دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تشي التصريحات والأجواء بتطورات درامية في حال عدم وجود تغيرات جذرية في طبيعة الجهود الدولية لحل الأزمة السورية عشية الموعد المقرر للجولة الثانية من المشاورات بين المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربي الأخضر الإبراهيمي وميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية ووليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية.
وتتجه الأنظار مرة أخرى إلى جنيف المترسخة في أذهان متابعي الأزمة السورية المتواصلة منذ نحو سنتين بتفاهمات أو بيان جنيف في 30 يونيو/حزيران 2012 سرعان ما تبين أن تأويلات الأطراف تختلف في شكل حاد حول طبيعة المرحلة الانتقالية، وكيفية تنفيذها. وقبل شهر تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبر التوصل إلى اتفاق "جنيف 2" بين الإبراهيمي وبوغدانوف وبيرنز. وبعد الاتفاق دخلت الدبلوماسية الأمريكية في "موت سريري" تصادف مع مرض الوزيرة هيلاري كلينتون، ونشطت الدبلوماسية الروسية في شكل واضح، واتضح في ختام اللقاء بين الإبراهيمي والوزير سيرغي لافروف أن الجهود الدبلوماسية عادت إلى المربع الأول مع نفي وجود أي توافق أمريكي روسي جديد أو أي حديث عن "جنيف 2".
تغيرات درامية على الأرض
الأطراف الدبلوماسية واصلت تلقف أي تغيرات في مواقف الآخر، فبعد الاعتراف بالإئتلاف السوري المعارض ممثلا شرعيا للشعب السوري من قبل 100 دولة في مؤتمر الرباط، توقعت الأطراف المعارضة تزايد الضغوط على الرئيس بشار الأسد ونظامه، وزيادة دعم المعارضة. لكن المؤتمر شهد كذلك بروز أول خلاف علني بين المعارضة والطرف الأمريكي مرده رفض الإئتلاف الخطوة الأمريكية بإدراج "جبهة النصرة" في قائمة الإرهاب. وعلى الأرض شهدت الأوضاع تغيرات درامية كثيرة؛ فبداية اتسعت رقعة سيطرة المعارضة المسلحة على مناطق واسعة في الشمال الغربي، والجزيرة. وامتدت المعارك إلى ريف حماة الشمالي والغربي، وحقق المعارضون تقدما كبيرا في الغوطة الشرقية، واستطاعوا ايقاف حركة الطيران من مطار دمشق الدولي مما اضطر الإبراهيمي وفيصل المقداد نائب وزير الخارجية السوري إلى التنقل عبر بيروت. لكن السلطات بدأت تستعيد بعضا من زمام المبادرة في عدة أماكن، رغم عدم الثقة بأن تقدم النظام سوف ينهي العمل المسلح، وفي المقابل فإن سيطرة المعارضة نسبية على الأرض مع امتلاك النظام لصنوف مختلفة من الأسلحة الصاروخية، وهيمنته على الأجواء. ويجمع المراقبون على عدم قدرة أي طرف على الحسم عسكريا على الأرض.
خطاب الأسد ونقطة الإنعطاف
في السادس من الشهر الحالي أطل الرئيس الأسد بخطاب هو الخامس منذ بداية الأزمة في مارس/آذار 2011. وبدا الأسد واثقا من نفسه كثيرا رغم الشحوب البادي على وجهه. وأطلق مبادرة حدد فيها الأسس والثوابت التي يقبل فيها النظام كأساس لأي تسوية مقبلة. وبالطبع فإن مبادرة الأسد حدت من قدرة الإبراهيمي على اشتقاق حلول وسط تسهم في حل الأزمة سياسيا، وتحظى بموافقة الطرفين. فالأسد يرفض الحوار مع المعارضة التي أعلنت سابقا ألا مفاوضات قبل خروجه.
ويبدو أن المبادرة استفزت الدبلوماسي المخضرم، ودفعته إلى الخروج عن دبلوماسيته المعروفة. وقبل أيام من اجتماع جنيف الذي يجمعه مع بغدانوف وبيرنز صعد الإبراهيمي لهجته ضد النظام، وانتقد في تصريحات لمحطة "بي بي سي" مبادرة الرئيس الأسد الأخيرة للحل، ووصفها بأنها "تكرار لمبادرات سابقة لم تنجح"، واعتبر أن المطلوب في سورية هو "تغيير جذري" وأشار إلى أن "حكم عائلة واحدة لمدة تصل إلى أربعين عاما فترة طويلة".
وواصل الإبراهيمي تصعيد لهجته ضد الرئيس الأسد في لقاء مع "رويترز" عشية توجهه إلى جنيف، وقال إنه لا يرى دورا للأسد في حكومة تشرف على مرحلة انتقالية في البلاد حسب الخطة التي اتفقت عليها القوى المعنية بالأزمة السورية في جنيف في 30 يونيو/حزيران 2012. الإبراهيمي شدد على أن "إعلان جنيف هو أساس الحل في سورية.. نتحدث عن حل سلمي.. لا حل عسكري"، وأشار إلى أنه "كلما اسرعنا بالحل السلمي كان أفضل... لأن سورية.. تتهشم... عملية الهدم لازم تتوقف". وفي إشارة واضحة إلى رفض بقاء الأسد حتى نهاية ولايته الحالية حسب المبادرة الإيرانية قال الإبراهيمي "لا يمكن ان ينتظر الحل الى 2014 لازم يتم في 2013." وسابقا كشف المبعوث الدولي عن أن الأسد أبلغه أنه يريد الترشح للانتخابات في 2014، وأوضح الإبراهيمي، في شكل غير مباشر، بأن الحل يجب أن يكون في 2013 "وإلا فلن تكون هناك سورية."
الحفاظ على "شعرة" جنيف
ويبدو أن الدبلوماسي الثمانيني ضاق ذرعا بالتصريحات الدولية التي ما فتئت تؤكد على دعم مهمته، وضرورة البناء على مبادرة جنيف صيف العام الماضي. وقرر وضع الأطراف أمام مسؤوليتها في شكل مباشر دون لف أو دوران. ويمكن النظر إلى تصريحات الإبراهيمي الأخيرة على أنها محاولة استباقية لنعي مهمته في حال عدم توافق القوى الرئيسية على خطة واضحة للحل. وبهذا اختار الدبلوماسي أسلوبا يغاير ما ذهب إليه عنان الذي كشف بعد إعلان استقالته أن عدم وجود توافق دولي كان السبب في فشل مهمته. وعلى عكس تصريحاته السابقة فقد أيدت المعارضة السورية التصريحات الحالية للإبراهيمي رغم أنه شدد على أنه يجب على المعارضة والأسد أن يقبلا بخطة جنيف وأن ينفذاها. وأن "الحكومة لن تنتصر... المعارضة ربما تفوز على الأمد الطويل لكن حين تفعل ذلك فلن تكون هناك سورية. اذن ما هو النصر في ذلك؟".
مفاوضات جديدة مع أخذ أفكار الأسد في الاعتبار
وأعلنت موسكو في بيان حول الجولة المقبلة من المشاورات في جنيف بين بغدانوف وبيرنز والإبراهيمي أنه يجب أخذ بعض الأفكار التي جاءت في خطاب الرئيس الأسد الأخير في الحلول المقترحة. واستبق البيان الروسي التصريحات التي أدلى بها الإبراهيمي لوكالة "رويترز" ما يشير إلى صعوبات كبيرة ستواجه الجانب الروسي في جولة المفاوضات المقبلة. لكن الموقف الروسي يملك قدرا كبيرا من المرونة مستمدة من تكرار المسؤولين الروس على مختلف المستويات بأن مصير سورية هو ما يعني موسكو بالأساس وليس مصير الأسد. وفي مقابل رفض واشنطن لما جاء في خطاب الرئيس الأسد فإن مصادر مختلفة تؤكد أن الأمريكيين يضغطون منذ أكثر من شهر على الأطراف الإقليمية من أجل وقف تسليح الجيش الحر والمعارضة المسلحة وأن هذه الضغوط أدت إلى ضعف واضح في دور الجيش الحر وفقدانه المبادرة لصالح جبهة النصرة. فالأمريكيون عمليا بدأوا بتنفيذ الشرط الذي وضعه الرئيس السوري في خطابه الأخير بوقف التدخل الخارجي كبداية للحل حتى قبل أن ينطق به بشهر كامل على الأقل.
ميلاد مبادرة حقيقية أم نعي مهمة
تجذب جنيف مرة أخرى اهتمام كل المهتمين بايجاد حل سياسي للأزمة السورية. وتكشف تصريحات الإبراهيمي الأخيرة كثيرا من تفاصيل مقارباته لحل الأزمة. ورغم القناعة بأن التوافق الروسي الأمريكي في جنيف لا يعني تلقائيا عودة الهدوء والإستقرار إلى سورية، فإن الفشل في التوصل إلى اتفاق بآليات واضحة لنقل السلطة وحل الأزمة سوف يؤدي إلى استمرار نزيف الدم السوري، لكن، بوتيرة أكبر بكثير مما مضى، ويفتح على مرحلة أقسى وأصعب يزداد فيها القتل والدمار ويمتد لهيب الأزمة ليكوي أطرافا إقليمية ودولية كانت تعتقد قبل فترة أنها في مأمن عن تبعات الحريق السوري. وما لاشك فيه فإن مسؤولية كبيرة تقع على الجانبين الروسي والأمريكي في الحؤول دون إنزلاق سورية والمنطقة في أتون حرب قاسية يزيدها اشتعالا تصاعد الخطاب الطائفي، والمؤكد أن أجهزة الاستخبارات في موسكو وواشنطن تملك معلومات كبيرة عما يجري على الأرض في سورية، واطلعت على تقارير تشير إلى الدور المتزايد لجبهة النصرة على الأرض مقابل تراجع الطبيعة السلمية للحراك، وحتى تآكل وجود عناصر الجيش الحر في مختلف مناطق الصراع مع النظام.
وإستدراكا، فإن عدم التوصل إلى توافق على آليات واضحة لتنفيذ اتفاق جنيف في 30 يونيو/حزيران 2012، وتحديد الموقف من مشاركة الرئيس الأسد من عدمها في المرحلة الإنتقالية، يفتح المجال لانتقال الأزمة إلى مرحلة يصعب فيها الإنصات إلى صوت السياسة مع علو أصوات المدافع والقذائف وهدير محركات الطيران. وربما يصعب العثور على من يجازف بقبول مهمة الوساطة في حال استقالة الإبراهيمي الذي أكد أن الحل يجب أن يتم في العام الحالي إذا كانت الأطراف مهتمة باستمرار وجود الدولة السورية.
المصدر :
سامر الياس
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة