دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مع اقتراب الذكرى الثانية لاندلاع الأزمة السورية، قررت إسرائيل الانخراط علناً في معركة إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد.
غارة يتيمة استهدفت منشأة عسكرية للبحوث العلمية، لكن دلالاتها والأسئلة التي خلّفتها وإمكانات الرد عليها وحجمه، فتحت صفحة جديدة لا شك في أن ملامحها وآلياتها ستكون مختلفة عن كل ما سبق
… ودخلت "إسرائيل" علناً على خط الأزمة السورية عبر عملية عسكرية خاطفة اختارت طبيعتها وهدفها وتوقيتها بدقة، أرادت من خلالها توجيه مجموعة من الرسائل لأكثر من طرف، بدءاً بالنظام السوري نفسه، مروراً بأركان محور المقاومة وداعميه الدوليين، وصولاً إلى الغرب المتردد في استخدام القوة ضد الرئيس بشار الأسد، الذي تزايدت الاعترافات الدولية ومن المعارضة السورية نفسها بأنّ آمال إسقاطه لم تعد كبيرة كما كان يعتقد في السابق.
طبيعة العملية: غارة جوية تحت جنح الظلام. الهدف: موقع للبحوث العلمية التابعة للصناعات العسكرية السورية، في جمرايا شمال شرق دمشق. التوقيت: بعد يومين على مكالمة هاتفية بين الرئيس باراك أوباما ورئيس حكومة "إسرائيل" بنيامين نتنياهو، الذي أوفد مستشار الأمن القومي يعقوب عاميدرور إلى موسكو نهاية الأسبوع الماضي في زيارة قالت تل أبيب إنها لبحث مسألة الأسلحة الاستراتيجية السورية. الاستعدادات: كان أبرزها نشر منظومات القبة الحديدية المضادة للصواريخ في الجولان السوري المحتل، مع تسريبات عن إمكان قيامها بعملية عسكرية «خاطفة» في سورية أو لبنان تحت عنوان الخوف من انتقال الأسلحة الكيميائية السورية إلى جهات «إرهابية» بينها حزب الله. السياق: تأكد خطأ كل التنبؤات الإسرائيلية بشأن قرب سقوط النظام السوري «خلال أسابيع» (وهي التوقعات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون خلال العام الفائت).
أما الهدف، فيبدو واضحاً أن الدولة العبرية أرادت رسم خطوط حمراء، لكل من يعنيه الأمر، وفي مقدمته القيادة السورية التي تحقق وحداتها المسلحة تقدماً ملموساً في الميدان، بأن هناك حدوداً لا يمكن دمشق وداعميها تجاوزها، وإلا خاطرت بدخول إسرائيلي عسكري مباشر في المعركة، مراهنة على ما يبدو على أرجحية اختيار الطرف السوري عدم الرد، على ما درجت عليه العادة خلال تجارب ماضية، كان آخرها استهداف منشأة دير الزور في عام 2007 تحت عنوان أنها منشأة نووية.
إلا أن حسابات الحقل ليس بالضرورة أن تتطابق مع حسابات البيدر، وخاصة أن غارة يوم أمس تختلف كثيراً عن الغارات السابقة على المستويات كلها، وعدم الرد السوري هذه المرة سيعني قبولاً للمعادلة الجديدة التي تحاول "إسرائيل" فرضها على شكل قيود على حركة النظام، الذي يرجح ألا يكون بمقدوره القبول بها من دون المخاطرة بكينونته نفسها. وبناءً عليه، يبدو أن السؤال الأكثر منطقية هو عن كيفية الرد وطبيعته وحجمه. هل سيكون صريحاً يحمل توقيعاً سورياً علنياً، أم عملاً عسكرياً أم أمنياً مضمراً؟ هل سيكون مباشراً، أي يستهدف الكيان الإسرائيلي، أم يضرب المصالح الإسرائيلية؟ هل يكون من الكبر بمكان لا يترك مجالاً للإسرائيلي إلا لرد مقابل، فندخل في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل يمكن أن يتدحرج إلى حرب لا شك في أن نطاقها سيتوسع ليشمل المنطقة كلها؟ أم سيكون من النوع الذي يردع "إسرائيل" ويجهض أهداف غارة يوم أمس، ولكن يمكنها إمراره بشكل أو بآخر؟
وبغض النظر عن كل الاختلافات السالفة الذكر، إلا أن تعامل الدولة العبرية مع اعتداءات كهذا بقي على حاله. صمت رسمي وتسريبات إعلامية أقرب إلى التكهنات منها إلى المعلومات المباشرة المؤكدة، في مقابل اعتراف من دمشق التي يبدو أنها تتمهل لإعلان موقفها النهائي مما حصل إلى حين دراسة حيثياتها وتداعيات الخطوات المحتملة.
وكانت وكالة «رويترز» أول من التقط خيط ما يجري، بنقلها عن مصادر أمنية ودبلوماسية تاكيداً بأن طائرات إسرائيلية أغارت على قافلة كانت متجهة من سوريا إلى لبنان، في منطقة الحدود السورية ـــ اللبنانية. بعدها بدأ الخبر يتفعل مع نقل إحدى الوكالات خبراً يتحدّث عن أن الغارة استهدفت قافلة فور دخولها الأراضي اللبنانية من سوريا. وبعد نفي لبناني قاطع لهذه المعلومات، جرى الربط بين هذه العملية وأنباء عن انفجار ضخم وقع في منشأة عسكرية سورية، في منطقة جمرايا، سبق أن تعرضت لأكثر من هجوم من مجموعات المعارضة المسلحة. وبينما ساد الظن في ساعات أمس الأولى أن انفجار جرمايا ناجم عن هجوم من مسلحي المعارضة، جاء إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن شنّ "إسرائيل" غارة على موقع سوري ليكشف عن حيثيات الاعتداء، قبل أن يصدر بيان القيادة العامة للقوات المسلحة السورية، ليقطع الشك باليقين: حصلت غارة إسرائيلية، شنتها طائرات تسللت تحت مستوى الرادار، واخترقت الأجواء السورية من منطقة جبل الشيخ، واستهدفت منشأة للبحوث العلمية. ونفى البيان أن تكون الغارة قد استهدفت قافلة كانت متوجهة إلى لبنان. وبدا لافتاً قول بيان القوات المسلحة السورية إن المنشأة المستهدفة تعمل في إطار تعزيز قدرات المقاومة، والربط بين الغارة والهجمات الفاشلة التي سبق أن شنتها مجموعات المعارضة على المنشأة.
"إسرائيل" الرسمية لاذت بالصمت. وأشارت وسائل الإعلام العبرية إلى أن ديوان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، طلب من وزرائه عدم الإدلاء بأي تصريح أو الرد على أسئلة الإعلاميين عن التقارير التي تتحدث عن هجوم إسرائيلي على الأراضي السورية. وبحسب الإعلام العبري، فإن هذا الصمت، يسري أيضاً على الإعلاميين والمعلقين، ويمنع عليهم الإدلاء بأي معلومات تصل إليهم. واكتفت وسائل الإعلام بنقل الخبر عن وكالات الأنباء الأجنبية. لكن كل التعليقات الإسرائيلية بنت تحليلاتها على الصمت السوري، مراهنة على أن دمشق ستتجاهل الغارة «لمنع الإحراج». وأكد المراسل العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون العبري، نير دفوري، أن الرقابة العسكرية تمنع بنحو كامل الإدلاء بمعلومات، وأشار إلى أن المنع ينسحب على الإدلاء بتعليقات، أيضاً على ما نشرته وكالة رويترز للأنباء، التي كانت أول من أشار إلى الهجوم، مشيراً إلى أن «كل من نتصل به من المسؤولين، يرفض التطرق إلى الموضوع، أما ما هو مسموح قوله، فهو التأكيد أن إسرائيل جاهزة وعلى استعداد (للتعامل مع التطورات)، لكن كلما تكلمنا أقل، وكلما أبعدنا أنفسنا عن الموضوع، قلّ إمكان تلقي رد».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة