رسائل كثيرة حملتها زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى روسيا. قد لا يختلف اثنان على حساسية هذه الزيارة وأهميتها في ظلّ تشابك الأحداث في المنطقة، إلا أن الاختلاف يصبح جذرياً عند الدخول في خلفيات الزيارة وفي قراءة مضمون هذه الرسائل. ووسط التداعيات الكثيرة التي تحملها فكرة التقارب بين موسكو وبغداد، يبقى فهم انعكاساتها بشأن الأزمة السورية العنصر الأهم عند مقاربتها، من دون إغفال المواقف الأميركية والتركية والإيرانية في هذا الصدد، وبالطبع مع الأخذ بالاعتبار صفقة التسليح الضخمة التي أُنجزت بـ4,2 مليار دولار.

 

بداية، قبل التوغل في البعد الإقليمي والدولي للزيارة، لا بدّ من الأخذ بالاعتبار الموقف الداخلي منها، وهو منقسم بطبيعة الحال. الطرف الأول يرى أن المالكي بدأ يجيد اللعب بالأوراق الصعبة، ونجح في محاولة الانفتاح الدولي والخروج من دائرة النفوذ الأميركي ولو قليلاً. أما الطرف المقابل، فينظر إلى الزيارة، لا سيما قضية التسليح، على أنها نوع من أنواع التهديد الوجودي له. هذا ما يعكسه لـ«السفير» أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري الذي يُوضح أن الفئة الأكثر إحساساً بهذا التهديد هم الأكراد. هؤلاء شعروا أن وجود السلاح بيد المالكي يهدّد حلمهم التاريخي بالانفصال، والذي كان تعزّز مع احتدام الأزمة السورية.

 

الداخل العراقي استعاد كذلك انقسامه بين موال لحلف بغداد – طهران من جهة، ولحلف بغداد – واشنطن من جهة أخرى، ولذلك تراوحت المواقف بين مرحب بتعزيز الحلف الأول ومتخوف من ضمور الحلف الثاني. وبين الطرفين ظهر خط ثالث يؤكد أن النفوذ الأميركي لن يتضرّر جراء الزيارة لا سيما أن المالكي لا يمتلك القدرة للخروج من تحت مظلته. هذا الرأي يؤيده الكاتب والسياسي العراقي عبد الحليم الرهيمي الذي يؤكد لـ«السفير» على وجود «حلف استراتيجي» مع أميركا لا مصلحة للعراق بالمسّ به.

 

ويوضح الرهيمي، وهو عضو «ائتلاف دولة القانون» بزعامة المالكي، أن الهدف من الزيارة ألا يبقى ظهر العراق مكشوفاً نتيجة التزامه مع حليف دولي واحد (أميركا) من جهة، ومن جهة أخرى مناقشة الأزمة السورية التي يحاول فيها العراق أن يبقى متوازناً. كيف؟ يشرح الرهيمي أن الموقف الأميركي قد تغيّر حيث لمسنا مؤخراً تهدئة أكدها ما نشرته «نيويورك تايمز» عن طلب واشنطن من السعودية وقطر إيقاف تسليح المقاتلين السوريين، كما يعوّل المالكي على إقناع الروس بالوصول إلى تسوية تقضي بمساعدة المعارضة الشعبية غير المسلحة بعيداً عن الجهات المتطرفة وعن النظام، بما يؤسس لأرضية مشتركة لعمل الأطراف الدوليين في المرحلة المقبلة.

 

في الواقع، هناك ما يشبه التأكيد من أطراف مختلفة أن الأميركيين لم ينزعجوا من الفكرة، بل حتى ذهبوا لإعطائها «الضوء الأخضر» حسب الباحث الإيراني نجف علي مرزائي، وذلك على عكس ما يُحكى عن تعكير في الأجواء العراقية – الأميركية كان بدأ مع موقف العراق من الأزمة السورية والاتهامات له بالسماح لطائرات أسلحة إيرانية متجهة نحو سوريا بالمرور عبر أراضيه، وأتت الزيارة لتعززه.

 

ويلخص مرزائي، وهو مؤسس مركز «الحضارة» للتجديد الفكري، لـ«السفير» الفكرة بما يلي: تذهب منطقة الشرق الأوسط برمتها في اتجاه تصعيدي جنوني. في هذه الأثناء، تصعد مبادرات متفرقة من تركيا والسعودية والغرب، وإن اختلفت تفاصيلها إلا أنها جميعها يشترك في منطق تدمير المعادلات القائمة في ظل عدم وجود بديل.

 

التطور الذي أنتجته الثورات العربية كان له تأثيران أولهما تحول الشعب ليصبح رقماً صعباً وثانيهما وجود واقع جديد يسمح لإيران باصطياد تحالفات جديدة في المنطقة. أما ما عزّز إمكانية قيام الحلف الجديد الذي يُحكى عنه بين روسيا والصين وإيران والعراق وسوريا، فهو ذهاب أميركا نحو التهدئة وكذلك روسيا.

 

أهمية هذه المبادرة، برأي الباحث الإيراني، تنبع من كونها تشكل بديلاً لمبادرة الرئيس المصري محمد مرسي الرباعية، والتي أدركت إيران سلفاً أنها قد أُجهضت. ويشرح مرزائي أنه في ظل المبادرة المصرية، فان إيران تكون وحيدة مقابل السعودية وتركيا ومصر، أما في المبادرة الجديدة فروسيا والصين وإيران والعراق إلى جانب سوريا يشكلون حلفاً قوياً لا سيما أنه يضم أعضاء في مجلس الأمن الدولي.

 

من هنا يشدّد مرزائي على «تفاؤله بفرصة نجاح هذه المبادرة، وإن كان لا بد أن تقترن بالمرونة من الطرفين»، حيث الجميع متفقون على دعم المعارضة غير المسلحة.

 

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ينتظر عودة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي من روسيا ليزور العراق، بحسب ما صرّح السفير الإيراني في بغداد حسن دانائي فر.

 

في المقلب الآخر، يبدو أن الأتراك كانوا الأكثر تحسساً من هذه الزيارة. ونقلت أوساط تركية مخاوفها مما قد يتركه التقارب العراقي ـ الروسي من تبعات على المسألة السورية لا سيما في ظل إحساس رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بأن شخصه وحكومته ومشــروعه السياسي رهن ما ستؤول إليه الأزمة السورية.

 

وفي هذا السياق، يشير الكاتب التركي والمحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط فائق بولوط إلى أن تركيا ليس بإمكانها تجاهل الزيارة، ومن الطبيعي أن تأخذ بالحسبان مستقبلاً أي تحرّك في ما يتعلّق بالأزمة السورية على ضوء هذه الزيارة. في وقت استبعد بولوط التوصل إلى إقامة حلف مبرم بين روسيا والعراق واصفاً الوضع بأنه يقتصر على إعادة تموضع.

 

وفي النهاية، مع احتدام الأزمة السورية وانتقالها من ساحة التوازنات الإقليمية إلى ساحة التوازنات الدولية قد لا يبدو العراق وحده قادراً على تغيير معادلات اللعبة، لكنه من دون شك يعدّ جزءاً رئيسياً من عناصر هذه اللعبة وانعكاساً لحراك إرادات عظمى تعيد تشكيل المنطقة.

 

السفير

 

  • فريق ماسة
  • 2012-10-10
  • 14310
  • من الأرشيف

التقارب الروسي ـ العراقي والأزمة السورية: حلف جديد؟

رسائل كثيرة حملتها زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى روسيا. قد لا يختلف اثنان على حساسية هذه الزيارة وأهميتها في ظلّ تشابك الأحداث في المنطقة، إلا أن الاختلاف يصبح جذرياً عند الدخول في خلفيات الزيارة وفي قراءة مضمون هذه الرسائل. ووسط التداعيات الكثيرة التي تحملها فكرة التقارب بين موسكو وبغداد، يبقى فهم انعكاساتها بشأن الأزمة السورية العنصر الأهم عند مقاربتها، من دون إغفال المواقف الأميركية والتركية والإيرانية في هذا الصدد، وبالطبع مع الأخذ بالاعتبار صفقة التسليح الضخمة التي أُنجزت بـ4,2 مليار دولار.   بداية، قبل التوغل في البعد الإقليمي والدولي للزيارة، لا بدّ من الأخذ بالاعتبار الموقف الداخلي منها، وهو منقسم بطبيعة الحال. الطرف الأول يرى أن المالكي بدأ يجيد اللعب بالأوراق الصعبة، ونجح في محاولة الانفتاح الدولي والخروج من دائرة النفوذ الأميركي ولو قليلاً. أما الطرف المقابل، فينظر إلى الزيارة، لا سيما قضية التسليح، على أنها نوع من أنواع التهديد الوجودي له. هذا ما يعكسه لـ«السفير» أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري الذي يُوضح أن الفئة الأكثر إحساساً بهذا التهديد هم الأكراد. هؤلاء شعروا أن وجود السلاح بيد المالكي يهدّد حلمهم التاريخي بالانفصال، والذي كان تعزّز مع احتدام الأزمة السورية.   الداخل العراقي استعاد كذلك انقسامه بين موال لحلف بغداد – طهران من جهة، ولحلف بغداد – واشنطن من جهة أخرى، ولذلك تراوحت المواقف بين مرحب بتعزيز الحلف الأول ومتخوف من ضمور الحلف الثاني. وبين الطرفين ظهر خط ثالث يؤكد أن النفوذ الأميركي لن يتضرّر جراء الزيارة لا سيما أن المالكي لا يمتلك القدرة للخروج من تحت مظلته. هذا الرأي يؤيده الكاتب والسياسي العراقي عبد الحليم الرهيمي الذي يؤكد لـ«السفير» على وجود «حلف استراتيجي» مع أميركا لا مصلحة للعراق بالمسّ به.   ويوضح الرهيمي، وهو عضو «ائتلاف دولة القانون» بزعامة المالكي، أن الهدف من الزيارة ألا يبقى ظهر العراق مكشوفاً نتيجة التزامه مع حليف دولي واحد (أميركا) من جهة، ومن جهة أخرى مناقشة الأزمة السورية التي يحاول فيها العراق أن يبقى متوازناً. كيف؟ يشرح الرهيمي أن الموقف الأميركي قد تغيّر حيث لمسنا مؤخراً تهدئة أكدها ما نشرته «نيويورك تايمز» عن طلب واشنطن من السعودية وقطر إيقاف تسليح المقاتلين السوريين، كما يعوّل المالكي على إقناع الروس بالوصول إلى تسوية تقضي بمساعدة المعارضة الشعبية غير المسلحة بعيداً عن الجهات المتطرفة وعن النظام، بما يؤسس لأرضية مشتركة لعمل الأطراف الدوليين في المرحلة المقبلة.   في الواقع، هناك ما يشبه التأكيد من أطراف مختلفة أن الأميركيين لم ينزعجوا من الفكرة، بل حتى ذهبوا لإعطائها «الضوء الأخضر» حسب الباحث الإيراني نجف علي مرزائي، وذلك على عكس ما يُحكى عن تعكير في الأجواء العراقية – الأميركية كان بدأ مع موقف العراق من الأزمة السورية والاتهامات له بالسماح لطائرات أسلحة إيرانية متجهة نحو سوريا بالمرور عبر أراضيه، وأتت الزيارة لتعززه.   ويلخص مرزائي، وهو مؤسس مركز «الحضارة» للتجديد الفكري، لـ«السفير» الفكرة بما يلي: تذهب منطقة الشرق الأوسط برمتها في اتجاه تصعيدي جنوني. في هذه الأثناء، تصعد مبادرات متفرقة من تركيا والسعودية والغرب، وإن اختلفت تفاصيلها إلا أنها جميعها يشترك في منطق تدمير المعادلات القائمة في ظل عدم وجود بديل.   التطور الذي أنتجته الثورات العربية كان له تأثيران أولهما تحول الشعب ليصبح رقماً صعباً وثانيهما وجود واقع جديد يسمح لإيران باصطياد تحالفات جديدة في المنطقة. أما ما عزّز إمكانية قيام الحلف الجديد الذي يُحكى عنه بين روسيا والصين وإيران والعراق وسوريا، فهو ذهاب أميركا نحو التهدئة وكذلك روسيا.   أهمية هذه المبادرة، برأي الباحث الإيراني، تنبع من كونها تشكل بديلاً لمبادرة الرئيس المصري محمد مرسي الرباعية، والتي أدركت إيران سلفاً أنها قد أُجهضت. ويشرح مرزائي أنه في ظل المبادرة المصرية، فان إيران تكون وحيدة مقابل السعودية وتركيا ومصر، أما في المبادرة الجديدة فروسيا والصين وإيران والعراق إلى جانب سوريا يشكلون حلفاً قوياً لا سيما أنه يضم أعضاء في مجلس الأمن الدولي.   من هنا يشدّد مرزائي على «تفاؤله بفرصة نجاح هذه المبادرة، وإن كان لا بد أن تقترن بالمرونة من الطرفين»، حيث الجميع متفقون على دعم المعارضة غير المسلحة.   وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ينتظر عودة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي من روسيا ليزور العراق، بحسب ما صرّح السفير الإيراني في بغداد حسن دانائي فر.   في المقلب الآخر، يبدو أن الأتراك كانوا الأكثر تحسساً من هذه الزيارة. ونقلت أوساط تركية مخاوفها مما قد يتركه التقارب العراقي ـ الروسي من تبعات على المسألة السورية لا سيما في ظل إحساس رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بأن شخصه وحكومته ومشــروعه السياسي رهن ما ستؤول إليه الأزمة السورية.   وفي هذا السياق، يشير الكاتب التركي والمحلل السياسي في شؤون الشرق الأوسط فائق بولوط إلى أن تركيا ليس بإمكانها تجاهل الزيارة، ومن الطبيعي أن تأخذ بالحسبان مستقبلاً أي تحرّك في ما يتعلّق بالأزمة السورية على ضوء هذه الزيارة. في وقت استبعد بولوط التوصل إلى إقامة حلف مبرم بين روسيا والعراق واصفاً الوضع بأنه يقتصر على إعادة تموضع.   وفي النهاية، مع احتدام الأزمة السورية وانتقالها من ساحة التوازنات الإقليمية إلى ساحة التوازنات الدولية قد لا يبدو العراق وحده قادراً على تغيير معادلات اللعبة، لكنه من دون شك يعدّ جزءاً رئيسياً من عناصر هذه اللعبة وانعكاساً لحراك إرادات عظمى تعيد تشكيل المنطقة.   السفير  

المصدر : هيفاء زعيتر


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة