الشلل المروري الذي ضرب شوارع القاهرة والعديد من المحافظات بفعل تراكم مياه الأمطار الغزيرة في اليومين الماضيين، جعل مستخدمي «تويتر» و«فايسبوك» يتساءلون بسخرية «ولماذا لم تساعدنا قطر في إزاحة المياه مثلما ساعدت الرئيس محمد مرسي ومنحته أربعة مليارات دولار يتفاخر بها؟».

الدعابة السابقة لا تقف عند حد رصد وانتقاد تعاظم الدور القطري في الشأن المصري منذ وصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم فحسب، وإنما تحمل اتهاما مبطنا للرئيس نفسه بأنه يقدم أرقاما مخادعة، لأنه في خطابه الأخير أمام مجلس الشورى قال إن الاحتياطي النقدي المصري وصل إلى 15 مليار دولار، من دون أن يوضح أن من بينها أربعة مليارات تسلمها من قطر كوديعة.

لكن القصة لا تقف عند حدود تلك الأموال فحسب، وهو الأمر الذي جعل المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم في القاهرة أمس الأول ساخنا، وذلك عقب لقائه الرئيس مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل، للحد الذي وجده فيه الشيخ حمد مضطرا لأن

يجيب على أسئلة واتهامات تتعلق بالدور الذي تقوم به قطر في الشأن السياسي والاقتصادي المصري، معتبرا أن «مصر أكبر من أن يهيمن عليها أحد». وقال الشيخ حمد أنه لو تم منح حق التصويت في الانتخابات لكل أهالي قطر في أي استحقاق برلماني أو رئاسي مصري، فإنه لن يؤثر على النتيجة، في إشارة إلى صغر تعداد سكان الإمارة (1.6 مليون بمن فيهم الأجانب المقيمين مقارنة بمصر التي تعد نحو 90 مليونا)، لكن التأثير بكل تأكيد الذي يسأل عنه المصريون هذه الأيام بقلق لا علاقة له مطلقا بالسكان وإنما بالمال وآثاره.

المال هو الذي فجر حديثا عن نية قطر الاستحواذ على قناة السويس في صفقة تدريجية تبدأ بتطوير القناة وإدارة بعض المنشآت تمهيداً لمنحها حق الامتياز لفترة 99 عاماً، وهي مدة مماثلة لتلك التي حصل عليها المغامر الفرنسي دي ليسيبس عندما أقنع حاكم مصر محمد سعيد باشا بفكرة القناة في منتصف القرن التاسع عشر.

حديث قناة السويس هذا، بدأه المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق في ذروة الحملة الانتخابية له في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية في حزيران الماضي، وهو الاتهام الذي تعامل معه «الإخوان» بخفة حينها، إلا أنه وجد صدى لدى المعارضين، بعدما تعددت زيارة المسؤولين القطريين إلى مصر وعلى رأسهم الأمير الشيخ حمد بن خليفة، ورئيس الوزراء حمد بن جاسم، وما تردد عن زيارة سرية قام بها مدير جهاز الاستخبارات القطري أحمد بن ثاني إلى مصر التقى فيها مرشد الإخوان محمد بديع في شهر أيار الماضي، وهو الخبر الذي نفته الجماعة لاحقا، لكن ذلك النفي لم يلغ آثاره. وهكذا وجد رئيس الوزراء القطري نفسه مضطرا لأن يجيب على سؤال حول نية قطر بخصوص قناة السويس قائلا إن أي حديث عن ذلك مجرد مزحة، وأنه لا توجد أي مشاريع قطرية خاصة بالقناة التي اعتبرها تراثا مصريا خاصا.

وزيارة أمير قطر تحديدا في تشرين الأول من العام الماضي لمصر، كانت استثنائية، إذ جاءت في طريقه إلى زيارة غير مسبوقة لقطاع غزة، وهي الزيارة التي حظيت بتأمين مصري فائق، حتى معبر رفح الحدودي ذهابا وإيابا.

أما زيارة رئيس الوزراء القطري الأخيرة إلى القاهرة، فقد بدت غامضة الأهداف، إذ لم يعلن عنها مسبقا، كما لم يتضح لها جدولا للأعمال، ما فسره البعض بأنها لم تكن سوى دعم علني ومباشر من الأمير القطري للرئيس مرسي وجماعة «الإخوان» من ورائه في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها مصر، وتصاعد موجات المعارضة للنظام «الإخواني»، خاصة أن الزيارة انتهت بالإعلان عن مشروع اقتصادي مصري - قطري مشترك بقيمة 18 مليار دولار، وعن زيارة أخرى لوزير المال القطري إلى القاهرة الأسبوع المقبل لوضع التفاصيل الفنية لكيفية الدعم الاقتصادي، ما يلقي مزيدا من التساؤلات حول الغرض القطري من التواجد اللافت في الشأن المصري، خاصة أن العلاقة بين «الإخوان» وقطر تبدو متماسكة من قبل سقوط نظام مبارك في 11 شباط العام 2011، حتى أن العديد من قيادات قناة «الجزيرة» الإخبارية هم من «الإخوان» المصريين تحديدا، كما أن تنظيم الجماعة في قطر قام بحل نفسه بنفسه في العام 1999، وبعد أربع سنوات فقط من وصول حمد بن خليفة للحكم بدعوى أن النظام الجديد «يطبق الشريعة».

الدور الذي تقوم به قناة «الجزيرة» القطرية، وشقيقتها الصغرى «الجزيرة مباشر مصر»، في تبني أراء النظام الحاكم في مصر الآن، يبدو واضحا في التغطية الإخبارية للفضائية الإخبارية الشهيرة لفعاليات الجمعية التأسيسية التي سيطرت عليها غالبية إسلامية، والتظاهرات التي خرجت لدعم قرارات مرسي، وأحداث محيط قصر الاتحادية، ومن قبلها المظاهرات الحاشدة التي رفضت الإعلان الدستوري الذي حصن به مرسي قراراته من نظرها أمام القضاة، إلى جانب استحواذ الضيوف «الإخوان» أو الموالين لهم على معظم برامج الفضائية المهتمة بمتابعة الشأن السياسي المصري. وتحظي الجزيرة بنسبة مشاهدة جيدة خاصة بين صفوف أبناء التيار الإسلامي والطبقات المتوسطة التي تميل لدعم الإسلاميين.

هكذا وعبر ذراعين أحدهما اقتصادي والآخر إعلامي، يتصاعد القلق في صفوف المعارضين لـ«الإخوان» من استمرار تصاعد التدخل القطري في الشأن الداخلي، وتأثير ذلك على القرار المصري، الذي يبدو متوافقا تماما مع القرار القطري في الشأن السوري - وربما أيضا في التعامل مع إسرائيل - ويعيد إلى أذهانهم الدور الذي لعبته قطر في «الثورة الليبية» والاعترافات المتتالية لقيادات ليبية معارضة لنظام القذافي - من بينهم رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل - بأن قطر منحت السلاح وما يقرب من 10 مليارات دولار للميليشيات التي قاتلت قوات القذافي في مقابل شراكة مع مؤسسات دولية في الاستحواذ على النفط الليبي، ليبقى السؤال عالقا ما الذي تريده قطر من مصر أكثر من امتداد النفوذ الاقتصادي والتأثير في القرار السياسي؟

  • فريق ماسة
  • 2013-01-09
  • 7921
  • من الأرشيف

ماذا تريد قطر من مصر؟

الشلل المروري الذي ضرب شوارع القاهرة والعديد من المحافظات بفعل تراكم مياه الأمطار الغزيرة في اليومين الماضيين، جعل مستخدمي «تويتر» و«فايسبوك» يتساءلون بسخرية «ولماذا لم تساعدنا قطر في إزاحة المياه مثلما ساعدت الرئيس محمد مرسي ومنحته أربعة مليارات دولار يتفاخر بها؟». الدعابة السابقة لا تقف عند حد رصد وانتقاد تعاظم الدور القطري في الشأن المصري منذ وصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم فحسب، وإنما تحمل اتهاما مبطنا للرئيس نفسه بأنه يقدم أرقاما مخادعة، لأنه في خطابه الأخير أمام مجلس الشورى قال إن الاحتياطي النقدي المصري وصل إلى 15 مليار دولار، من دون أن يوضح أن من بينها أربعة مليارات تسلمها من قطر كوديعة. لكن القصة لا تقف عند حدود تلك الأموال فحسب، وهو الأمر الذي جعل المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم في القاهرة أمس الأول ساخنا، وذلك عقب لقائه الرئيس مرسي ورئيس الوزراء هشام قنديل، للحد الذي وجده فيه الشيخ حمد مضطرا لأن يجيب على أسئلة واتهامات تتعلق بالدور الذي تقوم به قطر في الشأن السياسي والاقتصادي المصري، معتبرا أن «مصر أكبر من أن يهيمن عليها أحد». وقال الشيخ حمد أنه لو تم منح حق التصويت في الانتخابات لكل أهالي قطر في أي استحقاق برلماني أو رئاسي مصري، فإنه لن يؤثر على النتيجة، في إشارة إلى صغر تعداد سكان الإمارة (1.6 مليون بمن فيهم الأجانب المقيمين مقارنة بمصر التي تعد نحو 90 مليونا)، لكن التأثير بكل تأكيد الذي يسأل عنه المصريون هذه الأيام بقلق لا علاقة له مطلقا بالسكان وإنما بالمال وآثاره. المال هو الذي فجر حديثا عن نية قطر الاستحواذ على قناة السويس في صفقة تدريجية تبدأ بتطوير القناة وإدارة بعض المنشآت تمهيداً لمنحها حق الامتياز لفترة 99 عاماً، وهي مدة مماثلة لتلك التي حصل عليها المغامر الفرنسي دي ليسيبس عندما أقنع حاكم مصر محمد سعيد باشا بفكرة القناة في منتصف القرن التاسع عشر. حديث قناة السويس هذا، بدأه المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق في ذروة الحملة الانتخابية له في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية في حزيران الماضي، وهو الاتهام الذي تعامل معه «الإخوان» بخفة حينها، إلا أنه وجد صدى لدى المعارضين، بعدما تعددت زيارة المسؤولين القطريين إلى مصر وعلى رأسهم الأمير الشيخ حمد بن خليفة، ورئيس الوزراء حمد بن جاسم، وما تردد عن زيارة سرية قام بها مدير جهاز الاستخبارات القطري أحمد بن ثاني إلى مصر التقى فيها مرشد الإخوان محمد بديع في شهر أيار الماضي، وهو الخبر الذي نفته الجماعة لاحقا، لكن ذلك النفي لم يلغ آثاره. وهكذا وجد رئيس الوزراء القطري نفسه مضطرا لأن يجيب على سؤال حول نية قطر بخصوص قناة السويس قائلا إن أي حديث عن ذلك مجرد مزحة، وأنه لا توجد أي مشاريع قطرية خاصة بالقناة التي اعتبرها تراثا مصريا خاصا. وزيارة أمير قطر تحديدا في تشرين الأول من العام الماضي لمصر، كانت استثنائية، إذ جاءت في طريقه إلى زيارة غير مسبوقة لقطاع غزة، وهي الزيارة التي حظيت بتأمين مصري فائق، حتى معبر رفح الحدودي ذهابا وإيابا. أما زيارة رئيس الوزراء القطري الأخيرة إلى القاهرة، فقد بدت غامضة الأهداف، إذ لم يعلن عنها مسبقا، كما لم يتضح لها جدولا للأعمال، ما فسره البعض بأنها لم تكن سوى دعم علني ومباشر من الأمير القطري للرئيس مرسي وجماعة «الإخوان» من ورائه في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تواجهها مصر، وتصاعد موجات المعارضة للنظام «الإخواني»، خاصة أن الزيارة انتهت بالإعلان عن مشروع اقتصادي مصري - قطري مشترك بقيمة 18 مليار دولار، وعن زيارة أخرى لوزير المال القطري إلى القاهرة الأسبوع المقبل لوضع التفاصيل الفنية لكيفية الدعم الاقتصادي، ما يلقي مزيدا من التساؤلات حول الغرض القطري من التواجد اللافت في الشأن المصري، خاصة أن العلاقة بين «الإخوان» وقطر تبدو متماسكة من قبل سقوط نظام مبارك في 11 شباط العام 2011، حتى أن العديد من قيادات قناة «الجزيرة» الإخبارية هم من «الإخوان» المصريين تحديدا، كما أن تنظيم الجماعة في قطر قام بحل نفسه بنفسه في العام 1999، وبعد أربع سنوات فقط من وصول حمد بن خليفة للحكم بدعوى أن النظام الجديد «يطبق الشريعة». الدور الذي تقوم به قناة «الجزيرة» القطرية، وشقيقتها الصغرى «الجزيرة مباشر مصر»، في تبني أراء النظام الحاكم في مصر الآن، يبدو واضحا في التغطية الإخبارية للفضائية الإخبارية الشهيرة لفعاليات الجمعية التأسيسية التي سيطرت عليها غالبية إسلامية، والتظاهرات التي خرجت لدعم قرارات مرسي، وأحداث محيط قصر الاتحادية، ومن قبلها المظاهرات الحاشدة التي رفضت الإعلان الدستوري الذي حصن به مرسي قراراته من نظرها أمام القضاة، إلى جانب استحواذ الضيوف «الإخوان» أو الموالين لهم على معظم برامج الفضائية المهتمة بمتابعة الشأن السياسي المصري. وتحظي الجزيرة بنسبة مشاهدة جيدة خاصة بين صفوف أبناء التيار الإسلامي والطبقات المتوسطة التي تميل لدعم الإسلاميين. هكذا وعبر ذراعين أحدهما اقتصادي والآخر إعلامي، يتصاعد القلق في صفوف المعارضين لـ«الإخوان» من استمرار تصاعد التدخل القطري في الشأن الداخلي، وتأثير ذلك على القرار المصري، الذي يبدو متوافقا تماما مع القرار القطري في الشأن السوري - وربما أيضا في التعامل مع إسرائيل - ويعيد إلى أذهانهم الدور الذي لعبته قطر في «الثورة الليبية» والاعترافات المتتالية لقيادات ليبية معارضة لنظام القذافي - من بينهم رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل - بأن قطر منحت السلاح وما يقرب من 10 مليارات دولار للميليشيات التي قاتلت قوات القذافي في مقابل شراكة مع مؤسسات دولية في الاستحواذ على النفط الليبي، ليبقى السؤال عالقا ما الذي تريده قطر من مصر أكثر من امتداد النفوذ الاقتصادي والتأثير في القرار السياسي؟

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة