دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كثيرة هي تداعيات الأزمة بين تركيا وسورية، التي تنقلت بين التصريحات والاتهامات المتبادلة، وصولاً إلى احتكاكات مباشرة بتبادل لإطلاق النار على طرفي الحدود، واعتراض طائرة مدنية سورية في أنقرة.
أنقرة التي تمارس سياسة التصعيد الخطابي حيناً والهدوء أحياناً أخرى، يبدو أنها اختارت السير وحيدة في مواجهة سورية، حيث أن دول الأطلسي الغارقة في بحر أزماتها المالية والسياسية، حسمت خيارها بشان الأزمة بين أنقرة ودمشق، فاكتفت بالدعوة إلى ضبط النفس وبوقف إطلاق النار، بانتظار تنازل روسي أو تراجع سوري، يسمح للمشروع الغربي بالتموضع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وبالتالي في المنطقة برمتها.
صورة أردوغان تعرضت للإهتزاز بعد كثرة خطاباته وقلة أفعاله
وفي هذا السياق، أكد الباحث والكاتب في العلاقات الدولية الدكتور حسام مطر، أن أسباب هذا التصعيد التركي، مرتبطة بعدة عوامل:
محاولة من رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان "لتجديد صورته ودوره اتجاه الأزمة السورية، ولتعزيز شرعية دوره على المستوى العربي والإسلامي، وبأن أنقرة قادرة على القيام بأفعال واقعية بعيداً عن الخطابة الرنانة والعالية النبرة، بعد الصورة التي طبعت في الأذهان، بأن النظام التركي عاجز ومحكوم لتوازنات المنطقة الدقيقة".
يلخص الدكتور مطر هذا بالقول بأن "خطاب أردوغان سيبقى أسوأ واكثر عدائية من أفعاله".
ثانياً، يشير مطر الى ان الحكومة التركية تسعى من خلال التصعيد الأخير إلى التهويل عن النظام السوري وتشتيت جهد الجيش السوري بهدف تخفيف الضغط عن المجموعات المسلحة في ظل تقدم القوات المسلحة السورية في حلب وحمص وإدلب.
ثالثاً، ترغب تركيا بتوريط القوى الحليفة لها بشكل اكبر وأعمق في الصراع في ظل الإنكفاء الأميركي في لحظة الإنتخابات، وهذا قد يكون له علاقة بإختيار طائرة قادمة من روسيا والتعرض لها بهذا الشكل الإستفزازي. ويرجح مطر أثناء عرضه لهذه النقطة أن يكون الأتراك أدركوا مؤخراً أن الغرب لم يعد مقتنع بالقدرة على الإطاحة بالأسد، وبانه أصبح يميل الى إطالة أمد النزاع لا أكثر وهو ما لا يناسب الأتراك بتاتاً.
تداعيات التصعيد التركي على التوازنات الإقليمية والدولية
"هذا التصعيد لن يمتد إلى مواجه عسكرية شاملة ولا إلى حرب تركية ـ سورية، فالتوازن الإقليمي لا يمسح بذلك، والأتراك يدركون ذلك جيداً"، كما أكد مطر، "فالأتراك غير قادرين على تحمل تكاليف مواجهة مماثلة، والسوريون أيضاً غير معنيين بمعركة مع تركيا في ظل المعارك الطاحنة والقاسية في الداخل السوري، والأهم أن الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة في النزاع السوري لا مصلحة لها بإنفلات التوتر السوري - التركي خوفاً من تمدده لمواجهة إقليمية شاملة".
وفي سياق لا يقل أهمية يحاجج د. مطر بكيفية إنعكاس التأزم بين أنقرة ودمشق على العلاقات التركية - الإيرانية.
"الإيرانيون صمام الأمان لأي تفجر في العلاقات بين انقرة ودمشق"، يقول مطر، ومن هنا يمكن تفسير زيارة نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي الى انقرة ولقائه المسؤولين الاتراك، بعد سقوط قذيفة من الجانب السوري داخل الأراضي التركية الاسبوع الماضي، والأتراك يبدو انهم حريصون على إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع القادة الإيرانيين، للحفاظ على مستوى من الثقة، يمنع أي تفجر في المنطقة، فالعلاقات التركية مع جارتيها السورية والعراقية أصبحت بفعل سياسات حزب العدالة والتنمية محكومة بتوازن العلاقة مع طهران.
وعلى مستوى العلاقات بين أنقرة وموسكو، شدد الدكتور مطر على أن حادثة تفتيش الطائرة السورية القادمة من موسكو، هي تبادل رسائل سياسية حادة بين الطرفين، هذا ويريد الأتراك الإيحاء بأن الأزمة السورية تدفع المنطقة تجاه المجهول بالفعل، خصوصاً وأن "الأتراك يرون في ظل إنعدام أفق التدخل العسكري ولو المحدود، أن اتجاه المعارك ليس في صالحهم، وبالتالي يعملون على تدخل رمزي، من خلال التهويل والتوتير، في محاولة لإشعار الإيراني والروسي، بأن أنقرة جدية، وأن الأمور تتجه نحو مواجهة إقليمية بين محورين يصطف فيها العالم العربي خلف الأتراك، كمحاولة للضغط على بعض الأطراف لتقديم تنازلات كالموافقة على تولي الشرع قيادة مرحلة إنتقالية".
تركيا ... تصعيد في الأرض وعينها إلى السماء على إطلاق عجلة التسوية
على الرغم من أن تسوية الأزمة في سورية بعيدة المنال في الوقت الحالي، قال الباحث حسام مطر إن "التصعيد الذي تقوم بها تركيا في الفترة الأخيرة، ليس الهدف منه القضاء على فرص التسوية، بل محاولة فتح مسار تفاوضي من خلال دفع الأزمة الى إحتمالات مخيفة لجميع الأطراف. فالأتراك مطلعون على الواقع الميداني ولا يملكون لا خيار الحرب او الإنصياع، لذا كان لا بد من مسار يؤدي بالحد الأدنى الى وقف إطلاق النار، بما يحفظ المكاسب التي حققتها المعارضة المسلحة في الميدان".
ويتساءل مطر، "هل يسعى الأتراك من خلال القصف المدفعي على بعض المناطق الحدودية الى رسم منطقة عازلة بشكل غير رسمي من خلال تطويقها بزنار نار من المدفعية التركية ؟"، الدافع وراء هذا التساؤل بحسب مطر هو "إستحالة أن يتقبل الأتراك قيام الجيش السوري بإستعادة السيطرة في المناطق الحدودية عند ريفي إدلب وحلب، فذلك سيكون بمثابة إعلان هزيمة تركية مدوية، ولذا ليسوا في وارد القبول به، وعلى الأرجح ان يأخذ السوريون هذه الحسابات التركية بعين الإعتبار، ويكتفوا بالسيطرة على مدينتي ادلب وحلب والقرى المحيطة من دون الدفع بقوات كبيرة بإتجاه الشريط الحدودي".
المصدر :
المنار / أحمد فرحات
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة