انتهت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اسطنبول، التي حرص بعض الإعلام التركي على وصفها بالتاريخية.

العنوان الأساسي للزيارة كان بلا شك «تجديد أو ترميم الثقة» التي اهتزت في السنة الأخيرة بسبب الأزمة السورية تحديداً، والتي زادتها بعض الخطوات التركية التي اعتبرها الروس استفزازية، مثل تفتيش الطائرة السورية الآتية من موسكو ومصادرة حمولتها، أو تهديدية مثل نشر الدرع الصاروخية في ملاطية، ومن ثم طلب نشر صواريخ «باتريوت» على الحدود التركية مع سوريا.

نتائج الزيارة لم تختلف عن التوقعات التي سبقتها. تحييد العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين البلدين عن موضوعات الخلاف السياسي. لذا كانت الزيارة في جوهرها اقتصادية، حيث رافق بوتين وفد ضخم من رجال الأعمال، وشهدت توقيع اتفاقيات جديدة والتأكيد على تلك القائمة.

ولعل أهم مجال للتعاون هو مجال الطاقة وخطوط الأنابيب المتعددة القادمة من روسيا عبر تركيا، من دون أن ننسى أن أنقرة تستورد بحدود 40 في المئة من احتياجاتها من الطاقة من روسيا، وأقل منها بقليل من إيران. كما أن الاستثمارات المتبادلة كبيرة في البلدين.

ويبدو أن البلدين يريدان تعميم صيغة العلاقات بين تركيا وإيران، لجهة الحفاظ على التعاون الثنائي وعدم السماح للخلافات السياسية وفي المناطق الثالثة بالتأثير عليه.

وحفلت الزيارة بالمواقف التي تحتاج إلى التفسير، وبات كل طرف يفسرها على مزاجه. في الجانب التركي توقف المحللون الأتراك عند كلام بوتين بأنه ليس محامي الرئيس السوري بشار الأسد، وأن الموقف تجاه سوريا متطابق مع تركيا، لكن التباين هو في طريقة التعاطي مع الأزمة.

صحيفة «ميللييت» اعتبرت أن ذلك مؤشر على بداية تحول في الموقف الروسي، بل إن الطرفين دخلا في البحث في بعض الأسماء المرشحة لقيادة مرحلة انتقالية، مذكّرة باقتراح أنقرة السابق بقيادة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لهذه المهمة. وأن بوتين قد قال لرئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان «ومن يقنع الأسد بالتخلي عن السلطة والبقاء خارج المرحلة الانتقالية؟»، وهو ما فسّرته الصحيفة بكلام بوتين حول وجود «أفكار جديدة» وإحالة متابعة الملف إلى وزيري خارجية البلدين.

ورأى مسؤول تركي رفيع المستوى للصحيفة أن الروس «باتوا مقتنعين بضرورة التغيير في سوريا، وهم ليسوا مصرين على بقاء الأسد، والمسألة بالنسبة لهم كيف يمكن تحقيق ذلك»، غير أن الصحيفة نفسها تعود لتذكر انه «من المبكر القول إن روسيا قد ضغطت على زر رحيل الأسد، لكن الطرفين التركي والروسي اتفقا على استمرار التنسيق في الموضوع السوري. وأن الكأس لا يزال نصفها فارغا ونصفها ممتلئا، وكل ينظر إلى النصف الذي يناسبه».

وكان واضحاً أن بوتين عندما تحدث عن انه ليس محامي الأسد فلم يقصد التخلي عنه، اذ ان الرئيس الروسي مارس هذا الدور في المؤتمر الصحافي عندما قال إن سوريا لا تنتهك السيادة التركية ولا تشكل تهديداً لأنقرة، لكي تنشر الأخيرة صواريخ «باتريوت». كذلك لفت قول بوتين إن صواريخ «الباتريوت» أصبحت عتيقة وعفى عليها الزمن. وفسّر ذلك على انه إما دعوة روسية إلى تركيا لشراء منظومات صواريخ روسية متطورة، وإما انه تهديد لأنقرة بأن «الباتريوت» غير قادرة على حماية تركيا من الصواريخ السورية، الروسية الصنع.

لم تختلف نتائج الزيارة عن تغيير يذكر في مواقف البلدين من المشهد الشرق اوسطي، ولا سيما المتعلق بالأزمة السورية، خلاف ما حاول الأتراك أن يعطوها انطباعاً يخدم هدف الضغوط النفسية على النظام في سوريا. لقد كانت زيارة اقتصادية بامتياز حيّدت موضوعات الخلاف السياسي ولم تغيّر شيئاً فيها.

  • فريق ماسة
  • 2012-12-04
  • 10302
  • من الأرشيف

العلاقات التركية ـ الروسية: ترميم الثقة والمصالح الاقتصادية

انتهت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى اسطنبول، التي حرص بعض الإعلام التركي على وصفها بالتاريخية. العنوان الأساسي للزيارة كان بلا شك «تجديد أو ترميم الثقة» التي اهتزت في السنة الأخيرة بسبب الأزمة السورية تحديداً، والتي زادتها بعض الخطوات التركية التي اعتبرها الروس استفزازية، مثل تفتيش الطائرة السورية الآتية من موسكو ومصادرة حمولتها، أو تهديدية مثل نشر الدرع الصاروخية في ملاطية، ومن ثم طلب نشر صواريخ «باتريوت» على الحدود التركية مع سوريا. نتائج الزيارة لم تختلف عن التوقعات التي سبقتها. تحييد العلاقات الاقتصادية الكبيرة بين البلدين عن موضوعات الخلاف السياسي. لذا كانت الزيارة في جوهرها اقتصادية، حيث رافق بوتين وفد ضخم من رجال الأعمال، وشهدت توقيع اتفاقيات جديدة والتأكيد على تلك القائمة. ولعل أهم مجال للتعاون هو مجال الطاقة وخطوط الأنابيب المتعددة القادمة من روسيا عبر تركيا، من دون أن ننسى أن أنقرة تستورد بحدود 40 في المئة من احتياجاتها من الطاقة من روسيا، وأقل منها بقليل من إيران. كما أن الاستثمارات المتبادلة كبيرة في البلدين. ويبدو أن البلدين يريدان تعميم صيغة العلاقات بين تركيا وإيران، لجهة الحفاظ على التعاون الثنائي وعدم السماح للخلافات السياسية وفي المناطق الثالثة بالتأثير عليه. وحفلت الزيارة بالمواقف التي تحتاج إلى التفسير، وبات كل طرف يفسرها على مزاجه. في الجانب التركي توقف المحللون الأتراك عند كلام بوتين بأنه ليس محامي الرئيس السوري بشار الأسد، وأن الموقف تجاه سوريا متطابق مع تركيا، لكن التباين هو في طريقة التعاطي مع الأزمة. صحيفة «ميللييت» اعتبرت أن ذلك مؤشر على بداية تحول في الموقف الروسي، بل إن الطرفين دخلا في البحث في بعض الأسماء المرشحة لقيادة مرحلة انتقالية، مذكّرة باقتراح أنقرة السابق بقيادة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لهذه المهمة. وأن بوتين قد قال لرئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان «ومن يقنع الأسد بالتخلي عن السلطة والبقاء خارج المرحلة الانتقالية؟»، وهو ما فسّرته الصحيفة بكلام بوتين حول وجود «أفكار جديدة» وإحالة متابعة الملف إلى وزيري خارجية البلدين. ورأى مسؤول تركي رفيع المستوى للصحيفة أن الروس «باتوا مقتنعين بضرورة التغيير في سوريا، وهم ليسوا مصرين على بقاء الأسد، والمسألة بالنسبة لهم كيف يمكن تحقيق ذلك»، غير أن الصحيفة نفسها تعود لتذكر انه «من المبكر القول إن روسيا قد ضغطت على زر رحيل الأسد، لكن الطرفين التركي والروسي اتفقا على استمرار التنسيق في الموضوع السوري. وأن الكأس لا يزال نصفها فارغا ونصفها ممتلئا، وكل ينظر إلى النصف الذي يناسبه». وكان واضحاً أن بوتين عندما تحدث عن انه ليس محامي الأسد فلم يقصد التخلي عنه، اذ ان الرئيس الروسي مارس هذا الدور في المؤتمر الصحافي عندما قال إن سوريا لا تنتهك السيادة التركية ولا تشكل تهديداً لأنقرة، لكي تنشر الأخيرة صواريخ «باتريوت». كذلك لفت قول بوتين إن صواريخ «الباتريوت» أصبحت عتيقة وعفى عليها الزمن. وفسّر ذلك على انه إما دعوة روسية إلى تركيا لشراء منظومات صواريخ روسية متطورة، وإما انه تهديد لأنقرة بأن «الباتريوت» غير قادرة على حماية تركيا من الصواريخ السورية، الروسية الصنع. لم تختلف نتائج الزيارة عن تغيير يذكر في مواقف البلدين من المشهد الشرق اوسطي، ولا سيما المتعلق بالأزمة السورية، خلاف ما حاول الأتراك أن يعطوها انطباعاً يخدم هدف الضغوط النفسية على النظام في سوريا. لقد كانت زيارة اقتصادية بامتياز حيّدت موضوعات الخلاف السياسي ولم تغيّر شيئاً فيها.

المصدر : محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة