معبّر ذاك اللقاء الذي جمع في إحدى مناطق ريف إدلب أحد متزعمي الجماعات المسلحة في سورية مع الصحافي الصهيوني الذي تسلل عبر تركيا إلى تلك المنطقة.

كان واضحاً ذاك الإرهابي المسلح حينما خاطب الصحافي العبري بأنه يفضّل الإرهابي الكبير الذاهب في غيبوبة منذ أكثر من سبعة أعوام على الرئيس بشار الأسد، من دون أن ينسى الإعلان عن حبه وهيامه بالدولة العبرية.

القناة "الإسرائيلية الثانية" التي نقلت هذا اللقاء والتحقيق، استعرضت مقابلات ولقاءات أجرتها القنوات "الإسرائيلية" مع البيانوني وبسمة القضماني، وغيرهما من المعارضين السوريين.

ولم تنسَ مقدمة البرنامج في القناة الصهيونية أن تقول: "إن الحلم كان مستحيلاً".

توقّع البعض أن يثير هذا التحقيق الصهيوني وما تضمنه من مقابلات ومواقف بعض الحميّة لدى بعض المعارضات، لكن لا حياة لمن تنادي، لا بل إن الأمر الأفظع؛ كان الهجوم الهمجي الواسع الذي شنه آلاف المسلحين من مختلف الجنسيات غير السورية على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك مع بث هذا الشريط، ما استحضر من الذاكرة يوم زيارة خالد مشعل إلى غزة، حيث أمسك بيده علم الانتداب الفرنسي على سورية، الذي ترفعه المجموعات المسلحة، وكأنه كان يعطي كلمة السر لما تسمى "غزوة دمشق"، فكان الهجوم على أوتوستراد مطار دمشق الدولي وسلسلة العمليات الإرهابية التفجيرية التي أجهضها الجيش العربي السوري، موقعاً أكثر من أربعة آلاف قتيل في صفوف المسلحين.. فهل استُبدلت "غزوة دمشق" بمعركة "مخيم اليرموك"، وكان لافتاً فيها هذا الاهتمام الأميركي بمصير فلسطينيي المخيم الدمشقي، بينما لم يذرف دمعة أمام آلاف الفلسطينيين الذين أُبيدوا في الهجوم الصهيوني على لبنان عام 1982، ولم تذرف دمعة على الآلاف الذين ذُبحوا في نفس ذاك العام في مخيميْ صبرا وشاتيلا، وقتل الآلاف من الفلسطينيين على يد الصهاينة في غزة في معركة 2008 – 2009، من دون أن ننسى بالطبع ما يجري الآن لفلسطينيي 1948 في الأراضي المحتلة وفي الضفة الغربية.

ثمة تكامل في الحملة على سورية بين الولايات المتحدة وأتباعها في العالم الغربي والعالم العربي، وبعض "الإسلاميين الجدد"، ومنهم تركيا على وجه الخصوص، حملة تبدأ بالإعلام، ولا تنتهي بحشد عشرات آلاف المسلحين الغرباء، من أجل ضعضعة الدولة الوطنية السورية، وإضعاف ثقة الشعب السوري بدولته وجيشه وقدرته على الحسم والنصر، خصوصاً أن واشنطن المنهكة من العراق وأفغانستان وأزماتها المالية والاقتصادية تفتّش عن أي نصر يعيد لها بعض الاعتبار، في ظل انهيار استراتيجيتها التي خطط لها "المحافظون الجدد"، ما أوجد فراغاً يحاول اللاعبون الصغار في العالم والمنطقة أن يعبؤوه لحساب سيدهم الكبير، على حد تعبير خبير عربي استراتيجي، في ظل تآكل قدرة الردع "الإسرائيلية"، وصيرورتها إلى "أهون من بيت العنكبوت"، على حد تعبير السيد حسن نصرالله.

برأي الخبير الاستراتيجي أن الفراغ الاستراتيجي الأميركي ناتج من جراء عدم قدرة الولايات المتحدة على شن حروب جديدة، سواء تحت عنوان حرب استباقية، أو منافسة تقدم وتطور دول أصبحت ذات مقدرات كبرى عسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً، كحال روسيا والصين والهند وإيران.. في وقت يعجز أتباع واشنطن عن النهوض بمهام التنمية الحقيقية، كما هو حال دول الخليج العربي، أو بمهام مواجهة أزماتهم المالية والاقتصادية كما هو حال دول منطقة اليورو.

هذا الفراغ، كما يرى الخبير الاستراتيجي، يحاول بعض أتباع واشنطن أن يملؤوه بالدفاع عن أنفسهم من خلال حروب استباقية، يصفها بحروب ضروس ضد قوى المقاومة، وفي مقدمها سورية ثم المقاومة في لبنان.

ففي سورية، تم استحضار الخبرة والتجربة الإنكليزية في المنطقة باتباع سياسة "فرّق تسد"، وكل مشاريع الفتن المذهبية الذي أعدتها دوائر الاستخبارات ووزارة المستعمرات البريطانية منذ أواخر القرن التاسع عشر، مع فارق هذه المرة أنه تكرَّس لها مليارات الدولارات من المحميات البريطانية السابقة في الخليج، مع توظيف إعلام فضائي ووسائل اتصال حديثة ومتطورة يسيطر على أكثر من 80 في المئة منها رأسمال خليجي.

 

أمام هذا الواقع، صار هامش المناورة أوسع أمام اللاعبين الصغار الخليجيين والعرب الذين يبددون ثروات شعوبهم، سواء لإنقاذ السيد الأميركي من أزماته المالية والاقتصادية من خلال توسيع صفقات التسلح، أو من خلال زيادة الودائع في مصارفه، أو بالقيام بدور بديل عن ضائع بشنّ الحروب وتمويلها، حيث صار هؤلاء الصغار مضطرين في معركة الحياة أو الموت استحضار كل المسلحين والمجرمين من رياح الأرض الأربعة لرميها في معاركهم، وهذا بحد ذاته ما بدأ يقلق حتى سيدهم الأميركي، بحيث يؤكد هذا الخبير أن اجتماعاً عُقد في واشنطن بين رئيس الـ"C.I.A" السابق دايفيد بترايوس، ومسؤول أمني مرموق اغتيل قبل فترة قصيرة، فخاطب الأول الثاني: "لقد أكدت عليك ألا تسلح المتطرفين، لكنك مع السعودي والقطري قمتم بذلك، ألا تعلم أن هؤلاء سينقلبون علينا وعليكم"؟

ويبدو أن المسؤول الأمني المرموق لم يفهم الدرس جيداً، حيث تم - حسب هذا الخبير - استجلاب آلاف إضافية من المسلحين غير السوريين عبر تركيا، كما كان الدعم غير المحدود لبعض المجموعات المتطرفة في لبنان، بناء على طلب المسؤولين السعوديين والقطريين، فكان التصعيد ضد سورية ولبنان ومصر، بما تخزّن من قيم حضارة وتمدن عريقيْن، وسجلّ مقاوم عبر التاريخ، وهو أمر لا ينطبق بتاتاً على حُكام المشيخات الخليجية، الذين يخربون على التسوية الأميركية – الروسية، بحكم هامش المناورة الذي صاروا عليه من جهة، وبحكم التدفق المالي الواسع الذي يفعل فعله في أوروبا، وتحديداً فرنسا، التي صار رموز دولتها تحت سيطرة المال الخليجي، بحكم عمق الأزمة المالية والاقتصادية.

هذه اللوحة التي يرسمها الخبير العربي تشير إلى حجم المؤامرة على سورية ورئيسها، بحيث لم يشهد التاريخ الحديث والمتوسط حشداً من حكومات العالم والمنطقة ومن كل المرتزقة في أرجاء المعمورة لتدبير المذابح الجماعية، وفرض العقوبات والحصار الاقتصادي، وبمعنى أدق، كأن هناك نوعاً من حرب إبادة ضد شعب بأكمله، تُسخَّر له طاقات كبرى مالياً ولوجستياً.. وهو ما بدأ يستوعبه جيداً وأكثر من أي وقت مضى الشعب العربي السوري، الذي أخذ يتماسك مع جيشه، لأن القضية هي أن تبقى سورية وتنتصر.. ما يعني أن المواجهة قد تكون طويلة بين سورية وكل قوى وعصابات التخلف والإجرام، وصمود سورية سيؤسس بالتأكيد لتوازانات دولية وإقليمية جديدة بدأت بالتبلور منذ نحو سنتين.

  • فريق ماسة
  • 2012-12-19
  • 10315
  • من الأرشيف

حروب استباقية وتوسيع هامش المناورات بسورية لملء الفراغ الاستراتيجي الأميركي .. في المنطقة

معبّر ذاك اللقاء الذي جمع في إحدى مناطق ريف إدلب أحد متزعمي الجماعات المسلحة في سورية مع الصحافي الصهيوني الذي تسلل عبر تركيا إلى تلك المنطقة. كان واضحاً ذاك الإرهابي المسلح حينما خاطب الصحافي العبري بأنه يفضّل الإرهابي الكبير الذاهب في غيبوبة منذ أكثر من سبعة أعوام على الرئيس بشار الأسد، من دون أن ينسى الإعلان عن حبه وهيامه بالدولة العبرية. القناة "الإسرائيلية الثانية" التي نقلت هذا اللقاء والتحقيق، استعرضت مقابلات ولقاءات أجرتها القنوات "الإسرائيلية" مع البيانوني وبسمة القضماني، وغيرهما من المعارضين السوريين. ولم تنسَ مقدمة البرنامج في القناة الصهيونية أن تقول: "إن الحلم كان مستحيلاً". توقّع البعض أن يثير هذا التحقيق الصهيوني وما تضمنه من مقابلات ومواقف بعض الحميّة لدى بعض المعارضات، لكن لا حياة لمن تنادي، لا بل إن الأمر الأفظع؛ كان الهجوم الهمجي الواسع الذي شنه آلاف المسلحين من مختلف الجنسيات غير السورية على مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك مع بث هذا الشريط، ما استحضر من الذاكرة يوم زيارة خالد مشعل إلى غزة، حيث أمسك بيده علم الانتداب الفرنسي على سورية، الذي ترفعه المجموعات المسلحة، وكأنه كان يعطي كلمة السر لما تسمى "غزوة دمشق"، فكان الهجوم على أوتوستراد مطار دمشق الدولي وسلسلة العمليات الإرهابية التفجيرية التي أجهضها الجيش العربي السوري، موقعاً أكثر من أربعة آلاف قتيل في صفوف المسلحين.. فهل استُبدلت "غزوة دمشق" بمعركة "مخيم اليرموك"، وكان لافتاً فيها هذا الاهتمام الأميركي بمصير فلسطينيي المخيم الدمشقي، بينما لم يذرف دمعة أمام آلاف الفلسطينيين الذين أُبيدوا في الهجوم الصهيوني على لبنان عام 1982، ولم تذرف دمعة على الآلاف الذين ذُبحوا في نفس ذاك العام في مخيميْ صبرا وشاتيلا، وقتل الآلاف من الفلسطينيين على يد الصهاينة في غزة في معركة 2008 – 2009، من دون أن ننسى بالطبع ما يجري الآن لفلسطينيي 1948 في الأراضي المحتلة وفي الضفة الغربية. ثمة تكامل في الحملة على سورية بين الولايات المتحدة وأتباعها في العالم الغربي والعالم العربي، وبعض "الإسلاميين الجدد"، ومنهم تركيا على وجه الخصوص، حملة تبدأ بالإعلام، ولا تنتهي بحشد عشرات آلاف المسلحين الغرباء، من أجل ضعضعة الدولة الوطنية السورية، وإضعاف ثقة الشعب السوري بدولته وجيشه وقدرته على الحسم والنصر، خصوصاً أن واشنطن المنهكة من العراق وأفغانستان وأزماتها المالية والاقتصادية تفتّش عن أي نصر يعيد لها بعض الاعتبار، في ظل انهيار استراتيجيتها التي خطط لها "المحافظون الجدد"، ما أوجد فراغاً يحاول اللاعبون الصغار في العالم والمنطقة أن يعبؤوه لحساب سيدهم الكبير، على حد تعبير خبير عربي استراتيجي، في ظل تآكل قدرة الردع "الإسرائيلية"، وصيرورتها إلى "أهون من بيت العنكبوت"، على حد تعبير السيد حسن نصرالله. برأي الخبير الاستراتيجي أن الفراغ الاستراتيجي الأميركي ناتج من جراء عدم قدرة الولايات المتحدة على شن حروب جديدة، سواء تحت عنوان حرب استباقية، أو منافسة تقدم وتطور دول أصبحت ذات مقدرات كبرى عسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً، كحال روسيا والصين والهند وإيران.. في وقت يعجز أتباع واشنطن عن النهوض بمهام التنمية الحقيقية، كما هو حال دول الخليج العربي، أو بمهام مواجهة أزماتهم المالية والاقتصادية كما هو حال دول منطقة اليورو. هذا الفراغ، كما يرى الخبير الاستراتيجي، يحاول بعض أتباع واشنطن أن يملؤوه بالدفاع عن أنفسهم من خلال حروب استباقية، يصفها بحروب ضروس ضد قوى المقاومة، وفي مقدمها سورية ثم المقاومة في لبنان. ففي سورية، تم استحضار الخبرة والتجربة الإنكليزية في المنطقة باتباع سياسة "فرّق تسد"، وكل مشاريع الفتن المذهبية الذي أعدتها دوائر الاستخبارات ووزارة المستعمرات البريطانية منذ أواخر القرن التاسع عشر، مع فارق هذه المرة أنه تكرَّس لها مليارات الدولارات من المحميات البريطانية السابقة في الخليج، مع توظيف إعلام فضائي ووسائل اتصال حديثة ومتطورة يسيطر على أكثر من 80 في المئة منها رأسمال خليجي.   أمام هذا الواقع، صار هامش المناورة أوسع أمام اللاعبين الصغار الخليجيين والعرب الذين يبددون ثروات شعوبهم، سواء لإنقاذ السيد الأميركي من أزماته المالية والاقتصادية من خلال توسيع صفقات التسلح، أو من خلال زيادة الودائع في مصارفه، أو بالقيام بدور بديل عن ضائع بشنّ الحروب وتمويلها، حيث صار هؤلاء الصغار مضطرين في معركة الحياة أو الموت استحضار كل المسلحين والمجرمين من رياح الأرض الأربعة لرميها في معاركهم، وهذا بحد ذاته ما بدأ يقلق حتى سيدهم الأميركي، بحيث يؤكد هذا الخبير أن اجتماعاً عُقد في واشنطن بين رئيس الـ"C.I.A" السابق دايفيد بترايوس، ومسؤول أمني مرموق اغتيل قبل فترة قصيرة، فخاطب الأول الثاني: "لقد أكدت عليك ألا تسلح المتطرفين، لكنك مع السعودي والقطري قمتم بذلك، ألا تعلم أن هؤلاء سينقلبون علينا وعليكم"؟ ويبدو أن المسؤول الأمني المرموق لم يفهم الدرس جيداً، حيث تم - حسب هذا الخبير - استجلاب آلاف إضافية من المسلحين غير السوريين عبر تركيا، كما كان الدعم غير المحدود لبعض المجموعات المتطرفة في لبنان، بناء على طلب المسؤولين السعوديين والقطريين، فكان التصعيد ضد سورية ولبنان ومصر، بما تخزّن من قيم حضارة وتمدن عريقيْن، وسجلّ مقاوم عبر التاريخ، وهو أمر لا ينطبق بتاتاً على حُكام المشيخات الخليجية، الذين يخربون على التسوية الأميركية – الروسية، بحكم هامش المناورة الذي صاروا عليه من جهة، وبحكم التدفق المالي الواسع الذي يفعل فعله في أوروبا، وتحديداً فرنسا، التي صار رموز دولتها تحت سيطرة المال الخليجي، بحكم عمق الأزمة المالية والاقتصادية. هذه اللوحة التي يرسمها الخبير العربي تشير إلى حجم المؤامرة على سورية ورئيسها، بحيث لم يشهد التاريخ الحديث والمتوسط حشداً من حكومات العالم والمنطقة ومن كل المرتزقة في أرجاء المعمورة لتدبير المذابح الجماعية، وفرض العقوبات والحصار الاقتصادي، وبمعنى أدق، كأن هناك نوعاً من حرب إبادة ضد شعب بأكمله، تُسخَّر له طاقات كبرى مالياً ولوجستياً.. وهو ما بدأ يستوعبه جيداً وأكثر من أي وقت مضى الشعب العربي السوري، الذي أخذ يتماسك مع جيشه، لأن القضية هي أن تبقى سورية وتنتصر.. ما يعني أن المواجهة قد تكون طويلة بين سورية وكل قوى وعصابات التخلف والإجرام، وصمود سورية سيؤسس بالتأكيد لتوازانات دولية وإقليمية جديدة بدأت بالتبلور منذ نحو سنتين.

المصدر : أحمد زين الدين /الثبات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة