تصريحه المثير للجدل بساعات كتب عنه شيخ آخر يشاركه الهوى ذاته هو الشيخ رياض درار من أعضاء «المنبر الوطني» إن «الوحيد الذي لا يفكر باقتسام جلد الدب قبل صيده هو الشيخ معاذ الخطيب... في الفندق المرفّه لقد كان يراقب، وهو محاصر معزول عن الناس الذين كانوا يريدون أن يصنعوا منه زعيماً دمية يسيره أهل الأهواء وتجار السياسة، لكن دينه وخلقه منعاه أن يسير بركب المتسلقين...الآن سيتراكضون ليمنعوا الرجل من الإقدام، وسيركعون على أعتابه ليطلبوا منه أن يتوقف عن مبادرته، حتى لا يفضحهم».

وكأن الرجل بالكاد أطلق ما في نفسه حتى جاءه ما جاءه مغلفا برداء نصيحة، لينتهي إلى القول على صفحته مبررا ومدافعا: «قالوا لي إن السياسيين لا يتصرفون هكذا... أنا أسامحهم لأني مجرد ثائر»، مضيفا انه استشار كثرا قبل طرحه المثير لينتهي إلى القول: «واستشرت آخرين لا يعلمهم إلا الله. عفواً أيها السادة... أكره السياسيين وأبحث عن الإنسان».

ويزيد شرحا في وقت آخر: «هناك من يقول للسوريين اقتحموا ثم يتركهم وسط المعركة. هناك من تعهد بدعم الثوار ثم تركهم في الموت، وهناك من يجلس على أريكة ثم يقول اهجموا، لا تفاوضوا... وهناك صمت دولي وخنق للثورة، ومئات ألوف اللاجئين والمهجرين. والاهم من ذلك أن هناك من يخطط لان تختفي سوريا من العالم، خلال حرب تستمر بضع سنوات».

كلام الخطيب، يبرره العارفون بأجواء المعارضة المنقسمة بين أهواء ومصالح وعقائد. هو لم ييأس فقط من طريقة تعاطي الدول (التي لا يجد نفسه مكافئا لطواقمها وأسلوب مصالحها) سواء من حيث الوعود التي لا تنفذ أم التعامل مع القضية السورية باعتبارها لعبة أوراق ومصالح، بل امتدت إليه مرارة أخرى ذات طابع شخصي.

في لقاء مع أحد الزملاء في مؤتمر دولي منذ أيام اشتكى عدد من الديبلوماسيين المنشقين عن النظام ـ جدد وقدامى ـ من تحولهم «إلى قطع أثاث»، في ديكور القضية السورية. يظهرون حين يطلب منهم مضيفهم على الإعلام، وحين يتهيبون أو يعبرون عن معارضة ما، يذكرهم أن من يرغب في مغادرة الركب يستطيع أن يدفع فاتورة إقامته في فندق «الانتركونتينتتال» في الدوحة، ويمشي. يتحركون وفي ظلهم «حارس» من وزارة الخارجية القطرية «بغرض حمايتهم». يرن هاتفهم فيجيبون بذات الخشية التي سبق لهم أن أحسوا بها من دمشق، من طرف ثالث يسمع. في الدوحة أيضا، وفي اجتماع خلق «الائتلاف» الوطني، قال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية لمعارضين يملأون الشاشات حضورا: «فيكن تغادروا (إذا كنتم غير موافقين على التشكيلة) ولكن ادفعوا فواتير فنادقكم أولا».

حياة الرهينة أصبحت بديلا من حياة المعارض أو اللاجئ السياسي في أحسن الأحوال. يزيد من الإحباط أن الارتهان ليس لدى أصحاب قضية، من أمثال القطريين أو الأتراك، وإنما أصحاب حسابات إقليمية، وأحيانا مذهبية.

لذا يخشى كثر ـ بشكل مبرر ـ مصيرا شبيها بمصير المعارضين العراقيين الذين لفظتهم بلادهم لاحقا وأدار مضيفهم لهم ظهره. معارض بارز يبرر لهجته الحادة وسقفه العالي بخوفه من مصير يبدو ممكنا. لا عودة إلى سوريا بوجود الرئيس بشار الأسد ولا انتصار سريعا؟ ماذا إذا؟

لذا، يبدو أن الخطيب يعبر عن إدراك مشروع، بأن المصير الشخصي هو جزء من المصير العام. رغم ذلك سارع كثر لتصوير كلامه وكأنه حصيلة عصف فكري روسي - أميركي، وبعض آخر توجس بأنه «عصرة منكهات على طبخة أميركية - روسية تتحضر. الواقع لا هذا ولا ذاك وفقا لما يرد من معلومات. ليس لدى الأميركيين والروس حتى الآن ما يقدمونه للأزمة السورية. المبعوث الدولي المشترك الأخضر الإبراهيمي أخبر من التقى بهم من الصحافيين بالسر وبالكلام المعلن على الملأ. ليس من صفقة ولا من يحزنون. لسنا في المربع الأول، ولكن لسنا في أي حال من الأحوال قرب الحل.

واقع الأرض في عالم آخر. منذ أيام استولت كتائب مسلحة معارضة على قرية في شرق حمص تدعى العامرية. شردت المئات من سكانها، وقتلت 40 شخصا، وجرحت 70، وفق من استطاع من الأهل إحصاء قتلاه. هرب الآخرون من نساء وأطفال تحت جنح الظلام. لم يأتِ الإعلامُ الدولي على ضم تلك الحصيلة إلى واقع القتلى اليومي. معركة الجيش السوري مستمرة منذ أشهر في داريا. في ذات الوقت تخرج الكتائب المسلحة بمؤتمر صحافي الأسبوع الماضي تقول إنه من قلب المدينة، مطالبة كتائب دمشق المحيطة «بمؤازرتها» لأن سقوط داريا «سيؤذي الثورة السورية كثيرا». في ذات الوقت ينتشر الجيش وسط دمار ساحة الباسل للمرة الأولى منذ الصيف. في حلب يغتال المسلحون عضوا سابقا في مجلس الشعب مع زوجته وابنتيه بمجرد سيطرتهم على حي الشيخ سعيد، فيما تعلن لجنة المصالحة الوطنية انها تمكنت في الأيام الأخيرة من مبادلة عشرات الشبان المخطوفين بين منطقتي الزهراء وعفرين في ريف حلب.

في الوقت ذاته تنشر صفحات الناشطين والمعارضين صور شباب يافعين قضوا مؤخرا «تحت التعذيب» في المعتقلات. يتزامن هذا كله مع أزمة وقود خانقة، وحرارة صراع ترتفع وتلسع دول الجوار. تستمر معركة رأس العين، ويتدفق المزيد من المسلحين والسلاح من الحدود التركية، وتزداد وتيرة الحساسية المذهبية والعشائرية والإثنية في الشمال الشرقي من سوريا وفي وسطها. تظهر معركة جديدة في عدرا على أطراف دمشق، وتغوص معركة مخيم اليرموك المستمرة شيئا فشيئا في وحل التفاصيل المتوالدة. يستمر مع كل هذا تجذر الانقسام بين مؤيد ومعارض، يضاف إليه مستوى جديد من رافض وقابل بالحوار، وهو مستوى يخضع لتعقيداته الخاصة أيضا.

وفيما عامل «الاستشفاء» بالعنف يحفر أعمق في الجسد السوري، يحرص وزير المصالحة الوطنية علي حيدر على ضرورة أن تكون دعوة الخطيب للحوار «صادقة» وليست نابعة «من قراءته للتحولات الإقليمية والدولية». ويقول لاحقا في حديث هاتفي مع «روسيا اليوم» إن «أبواب الحوار مفتوحة لجميع الراغبين فيه من دون استثناء»، مشترطا نبذ العنف باعتباره من أسس الحوار، موضحا أن «للحوار أسسا، وعلى وجه التحديد نبذ العنف»، إلا أن وزير المصالحة يستطيع أن يقول لاحقا أن هذا موقفه الشخصي أيضا، باعتباره من «جناح المعارضة» في الحكومة. وذلك في ما تعمل الحكومة ذاتها بشكل متزامن على مشروع «حل» خاص بها، وتتهيأ لتغييرات حكومية ومؤتمر قطري لحزب البعث، في عمل يقصد به موازاة الجهد الدولي الفقير تجاه سوريا.

في حين كل هذا، يعيد الخطيب بعد اجتماعه في القاهرة ثوب «الائتلاف» عليه مجددا، مبتلعا ولو لبعض الوقت أمنية بالصراخ: «عليكم وعلى أعدائي»، فيما يتحضر لزيارة مرتقبة إلى موسكو، ستبرز هي الأخرى في مقدمات نشرات الأخبار والفضائيات، وستبنى عليها تقييمات المشهد السياسي، وستسبقها المزايدات والمواقف، والتي في تفاصيلها وتفاصيل غيرها من انشغالات الإعلام الدولي والعربي، قد تشابه إلى حد كبير ما قاله يوما الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز عن لقاء جمعه بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو لست ساعات. بعد إلحاح الصحافيين، أجاب الرجل بصراحة خجولة: «في الواقع مجمل حديثنا كان عن أفضل الطرق لطبخ السمك»!.

  • فريق ماسة
  • 2013-02-02
  • 10879
  • من الأرشيف

مبادرة الخطيب... تفصيل جديد لا يغيّب تفاصيل أخرى

استحوذت مبادرة رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض احمد معاذ الخطيب على اهتمام الإعلاميين والقنوات التلفزيونية، وكادت تغطي على الغارة الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي السورية. ولم تهدأ بعد الإثارة التي بدأها إعلان الرجل عن «رغبة مشروطة بالحوار»، تراجع عنها سريعا، فسحبها عن صفحته الشخصية على «فايسبوك» بعد وقت قصير على انتشارها وتراجع عنها كليا بعد اجتماع القاهرة الذي ضم هيئة «الائتلاف» التأسيسية، ليعود ويضعها ضمن سياق سياسي عام يتناسب والظروف الدولية والإقليمية، ويدعمها بلقاء هو الأول جمعه بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وآخر بوزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي. ورغم أن رحلة الخطيب إلى ميونيخ لا تخلو من نتائج سياسية بالانفتاح على طهران وموسكو، إلا أن مبادرته لم تبدُ حصيلة تدقيق سياسي ومراجعة تحليلية، وإنما بدت لمن يعرف الرجل جيدا، تستند بشكل رئيسي للعامل الشخصي الذي عرف عنه قبل فراره من سوريا، حيث يشاع عنه سمعة متواضعة وسعة علم، ورغبة في العمل السلمي، وإن كان لم يخف معارضته حتى في لحظات ظهوره النادرة على شاشات التلفزة من قلب دمشق. وبعد تصريحه المثير للجدل بساعات كتب عنه شيخ آخر يشاركه الهوى ذاته هو الشيخ رياض درار من أعضاء «المنبر الوطني» إن «الوحيد الذي لا يفكر باقتسام جلد الدب قبل صيده هو الشيخ معاذ الخطيب... في الفندق المرفّه لقد كان يراقب، وهو محاصر معزول عن الناس الذين كانوا يريدون أن يصنعوا منه زعيماً دمية يسيره أهل الأهواء وتجار السياسة، لكن دينه وخلقه منعاه أن يسير بركب المتسلقين...الآن سيتراكضون ليمنعوا الرجل من الإقدام، وسيركعون على أعتابه ليطلبوا منه أن يتوقف عن مبادرته، حتى لا يفضحهم». وكأن الرجل بالكاد أطلق ما في نفسه حتى جاءه ما جاءه مغلفا برداء نصيحة، لينتهي إلى القول على صفحته مبررا ومدافعا: «قالوا لي إن السياسيين لا يتصرفون هكذا... أنا أسامحهم لأني مجرد ثائر»، مضيفا انه استشار كثرا قبل طرحه المثير لينتهي إلى القول: «واستشرت آخرين لا يعلمهم إلا الله. عفواً أيها السادة... أكره السياسيين وأبحث عن الإنسان». ويزيد شرحا في وقت آخر: «هناك من يقول للسوريين اقتحموا ثم يتركهم وسط المعركة. هناك من تعهد بدعم الثوار ثم تركهم في الموت، وهناك من يجلس على أريكة ثم يقول اهجموا، لا تفاوضوا... وهناك صمت دولي وخنق للثورة، ومئات ألوف اللاجئين والمهجرين. والاهم من ذلك أن هناك من يخطط لان تختفي سوريا من العالم، خلال حرب تستمر بضع سنوات». كلام الخطيب، يبرره العارفون بأجواء المعارضة المنقسمة بين أهواء ومصالح وعقائد. هو لم ييأس فقط من طريقة تعاطي الدول (التي لا يجد نفسه مكافئا لطواقمها وأسلوب مصالحها) سواء من حيث الوعود التي لا تنفذ أم التعامل مع القضية السورية باعتبارها لعبة أوراق ومصالح، بل امتدت إليه مرارة أخرى ذات طابع شخصي. في لقاء مع أحد الزملاء في مؤتمر دولي منذ أيام اشتكى عدد من الديبلوماسيين المنشقين عن النظام ـ جدد وقدامى ـ من تحولهم «إلى قطع أثاث»، في ديكور القضية السورية. يظهرون حين يطلب منهم مضيفهم على الإعلام، وحين يتهيبون أو يعبرون عن معارضة ما، يذكرهم أن من يرغب في مغادرة الركب يستطيع أن يدفع فاتورة إقامته في فندق «الانتركونتينتتال» في الدوحة، ويمشي. يتحركون وفي ظلهم «حارس» من وزارة الخارجية القطرية «بغرض حمايتهم». يرن هاتفهم فيجيبون بذات الخشية التي سبق لهم أن أحسوا بها من دمشق، من طرف ثالث يسمع. في الدوحة أيضا، وفي اجتماع خلق «الائتلاف» الوطني، قال وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية لمعارضين يملأون الشاشات حضورا: «فيكن تغادروا (إذا كنتم غير موافقين على التشكيلة) ولكن ادفعوا فواتير فنادقكم أولا». حياة الرهينة أصبحت بديلا من حياة المعارض أو اللاجئ السياسي في أحسن الأحوال. يزيد من الإحباط أن الارتهان ليس لدى أصحاب قضية، من أمثال القطريين أو الأتراك، وإنما أصحاب حسابات إقليمية، وأحيانا مذهبية. لذا يخشى كثر ـ بشكل مبرر ـ مصيرا شبيها بمصير المعارضين العراقيين الذين لفظتهم بلادهم لاحقا وأدار مضيفهم لهم ظهره. معارض بارز يبرر لهجته الحادة وسقفه العالي بخوفه من مصير يبدو ممكنا. لا عودة إلى سوريا بوجود الرئيس بشار الأسد ولا انتصار سريعا؟ ماذا إذا؟ لذا، يبدو أن الخطيب يعبر عن إدراك مشروع، بأن المصير الشخصي هو جزء من المصير العام. رغم ذلك سارع كثر لتصوير كلامه وكأنه حصيلة عصف فكري روسي - أميركي، وبعض آخر توجس بأنه «عصرة منكهات على طبخة أميركية - روسية تتحضر. الواقع لا هذا ولا ذاك وفقا لما يرد من معلومات. ليس لدى الأميركيين والروس حتى الآن ما يقدمونه للأزمة السورية. المبعوث الدولي المشترك الأخضر الإبراهيمي أخبر من التقى بهم من الصحافيين بالسر وبالكلام المعلن على الملأ. ليس من صفقة ولا من يحزنون. لسنا في المربع الأول، ولكن لسنا في أي حال من الأحوال قرب الحل. واقع الأرض في عالم آخر. منذ أيام استولت كتائب مسلحة معارضة على قرية في شرق حمص تدعى العامرية. شردت المئات من سكانها، وقتلت 40 شخصا، وجرحت 70، وفق من استطاع من الأهل إحصاء قتلاه. هرب الآخرون من نساء وأطفال تحت جنح الظلام. لم يأتِ الإعلامُ الدولي على ضم تلك الحصيلة إلى واقع القتلى اليومي. معركة الجيش السوري مستمرة منذ أشهر في داريا. في ذات الوقت تخرج الكتائب المسلحة بمؤتمر صحافي الأسبوع الماضي تقول إنه من قلب المدينة، مطالبة كتائب دمشق المحيطة «بمؤازرتها» لأن سقوط داريا «سيؤذي الثورة السورية كثيرا». في ذات الوقت ينتشر الجيش وسط دمار ساحة الباسل للمرة الأولى منذ الصيف. في حلب يغتال المسلحون عضوا سابقا في مجلس الشعب مع زوجته وابنتيه بمجرد سيطرتهم على حي الشيخ سعيد، فيما تعلن لجنة المصالحة الوطنية انها تمكنت في الأيام الأخيرة من مبادلة عشرات الشبان المخطوفين بين منطقتي الزهراء وعفرين في ريف حلب. في الوقت ذاته تنشر صفحات الناشطين والمعارضين صور شباب يافعين قضوا مؤخرا «تحت التعذيب» في المعتقلات. يتزامن هذا كله مع أزمة وقود خانقة، وحرارة صراع ترتفع وتلسع دول الجوار. تستمر معركة رأس العين، ويتدفق المزيد من المسلحين والسلاح من الحدود التركية، وتزداد وتيرة الحساسية المذهبية والعشائرية والإثنية في الشمال الشرقي من سوريا وفي وسطها. تظهر معركة جديدة في عدرا على أطراف دمشق، وتغوص معركة مخيم اليرموك المستمرة شيئا فشيئا في وحل التفاصيل المتوالدة. يستمر مع كل هذا تجذر الانقسام بين مؤيد ومعارض، يضاف إليه مستوى جديد من رافض وقابل بالحوار، وهو مستوى يخضع لتعقيداته الخاصة أيضا. وفيما عامل «الاستشفاء» بالعنف يحفر أعمق في الجسد السوري، يحرص وزير المصالحة الوطنية علي حيدر على ضرورة أن تكون دعوة الخطيب للحوار «صادقة» وليست نابعة «من قراءته للتحولات الإقليمية والدولية». ويقول لاحقا في حديث هاتفي مع «روسيا اليوم» إن «أبواب الحوار مفتوحة لجميع الراغبين فيه من دون استثناء»، مشترطا نبذ العنف باعتباره من أسس الحوار، موضحا أن «للحوار أسسا، وعلى وجه التحديد نبذ العنف»، إلا أن وزير المصالحة يستطيع أن يقول لاحقا أن هذا موقفه الشخصي أيضا، باعتباره من «جناح المعارضة» في الحكومة. وذلك في ما تعمل الحكومة ذاتها بشكل متزامن على مشروع «حل» خاص بها، وتتهيأ لتغييرات حكومية ومؤتمر قطري لحزب البعث، في عمل يقصد به موازاة الجهد الدولي الفقير تجاه سوريا. في حين كل هذا، يعيد الخطيب بعد اجتماعه في القاهرة ثوب «الائتلاف» عليه مجددا، مبتلعا ولو لبعض الوقت أمنية بالصراخ: «عليكم وعلى أعدائي»، فيما يتحضر لزيارة مرتقبة إلى موسكو، ستبرز هي الأخرى في مقدمات نشرات الأخبار والفضائيات، وستبنى عليها تقييمات المشهد السياسي، وستسبقها المزايدات والمواقف، والتي في تفاصيلها وتفاصيل غيرها من انشغالات الإعلام الدولي والعربي، قد تشابه إلى حد كبير ما قاله يوما الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز عن لقاء جمعه بالرئيس الكوبي فيدل كاسترو لست ساعات. بعد إلحاح الصحافيين، أجاب الرجل بصراحة خجولة: «في الواقع مجمل حديثنا كان عن أفضل الطرق لطبخ السمك»!.

المصدر : زياد حيدر \ السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة