كان يمكن مراقب الحركة الأميركية حيال الوضع في سوريا، عشية إعادة انتخابات أوباما وغداتها، أن يتوقع انفجاراً كالذي حصل قبل يومين في صيدا. بعض المدونات المعبّرة عن طريقة عمل القرار الأميركي، كتب بوضوح قبل مدة، أن واشنطن باتت أمام ضرورة تغيير سياستها حيال الأزمة السورية. وفي أبحاث موسعة، شرح هؤلاء كيف أن التعاطي الأميركي مع تلك الأزمة، منذ خروج السفير روبرت فورد من سوريا، تركز على واسطتين اثنتين: المجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر. وكشفت تلك الأبحاث الأسباب الفعلية التي جعلت هيلاري كلينتون تنعى "المجلس"، بعد أشهر طويلة من الحصار الفعلي على "الجيش". فالمجلس أولاً لم يتمكن من أن يتحول أكثر من عصبة "إخوانية". رغم كل النصائح الأميركية بتوسيعه وضم ثلاث فئات مستبعدة: الأقليات، العشائر والأكراد. غير أن الاحتكار القطري - التركي لتلك التركيبة أسقط أي محاولة لتفعيلها.

ثانياً "الجيش الحر"، يروي الأميركيون بتفصيل مملّ تركيبته وعناصره، ليخلصوا إلى أنه في ذروة قوته لم يجمع أكثر من 40 ضابطاً منشقاً عن جيش النظام، من رتبٍ يضم الأخير حوالى 1200 منها، علماً بأنه ليس بين الأربعين أي قائد وحدة متكاملة تمكن من الانشقاق مع حدّ أدنى من وحدته. حتى إن التقارير الأميركية تفصّل كيف أن كل التسميات الإسلامية لهذا "الجيش" هي نتيجة طريقة تكوينه: يهرب ضابط إسلامي من جيش الرئيس الأسد. يذهب إلى قريته أو إلى الشمال. يتجمع حوله إسلاميون أو عناصر مسلحون عشوائيون. يعلن تسمية غريبة عجيبة، فيتبنّاه "الجيش الحر" كوحدة قتالية تنظيمية جديدة من وحداته، فيما الأمر على الأرض يكون مجرد مزحة فوضوية جديدة.

هذا الوضع هو ما دفع الأميركيين إلى التراجع. بعدها تراجع الفرنسيون. شعر الأتراك بالأمر، فحاولوا توريط "الأطلسي" في لعبة صواريخ باتريوت حيناً، أو في قصة المناوشات على الحدود السورية التركية حيناً آخر، من دون نتيجة أيضاً، ما جعل أردوغان يعلن قبل أيام من ألمانيا أن لا حق لبلاده في فرض أي منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، وأن أمراً كهذا هو حصراً من صلاحية مجلس الأمن، هناك حيث موسكو وبكين تسهران على مخاض أميركي لولادة نظام عالمي جديد غير أميركي.

عند هذا الحد تكشف كل الكتابات الأميركية أن واشنطن قررت تغييراً في تكتيكها حيال الوضع السوري. بدأت بإعلانها ضرورة تشكيل معارضة جديدة. رفض القطريون بشدة. الأتراك سكتوا، فيما السعوديون رأوا أنهم غير معنيين، مكملين رهانهم الموازي على دعم الجهاديين السلفيين. وتروي التقارير الأميركية كيف سعت قطر جدياً إلى عرقلة مسعى واشنطن، وكيف تحول مركز "بروكينغز دوحة" جسماً معارضاً لجهودها، قبل أن يُحسم الأمر. لكن الخطر لم ينته، بل ربما بدأ الآن. إذ ماذا تريد واشنطن من الإطار المعارض الجديد، وماذا يريد الآخرون منه؟ المضيفون قالوا بوضوح: المطلوب إسقاط النظام بكل أشخاصه وأفكاره ولا حوار معه إطلاقاً. أما في واشنطن فخرج كلام آخر واضح. كتب بعض الخبراء: سنة 2005 طرحنا معادلة "تغيير نظام الرئيس الأسد". وبعد أخطاء وأثمان تراجعنا إلى طرح "تغيير سلوك نظام الأسد". سنة 2011 طرحنا مجدداً مقولة "تغيير النظام في سوريا"، قبل أن نكرر الأخطاء والأثمان أكثر، فلنعتمد مقولة "تغيير قيادة النظام في سوريا". وهكذا ظهرت فكرة تكوين معارضة سورية جدية وقوية، قادرة على "الحوار" مع النظام، وصولاً إلى فرض "حل سياسي". وقد يكون ما كتبه دايفيد إغناتيوس، الذي يصفه البعض بالناطق شبه الرسمي لطريقة أوباما في الحكم، في اليوم التالي لإعادة انتخابه، معبّراً جداً عن هذا الاتجاه: المطلوب من أوباما في سوريا "اتفاق على انتقال سياسي"، وبناء معارضة قادرة على "المقايضة"… وضمن هذه الرؤية طارت سوزان رايس، كما قيل، من بورصة خلفاء كلينتون، وذلك بسبب تشددها المعروف في الملف السوري، حيث تحمل لقب "التدخلية"، كما بسبب "تغطيتها" على التورط الإرهابي الأصولي في أحداث 11 أيلول 2012 في بنغازي، وحل محلها في طليعة المرشحين جون كيري، "الخبير في التفاوض مع الخصوم".

لكن أجواء واشنطن تؤكد أن سياسة كهذه تفرض هدوءاً على كل المحاور. ومنها لبنان. هدوء يقتضي استقراراً حكومياً، وإذا اضطر الأمر حتى تأجيل الانتخابات النيابية. وهو ما تردد أن دبلوماسياً بريطانياً ردّده، ما جعله عرضة لهجوم عنيف من بعض المعارضة. كذلك يقتضي الهدوء لبنانياً الاهتمام بضبط مسألتين اثنتين لا غير: الأمن والليرة. وهو ما سمعه المسؤولون عن هذين الملفين بوضوح، حتى من مقار رئاسية غربية. الباقي كله ينتظر. لكن ماذا إذا كان أحد أصدقاء واشنطن في المنطقة يرفض أن يكون "أسير" تلك الصداقة ومقتضياتها؟ عندها يصير التفخيخ من أهل البيت. عندها قد يكون جون كيري مسؤولاً عن انفجار أسير صيدا.

  • فريق ماسة
  • 2012-11-12
  • 8117
  • من الأرشيف

جون كيري مسؤول عن أحداث صيدا

كان يمكن مراقب الحركة الأميركية حيال الوضع في سوريا، عشية إعادة انتخابات أوباما وغداتها، أن يتوقع انفجاراً كالذي حصل قبل يومين في صيدا. بعض المدونات المعبّرة عن طريقة عمل القرار الأميركي، كتب بوضوح قبل مدة، أن واشنطن باتت أمام ضرورة تغيير سياستها حيال الأزمة السورية. وفي أبحاث موسعة، شرح هؤلاء كيف أن التعاطي الأميركي مع تلك الأزمة، منذ خروج السفير روبرت فورد من سوريا، تركز على واسطتين اثنتين: المجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر. وكشفت تلك الأبحاث الأسباب الفعلية التي جعلت هيلاري كلينتون تنعى "المجلس"، بعد أشهر طويلة من الحصار الفعلي على "الجيش". فالمجلس أولاً لم يتمكن من أن يتحول أكثر من عصبة "إخوانية". رغم كل النصائح الأميركية بتوسيعه وضم ثلاث فئات مستبعدة: الأقليات، العشائر والأكراد. غير أن الاحتكار القطري - التركي لتلك التركيبة أسقط أي محاولة لتفعيلها. ثانياً "الجيش الحر"، يروي الأميركيون بتفصيل مملّ تركيبته وعناصره، ليخلصوا إلى أنه في ذروة قوته لم يجمع أكثر من 40 ضابطاً منشقاً عن جيش النظام، من رتبٍ يضم الأخير حوالى 1200 منها، علماً بأنه ليس بين الأربعين أي قائد وحدة متكاملة تمكن من الانشقاق مع حدّ أدنى من وحدته. حتى إن التقارير الأميركية تفصّل كيف أن كل التسميات الإسلامية لهذا "الجيش" هي نتيجة طريقة تكوينه: يهرب ضابط إسلامي من جيش الرئيس الأسد. يذهب إلى قريته أو إلى الشمال. يتجمع حوله إسلاميون أو عناصر مسلحون عشوائيون. يعلن تسمية غريبة عجيبة، فيتبنّاه "الجيش الحر" كوحدة قتالية تنظيمية جديدة من وحداته، فيما الأمر على الأرض يكون مجرد مزحة فوضوية جديدة. هذا الوضع هو ما دفع الأميركيين إلى التراجع. بعدها تراجع الفرنسيون. شعر الأتراك بالأمر، فحاولوا توريط "الأطلسي" في لعبة صواريخ باتريوت حيناً، أو في قصة المناوشات على الحدود السورية التركية حيناً آخر، من دون نتيجة أيضاً، ما جعل أردوغان يعلن قبل أيام من ألمانيا أن لا حق لبلاده في فرض أي منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، وأن أمراً كهذا هو حصراً من صلاحية مجلس الأمن، هناك حيث موسكو وبكين تسهران على مخاض أميركي لولادة نظام عالمي جديد غير أميركي. عند هذا الحد تكشف كل الكتابات الأميركية أن واشنطن قررت تغييراً في تكتيكها حيال الوضع السوري. بدأت بإعلانها ضرورة تشكيل معارضة جديدة. رفض القطريون بشدة. الأتراك سكتوا، فيما السعوديون رأوا أنهم غير معنيين، مكملين رهانهم الموازي على دعم الجهاديين السلفيين. وتروي التقارير الأميركية كيف سعت قطر جدياً إلى عرقلة مسعى واشنطن، وكيف تحول مركز "بروكينغز دوحة" جسماً معارضاً لجهودها، قبل أن يُحسم الأمر. لكن الخطر لم ينته، بل ربما بدأ الآن. إذ ماذا تريد واشنطن من الإطار المعارض الجديد، وماذا يريد الآخرون منه؟ المضيفون قالوا بوضوح: المطلوب إسقاط النظام بكل أشخاصه وأفكاره ولا حوار معه إطلاقاً. أما في واشنطن فخرج كلام آخر واضح. كتب بعض الخبراء: سنة 2005 طرحنا معادلة "تغيير نظام الرئيس الأسد". وبعد أخطاء وأثمان تراجعنا إلى طرح "تغيير سلوك نظام الأسد". سنة 2011 طرحنا مجدداً مقولة "تغيير النظام في سوريا"، قبل أن نكرر الأخطاء والأثمان أكثر، فلنعتمد مقولة "تغيير قيادة النظام في سوريا". وهكذا ظهرت فكرة تكوين معارضة سورية جدية وقوية، قادرة على "الحوار" مع النظام، وصولاً إلى فرض "حل سياسي". وقد يكون ما كتبه دايفيد إغناتيوس، الذي يصفه البعض بالناطق شبه الرسمي لطريقة أوباما في الحكم، في اليوم التالي لإعادة انتخابه، معبّراً جداً عن هذا الاتجاه: المطلوب من أوباما في سوريا "اتفاق على انتقال سياسي"، وبناء معارضة قادرة على "المقايضة"… وضمن هذه الرؤية طارت سوزان رايس، كما قيل، من بورصة خلفاء كلينتون، وذلك بسبب تشددها المعروف في الملف السوري، حيث تحمل لقب "التدخلية"، كما بسبب "تغطيتها" على التورط الإرهابي الأصولي في أحداث 11 أيلول 2012 في بنغازي، وحل محلها في طليعة المرشحين جون كيري، "الخبير في التفاوض مع الخصوم". لكن أجواء واشنطن تؤكد أن سياسة كهذه تفرض هدوءاً على كل المحاور. ومنها لبنان. هدوء يقتضي استقراراً حكومياً، وإذا اضطر الأمر حتى تأجيل الانتخابات النيابية. وهو ما تردد أن دبلوماسياً بريطانياً ردّده، ما جعله عرضة لهجوم عنيف من بعض المعارضة. كذلك يقتضي الهدوء لبنانياً الاهتمام بضبط مسألتين اثنتين لا غير: الأمن والليرة. وهو ما سمعه المسؤولون عن هذين الملفين بوضوح، حتى من مقار رئاسية غربية. الباقي كله ينتظر. لكن ماذا إذا كان أحد أصدقاء واشنطن في المنطقة يرفض أن يكون "أسير" تلك الصداقة ومقتضياتها؟ عندها يصير التفخيخ من أهل البيت. عندها قد يكون جون كيري مسؤولاً عن انفجار أسير صيدا.

المصدر : جان عزيز\ الاخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة