دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
الاكتفاء بالاشادة بحكمة الرئيس عمر كرامي في معالجة ذيول الاعتداء على نجله،او الجدل البيزنطي حول توصيف الواقعة بين حادث عرضي او عملية اغتيال مدبرة، والابتهال الى الله الذي انقذ بعنايته لبنان من الفتنة،او الخلاف حول انتماء تلك المجموعات ونسبها تارة الى رئيس الحمكومة نجيب ميقاتي او مجموعات اسلامية متعددة وغير منظمة، كل ذلك نقاش خارج السياق الحقيقي للاحداث في طرابلس والذي يختصر برسالة وجهتها الجماعات السلفية على اختلاف مشاربها عنوانها «الامر لي». هذا ما عناه وزير الداخلية مروان شربل حين قال صراحة ان ماجرى اكبر من الدولة ومن القوى الامنية،فما هي الخلفيات الحقيقية لكلامه؟
اوساط متابعة لملف الاسلاميين ترى ان هذه الخلاصة المعبرة لم تعد قابلة للتاويل والامر ليس مرتبطاً فقط بمجريات الحادث وخلفياته الميدانية التي ابدى فيها المسلحون جرأة غير معهودة في كسر هيبة «العائلات العريقة» والتاريخية في المدينة، حيث كان يرسم في الماضي اكثر من خط احمر ازاء تلك الرموز وكان هناك اجماع واضح بعدم تجاوز هذه الخطوط والحفاظ على «شعرة معاوية» بين كافة الاطراف خصوصا بين تلك التنظيمات الناشئة والقديمة، والقيادات التقليدية في المدينة، لكن ما حصل يؤكد ان حملات التحريض على الرئيس كرامي ونجله وتعبئة «الشباب» الطرابلسي بمقولة انه الوزير الشيعي السادس في الحكومة، وهولم يأت كممثل للسنة في طرابلس، هذا التحريض يبدو انه اعطى نتائجه على الارض ولم يعد احد من هؤلاء يتهيب التعرض لمكانة وارث وتاريخ ال كرامي في وضح النهار، متجاوزين كونه «ابن البلد»، المصطلح الذي كان في ما مضى «بوليصة» تأمين تحمي صاحبها وتعطيه حصانة يبدو انها لم تعد موجودة اليوم.
اما الاكثر اثارة وتاكيدا على «غلو» تلك المجموعات وقياداتها وثقتها بانها باتت تملك «الحل والربط»،في طرابلس والشمال، فكانت عبر مسارعة اكثر من قيادي سلفي الى ابلاغ الجهات الامنية والرئيس كرامي ان العملية لم تكن مدبرة وليست محاولة اغتيال، اما دليلهم على ذلك فلم يكن تقديم شروحات مقنعة حول ملابسات الحادثة، وانما لانهم لو ارادوا اغتيال الوزير كرامي لفعلوا ذلك ولم تكن العملية لتفشل، اذا فالقدرة موجودة ولكن لا قرار بتصفية الوزير ولو كان هناك «فتوى» بذلك لما كانت الامور قد انتهت بحرق سيارة واصابة مرافقين وانما لا مجال لفشل تلك العملية، وبما ان القصة انتهت عند هذا الحد، لم تتوان بعض القيادات السلفية عن مطالبة الرئيس ونجله بالاتعاظ مما حصل مذكرة بنصائحها المتكررة حول النتائج «الوخيمة» لمواقفهما التي خلقت شرخا في الموقف السني،وقد فهم المعنيون الرسالة واضحة والتي يمكن تلخيصها بالمثل الشهير القائل ان «العيار الذي لا يصيب يدوش».
وتلفت تلك الاوساط الى ان استعراض القوة المقصود من قبل المجموعات المسلحة في طرابلس قبل الحادثة وبعدها كان عن سابق تصور وتصميم وكان المستهدف الاول الجيش اللبناني الذي استعاد شيئا من هيبته بعد جولة العنف الاخيرة بين جبل محسن والتبانة، وكان المقصود ان يحرج الجيش بقيادته وعناصره وضباطه ويصرف تلك الهيبة امام اعين الطرابلسيين الذين كانوا يشاهدون بأم العين تحرك المجموعات المسلحة على الارض رافعين اعلام تنظيم القاعدة فيما اكتفت عناصر الجيش المنتشرة في المدينة بالمراقبة وتجنب اي احتكاك معهم،وقد تكرست نظرية الامن بالتراضي بأسوء مظاهرها حيث كانت اليد العليا للمسلحين ولم تكن القوى الامنية هي الحاكمة على الارض.
وانطلاقا من تلك المعطيات فان الاسئلة «البلهاء» المعتادة حول من يغطي تلك المجموعات،او المطالبة برفع الغطاء السياسي عنها، ومطالبة الدولة بالضرب بيد من حديد، وجعل طرابلس مدينة منزوعة السلاح، كلها اسئلة وشعارات للاستهلاك الاعلامي ولزوم ما لا يلزم، فالقيادات الطرابلسية ومعها كل المسؤولين في الدولة يعرفون جيدا ان هذا الامر غير وارد على الاطلاق خصوصا في هذه المرحلة الحرجة التي تمر فيها المنطقة بفعل الاحداث في سوريا، واذا كانت امكانية حصول مقايضة في الماضي بين سلاح باب التبانة وجبل محسن قابلة للنقاش «كترف فكري» فان هذا الامر لم يعد واقعيا في «زمن الخوف» ومرحلة الحرب المذهبية المشتعلة على كامل خريطة المنطقة الاسلامية، ولذلك فان من يطرح هذه الشعارات يعرف مسبقا انها غير قابلة للتطبيق، وعليه اولا ان يقنع حزب الله بالتخلي عن سلاحه قبل ان «يطرق ابواب» «اهل السنة»، وبما انه غير قادر على هذه ولا تلك، فهو لا يملك شيئا غير «الثرثرة» بعد ان خرجت الامور عن السيطرة، وبعد ان اصبحت كافة القيادات الطرابلسية اسيرة الشارع الذي يقوده الاسلاميون واي خروج عن «النص» يعد من المحرمات القاتلة في زمن الانتخابات.
اما السؤال حول توقيت تحرك الدولة والخطوط الحمراء التي لن تسمح لاحد بتجاوزها، سؤال لا لزوم له في ظل العجز القائم وفقدان عامل المبادرة التي باتت بين يدي تلك المجموعات، والسؤال المركزي اليوم انتقل الى مربع اخر عنوانه متى تتخذ تلك التنظيمات قرارها بالتحرك لفرض سطوتها على الارض وتشكيل ما سماه رئيس الحكومة بالامارة الاسلامية، وتنفيذ مخطط طرد «عملاء» ايران من الفيحاء. فهل هذا ما عناه وزير الداخلية بقوله ان الامور تتجاوز قدراته وقدرات دولته؟
هذا ما ترجحه الاوساط المتابعة لملف التيار السلفي،وهي تشير الى ان طموح تلك المجموعات بات اكبر من الواقع اللبناني وساعة «الصفر» موقتة على تطورات الاوضاع الميدانية في سوريا مع تغيير واضح في الاستراتيجية القديمة التي ربطت هذا التحرك بسقوط النظام السوري، لكن هذا الامر جرى تعديله ليلائم واقع صمود النظام، وباتت الامور اليوم مرتبطة اكثر بتقدم «جبهة النصرة» ومن يدور في فلكها بتثبيت مواقعها في المناطق التي تسيطر عليها، والتقارير الاخبارية الواردة من سورية تؤكد هذه الحقيقة، حيث بدات جبهة النصرة في اقامة علاقات وثيقة مع الاهالي في حلب وادلب ومعرّة النعمان على وجه الخصوص. وتعزز الجبهة وجودها، وتقدم خدمات جليلة للسكان وتحمي اعمالهم التجارية، وتفصل بين نزاعاتهم من خلال محاكم شرعية، وتنتصر للمظلومين وتبت حتى في الخلافات الزوجية وقضايا الإرث.
وبحسب المعطيات المتوافرة فان الامر لا يقف عند هذا الحد،فدعوة الدكتور ايمن الظواهري زعيم «القاعدة» جميع الجماعات الجهادية بالانضواء تحت خيمة التنظيم اقترنت بزيارة قامت بها احدى قيادات «القاعدة» التونسية الرفيعة المستوى الى سوريا وشمال لبنان حاملة رسالة من الظواهري وفيها دعوة «للمجاهدين» للانضمام للتنظيم الام، وتحدث الظواهري في رسالته عن منافع الانضمام وانه سيجلب الكثير من الدعم المادي والمعنوي الى الجهة المعنية بالرسالة.
ازاء هذه التطورات ترى تلك الاوساط ان ما يحصل شديد الخطورة وسيصبح «كارثيا» اذا ما نجحت الاتصالات في توحيد صفوف تلك المجموعات تحت راية «القاعدة»، وعلى ما يبدو فان تلك المجموعات في خضم ورشة تنظيمية وهيكلية وتعمل بشكل متسارع على تنظيم صفوفها لمواجهة التحديات المقبلة، وهي لم تصبح جاهزة بعد لفتح «الجبهة اللبنانية» بانتظار اعادة ترتيب ملفاتها الداخلية والسورية، ومن هنا حرصها على عدم انفلات الامور مع القيام بجرعات تذكيرية بين الحين والاخر حتى يحين موعد «اليوم الوعود». ويبقى السؤال هل «الخصوم» بغفلة عما يحصل؟ الجواب طبعا لا،وهذا يعني ان الجميع ذاهبون اجلا ام عاجلا نحو صدام محتوم.
المصدر :
ابراهيم ناصرالدين -الديار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة