بدأ الحديث الديبلوماسي في لبنان يأخذ، منذ اسابيع قليلة، اتجاهات تختلف تماماً عن تلك التي كانت تسود اللقاءات الرسمية حول الأحداث السورية التي تقترب من بداية سنتها الثالثة، وتأثيرها على لبنان ودول الجوار.

ويركز ديبلوماسيون وزوار أوروبيون، تبعاً لذلك، على مستويين من الاهتمام مرتبطين بسوريا، محاولين استكشاف النظرة اللبنانية الموضوعية لاتجاهات الحرب فيها بعيدا عن التمنيات التي يعبّر عنها فريقا 8 و14 آذار حيال مصير نظام الرئيس السوري بشار الاسد. ويطرح هؤلاء اسئلة محددة عن طبيعة الاحتمالات التي قد تواجه سوريا نظرا الى معرفة المسؤولين اللبنانيين بالتفاصيل السورية الداخلية، لا سيما ان قلة من الباحثين والمسؤولين اللبنانيين تعاملوا مع تطورات سوريا بموضوعية. اما النقطة الثانية، فهي معرفة حقيقة وضع المنظمات الاصولية في سوريا وتسرّبها الى لبنان ودول الجوار، وربطا، احتمالات تسرب الاسلحة الكيميائية السورية اليها بعدما كان الحديث سابقا عن احتمال وصول هذه الاسلحة الى حزب الله.

ويترافق هذا التغير مع تطور نوعي يظهر دولياً في مقاربة جديدة للوضع السوري في ضوء عودة الحديث عن الاسلحة الكيميائية وارتفاع التحذير من الواقع الاصولي في سوريا مع تركيز الكلام على "جبهة النصرة".

فحين تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عشية عيد الميلاد عن الاسلحة الكيميائية السورية، لم تكن عبارته عن الانتحار السياسي للنظام وحدها ذات دلالة معبرة فحسب. اذ ان لافروف كان حريصا على استخدام عبارة "حتى الساعة" حين قال: "حتى الساعة تشير معلوماتنا المتطابقة مع معلومات الغربيين الى ان الاسلحة الكيميائية تحت السيطرة. جمعتها السلطات السورية في مركز او اثنين، فيما كانت موزعة من قبل في مختلف انحاء البلاد". وهذه العبارة الاعتراضية أعادت تصويب النقاشات الامنية والعسكرية في المنطقة، في اتجاه خطر الاسلحة الكيميائية.

فمع بداية الكلام عن السلاح الكيميائي في سوريا، ظلت وتيرة الكلام عنه ترتفع وتخف، بحسب اتجاه المفاوضات الدولية حول سوريا، حتى بعدما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي آنذاك، في تموز عام 2012، ان "هذه الاسلحة مخزنة لدى القوات المسلحة السورية ولن تستخدم في الاحداث السورية". وتدريجا تراجع الكلام عنه، حتى اميركياً، الى ان عاد الحديث عنه مع كلام لافروف، وتحذير المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند الرئيس السوري من ان استخدام هذه الاسلحة خط احمر. وتبعها قول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان هذه الاسلحة "تشكل عبئا على المنطقة كلها" لافتا الى ان تل ابيب على اتصال مع الولايات المتحدة وروسيا "للحيلولة دون وصول الأسلحة الكيميائية إلى أيدي الإرهابيين".

وهنا لب المعضلة الاقليمية اليوم. فروسيا، بحسب معطيات توافرت لجهات لبنانية حول الحوارات التي تقودها مع واشنطن، تهدف الى استخدام هذا الملف كورقة ضغط من اجل ترك سلاح الحل في يدها خلال وضع اللمسات الاخيرة على أي تسوية حول وضع النظام السوري ومصير الاسد وعائلته، في ظل اتجاهات دولية لاعادة تسليط سيف المحكمة الدولية على رأس النظام، وهو الامر الذي اعاد وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير التلويح به. وتحاول موسكو، وفق ذلك، ضمان حصة وازنة لها في أي حل لسوريا، وفق رؤيتها التي تركز فيها على ثلاث مسلّمات: ضمان استمرار تركيبة الدولة السورية والجيش والحفاظ على الاقليات. ويؤكد عدد من السفراء الاوروبيين في لبنان خلال لقاءات سياسية ان دولهم تلتقي مع الروس على ضرورة حماية وضع الجيش السوري من اجل تأمين الاستقرار سواء بقي الاسد ام لم يبق. لكنها لا تلتقي معهم حول طريقة اداء موسكو في ادارة المفاوضات واستمرار دعم النظام الى ما لانهاية. رغم ان بعضا منهم يتحدث صراحة عن ان الروس مقبلون ولا ريب على تغيير موقفهم عندما تنضج طبخة المصالح المتبادلة.

ويلمح مسؤولون لبنانيون معنيون الى تبدل نوعية الاسئلة في لقاءات الديبلوماسيين الغربيين خلال زيارتهم لبنان، عن تلك التي كانت تطرح مع بداية الاحداث السورية. وبدا بوضوح ان بعض الاسئلة الغربية تركز في معظم لقاءاتها المحلية وما يتسرب حتى من لقاءات ديبلوماسية تعقد خارج لبنان، عن المخاوف من استمرار الحرب في سوريا خلافا للتوقعات الاولية، وعن مدى انعكاس طول الازمة على لبنان والاردن، اضافة الى احتمالات تسرب الاسلحة الكيميائية الى المعارضة السورية، وتحديدا التنظيمات الاصولية منها. وما يثير مخاوف واهتمامات الدوائر الغربية بات يكمن في شكل لافت في ارتفاع منسوب التطرف الاصولي في الحديث عن المعارضة السورية. وما لفت في هذا الاطار تراجع الكلام عن الائتلاف السوري المعارض والمجلس الوطني لصالح الحديث عن "جبهة النصرة". وفي تقارير ديبلوماسية ان الكلام عن الجبهات الاصولية وطريقة عملها في سوريا بات الشغل الشاغل لكثير من الاجهزة الامنية الاوروبية والاميركية التي بدأت تدرس اخيراً مع اجهزة امنية في الشرق الاوسط، كل الاحتمالات المرتبطة بصعود نجم "جبهة النصرة" وتأثيره على الوضع السوري الداخلي وعلى دول الجوار. وتطرح هذه الاجهزة اسئلة شاملة عن ارتباط هذه الجبهات بأنظمة عربية معروفة عادة بمساعدتها للتنظيمات الاصولية وتمويلها ومدها بالمساعدات اللازمة. وتعكس هذه التقارير مخاوف جدية من احتمالات ما بعد سقوط الاسد، كنتيجة حتمية للمفاوضات بين واشنطن الرافضة لوجود الاسد في المرحلة الانتقالية، وموسكو ومعها ايران. وتركز تحديداً على صعود التنظيمات الاصولية دون غيرها من التنظيمات التي تقاتل في سوريا. وهي تخشى تبعا لذلك تسرب هذه التنظيمات الى لبنان في المرحلة الاولى، مع ما يمكن ان يؤدي اليه ذلك من مواجهات مع حزب الله او حتى مع القوى الامنية اللبنانية.

 

 

  • فريق ماسة
  • 2013-01-08
  • 10067
  • من الأرشيف

انشغال "أوروبي بـ"النصرة" وحصولها على الكيميائي

بدأ الحديث الديبلوماسي في لبنان يأخذ، منذ اسابيع قليلة، اتجاهات تختلف تماماً عن تلك التي كانت تسود اللقاءات الرسمية حول الأحداث السورية التي تقترب من بداية سنتها الثالثة، وتأثيرها على لبنان ودول الجوار. ويركز ديبلوماسيون وزوار أوروبيون، تبعاً لذلك، على مستويين من الاهتمام مرتبطين بسوريا، محاولين استكشاف النظرة اللبنانية الموضوعية لاتجاهات الحرب فيها بعيدا عن التمنيات التي يعبّر عنها فريقا 8 و14 آذار حيال مصير نظام الرئيس السوري بشار الاسد. ويطرح هؤلاء اسئلة محددة عن طبيعة الاحتمالات التي قد تواجه سوريا نظرا الى معرفة المسؤولين اللبنانيين بالتفاصيل السورية الداخلية، لا سيما ان قلة من الباحثين والمسؤولين اللبنانيين تعاملوا مع تطورات سوريا بموضوعية. اما النقطة الثانية، فهي معرفة حقيقة وضع المنظمات الاصولية في سوريا وتسرّبها الى لبنان ودول الجوار، وربطا، احتمالات تسرب الاسلحة الكيميائية السورية اليها بعدما كان الحديث سابقا عن احتمال وصول هذه الاسلحة الى حزب الله. ويترافق هذا التغير مع تطور نوعي يظهر دولياً في مقاربة جديدة للوضع السوري في ضوء عودة الحديث عن الاسلحة الكيميائية وارتفاع التحذير من الواقع الاصولي في سوريا مع تركيز الكلام على "جبهة النصرة". فحين تحدث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عشية عيد الميلاد عن الاسلحة الكيميائية السورية، لم تكن عبارته عن الانتحار السياسي للنظام وحدها ذات دلالة معبرة فحسب. اذ ان لافروف كان حريصا على استخدام عبارة "حتى الساعة" حين قال: "حتى الساعة تشير معلوماتنا المتطابقة مع معلومات الغربيين الى ان الاسلحة الكيميائية تحت السيطرة. جمعتها السلطات السورية في مركز او اثنين، فيما كانت موزعة من قبل في مختلف انحاء البلاد". وهذه العبارة الاعتراضية أعادت تصويب النقاشات الامنية والعسكرية في المنطقة، في اتجاه خطر الاسلحة الكيميائية. فمع بداية الكلام عن السلاح الكيميائي في سوريا، ظلت وتيرة الكلام عنه ترتفع وتخف، بحسب اتجاه المفاوضات الدولية حول سوريا، حتى بعدما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي آنذاك، في تموز عام 2012، ان "هذه الاسلحة مخزنة لدى القوات المسلحة السورية ولن تستخدم في الاحداث السورية". وتدريجا تراجع الكلام عنه، حتى اميركياً، الى ان عاد الحديث عنه مع كلام لافروف، وتحذير المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند الرئيس السوري من ان استخدام هذه الاسلحة خط احمر. وتبعها قول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ان هذه الاسلحة "تشكل عبئا على المنطقة كلها" لافتا الى ان تل ابيب على اتصال مع الولايات المتحدة وروسيا "للحيلولة دون وصول الأسلحة الكيميائية إلى أيدي الإرهابيين". وهنا لب المعضلة الاقليمية اليوم. فروسيا، بحسب معطيات توافرت لجهات لبنانية حول الحوارات التي تقودها مع واشنطن، تهدف الى استخدام هذا الملف كورقة ضغط من اجل ترك سلاح الحل في يدها خلال وضع اللمسات الاخيرة على أي تسوية حول وضع النظام السوري ومصير الاسد وعائلته، في ظل اتجاهات دولية لاعادة تسليط سيف المحكمة الدولية على رأس النظام، وهو الامر الذي اعاد وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير التلويح به. وتحاول موسكو، وفق ذلك، ضمان حصة وازنة لها في أي حل لسوريا، وفق رؤيتها التي تركز فيها على ثلاث مسلّمات: ضمان استمرار تركيبة الدولة السورية والجيش والحفاظ على الاقليات. ويؤكد عدد من السفراء الاوروبيين في لبنان خلال لقاءات سياسية ان دولهم تلتقي مع الروس على ضرورة حماية وضع الجيش السوري من اجل تأمين الاستقرار سواء بقي الاسد ام لم يبق. لكنها لا تلتقي معهم حول طريقة اداء موسكو في ادارة المفاوضات واستمرار دعم النظام الى ما لانهاية. رغم ان بعضا منهم يتحدث صراحة عن ان الروس مقبلون ولا ريب على تغيير موقفهم عندما تنضج طبخة المصالح المتبادلة. ويلمح مسؤولون لبنانيون معنيون الى تبدل نوعية الاسئلة في لقاءات الديبلوماسيين الغربيين خلال زيارتهم لبنان، عن تلك التي كانت تطرح مع بداية الاحداث السورية. وبدا بوضوح ان بعض الاسئلة الغربية تركز في معظم لقاءاتها المحلية وما يتسرب حتى من لقاءات ديبلوماسية تعقد خارج لبنان، عن المخاوف من استمرار الحرب في سوريا خلافا للتوقعات الاولية، وعن مدى انعكاس طول الازمة على لبنان والاردن، اضافة الى احتمالات تسرب الاسلحة الكيميائية الى المعارضة السورية، وتحديدا التنظيمات الاصولية منها. وما يثير مخاوف واهتمامات الدوائر الغربية بات يكمن في شكل لافت في ارتفاع منسوب التطرف الاصولي في الحديث عن المعارضة السورية. وما لفت في هذا الاطار تراجع الكلام عن الائتلاف السوري المعارض والمجلس الوطني لصالح الحديث عن "جبهة النصرة". وفي تقارير ديبلوماسية ان الكلام عن الجبهات الاصولية وطريقة عملها في سوريا بات الشغل الشاغل لكثير من الاجهزة الامنية الاوروبية والاميركية التي بدأت تدرس اخيراً مع اجهزة امنية في الشرق الاوسط، كل الاحتمالات المرتبطة بصعود نجم "جبهة النصرة" وتأثيره على الوضع السوري الداخلي وعلى دول الجوار. وتطرح هذه الاجهزة اسئلة شاملة عن ارتباط هذه الجبهات بأنظمة عربية معروفة عادة بمساعدتها للتنظيمات الاصولية وتمويلها ومدها بالمساعدات اللازمة. وتعكس هذه التقارير مخاوف جدية من احتمالات ما بعد سقوط الاسد، كنتيجة حتمية للمفاوضات بين واشنطن الرافضة لوجود الاسد في المرحلة الانتقالية، وموسكو ومعها ايران. وتركز تحديداً على صعود التنظيمات الاصولية دون غيرها من التنظيمات التي تقاتل في سوريا. وهي تخشى تبعا لذلك تسرب هذه التنظيمات الى لبنان في المرحلة الاولى، مع ما يمكن ان يؤدي اليه ذلك من مواجهات مع حزب الله او حتى مع القوى الامنية اللبنانية.    

المصدر : الاخبار\هيام القصيفي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة