بالرغم من كل الهواجس التي لدى الدول العربية المجاورة لتركيا من دورها المتعاظم في المنطقة ومن تدخلها في شؤون تلك الدول الداخلية، لم يكن لدى "السلطان" رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من وسيلة لتبديد هذه الهواجس، سوى تعيين "والٍ" على السوريين، الأمر الذي ضاعف هذه الهواجس لا بل أكدها إلى حد بعيد.

فيصل يلماظ هو الوالي الجديد على السوريين، مع العلم أن آخر الولاة الأتراك على منطقة عربية سقط مع سقوط السلطنة العثمانية في بداية القرن المنصرم، فهل تعلن تركيا اليوم من وراء هذا التصرف أنها عادت إلى زمن السلطنة؟

المعارضة السورية بين الإعتراض والترحيب

"لا اجندات سياسية لعملي، ومهمتي محصورة في تنسيق المساعدات التي ترسلها حكومتي إلى السوريين في مخيمات اللجوء وفي المناطق المحررة داخل سوريا"، هذا ما يعلنه الوالي التركي فيصل يلماظ في شرحه لمهامه الجديدة بعد تعيينه من رجب طيب أردوغان، دون أن يوضح سبب إطلاق تسمية "والي" على وظيفته مع ما تحمله هذه العبارة من ذكرى سيئة جداً على السوريين أنفسهم ولا نوع المساعدات التي ترسلها حكومته إلى المناطق "المحررة" في سوريا.

لدى سؤال رئيس "المجلس الوطني السوري" الأسبق برهان غليون عن الموضوع، يؤكد أن إطلاق هذه التسمية على أي موظف تركي يتعاطى بالملف السوري من أي ناحية كانت، خطأ كبير إلا إذا كان للكلمة معانٍ عديدة في اللغة التركية، لكن بالرغم من ذلك، كان من المناسب اختيار تسمية أخرى تحترم مشاعر السوريين، مشيرا إلى أن اعتراضهم على هذه التسمية طبيعي انطلاقا من التاريخ والتجربة السيئة، ويضيف: "كان من الممكن أن تكون التسمية مسؤول ملف اللاجئين السوريين".

هذا الموقف لا يوافق عليه عضو "المجلس الوطني السوري" ملهم الدروبي الذي يعتبر أن هذه التسمية لم تفهم بالشكل الصحيح، وهو يرحب بهذا التعيين لأنه خطوة إيجابية من جانب الحكومة التركية كما يقول، ويشير إلى أن الاعتراض كان يجب أن يكون لو كان المعين هو "والياً على سوريا" لكنه "وال للشؤون السورية في تركيا"، ويوضح أن مهمته هي إدارة مخيمات النازحين في تركيا، ومتابعة أوضاع النازحين في تركيا، وإدارة المساعدات التركية التي ترسل الى سوريا، ويشدد على أن تركيا لا تعتبر سوريا من الولايات التابعة لها.

ومن جانبه، يؤكد الخبير في الشؤون التركية المقيم في أنقرة دانيال عبد الفتاح لـ "النشرة" أن هذا الموضوع ملفت جداً، ويشير إلى أن "هذه الحالة حصلت في السابق عندما عيّنت تركيا والياً على 17 محافظة في جنوب شرق البلاد، كانت تشهد اضطرابات أمنية كبيرة"، ويوضح أن الحكومة اليوم قررت أن تكرر التجربة مع 7 ولايات توجد فيها مخيمات للنازحين ولها معابر مع سوريا تسيطر عليها قوى المعارضة، لكنه يحذر من أن سلطة هذا الوالي تشمل كما هو مقرر 3 مناطق سورية هي إدلب وريف حلب ومعرة النعمان.

 

 

 

هل من الممكن معالجة الأمر؟

 

بالإنتقال إلى إمكانية معالجة هذه المشكلة من الناحية الشكلية إن لم يكن هناك من مشكلة في المضمون، عبر تغيير التسمية بالحد الأدنى، يشدد غليون رداً على هذا التساؤل، في حديث لـ "النشرة"، على أن تركيا من الدول التي بذلت جهوداً غير مسبوقة في تقديم المساعدات إلى النازحين السوريين، ويرى أن من الواجب المحافظة على العلاقة المميزة معها، لأنها ستكون شريكاً مهماً في المستقبل، ويدعو إلى معالجة هذا الموضوع بطريقة هادئة على أساس المحافظة على أفضل العلاقات، على قاعدة أن تركيا وسوريا دولتان مستقلتان لكل منهما سيادته.

من جانبه، لا يرى الدروبي، في حديث لـ "النشرة"، أن هناك مشكلة في التسمية، ويتمنى لو أن كل الدول العربية والصديقة تعين "ولاة" لها لمتابعة أوضاع النازحين لديها إذا كان هذا الأمر سيؤدي إلى تقديم المساعدات بالشكل المطلوب، ويشير إلى أن هذا الموضوع مهم جداً لأنه أصبح لدى النازحين في تركيا مسؤول عنهم على اتصال مباشر مع مكتب رئيس الحكومة، ويؤكد على أهمية المساعدات التي تقدمها تركيا.

بغض النظر عن الموضوع الإنساني الذي تتحدث عنه قوى المعارضة السورية، يشدد عبد الفتاح، في حديث لـ "النشرة"، على أن هذه القضية خطيرة جداً، ويكشف أن أحد الوزراء الأتراك الذين التقى بهم لم يكن لديه معلومات حول الأسباب التي أدت إلى اتخاذ مثل هذا القرار، ويحذر من أن يؤدي هذا الأمر إلى "تكرار تجربة سلخ لواء الإسكندرون عن سوريا"، ويذكر بأن هذا الأمر حصل بين العامين 1936 و1938 عندما تم تعيين حاكم فرنسي على اللواء، وفيما بعد تم ضمه إلى السيادة التركية، ويضيف: "بغض النظر عن موقف قوى المعارضة المستفيدة من القرار، ما حصل هو إحتلال إداري على الأقل".

  • فريق ماسة
  • 2013-01-14
  • 11019
  • من الأرشيف

أردوغان يعين "والياً" على السوريين.. فهل هي تكرار لتجربة "الإسكندرون"؟

بالرغم من كل الهواجس التي لدى الدول العربية المجاورة لتركيا من دورها المتعاظم في المنطقة ومن تدخلها في شؤون تلك الدول الداخلية، لم يكن لدى "السلطان" رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من وسيلة لتبديد هذه الهواجس، سوى تعيين "والٍ" على السوريين، الأمر الذي ضاعف هذه الهواجس لا بل أكدها إلى حد بعيد. فيصل يلماظ هو الوالي الجديد على السوريين، مع العلم أن آخر الولاة الأتراك على منطقة عربية سقط مع سقوط السلطنة العثمانية في بداية القرن المنصرم، فهل تعلن تركيا اليوم من وراء هذا التصرف أنها عادت إلى زمن السلطنة؟ المعارضة السورية بين الإعتراض والترحيب "لا اجندات سياسية لعملي، ومهمتي محصورة في تنسيق المساعدات التي ترسلها حكومتي إلى السوريين في مخيمات اللجوء وفي المناطق المحررة داخل سوريا"، هذا ما يعلنه الوالي التركي فيصل يلماظ في شرحه لمهامه الجديدة بعد تعيينه من رجب طيب أردوغان، دون أن يوضح سبب إطلاق تسمية "والي" على وظيفته مع ما تحمله هذه العبارة من ذكرى سيئة جداً على السوريين أنفسهم ولا نوع المساعدات التي ترسلها حكومته إلى المناطق "المحررة" في سوريا. لدى سؤال رئيس "المجلس الوطني السوري" الأسبق برهان غليون عن الموضوع، يؤكد أن إطلاق هذه التسمية على أي موظف تركي يتعاطى بالملف السوري من أي ناحية كانت، خطأ كبير إلا إذا كان للكلمة معانٍ عديدة في اللغة التركية، لكن بالرغم من ذلك، كان من المناسب اختيار تسمية أخرى تحترم مشاعر السوريين، مشيرا إلى أن اعتراضهم على هذه التسمية طبيعي انطلاقا من التاريخ والتجربة السيئة، ويضيف: "كان من الممكن أن تكون التسمية مسؤول ملف اللاجئين السوريين". هذا الموقف لا يوافق عليه عضو "المجلس الوطني السوري" ملهم الدروبي الذي يعتبر أن هذه التسمية لم تفهم بالشكل الصحيح، وهو يرحب بهذا التعيين لأنه خطوة إيجابية من جانب الحكومة التركية كما يقول، ويشير إلى أن الاعتراض كان يجب أن يكون لو كان المعين هو "والياً على سوريا" لكنه "وال للشؤون السورية في تركيا"، ويوضح أن مهمته هي إدارة مخيمات النازحين في تركيا، ومتابعة أوضاع النازحين في تركيا، وإدارة المساعدات التركية التي ترسل الى سوريا، ويشدد على أن تركيا لا تعتبر سوريا من الولايات التابعة لها. ومن جانبه، يؤكد الخبير في الشؤون التركية المقيم في أنقرة دانيال عبد الفتاح لـ "النشرة" أن هذا الموضوع ملفت جداً، ويشير إلى أن "هذه الحالة حصلت في السابق عندما عيّنت تركيا والياً على 17 محافظة في جنوب شرق البلاد، كانت تشهد اضطرابات أمنية كبيرة"، ويوضح أن الحكومة اليوم قررت أن تكرر التجربة مع 7 ولايات توجد فيها مخيمات للنازحين ولها معابر مع سوريا تسيطر عليها قوى المعارضة، لكنه يحذر من أن سلطة هذا الوالي تشمل كما هو مقرر 3 مناطق سورية هي إدلب وريف حلب ومعرة النعمان.       هل من الممكن معالجة الأمر؟   بالإنتقال إلى إمكانية معالجة هذه المشكلة من الناحية الشكلية إن لم يكن هناك من مشكلة في المضمون، عبر تغيير التسمية بالحد الأدنى، يشدد غليون رداً على هذا التساؤل، في حديث لـ "النشرة"، على أن تركيا من الدول التي بذلت جهوداً غير مسبوقة في تقديم المساعدات إلى النازحين السوريين، ويرى أن من الواجب المحافظة على العلاقة المميزة معها، لأنها ستكون شريكاً مهماً في المستقبل، ويدعو إلى معالجة هذا الموضوع بطريقة هادئة على أساس المحافظة على أفضل العلاقات، على قاعدة أن تركيا وسوريا دولتان مستقلتان لكل منهما سيادته. من جانبه، لا يرى الدروبي، في حديث لـ "النشرة"، أن هناك مشكلة في التسمية، ويتمنى لو أن كل الدول العربية والصديقة تعين "ولاة" لها لمتابعة أوضاع النازحين لديها إذا كان هذا الأمر سيؤدي إلى تقديم المساعدات بالشكل المطلوب، ويشير إلى أن هذا الموضوع مهم جداً لأنه أصبح لدى النازحين في تركيا مسؤول عنهم على اتصال مباشر مع مكتب رئيس الحكومة، ويؤكد على أهمية المساعدات التي تقدمها تركيا. بغض النظر عن الموضوع الإنساني الذي تتحدث عنه قوى المعارضة السورية، يشدد عبد الفتاح، في حديث لـ "النشرة"، على أن هذه القضية خطيرة جداً، ويكشف أن أحد الوزراء الأتراك الذين التقى بهم لم يكن لديه معلومات حول الأسباب التي أدت إلى اتخاذ مثل هذا القرار، ويحذر من أن يؤدي هذا الأمر إلى "تكرار تجربة سلخ لواء الإسكندرون عن سوريا"، ويذكر بأن هذا الأمر حصل بين العامين 1936 و1938 عندما تم تعيين حاكم فرنسي على اللواء، وفيما بعد تم ضمه إلى السيادة التركية، ويضيف: "بغض النظر عن موقف قوى المعارضة المستفيدة من القرار، ما حصل هو إحتلال إداري على الأقل".

المصدر : ماهر الخطيب - النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة