مر عيد الجمهورية التاسع والثمانون في تركيا بميزة وفضيحة. الميزة هي أنه للمرة الأولى يشترك في الاستقبال الرسمي في القصر الجمهوري الجنرالات مع زوجاتهم، فضلا عن السياسيين وزوجاتهم بمن فيهن المحجبات.

 وهو ما استدعى تعليقا من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان لأن يخجل من كان يمنع السياسيين من المشاركة مع زوجاتهم إذا كنّ محجبات.

كما حضر للمرة الأولى في مكان واحد نواب «حزب السلام والديموقراطية» الكردي والجنرالات العسكريون، لكن من دون أن يتصافح أي منهم مع أي جنرال. وقد بادر النائب الكردي أحمد تورك إلى تفسير عدم التلاقي هذا بالقول، على سبيل المزاح، إن «الجنرالات لم يدخلوا حدودنا الإقليمية».

أما الفضيحة، فهي أنه على امتداد سنوات الجمهورية كانت تقام في هذه المناسبة مسيرات، إحداها مركزية في أنقرة تتوجه إلى ضريح مصطفى أتاتورك. لكن هذه السنة أصدرت الحكومة، عبر محافظ أنقرة، قرارا بمنع المسيرة بناء لمعلومات أمنية تتوقع حصول فوضى وشغب مقصودين. لكن المتظاهرين أصروا على المسيرة كحق ديموقراطي، فكان الصدام مع عناصر الشرطة الذين حشدوا حوالي ثلاثة آلاف شرطي لمنع المسيرة التي واصلت مسيرها عنوة إلى ضريح أتاتورك.

الصورة التي انتشرت في العالم كانت مسيئة لتركيا وفضيحة للحكومة التي لم تستفق بعد من تقرير لجنة حماية الصحافيين الأميركية، التي وضعت تركيا في رأس الدولة المنتهكة لحرية التعبير، وليس الصحافة فقط. مسيرة العلمانيين والجمهوريين أحرجت الحكومة والنموذج الديموقراطي الذي يحمله «حزب العدالة والتنمية».

وانتقد أردوغان، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لـ«حزب العدالة والتنمية» في أنقرة امس، ممارسات «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، واتهمه بالعمل على تشويش بوصلة الشعب التركي عبر محاولته رسم صورة تعكس وجود مجموعات معادية للنظام الجمهوري وتسعى لإزالته. وناشد الأكراد «ألا يسمحوا للإرهابيين بالتغلغل بينهم، ولنبعد عنا وعن أطفالنا أفكارهم العفنة، وقنابلهم القاتلة».

أصلي آيدين طاشباش كتبت، في صحيفة «ميللييت»، أن «المعاملة التي واجهت بها الحكومة المتظاهرين هي من النوع الذي لا ينسى. فأن تمنع بالقانون حقوقا سياسية طبيعية، وأن يعامل البوليس بالعنف المتظاهرين، فهذا لا يحدث إلا في الأنظمة التسلطية التي لم تأخذ نصيبها من الربيع العربي».

وتضيف الكاتبة ان «مشكلة تركيا الأساسية ليست في الكتابات المنتقدة لسياسة تركيا الخارجية بل في عدم تطبيق سياسات التسامح في الداخل». وتعتبر أن صدّ المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والمس بقناعات المواطنين يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت السلطة في تركيا ذات أهلية لقيادة البلاد.

 

وتقول طاشباش انه «إذا كان ما حدث في عيد الجمهورية لا يكبّر حزب الشعب الجمهوري لكنه يصغّر حزب العدالة والتنمية. والديموقراطية ليست في عمل صندوق الانتخابات، بل في حماية حقوق الناس المختلفين في الفكر عن السلطة، وثقافة الديموقراطية ليست في الصراخ بل في زعامة متسامحة تحسن إدارة اوركسترا واسعة، وهو الأمر الذي لم نصل إليه بعد».

وذكّر المخرج والكاتب جان دوندار رئيس الحكومة بالطريقة التي عامل بها البوليس تظاهرة كان يشارك فيها أردوغان في العام 1980، وكيف أن أردوغان خلع سترته وباشر بالصلاة عليها فكان نصيبه الاعتقال. وقال دوندار إن «أول من يجب أن يعرف أن عرقلة البوليس والغاز المسيل للدموع لا تكفي لكسر الناس المؤمنين بل على العكس تعمّق الإيمان وتجعل إرادة هؤلاء الناس قادرة على تغيير السلطة، هو رئيس الحكومة نفسه» وخاطبه قائلا «أُنظر إلى الماضي وتطلّع إلى المستقبل».

ورأى سادات ارغين، في صحيفة «حرييت»، أن «ما حدث في عيد الجمهورية مقلق لسببين. الأول له علاقة بمفهوم الديموقراطية وتعارض المنع مع أبسط حقوق الناس في التعبير السلمي عن قناعاتهم. والثاني يتعلق بذكرى الجمهورية نفسها التي هي أهم يوم في التاريخ التركي. وما جرى يعطي صورة لتركيا منقسمة روحيا وفاقدة لتوافق وطني حول معنى الجمهورية». ويقول ارغين إن ما جرى في عيد الجمهورية يذكّر بمجموعة ممارسات من جانب سلطة حزب العدالة والتنمية ومنها عرقلة الاحتفالات بعيد الشباب والرياضة في 19 أيار الماضي في الشوارع والملاعب الرياضية وحصرها داخل المدارس كذلك منع وضع إكليل من الورد على تماثيل لمصطفى كمال أتاتورك.

وفي صحيفة «راديكال» كتب مراد يتكين أن «أردوغان جاء إلى السلطة بوعد إلغاء كل تشريع وإجراء يعيق الحريات. وبهذه الوعود كبر حزب العدالة والتنمية وتمكن من أن يحصد أصوات نصف الناخبين»، لكنه يضيف أن «ما جرى في عيد الجمهورية من قمع للمتظاهرين لم يكن له أي مبرر وهو يعكس أن أردوغان قد قطع الغصن الذي تسلّقه إلى السلطة».

  • فريق ماسة
  • 2012-10-30
  • 9253
  • من الأرشيف

تركيا وقمع المتظاهرين بعيد الجمهورية: أردوغـان يقطـع الغصـن الـذي تسلّقـه

مر عيد الجمهورية التاسع والثمانون في تركيا بميزة وفضيحة. الميزة هي أنه للمرة الأولى يشترك في الاستقبال الرسمي في القصر الجمهوري الجنرالات مع زوجاتهم، فضلا عن السياسيين وزوجاتهم بمن فيهن المحجبات.  وهو ما استدعى تعليقا من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان لأن يخجل من كان يمنع السياسيين من المشاركة مع زوجاتهم إذا كنّ محجبات. كما حضر للمرة الأولى في مكان واحد نواب «حزب السلام والديموقراطية» الكردي والجنرالات العسكريون، لكن من دون أن يتصافح أي منهم مع أي جنرال. وقد بادر النائب الكردي أحمد تورك إلى تفسير عدم التلاقي هذا بالقول، على سبيل المزاح، إن «الجنرالات لم يدخلوا حدودنا الإقليمية». أما الفضيحة، فهي أنه على امتداد سنوات الجمهورية كانت تقام في هذه المناسبة مسيرات، إحداها مركزية في أنقرة تتوجه إلى ضريح مصطفى أتاتورك. لكن هذه السنة أصدرت الحكومة، عبر محافظ أنقرة، قرارا بمنع المسيرة بناء لمعلومات أمنية تتوقع حصول فوضى وشغب مقصودين. لكن المتظاهرين أصروا على المسيرة كحق ديموقراطي، فكان الصدام مع عناصر الشرطة الذين حشدوا حوالي ثلاثة آلاف شرطي لمنع المسيرة التي واصلت مسيرها عنوة إلى ضريح أتاتورك. الصورة التي انتشرت في العالم كانت مسيئة لتركيا وفضيحة للحكومة التي لم تستفق بعد من تقرير لجنة حماية الصحافيين الأميركية، التي وضعت تركيا في رأس الدولة المنتهكة لحرية التعبير، وليس الصحافة فقط. مسيرة العلمانيين والجمهوريين أحرجت الحكومة والنموذج الديموقراطي الذي يحمله «حزب العدالة والتنمية». وانتقد أردوغان، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لـ«حزب العدالة والتنمية» في أنقرة امس، ممارسات «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، واتهمه بالعمل على تشويش بوصلة الشعب التركي عبر محاولته رسم صورة تعكس وجود مجموعات معادية للنظام الجمهوري وتسعى لإزالته. وناشد الأكراد «ألا يسمحوا للإرهابيين بالتغلغل بينهم، ولنبعد عنا وعن أطفالنا أفكارهم العفنة، وقنابلهم القاتلة». أصلي آيدين طاشباش كتبت، في صحيفة «ميللييت»، أن «المعاملة التي واجهت بها الحكومة المتظاهرين هي من النوع الذي لا ينسى. فأن تمنع بالقانون حقوقا سياسية طبيعية، وأن يعامل البوليس بالعنف المتظاهرين، فهذا لا يحدث إلا في الأنظمة التسلطية التي لم تأخذ نصيبها من الربيع العربي». وتضيف الكاتبة ان «مشكلة تركيا الأساسية ليست في الكتابات المنتقدة لسياسة تركيا الخارجية بل في عدم تطبيق سياسات التسامح في الداخل». وتعتبر أن صدّ المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والمس بقناعات المواطنين يدعو إلى التساؤل عما إذا كانت السلطة في تركيا ذات أهلية لقيادة البلاد.   وتقول طاشباش انه «إذا كان ما حدث في عيد الجمهورية لا يكبّر حزب الشعب الجمهوري لكنه يصغّر حزب العدالة والتنمية. والديموقراطية ليست في عمل صندوق الانتخابات، بل في حماية حقوق الناس المختلفين في الفكر عن السلطة، وثقافة الديموقراطية ليست في الصراخ بل في زعامة متسامحة تحسن إدارة اوركسترا واسعة، وهو الأمر الذي لم نصل إليه بعد». وذكّر المخرج والكاتب جان دوندار رئيس الحكومة بالطريقة التي عامل بها البوليس تظاهرة كان يشارك فيها أردوغان في العام 1980، وكيف أن أردوغان خلع سترته وباشر بالصلاة عليها فكان نصيبه الاعتقال. وقال دوندار إن «أول من يجب أن يعرف أن عرقلة البوليس والغاز المسيل للدموع لا تكفي لكسر الناس المؤمنين بل على العكس تعمّق الإيمان وتجعل إرادة هؤلاء الناس قادرة على تغيير السلطة، هو رئيس الحكومة نفسه» وخاطبه قائلا «أُنظر إلى الماضي وتطلّع إلى المستقبل». ورأى سادات ارغين، في صحيفة «حرييت»، أن «ما حدث في عيد الجمهورية مقلق لسببين. الأول له علاقة بمفهوم الديموقراطية وتعارض المنع مع أبسط حقوق الناس في التعبير السلمي عن قناعاتهم. والثاني يتعلق بذكرى الجمهورية نفسها التي هي أهم يوم في التاريخ التركي. وما جرى يعطي صورة لتركيا منقسمة روحيا وفاقدة لتوافق وطني حول معنى الجمهورية». ويقول ارغين إن ما جرى في عيد الجمهورية يذكّر بمجموعة ممارسات من جانب سلطة حزب العدالة والتنمية ومنها عرقلة الاحتفالات بعيد الشباب والرياضة في 19 أيار الماضي في الشوارع والملاعب الرياضية وحصرها داخل المدارس كذلك منع وضع إكليل من الورد على تماثيل لمصطفى كمال أتاتورك. وفي صحيفة «راديكال» كتب مراد يتكين أن «أردوغان جاء إلى السلطة بوعد إلغاء كل تشريع وإجراء يعيق الحريات. وبهذه الوعود كبر حزب العدالة والتنمية وتمكن من أن يحصد أصوات نصف الناخبين»، لكنه يضيف أن «ما جرى في عيد الجمهورية من قمع للمتظاهرين لم يكن له أي مبرر وهو يعكس أن أردوغان قد قطع الغصن الذي تسلّقه إلى السلطة».

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة