المجموعات "الجهادية الإسلامية" هي أقوى الكتائب المقاتلة في سوريا. بديهةٌ يُجمع عليها مختلف فصائل المعارضة المسلّحة. ويعود السبب إلى تفوّق مقاتليها في الإعداد البدني ونوعية السلاح، لكن هذه المجموعات منقسمة على نفسها. وما يُفرّق بينها أكثر من خلاف عقائدي لا تقاتل المعارضة المسلّحة في سوريا نظام الرئيس الأسد وحده. بل تقاتله وتقاتل نفسها وتتقاتل في ما بينها. في إمارة بلاد الشام وأرض الجهاد، يختلط الحابل بالنابل. هنا تضيع البوصلة، فيُشتبه في الصديق والعدو. يُصبحان سواسية في خانة واحدة. فتوجّه فوّهة البندقية إلى كليهما. لا، بل تُسفك دماؤمهما حتى. وهنا أيضاً، لا أُخوّة في دين الإسلام.

منذ أيام، قُتل أحد أمراء تنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، أبو محمد الشامي، المعروف بـ«العبسي». قتله جهاديون إسلاميون يقاتلون تحت لواء كتيبة الفاروق السلفية، الموالية لـ«تنظيم القاعدة» فكرياً. تآمر هؤلاء مع عناصر من" الجيش  الحر" وكمنوا له لـ«اغتياله في منطقة حدودية قريبة من تركيا». تروج هنا روايتان عن كيفية مقتله. تذكر الأولى أن منفّذي الاغتيال انقضوا عليه خفية واختطفوه إلى جهة مجهولة، ثم قتلوه طعناً بالسكاكين وألقوا بجثّته في حفرة. وتذكر المعلومات أن الشيخ أبو بصير الطرطوسي وأمير «كتائب أحرار الشام»، أبو عبد الله، توسّطا من أجل العمل على إطلاق سراح الشيخ أبو محمد الشامي قبل تصفيته، لكن ذلك لم يُجدِ نفعاً.

 

أما الرواية الثانية، فتشير إلى أن مجموعة الاغتيال المنفّذة طلبت الاجتماع بأبو محمد للتشاور بشأن بعض الأمور، لكنها غدرت به فجأة. وقد أدى مقتل الأمير العبسي إلى حصول اشتباكات عنيفة بين مجموعة العبسي من جهة، وعناصر من كتيبة الفاروق ومجموعات "الجيش الحر" من جهة أخرى، ونتج منها سقوط عشرات الإصابات بين قتيلٍ وجريح. وقد وُصفت هذه الاشتباكات بأنها من «أخطر الصدامات التي وقعت منذ بدء الثورة بين العناصر الجهادية»، التي تدفّقت إلى سوريا من مصر وتونس والجزائر والإمارات والسعودية والكويت وأوروبا وغيرها.

والجدير ذكره أن أبو محمد كان قد جاء موفداً من دولة العراق الإسلامية لإقامة الإمارة الإسلامية في سوريا، علماً بأن الأخير «كان مع كتيبته أول من سيطروا على معبر باب الهوى الحدودي ورفعوا الرايات السود على مقارّه الرسمية». أما الأسباب التي أدّت إلى تصفيته فتتعدد. يُذكر منها الخلاف على النفوذ والإمارة والاختلاف على تطبيق الشريعة والتخوين. وفي هذا السياق، يكشف مصدر سلفي جهادي لـ«الأخبار » أنّ «السبب المباشر لاغتيال الشيخ أبو محمد هو حصة السلاح التي فرض دفعها»؛ إذ بعد سيطرة الشيخ أبو محمد العبسي على معبر باب الهوى، الذي كانت شحنات السلاح تمرّ عبره، فرض ما يُشبه «الخوّة» على جميع مهرّبي السلاح والمجموعات المتسلمة له. والخوّة هنا حصّة أو نسبة من السلاح بات العبسي يحصل عليها. وقد وصلت أحياناً إلى ثلاثين في المئة من حجم الشحنة. والسلاح المصادر هذا، كان يُعلن الشيخ أبو محمد أنه يُخبأ استعداداً للمعركة الكبرى. والمعركة الكبرى هنا، بحسب المصدر الجهادي، «معركة مبشرٌ بها تحصل بعد سقوط النظام وتهاويه». لذلك كان هذا السلاح يُخفى في مخابئ ويُطمر أحياناً استعداداً لهذه المعركة الموعودة. إزاء ذلك، ثارت حفيظة كل من كتيبة الفاروق الناشطة في كل من حلب وإدلب إلى جانب مجموعات من الجيش السوري الحر. ورغم الخلافات الموجودة بين الفاروق وفصائل الجيش الحر، جرى تجاوزها واتُّفق على تصفية الشيخ أبو محمد الشامي بإيعازٍ تركي. ولا سيما أن الجانب التركي كان قد حاول أكثر من مرة إقناع أبو محمد باستثناء شحناته التي يُرسلها إلى المجموعات التابعة له، لكنّ «العبسي» كان يُصرّ على الرفض بذريعة أن واجبه الإسلامي يفرض عليه ذلك.

إذاً. فقد قتل الجهاديون جهادياً. معادلة يستحيلُ فهمها، لكن تلك الحادثة لم تكن الأولى من نوعها وليست الوحيدة على أرض سوريا. وتحديداً بين مجموعات الجهاديين أنفسهم. إذ تكشف معلومات المعارضة السورية الواردة من إدلب وحلب أن هناك اشتباكات عنيفة تحصل باستمرار بين المجموعات الإسلامية الجهادية. وتشير هذه المعلومات إلى أن هؤلاء منقسمون حيال الأحقية والأولى بالإمارة وأصول تطبيق العقيدة الإسلامية الحقّة. ليس هذا فحسب، فقد وقع شقاقٌ بين جماعات الجهاديين، القادمين من باكستان وأفغانستان والبلقان والشيشان من جهة، وأولئك السوريين والليبيين والتونسيين والأردنيين من جهة أخرى، حيال الإماء. والإماء هنّ النسوة الذين يعدّهم الجهاديون غنائم حرب. فقد ظهر في سوريا قسمٌ من الجهاديين يرى أن نساء الرجال الموالين للنظام، حقٌّ شرعي لهم. وتحت هذه الذريعة، اعتُدي على عشرات النساء واستُحلّت حرماتهم. في المقابل، وقف جهاديون إسلاميون في وجه هؤلاء بالمرصاد، رافضين لهذه الممارسات. ورأى هؤلاء أن ذلك يؤلّب من يحضنهم في المجتمع السوري  ضدّهم، باعتبار أن للمرأة والعرض والشرف مكانة حسّاسة في المجتمع السوري يستحيل تجاوز خطوطها الحمراء. أضف إلى ذلك، صراع النفوذ الذي بدأ يُترجم على الأرض تصفيات متبادلة. والذريعة دوماً حاضرة: «ثبت لدينا أنّه عميل للنظام». كذلك جرى تقسيم المناطق تبعاً للألوية المسيطرة والمجموعات العسكرية المقاتلة، يفصل بينها خطوط تماس بحيث يُمنع على أفراد باقي المجموعات تجاوزها تحت طائلة المواجهة أو التصفية.

في موازاة ذلك، علمت «الأخبار» أن عدداً من الجهاديين اللبنانيين والفلسطينيين الذي توجّهوا إلى سوريا للالتحاق بركب" الجهاد"، عاد بعضهم أدراجه بعدما شهد الاشتباكات الضارية التي تحصل بين الإسلاميين أنفسهم. وفي السياق، يُبدي أحد هؤلاء خشيته ممازحاً: «بتنا نخشى من سقوط النظام لأن جماعتنا لحّموا بعض منذ الآن، فكيف غداً اذا  انهار». انطلاقاً مما سبق، اتّضحت الرؤيا. يؤمن عدد من قادة الجماعات الإسلامية الذين تواصلت معهم «الأخبار» بأن الانشقاق الحاصل يكاد يودي بـ"الثورة"، لا بل يحرف القضية عن مسارها بالمطلق. لذلك، فإن العمل يجري على لمّ الشمل لإعادة وحدة الصف وتوحيد البندقية. يُنسّق هؤلاء مع قيادات إسلامية عالمية معروفة في الخط الجهادي. وقد تُرجم ذلك، بإرسال عدد من الوفود، لكن ذلك لم يؤت أُكُله بعد.

مجالس عسكريّة وكتائب «فاتحة على حسابها»

لا تكفّ مجموعات المعارضة السورية المسلّحة عن التشرذم. لا يكاد يمرّ يوم من دون أن تسمع بتشكيل فصيلٍ أو لواء. فشلت جميع جهود ومحاولات توحيد الصف والبندقية

لا يختلف حال مجموعات المعارضة السورية المسلّحة عن الجماعات الجهادية. كلتاهما تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد، لكنهما وجهان لـ«عملة ثورية واحدة»، يفتُكْ فيهم التفرّق والتشظي ويقضي عليهم صراع النفوذ، إلا ما ندر منهم. التنافس بين المجالس العسكرية في كل من محافظتي إدلب وحلب يشتدّ يوماً بعد آخر، ولا سيما أن أعداد هذه المجالس تضاعف حتى صار أكثر من أن يُحصى. فضلاً عن أنّ كل مجموعة مسلّحة، مهما بلغ عديدها ونوعية تسليحها، فإنها باتت «تفتح على حسابها». تُطلق التسمية التي تختارها، ثم تُنفّذ العمليات العسكرية وتُبيح لنفسها ما تُحرّم على غيرها.

هكذا تستغل كل ذلك وتوظّفه للحصول على التمويل، من دون أن يكون لها هدف واضح أو وجهة وطنية. وقد نشط خلال الفترة الماضية أكثر من حراك لتشكيل عدة ألوية في حمص وما حولها. حال مشابه ومستنسخ لما يجري في كافة المحافظات. وسط الصورة القاتمة هذه التي تطغى على المشهد العام في الجانب السوري المعارض، تبرز كوّة أمل تُعوّل عليها قيادات عسكرية في المعارضة.

 

انطلاقاً مما سبق، خرج إلى الضوء منذ ثلاثة أشهر ابن منطقة الرستن، العقيد الركن الفار بشار سعد الدين. يُبرر الضابط الذي تخلى عن رُتبته مفضلاً عليها صفة ثائر، ..رغم وجوده على رأس عمله في المراحل الأولى للثورة. يتحدث العقيد المذكور عن «ثوّار وشبيحة الثوّار». يرى أن هؤلاء عالة على الثورة، كاشفاً أن هناك محاولات للقضاء عليهم عبر محاكم ثورية، ولا سيما أن «هناك رجالاً يحملون السلاح، ليسوا ثوّاراً، بل مستعرضون أو لصوص». العقيد سعد الدين لم يتأخر قبل أن يُعلن تشكيله الجديد «لواء يوسف العظمة». ورغم تأكيده نيّته عدم شقّ الصف وتوحيد البندقية، إلّا أنه يرى في «اللواء الوليد نواة جيش وطني جديد بديل لعصابات النظام». التشكيل العسكري يصل عديده إلى 600 مقاتل ضمن نطاق ريف حلب وإدلب، ويضم تشكيلات جيش نظامي فيه كتائب مقاتلة وأخرى استطلاعية وغيرها.

يعلن الضابط المنشق، وهو اختصاصي مدفعية، أنه كان ينتظر مصدر التمويل غير المشروط، باعتبار أنه يريد أن يخالف القواعد السائدة على الأرض.

فهو يريد أن يتخلّص من مشاكل سوء التنظيم وقيادة العمليات الحربية غير المنظمة.

ويرى أن قرار تشكيل اللواء، جاء رضوخاً تحت طلب عدد من المجموعات التي قررت الاتحاد تحت هذه التسمية. ويذكر منها لواء درع الثورة التابع للجيش السوري الحر ولواء درع هنانو.

يشغل بال العقيد الفار  أنانية القيادة التي تُشرذم المعارضين وتصيب مقتلاً منهم. ويتحدث سعد الدين عن تعارض في الأولويات لدى المجموعات المقاتلة؛ إذ يذكر أن هناك شعارات تُرفع لا تمتّ إلى الممارسة على أرض الواقع بصلة.

يرى سعد الدين أن «تنظيم جبهة النصرة» فصيل انتفض لتحرير بلده، لكن النظام حوّله إلى تنظيم إرهابي وفق تعبيره. ويكشف أن هناك بين خمس وست كتائب ستنضم إليه، لكنه يؤكد أن الأهم نوعية المقاتلين، لا عددهم.

وعن مقتل أبو محمد الشامي، الذي تسيطر جماعته على منطقة باب الهوى بعدما حررتها ورفعت الرايات السود في مقارّها، يرى العقيد سعد الدين أن جهة مشبوهة تقف خلف قتله. وهو إذ ينفي تورّط كتيبة الفاروق، يروي أنه يوم مقتله كان هناك اجتماع لكل الفصائل المقاتلة في إدلب. ويذكر أن أحد العناصر التابعة للشيخ أبو محمد دخل عليه أثناء الاجتماع ناقلاً أن «كتيبة الفاروق اختطفت أبو محمد».

يؤكد العقيد أنه نفى فوراً، مشيراً إلى أن الجهة التي قتلته في منطقة باب الهوى لم تُعرف. وحول انتماء هؤلاء إلى القاعدة، يردّ العقيد سعد الدين بأن انتماءنا إسلامي، لافتاً إلى أنّ مجموعة أبو محمد الشامي ما لبثت أن أنزلت الرايات السود ورفعت علم الثورة والاستقلال.

 

في موازاة ذلك، تبرز إلى الواجهة المجموعات العسكرية الأكثر حضوراً في كل من محافظتي إدلب وحلب. إذ يُعدّ «لواء التوحيد» التنظيم الأقوى في حلب، يرأسه شخصٌ يُعرف باسم الحاج محمود. أما في إدلب، فتبرز كتائب وشهداء ألوية سوريا.

إضافة إلى تنظيم «جبهة النصرة للشام» الذي يُسيطر عسكرياً على كل من أريحا وسلقين في محافظة إدلب. أما نوعية الأسلحة المستخدمة في القتال هناك، ففضلاً عن المتفجرات التي تُعَدّ الأكثر تأثيراً، يُذكر مدفع رشاش عيار 23، ومدفع رشّاش عيار 14 ونصف. وتتحدث معلومات المعارضة السورية عن امتلاك «لواء التوحيد» لكمية قليلة من صواريخ كوبرا وستينغر، فضلاً عن قواذف الأربي جي ورشاشات الكلاشنيكوف والدوشكا والبي كي سي والأم 4 المنتشرة بكثرة في أيدي المقاتلين.

 

الاخبار

  • فريق ماسة
  • 2012-10-02
  • 11704
  • من الأرشيف

"جهاديو سورية" : شقاقٌ حدّ الطلاق

المجموعات "الجهادية الإسلامية" هي أقوى الكتائب المقاتلة في سوريا. بديهةٌ يُجمع عليها مختلف فصائل المعارضة المسلّحة. ويعود السبب إلى تفوّق مقاتليها في الإعداد البدني ونوعية السلاح، لكن هذه المجموعات منقسمة على نفسها. وما يُفرّق بينها أكثر من خلاف عقائدي لا تقاتل المعارضة المسلّحة في سوريا نظام الرئيس الأسد وحده. بل تقاتله وتقاتل نفسها وتتقاتل في ما بينها. في إمارة بلاد الشام وأرض الجهاد، يختلط الحابل بالنابل. هنا تضيع البوصلة، فيُشتبه في الصديق والعدو. يُصبحان سواسية في خانة واحدة. فتوجّه فوّهة البندقية إلى كليهما. لا، بل تُسفك دماؤمهما حتى. وهنا أيضاً، لا أُخوّة في دين الإسلام. منذ أيام، قُتل أحد أمراء تنظيم «القاعدة في بلاد الشام»، أبو محمد الشامي، المعروف بـ«العبسي». قتله جهاديون إسلاميون يقاتلون تحت لواء كتيبة الفاروق السلفية، الموالية لـ«تنظيم القاعدة» فكرياً. تآمر هؤلاء مع عناصر من" الجيش  الحر" وكمنوا له لـ«اغتياله في منطقة حدودية قريبة من تركيا». تروج هنا روايتان عن كيفية مقتله. تذكر الأولى أن منفّذي الاغتيال انقضوا عليه خفية واختطفوه إلى جهة مجهولة، ثم قتلوه طعناً بالسكاكين وألقوا بجثّته في حفرة. وتذكر المعلومات أن الشيخ أبو بصير الطرطوسي وأمير «كتائب أحرار الشام»، أبو عبد الله، توسّطا من أجل العمل على إطلاق سراح الشيخ أبو محمد الشامي قبل تصفيته، لكن ذلك لم يُجدِ نفعاً.   أما الرواية الثانية، فتشير إلى أن مجموعة الاغتيال المنفّذة طلبت الاجتماع بأبو محمد للتشاور بشأن بعض الأمور، لكنها غدرت به فجأة. وقد أدى مقتل الأمير العبسي إلى حصول اشتباكات عنيفة بين مجموعة العبسي من جهة، وعناصر من كتيبة الفاروق ومجموعات "الجيش الحر" من جهة أخرى، ونتج منها سقوط عشرات الإصابات بين قتيلٍ وجريح. وقد وُصفت هذه الاشتباكات بأنها من «أخطر الصدامات التي وقعت منذ بدء الثورة بين العناصر الجهادية»، التي تدفّقت إلى سوريا من مصر وتونس والجزائر والإمارات والسعودية والكويت وأوروبا وغيرها. والجدير ذكره أن أبو محمد كان قد جاء موفداً من دولة العراق الإسلامية لإقامة الإمارة الإسلامية في سوريا، علماً بأن الأخير «كان مع كتيبته أول من سيطروا على معبر باب الهوى الحدودي ورفعوا الرايات السود على مقارّه الرسمية». أما الأسباب التي أدّت إلى تصفيته فتتعدد. يُذكر منها الخلاف على النفوذ والإمارة والاختلاف على تطبيق الشريعة والتخوين. وفي هذا السياق، يكشف مصدر سلفي جهادي لـ«الأخبار » أنّ «السبب المباشر لاغتيال الشيخ أبو محمد هو حصة السلاح التي فرض دفعها»؛ إذ بعد سيطرة الشيخ أبو محمد العبسي على معبر باب الهوى، الذي كانت شحنات السلاح تمرّ عبره، فرض ما يُشبه «الخوّة» على جميع مهرّبي السلاح والمجموعات المتسلمة له. والخوّة هنا حصّة أو نسبة من السلاح بات العبسي يحصل عليها. وقد وصلت أحياناً إلى ثلاثين في المئة من حجم الشحنة. والسلاح المصادر هذا، كان يُعلن الشيخ أبو محمد أنه يُخبأ استعداداً للمعركة الكبرى. والمعركة الكبرى هنا، بحسب المصدر الجهادي، «معركة مبشرٌ بها تحصل بعد سقوط النظام وتهاويه». لذلك كان هذا السلاح يُخفى في مخابئ ويُطمر أحياناً استعداداً لهذه المعركة الموعودة. إزاء ذلك، ثارت حفيظة كل من كتيبة الفاروق الناشطة في كل من حلب وإدلب إلى جانب مجموعات من الجيش السوري الحر. ورغم الخلافات الموجودة بين الفاروق وفصائل الجيش الحر، جرى تجاوزها واتُّفق على تصفية الشيخ أبو محمد الشامي بإيعازٍ تركي. ولا سيما أن الجانب التركي كان قد حاول أكثر من مرة إقناع أبو محمد باستثناء شحناته التي يُرسلها إلى المجموعات التابعة له، لكنّ «العبسي» كان يُصرّ على الرفض بذريعة أن واجبه الإسلامي يفرض عليه ذلك. إذاً. فقد قتل الجهاديون جهادياً. معادلة يستحيلُ فهمها، لكن تلك الحادثة لم تكن الأولى من نوعها وليست الوحيدة على أرض سوريا. وتحديداً بين مجموعات الجهاديين أنفسهم. إذ تكشف معلومات المعارضة السورية الواردة من إدلب وحلب أن هناك اشتباكات عنيفة تحصل باستمرار بين المجموعات الإسلامية الجهادية. وتشير هذه المعلومات إلى أن هؤلاء منقسمون حيال الأحقية والأولى بالإمارة وأصول تطبيق العقيدة الإسلامية الحقّة. ليس هذا فحسب، فقد وقع شقاقٌ بين جماعات الجهاديين، القادمين من باكستان وأفغانستان والبلقان والشيشان من جهة، وأولئك السوريين والليبيين والتونسيين والأردنيين من جهة أخرى، حيال الإماء. والإماء هنّ النسوة الذين يعدّهم الجهاديون غنائم حرب. فقد ظهر في سوريا قسمٌ من الجهاديين يرى أن نساء الرجال الموالين للنظام، حقٌّ شرعي لهم. وتحت هذه الذريعة، اعتُدي على عشرات النساء واستُحلّت حرماتهم. في المقابل، وقف جهاديون إسلاميون في وجه هؤلاء بالمرصاد، رافضين لهذه الممارسات. ورأى هؤلاء أن ذلك يؤلّب من يحضنهم في المجتمع السوري  ضدّهم، باعتبار أن للمرأة والعرض والشرف مكانة حسّاسة في المجتمع السوري يستحيل تجاوز خطوطها الحمراء. أضف إلى ذلك، صراع النفوذ الذي بدأ يُترجم على الأرض تصفيات متبادلة. والذريعة دوماً حاضرة: «ثبت لدينا أنّه عميل للنظام». كذلك جرى تقسيم المناطق تبعاً للألوية المسيطرة والمجموعات العسكرية المقاتلة، يفصل بينها خطوط تماس بحيث يُمنع على أفراد باقي المجموعات تجاوزها تحت طائلة المواجهة أو التصفية. في موازاة ذلك، علمت «الأخبار» أن عدداً من الجهاديين اللبنانيين والفلسطينيين الذي توجّهوا إلى سوريا للالتحاق بركب" الجهاد"، عاد بعضهم أدراجه بعدما شهد الاشتباكات الضارية التي تحصل بين الإسلاميين أنفسهم. وفي السياق، يُبدي أحد هؤلاء خشيته ممازحاً: «بتنا نخشى من سقوط النظام لأن جماعتنا لحّموا بعض منذ الآن، فكيف غداً اذا  انهار». انطلاقاً مما سبق، اتّضحت الرؤيا. يؤمن عدد من قادة الجماعات الإسلامية الذين تواصلت معهم «الأخبار» بأن الانشقاق الحاصل يكاد يودي بـ"الثورة"، لا بل يحرف القضية عن مسارها بالمطلق. لذلك، فإن العمل يجري على لمّ الشمل لإعادة وحدة الصف وتوحيد البندقية. يُنسّق هؤلاء مع قيادات إسلامية عالمية معروفة في الخط الجهادي. وقد تُرجم ذلك، بإرسال عدد من الوفود، لكن ذلك لم يؤت أُكُله بعد. مجالس عسكريّة وكتائب «فاتحة على حسابها» لا تكفّ مجموعات المعارضة السورية المسلّحة عن التشرذم. لا يكاد يمرّ يوم من دون أن تسمع بتشكيل فصيلٍ أو لواء. فشلت جميع جهود ومحاولات توحيد الصف والبندقية لا يختلف حال مجموعات المعارضة السورية المسلّحة عن الجماعات الجهادية. كلتاهما تقاتل نظام الرئيس بشار الأسد، لكنهما وجهان لـ«عملة ثورية واحدة»، يفتُكْ فيهم التفرّق والتشظي ويقضي عليهم صراع النفوذ، إلا ما ندر منهم. التنافس بين المجالس العسكرية في كل من محافظتي إدلب وحلب يشتدّ يوماً بعد آخر، ولا سيما أن أعداد هذه المجالس تضاعف حتى صار أكثر من أن يُحصى. فضلاً عن أنّ كل مجموعة مسلّحة، مهما بلغ عديدها ونوعية تسليحها، فإنها باتت «تفتح على حسابها». تُطلق التسمية التي تختارها، ثم تُنفّذ العمليات العسكرية وتُبيح لنفسها ما تُحرّم على غيرها. هكذا تستغل كل ذلك وتوظّفه للحصول على التمويل، من دون أن يكون لها هدف واضح أو وجهة وطنية. وقد نشط خلال الفترة الماضية أكثر من حراك لتشكيل عدة ألوية في حمص وما حولها. حال مشابه ومستنسخ لما يجري في كافة المحافظات. وسط الصورة القاتمة هذه التي تطغى على المشهد العام في الجانب السوري المعارض، تبرز كوّة أمل تُعوّل عليها قيادات عسكرية في المعارضة.   انطلاقاً مما سبق، خرج إلى الضوء منذ ثلاثة أشهر ابن منطقة الرستن، العقيد الركن الفار بشار سعد الدين. يُبرر الضابط الذي تخلى عن رُتبته مفضلاً عليها صفة ثائر، ..رغم وجوده على رأس عمله في المراحل الأولى للثورة. يتحدث العقيد المذكور عن «ثوّار وشبيحة الثوّار». يرى أن هؤلاء عالة على الثورة، كاشفاً أن هناك محاولات للقضاء عليهم عبر محاكم ثورية، ولا سيما أن «هناك رجالاً يحملون السلاح، ليسوا ثوّاراً، بل مستعرضون أو لصوص». العقيد سعد الدين لم يتأخر قبل أن يُعلن تشكيله الجديد «لواء يوسف العظمة». ورغم تأكيده نيّته عدم شقّ الصف وتوحيد البندقية، إلّا أنه يرى في «اللواء الوليد نواة جيش وطني جديد بديل لعصابات النظام». التشكيل العسكري يصل عديده إلى 600 مقاتل ضمن نطاق ريف حلب وإدلب، ويضم تشكيلات جيش نظامي فيه كتائب مقاتلة وأخرى استطلاعية وغيرها. يعلن الضابط المنشق، وهو اختصاصي مدفعية، أنه كان ينتظر مصدر التمويل غير المشروط، باعتبار أنه يريد أن يخالف القواعد السائدة على الأرض. فهو يريد أن يتخلّص من مشاكل سوء التنظيم وقيادة العمليات الحربية غير المنظمة. ويرى أن قرار تشكيل اللواء، جاء رضوخاً تحت طلب عدد من المجموعات التي قررت الاتحاد تحت هذه التسمية. ويذكر منها لواء درع الثورة التابع للجيش السوري الحر ولواء درع هنانو. يشغل بال العقيد الفار  أنانية القيادة التي تُشرذم المعارضين وتصيب مقتلاً منهم. ويتحدث سعد الدين عن تعارض في الأولويات لدى المجموعات المقاتلة؛ إذ يذكر أن هناك شعارات تُرفع لا تمتّ إلى الممارسة على أرض الواقع بصلة. يرى سعد الدين أن «تنظيم جبهة النصرة» فصيل انتفض لتحرير بلده، لكن النظام حوّله إلى تنظيم إرهابي وفق تعبيره. ويكشف أن هناك بين خمس وست كتائب ستنضم إليه، لكنه يؤكد أن الأهم نوعية المقاتلين، لا عددهم. وعن مقتل أبو محمد الشامي، الذي تسيطر جماعته على منطقة باب الهوى بعدما حررتها ورفعت الرايات السود في مقارّها، يرى العقيد سعد الدين أن جهة مشبوهة تقف خلف قتله. وهو إذ ينفي تورّط كتيبة الفاروق، يروي أنه يوم مقتله كان هناك اجتماع لكل الفصائل المقاتلة في إدلب. ويذكر أن أحد العناصر التابعة للشيخ أبو محمد دخل عليه أثناء الاجتماع ناقلاً أن «كتيبة الفاروق اختطفت أبو محمد». يؤكد العقيد أنه نفى فوراً، مشيراً إلى أن الجهة التي قتلته في منطقة باب الهوى لم تُعرف. وحول انتماء هؤلاء إلى القاعدة، يردّ العقيد سعد الدين بأن انتماءنا إسلامي، لافتاً إلى أنّ مجموعة أبو محمد الشامي ما لبثت أن أنزلت الرايات السود ورفعت علم الثورة والاستقلال.   في موازاة ذلك، تبرز إلى الواجهة المجموعات العسكرية الأكثر حضوراً في كل من محافظتي إدلب وحلب. إذ يُعدّ «لواء التوحيد» التنظيم الأقوى في حلب، يرأسه شخصٌ يُعرف باسم الحاج محمود. أما في إدلب، فتبرز كتائب وشهداء ألوية سوريا. إضافة إلى تنظيم «جبهة النصرة للشام» الذي يُسيطر عسكرياً على كل من أريحا وسلقين في محافظة إدلب. أما نوعية الأسلحة المستخدمة في القتال هناك، ففضلاً عن المتفجرات التي تُعَدّ الأكثر تأثيراً، يُذكر مدفع رشاش عيار 23، ومدفع رشّاش عيار 14 ونصف. وتتحدث معلومات المعارضة السورية عن امتلاك «لواء التوحيد» لكمية قليلة من صواريخ كوبرا وستينغر، فضلاً عن قواذف الأربي جي ورشاشات الكلاشنيكوف والدوشكا والبي كي سي والأم 4 المنتشرة بكثرة في أيدي المقاتلين.   الاخبار

المصدر : الاخبار/رضوان مرتضى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة