في علم السياسة أن طرفي الحرب في أي دولة في العالم يرفعان سقف المطالب إلى أقصاه قبل أي مفاوضات. هذا يحصل الآن في سوريا. يطرح "الائتلاف السوري" المعارض شرط رحيل الرئيس بشار الأسد للقبول بتسوية سياسية، بينما يؤكد المقربون من الأسد أن رحيله ليس مطروحاً أصلا، وأنه يخطط للترشح للانتخابات المقبلة.

بعد اقتراب الحرب السورية من إنهاء عامها الثاني، بقي النظام قادراً على فرض شروطه، حتى ولو أن الثمن غال جداً. هذه حالة نادرة في الحروب المماثلة لما يحصل في سوريا. يساعده على ذلك عوامل عددية أبرزها:

أولاً، القوة اللافتة لألوية الجيش الداعمة بقوة للنظام بفضل التركيبة اللوجستية والتنظيمية والعقائدية المعقدة التي أرساها الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ثانياً، قوة الموقفين الروسي والصيني في منع أي تدخل عسكري خارجي.

ثالثاً، عدم حدوث انشقاقات عسكرية أو سياسية كبيرة تهدد التماسك الفعلي للجيش.

رابعاً، ظهور تنظيمات وكتائب ذات توجه تكفيري أو قاعدي أقلق واشنطن.

خامساً، تصارع المعارضة في ما بينها.

سادساً، تهديدات إيران المعلنة أو المبطنة لكل من يريد إسقاط النظام بالقوة.

سابعاً، التفاف الطائفة العلوية والأقليات وجزء من أهل السنة حول النظام، إما تأييداً أو خوفاً من الآتي.

ثامناً، قلق بعض دول الخليج من سيطرة "الإخوان المسلمين" على سوريا لأن انتقال العدوى إليها سيكون سريعاً، وأخيراً ما يحكى عن اشتباكات بين "جبهة النصرة" و"الجيش السوري الحر" في بعض المناطق السورية.

هذه العوامل جعلت موسكو أكثر قدرة على التحرك. لو تم إحصاء عدد التصريحات المؤيدة للنظام التي صدرت عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لتبين أنها تخطت بعشرات المرات تلك التي صدرت عن وزير الخارجية السوري وليد المعلم. يقول معارض سوري ممازحاً: "صار ينبغي أن نناديه بسيرغي المعلم".

لم تكن القيادة الروسية لتفعل ذلك لولا قناعتها، تماماً كإيران، بأن القوة العسكرية لدى النظام لا تزال كبيرة وقادرة على تغيير المعادلة. ولم تكن لتفعل أيضاً لولا قناعتها بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعيش مأزقاً فعلياً في سوريا وأنها باتت تغض الطرف عن تحرك الجيش السوري في المناطق ذات الأرضية القاعدية أو الداعمة للتنظيمات والكتائب المتهمة أميركياً بالإرهاب. صحيح أن واشنطن وبعض الدول الأوروبية هددت سوريا لو هي حركت السلاح الكيميائي، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا يعني أن كل ما هو غير كيميائي مسموح، على الأقل حتى الآن.

ماذا في المعلومات؟

[ تعيش إدارة أوباما أزمة تقارب الفضيحة. تبين أن جزءاً من مبلغ الـ 25 مليون دولار الذي رصدته لـ"الائتلاف" المعارض تم تسليمه إلى "جبهة النصرة". أحدث الأمر بلبلة كبيرة بقيت طي الكتمان خصوصاً أن واشنطن وضعت الجبهة على لائحة المنظمات الإرهابية. يقال إن بعض الديبلوماسيين الأميركيين دفعوا ثمن ذلك بإبعادهم عن مناصبهم.

[ ترفع موسكو الصوت عالياً محذرة من فوضى عارمة وحرب طائفية وصوملة ما لم يحصل حل سياسي. تحذر، ولكنها في الوقت ذاته، تسعى إلى توسيع قاعدة اتصالها بالمعارضة من جهة، وإحداث خرق في الصف العربي من خلال جذب بعض الأطراف إليها. ثمة معلومات جدية تتعلق بمصر والعراق والجزائر وبعض دول الخليج. يساهم في ذلك الاستياء المتكرر الذي يعبر عنه المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مما يصفه بـ"الحقد الشخصي" لبعض قادة الخليج، خصوصاً في قطر والسعودية، ضد الرئيس الأسد، ويقول إن ذلك يعيق الحل. ونتيجة للتحرك الروسي الأخير سوف تستقبل موسكو قريباً وزير خارجية عربي أو ربما أكثر. القيادة الروسية بحاجة ماسة الآن لمثل هذا الغطاء العربي.

[ تعتبر القيادة الروسية أن بقاء الجيش السوري موحداً وقوياً هو الضمانة الفعلية وربما الوحيدة لمستقبل سوريا، ولكن أيضاً للمستقبل الروسي في سوريا. قال لافروف هذا الكلام أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، ونوه ببعض أطراف المعارضة التي تستمر في تحييدها للمؤسسة العسكرية في كل أدبياتها. هذا بالضبط ما يفسر بعض التراخي الروسي في المواقف المتعلقة ببقاء الأسد، وتشدده حيال رفض التدخل العسكري. الجيش بالنسبة لموسكو خط أحمر، هذا ما قاله مسؤولون روس في الآونة الأخيرة لضيوفهم، وهذا ما نجحوا في فرضه شرطاً على واشنطن لأي تسوية مقبلة. جاهرت واشنطن بهذا القبول غير مرة حين قالت إن بقاء المؤسسات الحكومية والأمنية موحدة ضروري لمرحلة ما بعد الأسد.

[ تحاول بعض دول الخليج، المناهضة أصلاً للإخوان المسلمين، فتح خطوط مع المعارضة غير الإخوانية. هناك اتجاه فعلي لتوسيع هامش التعاون مع "هيئة التنسيق" بقيادة هيثم المناع. بعض هذه الدول يدخل من باب الإغاثة والبعض الآخر من الباب السياسي الواسع. الأمر يصل حتى إلى تونس، وقد يقدم الرئيس المنصف المرزوقي على خطوة قريباً توضح أنه اقرب إلى المعارضة العلمانية منه إلى تيار "الإخوان المسلمين" في سوريا.

[ يعيش الاتحاد الأوروبي نقاشاً محموماً هذه الأيام حيال المعارضة السورية. يتمحور جل هذا الجدل حول "جبهة النصرة". يطالب بعض الأوروبيين بوضعها على لائحة المنظمات الإرهابية. بين هذا البعض مثلا اسبانيا. تصر باريس ولندن على إرجاء الموضوع. يقول أحد أبرز ديبلوماسييها الحاليين لمن التقاه من السوريين في الآونة الأخيرة: "حين يرحل الأسد سنضع الجبهة فوراً على لائحة الإرهاب". وحين يسأله المعارض السوري: "ولكن هل لديكم تصور متى سيرحل الأسد؟"، يجيب: "ليس عند أحد أي تصور بهذا الشأن، ولكنه سيرحل عاجلاً أم آجلاً". يسأله المعارض: "كيف؟"، يجيب "لا أدري" ويلوذ بالصمت.

المشكلة الأخرى التي يعيشها الأوروبيون، حالياً، هي شعورهم بتهميش فعلي في مبادرة جنيف ولكن أيضاً في المفاوضات الجارية بين موسكو وواشنطن والأخضر الإبراهيمي. لا بل إن المبعوث العربي والدولي نفسه يبدو في جلساته الخاصة مركّزاً فقط على الدورين الأميركي والروسي، ومعتبراً أن العقدة الوحيدة أمام الحل تكمن في بعض دول الخليج. يقول إن علاقته بالأميركيين ممتازة وأنه ما كان ليقبل المهمة لولا تفاهمه المسبق معهم، ويقول إنه يعرف لافروف عن قرب وعملا سوياً منذ سنوات، ولكن "المشكلة هي بعض الرؤوس العربية الحامية". يريد إشراك إيران ومصر والسعودية وأيضاً تركيا (هذه الأخيرة فقط لمنع الإحراج) في ضمانات التسويات المقبلة. يبدو وزير الخارجية المصري متحمساً لذلك.

[ لقاءات بعض أطراف المعارضة السورية، وبينها هيئة التنسيق، مع المسؤولين الإيرانيين، سمحت بتوسيع هامش النقاش حول مستقبل سوريا. صحيح أن في طهران آراء مختلفة حول ما يجري في سوريا، وأن بعض المسؤولين الرسميين كان يتردد في المجيء إلى دمشق اعتراضاً على الصورة الدموية للوضع الداخلي، لكن الصحيح أيضاً أن طهران قالت لضيوفها إن الحل السياسي يستند إلى اتفاق المعارضة مع النظام، وأن طهران ستدعم أي طرف يبقي المقاومة حاضرة في ذهنه. وقالت أيضاً إنها وإن كانت هي نفسها إسلامية الحكم فإنها تفضل في سوريا نظاماً ديموقراطياً مهما كانت طبيعته. تذهب طهران حالياً أبعد من ذلك، تحاول إقناع النظام بإطلاق سراح معارضين وتساعده في البحث عن بعضهم.

[ المعارضة السورية بدورها ستشهد ارتفاع منسوب التنافر بين أركانها. فشلت كل محاولات جمعها تحت لواء "الائتلاف" المعارض. من هذه المحاولات مثلاً ما كشفه معارض سوري بارز من أن بعض كبار المسؤولين السعوديين، من الأمراء، طلبوا شخصياً من بعض رموز المعارضة الانضمام إلى "الائتلاف" مقابل نصف مليون دولار وراتب شهري قدره 10 آلاف دولار، لكل منهم.

ومن علامات التنافر مثلاً، أن بعض هذه المعارضة تعمّد تكذيب رواية مجزرة الفرن في حلفايا في ريف حماه. أكد أنه لا يوجد فرن أصلاً في المنطقة التي قصفت، وكشف أن بين 47 قتيلاً سقطوا في القصف كان 40 منهم من "جبهة النصرة" أو أنصارها والقسم الباقي مجهول الهوية، ما يعني انه يعود إلى مقاتلين أجانب. يقول إن هؤلاء قصفوا في رد الجيش على استهدافهم لأحد مواقعه، وهم أنفسهم راحوا يرمون الخبز على القتلى للقول إن في الأمر مجزرة لأجل لقمة العيش.

ماذا عن روسيا وأميركا؟

تؤكد المعلومات أن الطرفين تقاربا كثيراً: كلاهما يريد بقاء الجيش السوري موحداً لمواجهة تمدد "القاعدة" والإرهاب. وكلاهما بات قابلاً بأن يكون مسؤولون من النظام الحالي مشاركين في التسوية المقبلة. وكلاهما يريد أن تكون دائرة المعارضة أوسع، وهذا ما تشاركهما فيه بعض دول الخليج، وليس غريباً أن تستقبل دولة الإمارات وسلطنة عمان قريباً وفوداً من المعارضة غير "الإخوانية". ثمة اتصالات تجري لترتيب لقاء قريب مع وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد مع معارضين من غير "الإخوان".

تدرك موسكو حراجة الموقف الأميركي حيال بقاء الأسد، لكن المسؤولين الروس يقولون لمن يسألهم عن الأمر: "لنترك الموضوع جانباً ونتفق على المستقبل السياسي لسوريا"، وحين يلح السائل على استيضاح موقف موسكو، يأتي الجواب من لافروف: "ليس لدينا أنبياء في سوريا، والعلاقات الأوروبية مع الأسد كانت أقوى بمئة مرة من علاقاتنا نحن، ولكن هذا شأن سوري، وحتى الآن لم يقل لنا الرئيس الأسد إنه يريد ترك السلطة ولا نستطيع أن نجبره على ذلك وليس دورنا أن نضغط عليه، نحن قمنا بما علينا القيام به لجهة الأسلحة الكيميائية وغيرها، ولكن الطرف الآخر لم يوقف دعمه للمعارضة المسلحة لا بل يستمر في ذلك ضد مصلحة سوريا والسوريين".

يضاف إلى هذا الموقف الروسي من الأسد، أن الرئيس السوري نفسه يبدو غير معارض لتقصير مدة الولاية الحالية وإجراء انتخابات سابقة لأوانها في حال جرى اتفاق سياسي، شرط أن يترشح مجدداً لهذه الانتخابات. هذا ما نقله عنه معارض سوري بارز. والمقربون من الأسد يقولون إنه لو ترشح مجدداً سيثبت للجميع أن الجزء الأكبر من الشعب لا يزال إلى جانبه. يسارع معارض سوري آخر إلى القول إن الأسد لن يترشح لأنه يعرف أنه لن يحصل سوى على نسبة ضئيلة جداً من الأصوات.

الأسد شرط التفاوض

يروي ديبلوماسي أوروبي كان يلتقي الأسد سابقاً، أن الرئيس السوري ليس من النوع الذي يقبل التنازل، وأنه على اقتناع بأن ما يفعله اليوم هو مناهضة هجمة غربية وخليجية وإسلامية ضده. ويقول الديبلوماسي أيضاً إن النواة الصلبة للنظام، أي الطائفة العلوية وكبار الضباط، لن يقبلوا مطلقاً بتنازل كهذا لأن البديل العلوي عن الأسد حالياً غير متوفر، وكذلك لم تنجح كل المحاولات الغربية في إقناع أي قائد عسكري علوي كبير بالانشقاق، حتى ولو أن مناف طلاس يقول لمحادثيه الفرنسيين إنه على اتصال مع قيادات عسكرية علوية.

ويعتقد الديبلوماسي الأوروبي أن الأسد، الذي غالباً ما يجاهر أمام ضيوفه بتعلقه بالجوانب القانونية والدستورية، سوف يقبل بأن تجري انتخابات سابقة لأوانها في حال حصول اتفاق وسوف يترشح مجدداً، وهو لن يقبل وقفاً نهائياً لإطلاق النار قبل التأكد من الاتفاق السياسي وضماناته، بمعنى أن وقف النار يأتي بعد الاتفاق وليس قبله.

وفي اعتقاد الديبلوماسي أن التشدد الغربي وتشدد "الائتلاف" المعارض والأطراف المسلحة في سوريا حيال رحيل الأسد، يختلف من مكان إلى آخر، فإذا كان المسلحون وبعض أركان المعارضة يريدون فعلاً رحيله ومستعدين للقتال حتى النهاية لإسقاطه، فإن البعض الآخر يدرك أن رفع السقف إلى هذه الدرجة لا بد أن يعقبه تخفيض لهذا السقف من أجل الحصول على مناصب مقبلة في السلطة.

يتفق مع هذا الطرف، قطب سوري معارض. يقول إن الصراع الدائر حالياً بين أطراف المعارضة، والنقاش المحموم بين موسكو وواشنطن لم يعد يركز على بقاء الأسد أو رحيله، وإنما على كيفية توزيع المناصب والحصص.

تلقف هؤلاء بكثير من الاهتمام تصريح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لصحيفة "الأخبار" اللبنانية. صحيح أن ما قاله لم يحصل على تأييد من القيادة السورية، ولكن ثمة من يعلق أهمية فعلية على الشرع لتشكيل نواة مقبلة لأي تفاوض، وبين هؤلاء بعثيون في الداخل والخارج وبعض القيادات السياسية والعسكرية. يعتقد هؤلاء أن خطوة إصلاحية كهذه ستؤدي إلى فتح نافذة واسعة باتجاه حوار مع المعارضة وستلقى تأييداً دولياً، حتى ولو جاءت في ظل تفاهم ضمني مع الأسد أو نتيجة ضوء اخضر منه.

هل بات الحل وشيكاً؟

ثمة مؤشرات على حدوث اختراقات سياسية مهمة قريباً على المستويين العربي والدولي. والأخضر الإبراهيمي متفائل بالتقارب الروسي - الأميركي بالرغم من تشاؤمه العام حيال الوضع الداخلي وحيال مواقف بعض العرب. لكن الأمور لن تكون بالسرعة التي يفترضها البعض. لا بد من انتظار تشكيل إدارة أوباما، ولا بد من تقدم المفاوضات الأميركية - الإيرانية. وإيران حريصة على إطفاء الكثير من النيران، وبينها النار السورية، قبل انتخاباتها المقبلة التي تبدو غير واضحة المعالم بعد.

الأكيد أن القطار يسير، ولكن المشكلة أنه في سير للقطار كهذا وفي دول ذات أهمية إستراتيجية كبيرة كسوريا، يتطلب أي حل مقبل معارك إضافية كثيرة، لأنه في أوقات التفاوض يصبح كل طرف بحاجة إلى رفع منسوب الضغط إلى أقصاه، والمعلومات الغربية جازمة لجهة القول إن "جبهة النصرة" وبعض الكتائب الأخرى ستنفذ عمليات خطيرة في مستقبل قريب لإثبات قوتها على الأرض، كما أن بعض الدول، التي لا تزال تفكر بضرورة رحيل الأسد ولو بالقوة، وبينها فرنسا وبريطانيا مثلاً، تشجع على الاستمرار بقتال النظام حتى ولو أن مصادر موثوقة تقول إن ثمة خلافات جوهرية باتت تباعد بين باريس وواشنطن حيال مسألة السلاح والمسلحين والمستقبل السوري.

أين لبنان؟

تؤكد المعلومات الغربية، أن عناصر "خطيرة" من "القاعدة" موجودة في لبنان، وتؤكد أيضاً أن عناصر أخرى من "الجيش الحر" باتت تجد لها "بيئة حاضنة". يقال إن عدداً من العواصم الغربية، وبينها باريس، طلبت رسمياً من "الائتلاف السوري" المعارض ومن المؤثرين على الجماعات المسلحة تحييد لبنان. ويقال كذلك إن مسؤولي استخبارات غربية جاؤوا أكثر من مرة إلى لبنان في الآونة الأخيرة أو استقبلوا نظراءهم اللبنانيين في أوروبا حيث جرى تبادل لمعلومات أوضحت أن بعض رموز "القاعدة" الملاحقين غربياً باتوا بين لبنان وسوريا، وأن احتمالات قيامهم بأعمال "إرهابية" وارد، ولذلك يجري تكثيف لتبادل المعلومات وتجهيز بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية بمعدات لوجستية دقيقة للمراقبة والملاحقة.

إن مثل هذه المعلومات لو أضيفت إلى اللوائح التي سلمتها روسيا للأميركيين حول عناصر "القاعدة" في سوريا، تجعل موسكو وواشنطن أكثر رغبة في إيجاد تسوية سياسية، لكن كل ذلك يبقى على الأقل في الشهرين المقبلين رهناً بالتطورات الأمنية على الأرض. وكل المؤشرات تقول إن العنف سيزداد، لأن التسوية لا تزال في مستهلها ولا يزال كل طرف يقول إنه الأقدر على الحسم، كما أن مصالح ضخمة تتقاطع، وبينها تلك المتعلقة بالاكتشافات النفطية عند سواحل المتوسط.

وبانتظار أن يقتنع الجميع أن الحل ينقذ ما تبقى من سوريا، يبدو أن دماء بريئة كثيرة مرشحة للنزف قبل تقدم المفاوضات، أو قبل حدوث تطورات عسكرية قد تقلب المعادلة في بلد بات كل شيء فيه مفتوحاً على كل الاحتمالات.

  • فريق ماسة
  • 2012-12-30
  • 12486
  • من الأرشيف

سورية بين الصـوملـة أو حل بوجود الرئيس الأســد وقلق غـربي مـن تـمدد "الــقاعدة" إلى لـبـنان

في علم السياسة أن طرفي الحرب في أي دولة في العالم يرفعان سقف المطالب إلى أقصاه قبل أي مفاوضات. هذا يحصل الآن في سوريا. يطرح "الائتلاف السوري" المعارض شرط رحيل الرئيس بشار الأسد للقبول بتسوية سياسية، بينما يؤكد المقربون من الأسد أن رحيله ليس مطروحاً أصلا، وأنه يخطط للترشح للانتخابات المقبلة. بعد اقتراب الحرب السورية من إنهاء عامها الثاني، بقي النظام قادراً على فرض شروطه، حتى ولو أن الثمن غال جداً. هذه حالة نادرة في الحروب المماثلة لما يحصل في سوريا. يساعده على ذلك عوامل عددية أبرزها: أولاً، القوة اللافتة لألوية الجيش الداعمة بقوة للنظام بفضل التركيبة اللوجستية والتنظيمية والعقائدية المعقدة التي أرساها الرئيس الراحل حافظ الأسد. ثانياً، قوة الموقفين الروسي والصيني في منع أي تدخل عسكري خارجي. ثالثاً، عدم حدوث انشقاقات عسكرية أو سياسية كبيرة تهدد التماسك الفعلي للجيش. رابعاً، ظهور تنظيمات وكتائب ذات توجه تكفيري أو قاعدي أقلق واشنطن. خامساً، تصارع المعارضة في ما بينها. سادساً، تهديدات إيران المعلنة أو المبطنة لكل من يريد إسقاط النظام بالقوة. سابعاً، التفاف الطائفة العلوية والأقليات وجزء من أهل السنة حول النظام، إما تأييداً أو خوفاً من الآتي. ثامناً، قلق بعض دول الخليج من سيطرة "الإخوان المسلمين" على سوريا لأن انتقال العدوى إليها سيكون سريعاً، وأخيراً ما يحكى عن اشتباكات بين "جبهة النصرة" و"الجيش السوري الحر" في بعض المناطق السورية. هذه العوامل جعلت موسكو أكثر قدرة على التحرك. لو تم إحصاء عدد التصريحات المؤيدة للنظام التي صدرت عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لتبين أنها تخطت بعشرات المرات تلك التي صدرت عن وزير الخارجية السوري وليد المعلم. يقول معارض سوري ممازحاً: "صار ينبغي أن نناديه بسيرغي المعلم". لم تكن القيادة الروسية لتفعل ذلك لولا قناعتها، تماماً كإيران، بأن القوة العسكرية لدى النظام لا تزال كبيرة وقادرة على تغيير المعادلة. ولم تكن لتفعل أيضاً لولا قناعتها بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعيش مأزقاً فعلياً في سوريا وأنها باتت تغض الطرف عن تحرك الجيش السوري في المناطق ذات الأرضية القاعدية أو الداعمة للتنظيمات والكتائب المتهمة أميركياً بالإرهاب. صحيح أن واشنطن وبعض الدول الأوروبية هددت سوريا لو هي حركت السلاح الكيميائي، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا يعني أن كل ما هو غير كيميائي مسموح، على الأقل حتى الآن. ماذا في المعلومات؟ [ تعيش إدارة أوباما أزمة تقارب الفضيحة. تبين أن جزءاً من مبلغ الـ 25 مليون دولار الذي رصدته لـ"الائتلاف" المعارض تم تسليمه إلى "جبهة النصرة". أحدث الأمر بلبلة كبيرة بقيت طي الكتمان خصوصاً أن واشنطن وضعت الجبهة على لائحة المنظمات الإرهابية. يقال إن بعض الديبلوماسيين الأميركيين دفعوا ثمن ذلك بإبعادهم عن مناصبهم. [ ترفع موسكو الصوت عالياً محذرة من فوضى عارمة وحرب طائفية وصوملة ما لم يحصل حل سياسي. تحذر، ولكنها في الوقت ذاته، تسعى إلى توسيع قاعدة اتصالها بالمعارضة من جهة، وإحداث خرق في الصف العربي من خلال جذب بعض الأطراف إليها. ثمة معلومات جدية تتعلق بمصر والعراق والجزائر وبعض دول الخليج. يساهم في ذلك الاستياء المتكرر الذي يعبر عنه المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي مما يصفه بـ"الحقد الشخصي" لبعض قادة الخليج، خصوصاً في قطر والسعودية، ضد الرئيس الأسد، ويقول إن ذلك يعيق الحل. ونتيجة للتحرك الروسي الأخير سوف تستقبل موسكو قريباً وزير خارجية عربي أو ربما أكثر. القيادة الروسية بحاجة ماسة الآن لمثل هذا الغطاء العربي. [ تعتبر القيادة الروسية أن بقاء الجيش السوري موحداً وقوياً هو الضمانة الفعلية وربما الوحيدة لمستقبل سوريا، ولكن أيضاً للمستقبل الروسي في سوريا. قال لافروف هذا الكلام أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، ونوه ببعض أطراف المعارضة التي تستمر في تحييدها للمؤسسة العسكرية في كل أدبياتها. هذا بالضبط ما يفسر بعض التراخي الروسي في المواقف المتعلقة ببقاء الأسد، وتشدده حيال رفض التدخل العسكري. الجيش بالنسبة لموسكو خط أحمر، هذا ما قاله مسؤولون روس في الآونة الأخيرة لضيوفهم، وهذا ما نجحوا في فرضه شرطاً على واشنطن لأي تسوية مقبلة. جاهرت واشنطن بهذا القبول غير مرة حين قالت إن بقاء المؤسسات الحكومية والأمنية موحدة ضروري لمرحلة ما بعد الأسد. [ تحاول بعض دول الخليج، المناهضة أصلاً للإخوان المسلمين، فتح خطوط مع المعارضة غير الإخوانية. هناك اتجاه فعلي لتوسيع هامش التعاون مع "هيئة التنسيق" بقيادة هيثم المناع. بعض هذه الدول يدخل من باب الإغاثة والبعض الآخر من الباب السياسي الواسع. الأمر يصل حتى إلى تونس، وقد يقدم الرئيس المنصف المرزوقي على خطوة قريباً توضح أنه اقرب إلى المعارضة العلمانية منه إلى تيار "الإخوان المسلمين" في سوريا. [ يعيش الاتحاد الأوروبي نقاشاً محموماً هذه الأيام حيال المعارضة السورية. يتمحور جل هذا الجدل حول "جبهة النصرة". يطالب بعض الأوروبيين بوضعها على لائحة المنظمات الإرهابية. بين هذا البعض مثلا اسبانيا. تصر باريس ولندن على إرجاء الموضوع. يقول أحد أبرز ديبلوماسييها الحاليين لمن التقاه من السوريين في الآونة الأخيرة: "حين يرحل الأسد سنضع الجبهة فوراً على لائحة الإرهاب". وحين يسأله المعارض السوري: "ولكن هل لديكم تصور متى سيرحل الأسد؟"، يجيب: "ليس عند أحد أي تصور بهذا الشأن، ولكنه سيرحل عاجلاً أم آجلاً". يسأله المعارض: "كيف؟"، يجيب "لا أدري" ويلوذ بالصمت. المشكلة الأخرى التي يعيشها الأوروبيون، حالياً، هي شعورهم بتهميش فعلي في مبادرة جنيف ولكن أيضاً في المفاوضات الجارية بين موسكو وواشنطن والأخضر الإبراهيمي. لا بل إن المبعوث العربي والدولي نفسه يبدو في جلساته الخاصة مركّزاً فقط على الدورين الأميركي والروسي، ومعتبراً أن العقدة الوحيدة أمام الحل تكمن في بعض دول الخليج. يقول إن علاقته بالأميركيين ممتازة وأنه ما كان ليقبل المهمة لولا تفاهمه المسبق معهم، ويقول إنه يعرف لافروف عن قرب وعملا سوياً منذ سنوات، ولكن "المشكلة هي بعض الرؤوس العربية الحامية". يريد إشراك إيران ومصر والسعودية وأيضاً تركيا (هذه الأخيرة فقط لمنع الإحراج) في ضمانات التسويات المقبلة. يبدو وزير الخارجية المصري متحمساً لذلك. [ لقاءات بعض أطراف المعارضة السورية، وبينها هيئة التنسيق، مع المسؤولين الإيرانيين، سمحت بتوسيع هامش النقاش حول مستقبل سوريا. صحيح أن في طهران آراء مختلفة حول ما يجري في سوريا، وأن بعض المسؤولين الرسميين كان يتردد في المجيء إلى دمشق اعتراضاً على الصورة الدموية للوضع الداخلي، لكن الصحيح أيضاً أن طهران قالت لضيوفها إن الحل السياسي يستند إلى اتفاق المعارضة مع النظام، وأن طهران ستدعم أي طرف يبقي المقاومة حاضرة في ذهنه. وقالت أيضاً إنها وإن كانت هي نفسها إسلامية الحكم فإنها تفضل في سوريا نظاماً ديموقراطياً مهما كانت طبيعته. تذهب طهران حالياً أبعد من ذلك، تحاول إقناع النظام بإطلاق سراح معارضين وتساعده في البحث عن بعضهم. [ المعارضة السورية بدورها ستشهد ارتفاع منسوب التنافر بين أركانها. فشلت كل محاولات جمعها تحت لواء "الائتلاف" المعارض. من هذه المحاولات مثلاً ما كشفه معارض سوري بارز من أن بعض كبار المسؤولين السعوديين، من الأمراء، طلبوا شخصياً من بعض رموز المعارضة الانضمام إلى "الائتلاف" مقابل نصف مليون دولار وراتب شهري قدره 10 آلاف دولار، لكل منهم. ومن علامات التنافر مثلاً، أن بعض هذه المعارضة تعمّد تكذيب رواية مجزرة الفرن في حلفايا في ريف حماه. أكد أنه لا يوجد فرن أصلاً في المنطقة التي قصفت، وكشف أن بين 47 قتيلاً سقطوا في القصف كان 40 منهم من "جبهة النصرة" أو أنصارها والقسم الباقي مجهول الهوية، ما يعني انه يعود إلى مقاتلين أجانب. يقول إن هؤلاء قصفوا في رد الجيش على استهدافهم لأحد مواقعه، وهم أنفسهم راحوا يرمون الخبز على القتلى للقول إن في الأمر مجزرة لأجل لقمة العيش. ماذا عن روسيا وأميركا؟ تؤكد المعلومات أن الطرفين تقاربا كثيراً: كلاهما يريد بقاء الجيش السوري موحداً لمواجهة تمدد "القاعدة" والإرهاب. وكلاهما بات قابلاً بأن يكون مسؤولون من النظام الحالي مشاركين في التسوية المقبلة. وكلاهما يريد أن تكون دائرة المعارضة أوسع، وهذا ما تشاركهما فيه بعض دول الخليج، وليس غريباً أن تستقبل دولة الإمارات وسلطنة عمان قريباً وفوداً من المعارضة غير "الإخوانية". ثمة اتصالات تجري لترتيب لقاء قريب مع وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد مع معارضين من غير "الإخوان". تدرك موسكو حراجة الموقف الأميركي حيال بقاء الأسد، لكن المسؤولين الروس يقولون لمن يسألهم عن الأمر: "لنترك الموضوع جانباً ونتفق على المستقبل السياسي لسوريا"، وحين يلح السائل على استيضاح موقف موسكو، يأتي الجواب من لافروف: "ليس لدينا أنبياء في سوريا، والعلاقات الأوروبية مع الأسد كانت أقوى بمئة مرة من علاقاتنا نحن، ولكن هذا شأن سوري، وحتى الآن لم يقل لنا الرئيس الأسد إنه يريد ترك السلطة ولا نستطيع أن نجبره على ذلك وليس دورنا أن نضغط عليه، نحن قمنا بما علينا القيام به لجهة الأسلحة الكيميائية وغيرها، ولكن الطرف الآخر لم يوقف دعمه للمعارضة المسلحة لا بل يستمر في ذلك ضد مصلحة سوريا والسوريين". يضاف إلى هذا الموقف الروسي من الأسد، أن الرئيس السوري نفسه يبدو غير معارض لتقصير مدة الولاية الحالية وإجراء انتخابات سابقة لأوانها في حال جرى اتفاق سياسي، شرط أن يترشح مجدداً لهذه الانتخابات. هذا ما نقله عنه معارض سوري بارز. والمقربون من الأسد يقولون إنه لو ترشح مجدداً سيثبت للجميع أن الجزء الأكبر من الشعب لا يزال إلى جانبه. يسارع معارض سوري آخر إلى القول إن الأسد لن يترشح لأنه يعرف أنه لن يحصل سوى على نسبة ضئيلة جداً من الأصوات. الأسد شرط التفاوض يروي ديبلوماسي أوروبي كان يلتقي الأسد سابقاً، أن الرئيس السوري ليس من النوع الذي يقبل التنازل، وأنه على اقتناع بأن ما يفعله اليوم هو مناهضة هجمة غربية وخليجية وإسلامية ضده. ويقول الديبلوماسي أيضاً إن النواة الصلبة للنظام، أي الطائفة العلوية وكبار الضباط، لن يقبلوا مطلقاً بتنازل كهذا لأن البديل العلوي عن الأسد حالياً غير متوفر، وكذلك لم تنجح كل المحاولات الغربية في إقناع أي قائد عسكري علوي كبير بالانشقاق، حتى ولو أن مناف طلاس يقول لمحادثيه الفرنسيين إنه على اتصال مع قيادات عسكرية علوية. ويعتقد الديبلوماسي الأوروبي أن الأسد، الذي غالباً ما يجاهر أمام ضيوفه بتعلقه بالجوانب القانونية والدستورية، سوف يقبل بأن تجري انتخابات سابقة لأوانها في حال حصول اتفاق وسوف يترشح مجدداً، وهو لن يقبل وقفاً نهائياً لإطلاق النار قبل التأكد من الاتفاق السياسي وضماناته، بمعنى أن وقف النار يأتي بعد الاتفاق وليس قبله. وفي اعتقاد الديبلوماسي أن التشدد الغربي وتشدد "الائتلاف" المعارض والأطراف المسلحة في سوريا حيال رحيل الأسد، يختلف من مكان إلى آخر، فإذا كان المسلحون وبعض أركان المعارضة يريدون فعلاً رحيله ومستعدين للقتال حتى النهاية لإسقاطه، فإن البعض الآخر يدرك أن رفع السقف إلى هذه الدرجة لا بد أن يعقبه تخفيض لهذا السقف من أجل الحصول على مناصب مقبلة في السلطة. يتفق مع هذا الطرف، قطب سوري معارض. يقول إن الصراع الدائر حالياً بين أطراف المعارضة، والنقاش المحموم بين موسكو وواشنطن لم يعد يركز على بقاء الأسد أو رحيله، وإنما على كيفية توزيع المناصب والحصص. تلقف هؤلاء بكثير من الاهتمام تصريح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لصحيفة "الأخبار" اللبنانية. صحيح أن ما قاله لم يحصل على تأييد من القيادة السورية، ولكن ثمة من يعلق أهمية فعلية على الشرع لتشكيل نواة مقبلة لأي تفاوض، وبين هؤلاء بعثيون في الداخل والخارج وبعض القيادات السياسية والعسكرية. يعتقد هؤلاء أن خطوة إصلاحية كهذه ستؤدي إلى فتح نافذة واسعة باتجاه حوار مع المعارضة وستلقى تأييداً دولياً، حتى ولو جاءت في ظل تفاهم ضمني مع الأسد أو نتيجة ضوء اخضر منه. هل بات الحل وشيكاً؟ ثمة مؤشرات على حدوث اختراقات سياسية مهمة قريباً على المستويين العربي والدولي. والأخضر الإبراهيمي متفائل بالتقارب الروسي - الأميركي بالرغم من تشاؤمه العام حيال الوضع الداخلي وحيال مواقف بعض العرب. لكن الأمور لن تكون بالسرعة التي يفترضها البعض. لا بد من انتظار تشكيل إدارة أوباما، ولا بد من تقدم المفاوضات الأميركية - الإيرانية. وإيران حريصة على إطفاء الكثير من النيران، وبينها النار السورية، قبل انتخاباتها المقبلة التي تبدو غير واضحة المعالم بعد. الأكيد أن القطار يسير، ولكن المشكلة أنه في سير للقطار كهذا وفي دول ذات أهمية إستراتيجية كبيرة كسوريا، يتطلب أي حل مقبل معارك إضافية كثيرة، لأنه في أوقات التفاوض يصبح كل طرف بحاجة إلى رفع منسوب الضغط إلى أقصاه، والمعلومات الغربية جازمة لجهة القول إن "جبهة النصرة" وبعض الكتائب الأخرى ستنفذ عمليات خطيرة في مستقبل قريب لإثبات قوتها على الأرض، كما أن بعض الدول، التي لا تزال تفكر بضرورة رحيل الأسد ولو بالقوة، وبينها فرنسا وبريطانيا مثلاً، تشجع على الاستمرار بقتال النظام حتى ولو أن مصادر موثوقة تقول إن ثمة خلافات جوهرية باتت تباعد بين باريس وواشنطن حيال مسألة السلاح والمسلحين والمستقبل السوري. أين لبنان؟ تؤكد المعلومات الغربية، أن عناصر "خطيرة" من "القاعدة" موجودة في لبنان، وتؤكد أيضاً أن عناصر أخرى من "الجيش الحر" باتت تجد لها "بيئة حاضنة". يقال إن عدداً من العواصم الغربية، وبينها باريس، طلبت رسمياً من "الائتلاف السوري" المعارض ومن المؤثرين على الجماعات المسلحة تحييد لبنان. ويقال كذلك إن مسؤولي استخبارات غربية جاؤوا أكثر من مرة إلى لبنان في الآونة الأخيرة أو استقبلوا نظراءهم اللبنانيين في أوروبا حيث جرى تبادل لمعلومات أوضحت أن بعض رموز "القاعدة" الملاحقين غربياً باتوا بين لبنان وسوريا، وأن احتمالات قيامهم بأعمال "إرهابية" وارد، ولذلك يجري تكثيف لتبادل المعلومات وتجهيز بعض الأجهزة الأمنية اللبنانية بمعدات لوجستية دقيقة للمراقبة والملاحقة. إن مثل هذه المعلومات لو أضيفت إلى اللوائح التي سلمتها روسيا للأميركيين حول عناصر "القاعدة" في سوريا، تجعل موسكو وواشنطن أكثر رغبة في إيجاد تسوية سياسية، لكن كل ذلك يبقى على الأقل في الشهرين المقبلين رهناً بالتطورات الأمنية على الأرض. وكل المؤشرات تقول إن العنف سيزداد، لأن التسوية لا تزال في مستهلها ولا يزال كل طرف يقول إنه الأقدر على الحسم، كما أن مصالح ضخمة تتقاطع، وبينها تلك المتعلقة بالاكتشافات النفطية عند سواحل المتوسط. وبانتظار أن يقتنع الجميع أن الحل ينقذ ما تبقى من سوريا، يبدو أن دماء بريئة كثيرة مرشحة للنزف قبل تقدم المفاوضات، أو قبل حدوث تطورات عسكرية قد تقلب المعادلة في بلد بات كل شيء فيه مفتوحاً على كل الاحتمالات.

المصدر : السفير\ سامي كليب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة