بالرغم من أن إسرائيل تتفاخر بأنها بين الدول الأكثر تقدماً على الصعيد العلمي، إلا أنها مثل الدول النامية تعاني فعلياً من ظاهرة «هروب الأدمغة». ونظراً للدور الذي تمنحه الحكومة الإسرائيلية للعلم في سبيل الحفاظ على ما تعتبره أحد مقومات الأمن القومي للدولة العبرية، وهو «الفجوة العلمية» مع المحيط العربي، فإن «هجرة الأدمغة» تعتبر ظاهرة سلبية مضاعفة.

وبحسب آخر المعطيات فإن أكثر من 14 في المئة من الأكاديميين حملة شهادات الدكتوراه في العلوم الدقيقة هاجروا في السنوات الأخيرة من إسرائيل. كما أن واحداً من كل خمسة من حملة شهادة الدكتوراه في الرياضيات يقيم خارج إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما يعني أن نسبة هجرة العقول في تزايد.

وأشارت تقارير بحثية في إسرائيل إلى أن هروب الأدمغة أصبح ظاهرة ينبغي أن تقض مضاجع قادة الدولة وأن تدفعهم إلى تطوير «قبة حديدية» أكاديمية على شاكلة منظومة القبة الحديدية ضد الصواريخ. وتحدثت التقارير عن أن «القبة الحديدية» ضد الصواريخ ما كان لها أن تنتج من دون التفوق العلمي الذي يبدو أن إسرائيل تتجه لخسارته إذا استمر نزف الأدمغة القائم. وتبين أن المؤسسات التعليمية الإسرائيلية تخرّج سنوياً آلاف المهندسين المطلوبين للعمل في أرجاء العالم، والذين قد يشكل استمرار هجرة الشباب منهم خطراً شديداً على الدولة العبرية.

وبحسب المعطيات الشائعة في إسرائيل فإن ما لا يقل عن 750 ألف إسرائيلي يعيشون ويعملون في الخارج، وأن هذا العدد يتزايد سنوياً، ليس فقط عددياً وإنما نوعياً أيضاً. والحديث يدور أساساً عن هروب الأكاديميين والأطباء والمهندسين والعلماء إلى الخارج. وتبدأ رحلة الهروب أساساً بالسعي إلى نيل شهادة الدكتوراه في الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا على وجه الخصوص، ثم يحصلون على عمل أفضل من المعروض عليهم في إسرائيل يبقيهم في الخارج.

وبالرغم من أن هذه ظاهرة طبيعية في الكثير من بلدان العالم، إلا أن إسرائيل، على وجه الخصوص، تنظر إليها بقلق كبير على اعتبارها خسارة إستراتيجية.

وازدهر في العقد الأخير، وبشكل كبير، الإطار الأكاديمي حيث تم تغيير نظام التعليم الجامعي وافتتاح ما لا يقل عن 60 كلية جامعية. ولكن قسماً كبيراً من الجيل الشاب ذهب ليبحث في الخارج ليس فقط عن فرص عمل أفضل، وإنما أيضاً عن فرص تطور علمي أفضل.

ويُحذر أكاديميون إسرائيليون من أنه إذا لم تستوعب الحكومة واقع أن الاختراعات التي تتباهى بها إسرائيل هي نتاج تراكم علمي امتد عقوداً في الماضي، فإنها ربما بعد عقد أو عقدين لن تجد ما تتباهى به. ولذلك فإذا كانت لا تريد خسارة المستقبل، عليها منذ الآن التركيز على تمويل الأبحاث والوظائف لإبقاء الشباب الواعد كأساس صلب لأي تطوير علمي مستقبلي.

وبحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي فإن أكثر من 14 في المئة من حملة الدكتوراه في العلوم والهندسة يعيشون في الخارج منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يعودا فيها. وأن خمسة في المئة من عموم الأكاديميين ممن نالوا شهاداتهم

بين العامين 1985 و2005 يعيشون في الخارج، كما أن 10,5 في المئة من حملة الدكتوراه يعيشون في الخارج. وهذا المعطى يتناول 360 ألف إسرائيلي نالوا شهاداتهم في الفترة المذكورة.

وتضع هذه المعطيات إسرائيل في مقدمة الدول التي تعاني من هروب الأدمغة، خصوصاً الباحثين الأكاديميين والصناعيين. ووفق معطيات دائرة الإحصاء المركزي فإن 4,8 في المئة من حملة الشهادة الجامعية الأولى يبقون في الخارج مقابل 4,2 في المئة من حملة الماجستير. ولكن النسبة تغدو أعلى بين حملة شهادات العلوم والهندسة، وتصل إلى 6,7 في المئة للشهادة الأولى، و8,5 للشهادة الثانية.

ويعرض التقرير لواقع أن متخرجي الرياضيات، وعلوم الكومبيوتر، والفيزياء، والبيولوجيا، والزراعة والهندسة يتركون إسرائيل أكثر من متخرجي العلوم الاجتماعية والأدب، واللغات، والفنون، والقانون، وإدارة الأعمال. ويتقدم حملة الماجستير في الرياضيات على سواهم فيعيش 16,7 في المئة منهم في الخارج، يليهم المتخرجون في علم الكومبيوتر (14,5 في المئة)، وعلم الجينات (14,4 في المئة)، والهندسة البيو طبية (13,7 في المئة).

والواقع أنه لا يمكن فهم خطورة هذه المعطيات في إسرائيل من دون معرفة الجهود التي تبذلها المؤسسات الرسمية والعلمية الإسرائيلية لمنع هذا التسرب. فهناك خطط سنوية لـ«استرداد» و«إعادة» العقول لتوظيفها في إسرائيل. ولكن كثيرين يعتقدون أن الجهود ووسائل إعادة العقول ليست كافية. فهناك 18 في المئة من متخرجي معهد الهندسة التطبيقية «التقنيون» يعيشون في الخارج فضلا عن سبعة في المئة من متخرجي الجامعة العبرية.

  • فريق ماسة
  • 2012-12-26
  • 7804
  • من الأرشيف

ظاهـرة «هجـرة الأدمغـة»: خطـر يتزايـد فـي إسـرائيـل

بالرغم من أن إسرائيل تتفاخر بأنها بين الدول الأكثر تقدماً على الصعيد العلمي، إلا أنها مثل الدول النامية تعاني فعلياً من ظاهرة «هروب الأدمغة». ونظراً للدور الذي تمنحه الحكومة الإسرائيلية للعلم في سبيل الحفاظ على ما تعتبره أحد مقومات الأمن القومي للدولة العبرية، وهو «الفجوة العلمية» مع المحيط العربي، فإن «هجرة الأدمغة» تعتبر ظاهرة سلبية مضاعفة. وبحسب آخر المعطيات فإن أكثر من 14 في المئة من الأكاديميين حملة شهادات الدكتوراه في العلوم الدقيقة هاجروا في السنوات الأخيرة من إسرائيل. كما أن واحداً من كل خمسة من حملة شهادة الدكتوراه في الرياضيات يقيم خارج إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات، ما يعني أن نسبة هجرة العقول في تزايد. وأشارت تقارير بحثية في إسرائيل إلى أن هروب الأدمغة أصبح ظاهرة ينبغي أن تقض مضاجع قادة الدولة وأن تدفعهم إلى تطوير «قبة حديدية» أكاديمية على شاكلة منظومة القبة الحديدية ضد الصواريخ. وتحدثت التقارير عن أن «القبة الحديدية» ضد الصواريخ ما كان لها أن تنتج من دون التفوق العلمي الذي يبدو أن إسرائيل تتجه لخسارته إذا استمر نزف الأدمغة القائم. وتبين أن المؤسسات التعليمية الإسرائيلية تخرّج سنوياً آلاف المهندسين المطلوبين للعمل في أرجاء العالم، والذين قد يشكل استمرار هجرة الشباب منهم خطراً شديداً على الدولة العبرية. وبحسب المعطيات الشائعة في إسرائيل فإن ما لا يقل عن 750 ألف إسرائيلي يعيشون ويعملون في الخارج، وأن هذا العدد يتزايد سنوياً، ليس فقط عددياً وإنما نوعياً أيضاً. والحديث يدور أساساً عن هروب الأكاديميين والأطباء والمهندسين والعلماء إلى الخارج. وتبدأ رحلة الهروب أساساً بالسعي إلى نيل شهادة الدكتوراه في الولايات المتحدة أو كندا أو بريطانيا على وجه الخصوص، ثم يحصلون على عمل أفضل من المعروض عليهم في إسرائيل يبقيهم في الخارج. وبالرغم من أن هذه ظاهرة طبيعية في الكثير من بلدان العالم، إلا أن إسرائيل، على وجه الخصوص، تنظر إليها بقلق كبير على اعتبارها خسارة إستراتيجية. وازدهر في العقد الأخير، وبشكل كبير، الإطار الأكاديمي حيث تم تغيير نظام التعليم الجامعي وافتتاح ما لا يقل عن 60 كلية جامعية. ولكن قسماً كبيراً من الجيل الشاب ذهب ليبحث في الخارج ليس فقط عن فرص عمل أفضل، وإنما أيضاً عن فرص تطور علمي أفضل. ويُحذر أكاديميون إسرائيليون من أنه إذا لم تستوعب الحكومة واقع أن الاختراعات التي تتباهى بها إسرائيل هي نتاج تراكم علمي امتد عقوداً في الماضي، فإنها ربما بعد عقد أو عقدين لن تجد ما تتباهى به. ولذلك فإذا كانت لا تريد خسارة المستقبل، عليها منذ الآن التركيز على تمويل الأبحاث والوظائف لإبقاء الشباب الواعد كأساس صلب لأي تطوير علمي مستقبلي. وبحسب معطيات دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلي فإن أكثر من 14 في المئة من حملة الدكتوراه في العلوم والهندسة يعيشون في الخارج منذ أكثر من ثلاث سنوات، لم يعودا فيها. وأن خمسة في المئة من عموم الأكاديميين ممن نالوا شهاداتهم بين العامين 1985 و2005 يعيشون في الخارج، كما أن 10,5 في المئة من حملة الدكتوراه يعيشون في الخارج. وهذا المعطى يتناول 360 ألف إسرائيلي نالوا شهاداتهم في الفترة المذكورة. وتضع هذه المعطيات إسرائيل في مقدمة الدول التي تعاني من هروب الأدمغة، خصوصاً الباحثين الأكاديميين والصناعيين. ووفق معطيات دائرة الإحصاء المركزي فإن 4,8 في المئة من حملة الشهادة الجامعية الأولى يبقون في الخارج مقابل 4,2 في المئة من حملة الماجستير. ولكن النسبة تغدو أعلى بين حملة شهادات العلوم والهندسة، وتصل إلى 6,7 في المئة للشهادة الأولى، و8,5 للشهادة الثانية. ويعرض التقرير لواقع أن متخرجي الرياضيات، وعلوم الكومبيوتر، والفيزياء، والبيولوجيا، والزراعة والهندسة يتركون إسرائيل أكثر من متخرجي العلوم الاجتماعية والأدب، واللغات، والفنون، والقانون، وإدارة الأعمال. ويتقدم حملة الماجستير في الرياضيات على سواهم فيعيش 16,7 في المئة منهم في الخارج، يليهم المتخرجون في علم الكومبيوتر (14,5 في المئة)، وعلم الجينات (14,4 في المئة)، والهندسة البيو طبية (13,7 في المئة). والواقع أنه لا يمكن فهم خطورة هذه المعطيات في إسرائيل من دون معرفة الجهود التي تبذلها المؤسسات الرسمية والعلمية الإسرائيلية لمنع هذا التسرب. فهناك خطط سنوية لـ«استرداد» و«إعادة» العقول لتوظيفها في إسرائيل. ولكن كثيرين يعتقدون أن الجهود ووسائل إعادة العقول ليست كافية. فهناك 18 في المئة من متخرجي معهد الهندسة التطبيقية «التقنيون» يعيشون في الخارج فضلا عن سبعة في المئة من متخرجي الجامعة العبرية.

المصدر : السفير/حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة