دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تقصف فرنسا الإسلامييّن المتشددين في مالي، فيما تقدّم الدعم لأمثالهم في سورية. إنها سياسة المصالح التي لا تخضع لمعايير أخلاقيّة واحدة، وما هو مبرر هنا، محظور هناك. ويدور نقاش ما بين الجمعية الوطنيّة، والحكومة الفرنسيّة حول هذه “الإزدواجيّة” في السياسة الخارجيّة.
وعكست الصحافة نمط الشارع الفرنسي، والمعارض بغالبيته لهذا التخبّط، وعلى قاعدة إذا كان المتشددون في مالي هم الأعداء، ويجوز قصفهم، فلماذا يصار الى دعمهم في سورية؟، وإذا كانت فرنسا معنيّة بالتغيير، وبإسقاط النظام، فأين دورها من مهمّة الأخضر الإبراهيمي؟، ولماذا هي مغيبة عن مفاوضات جنيف بين الأميركي وليام بيرنز، والروسي ميخائيل بوغدانوف؟.
وفي بريطانيا، طرح أعضاء في مجلس العموم أسئلة على رئيس الوزراء ديفيد كامرون حول الهدف من إستضافة نشاطات ومؤتمرات تدعم المعارضة السوريّة، وأكدوا أن بريطانيا تستدرج، أو تستدرج نفسها إلى الساحة السوريّة، في وقت بدأت فيه الإدارة الأميركيّة مراجعة حساباتها، كان الموقف الرسمي مما يجري مقتصراً على غرضه الإعلامي، الآن، وبعد أن فتحت لندن أبوابها أمام نشاطات مختلفة لدعم المعارضة، ظهرت مواقف في مجلس العموم تحذّر من المردودات السلبيّة التي قد تؤثر على الوضعين المالي والإقتصادي، وإذا كانت المواقف السابقة قد أسهمت في حمل بعض دول مجلس التعاون الخليجي على إبرام صفقات أسلحة بمليارات من الدولارات، فإنه، وأمام التطورات المتسارعة، قد تصبح هذه المواقف والأنشطة مكلفة ماليّاً، وإقتصاديّاً، الأمر الذي يتعارض والمصالح البريطانيّة، سواء إنتصرت المعارضة في سورية، أم صمد النظام؟.
ويتأرجح الموقف في الولايات المتحدة ما بين الواقعيّة، والحذر. منذ تشرين الأول الماضي بدأت سياسة إعادة النظر في الموقف من الوضع في سورية عندما إنتقدت وزيرة الخارجيّة هيلاري كلينتون أداء المجلس الوطني المعارض، وهاجمت بعنف “الإرهابييّن” الذين إستُقدموا من دول عدّة للقتال، وعلى الأثر إستقال المجلس الوطني، ودعت الدوحة إلى مؤتمر عام إستمر أياماً عدّة، وإنتهى بالإعلان عن تشكيل الإئتلاف المعارض، كما تحرّك الأخضر الإبراهيمي على وجه السرعة في مهمة واضحة لدى الدول الممولة يطلب منها العمل على تجفيف روافد الدعم لعدد من المنظمات الأصوليّة، وعمدت الإدارة الأميركيّة بعد ذلك الى إحالة تنظيم “النصرة” على قائمة الإرهاب، والتأكد من العلاقة القائمة ما بين الخلايا السلفيّة المنتشرة في بعض مناطق طرابلس، وعكار، والبقاع، مع التنظيمات الأصوليّة الناشطة في الداخل السوري، بعد حادثة تلكلخ، لكشف مقدار التورط بالمهام السريّة التي تنفّذ عبر الممرات غير الشرعيّة المنتشرة على طول الحدود اللبنانية – السوريّة، لإيصال الإمدادات الماليّة واللوجستيّة الى المتطرّفين، و”الجهادييّن”.
في الجامعة العربيّة، وعلى هامش الإجتماع الطارىء لوزراء الخارجيّة العرب في القاهرة، الأحد الماضي، إتضحت نقاط خمس:
الأولى: أن الإدارة الأميركيّة تضغط على الدول الممولة لتجفيف منابع الدعم عن بعض الفصائل الأصوليّة، بعد أن إتضح بأنها لا تريد إسقاط النظام، ولا مساعدة المعارضة على الحسم العسكري، بقدر ما تريد المزيد من القتل، والعنف، والخراب لإضعاف الجميع، كي تتمكن من إقامة إمارتها الإسلاميّة.
الثانية: أن المبادرة السياسيّة مستبعدة، والحسم العسكري متعذّر في ظلّ الإنقسام في الموقف الدولي، وكما المعارضة لها من يدعمها، كذلك النظام، والنتيجة واحدة، المزيد من العنف، والدم، والنزوح، لذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي باتت ميّالة لدعم أي خيار ثالث يمكن أن يثبت هدنة، ويوقف النزف.
الثالثة: إن الصراع أصبح له هدف آخر، وعنده خريطة يسعى الى تكريسها على أرض الواقع. صراع بدأ يرسم حدود الأقاليم، او الكانتونات المذهبيّة، مع المرافق الملحقة بكلّ منها.
الرابعة: إن التسوية تصبح ممكنة بعد حسم ملفين، الأول، إتضاح معالم الحدود الجغرافيّة والبنيويّة للكونفيدراليّة الجديدة لسورية. والثاني التفاهم الروسي – الأميركي – التركي – الإيراني حول ممرات أنابيب النفط والغاز الإيراني – العراقي – السوري الى أوروبا، وكيفيّة توزيع الحصص والمردودات بين الكبار.
الخامسة: الإرباك الخليجي الواضح حيال الموقف الدولي المتذبذب من الوضع السوري، وهذا ما دفع بغالبية الأنظمة الى التعايش مع إزدواجيّة قسريّة، دعم “الإخوان المسلمين” في سورية بالمال والسلاح والإعلام، ومحاربة ” الإخوان المسلمين” ونشاطاتهم داخل كل دولة من الدول الخليجيّة، خصوصاً بعد إكتشاف شبكات إرهابيّة في دولة الإمارات العربيّة المتحدة مؤخراً.
إن ما يجوز في سورية لا يجوز في الخليج، و”المايسترو” الأميركي خبير في توزيع الأدوار.
المصدر :
الجمهورية/ جورج علم
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة