يدرك رجب طيب اردوغان ان زمن ولاة دمشق وحلب وبغداد والموصل والبصرة، قد انقضى. منذ ايام جون فوستر دالاس اصبح الشرق الاوسط بضاعة اميركية، او صناعة اميركية اذا شئتم.

استراتيجياً، لا مكان فيه لتركيا، كدولة عظمى. دورها، وكما كتب توماس فريدمان من سنوات، لا يتعدى دور الاردن، بامكاناته الضئيلة وبتركيبته المصطنعة، لا بل اتضح ان قطر التي لا تتعدى مساحتها الـ11 الف كيلو متر مربع والتي لن يناهز عدد سكانها المليون نسمة في المدى المنظور تضطلع بدور اكثر حساسية، واكثر فاعلية، بكثير من الدور التركي…

هذا بالرغم من ان الباب العالي الجديد، او مولانا امير المؤمنين (وبعض غلاة حزب العدالة والتنمية يسبغون عليه هذا اللقب)، وضع عمامته جانبا، وكذلك مصلحة المسلمين، وطلب من واشنطن اقامة منشآت الدرع الصاروخية في بلاده، ودون ان يكون البنتاغون قد لحظ تركيا في المشروع، علّ هذه الدرع تكون بمثابة العرش الذي يتربع عليه كسلطان عثماني ويضع يده على مناطق حساسة جيوبوليتيكياً، ونفطياً، من الشرق الاوسط…

في بعض الصحف التركية كتبوا ان اردوغان كان يفترض ان يطرد احمد داود اوغلو من حكومته لانه هو من خدعه وصوّر له ان اصراره على اقامة الدرع الصاروخية في بلاده سيؤدي الى انبعاث السلطنة العثمانية وتحت شعار النيوعثمانية، قبل ان يتبين ان الولايات المتحدة حددت الادوار بدقة، كل الادوار دون استثناء، فكان ان اكتشف اردوغان ومن ورائه اوغلو ان الدرع كانت من القش، وانها لم تتح للباب العالي حتى ان يعيّن واليا على حلب التي تستوطن، كما الموصل، اللاوعي العثماني..

خلال فترة اختطاف المواطنين التركيين في لبنان، التقينا بصحافي تركي مقرب من اردوغان كان ينزل عادة في فندق في الحمراء، وفي هذه المرة، امضى بضعة ايام حذراً في احد فنادق الاشرفية ليتابع من نافذة في الفندق ما يحدث في الضاحية الجنوبية. قال لنا ان اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة هو الذي قطع الطريق على استراتيجية اوغلو، وان اردوغان انما كان ضحية «مؤامرة يهودية».

الصحافي التركي ليس من الطراز العربي الذي يتقن تسويق الكليشهات. ملمٌَ وبمنتهى الدقة بالكثير من تفاصيل المنطقة، التفاصيل التاريخية والتفاصيل المعاصرة. وحين سألناه لماذا لا تقولوا ذلك بصوت عال، كان رده الغريب: هل تريد ان يغتالوا اردوغان او ان يحطموه اكثر؟

ولنستنتج ان تلك الدرع التي تتصدى للصواريخ العابرة للقارات، لم تقدم ولو خدمة تكتيكية لاردوغان. ومن الغرابة بمكان ان اياً من الاسلاميين الاتراك، او الاسلاميين العرب وغيرهم وغيرهم من الاسلاميين الذي يتأرجحون بين كهوف تورابورا واروقة وول ستريت، لم يسأل، مجرد سؤال، عن الجدوى الايديولوجية لتلك الدرع ولا عن دورها في الصحوة الاسلامية…

حسناً فعل نوري المالكي، وسواء اتفقنا معه ام اختلفنا حول سياساته الداخلية او الخارجية، فالرجل الذي رفض الدعوة لحضور المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية. وان باسلوب ديبلوماسي. انما فعل ذلك لانه ليس والياً لبغداد، بل رئيسا لوزراء العراق، كل العراق، بما في ذلك كردستان، ولان اردوغان ليس الصدر الاعظم ولا الباب العالي…

المالكي الذي سبق وقلنا انه يؤخذ عليه انه كان يبيع المسابح على ارصفة مقام السيدة زينب في دمشق، رافضاً ان يكون رهينة استخباراتية وبراتب مغر بطبيعة الحال (وقد اعادت احدى الصحف العراقية نشر المقال)، يدرك اي مأزق يواجهه اردوغان الذي حاول ان يلعب بالورقة الكردية حتى داخل العراق، مع ان اكراد العراق، ومنهم رئيس الدولة ووزير الخارجية، يتمتعون بامتيازات لا يحلم بها اكراد تركيا الذين لا تعترف السلطة بوجودهم اساساً..

كما حاول ان يلعب بالورقة الكردية في سوريا، فإذا باللعبة ترتد عليه على ذلك النحو الدراماتيكي، بعدما تجاوزت انقرة كل قواعد العلاقات الدولية وراحت تفاوض حكومة اقليم كردستان لابرام صفقة نفطية معها، فيما زار اوغلو مسعود البرزاني على انه رئيس دولة ودون اي اعتبار للحكومة المركزية، دون اغفال الاستقبال الاحتفالي لطارق الهاشمي على انه الاداة الذهبية التي يمكن استخدامها مذهبيا لزعزعة الدولة في العراق وللاغراض العثمانية إياها…

وعلى امل ان تكون تركيا درعا للعرب لا درعا لمن حولوا العرب الى ركام. هذه امنية لا مكان لها في الادبيات العثمانية الحديثة!

  • فريق ماسة
  • 2012-10-01
  • 9697
  • من الأرشيف

درع «مولانا امير المؤمنين»

يدرك رجب طيب اردوغان ان زمن ولاة دمشق وحلب وبغداد والموصل والبصرة، قد انقضى. منذ ايام جون فوستر دالاس اصبح الشرق الاوسط بضاعة اميركية، او صناعة اميركية اذا شئتم. استراتيجياً، لا مكان فيه لتركيا، كدولة عظمى. دورها، وكما كتب توماس فريدمان من سنوات، لا يتعدى دور الاردن، بامكاناته الضئيلة وبتركيبته المصطنعة، لا بل اتضح ان قطر التي لا تتعدى مساحتها الـ11 الف كيلو متر مربع والتي لن يناهز عدد سكانها المليون نسمة في المدى المنظور تضطلع بدور اكثر حساسية، واكثر فاعلية، بكثير من الدور التركي… هذا بالرغم من ان الباب العالي الجديد، او مولانا امير المؤمنين (وبعض غلاة حزب العدالة والتنمية يسبغون عليه هذا اللقب)، وضع عمامته جانبا، وكذلك مصلحة المسلمين، وطلب من واشنطن اقامة منشآت الدرع الصاروخية في بلاده، ودون ان يكون البنتاغون قد لحظ تركيا في المشروع، علّ هذه الدرع تكون بمثابة العرش الذي يتربع عليه كسلطان عثماني ويضع يده على مناطق حساسة جيوبوليتيكياً، ونفطياً، من الشرق الاوسط… في بعض الصحف التركية كتبوا ان اردوغان كان يفترض ان يطرد احمد داود اوغلو من حكومته لانه هو من خدعه وصوّر له ان اصراره على اقامة الدرع الصاروخية في بلاده سيؤدي الى انبعاث السلطنة العثمانية وتحت شعار النيوعثمانية، قبل ان يتبين ان الولايات المتحدة حددت الادوار بدقة، كل الادوار دون استثناء، فكان ان اكتشف اردوغان ومن ورائه اوغلو ان الدرع كانت من القش، وانها لم تتح للباب العالي حتى ان يعيّن واليا على حلب التي تستوطن، كما الموصل، اللاوعي العثماني.. خلال فترة اختطاف المواطنين التركيين في لبنان، التقينا بصحافي تركي مقرب من اردوغان كان ينزل عادة في فندق في الحمراء، وفي هذه المرة، امضى بضعة ايام حذراً في احد فنادق الاشرفية ليتابع من نافذة في الفندق ما يحدث في الضاحية الجنوبية. قال لنا ان اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة هو الذي قطع الطريق على استراتيجية اوغلو، وان اردوغان انما كان ضحية «مؤامرة يهودية». الصحافي التركي ليس من الطراز العربي الذي يتقن تسويق الكليشهات. ملمٌَ وبمنتهى الدقة بالكثير من تفاصيل المنطقة، التفاصيل التاريخية والتفاصيل المعاصرة. وحين سألناه لماذا لا تقولوا ذلك بصوت عال، كان رده الغريب: هل تريد ان يغتالوا اردوغان او ان يحطموه اكثر؟ ولنستنتج ان تلك الدرع التي تتصدى للصواريخ العابرة للقارات، لم تقدم ولو خدمة تكتيكية لاردوغان. ومن الغرابة بمكان ان اياً من الاسلاميين الاتراك، او الاسلاميين العرب وغيرهم وغيرهم من الاسلاميين الذي يتأرجحون بين كهوف تورابورا واروقة وول ستريت، لم يسأل، مجرد سؤال، عن الجدوى الايديولوجية لتلك الدرع ولا عن دورها في الصحوة الاسلامية… حسناً فعل نوري المالكي، وسواء اتفقنا معه ام اختلفنا حول سياساته الداخلية او الخارجية، فالرجل الذي رفض الدعوة لحضور المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية. وان باسلوب ديبلوماسي. انما فعل ذلك لانه ليس والياً لبغداد، بل رئيسا لوزراء العراق، كل العراق، بما في ذلك كردستان، ولان اردوغان ليس الصدر الاعظم ولا الباب العالي… المالكي الذي سبق وقلنا انه يؤخذ عليه انه كان يبيع المسابح على ارصفة مقام السيدة زينب في دمشق، رافضاً ان يكون رهينة استخباراتية وبراتب مغر بطبيعة الحال (وقد اعادت احدى الصحف العراقية نشر المقال)، يدرك اي مأزق يواجهه اردوغان الذي حاول ان يلعب بالورقة الكردية حتى داخل العراق، مع ان اكراد العراق، ومنهم رئيس الدولة ووزير الخارجية، يتمتعون بامتيازات لا يحلم بها اكراد تركيا الذين لا تعترف السلطة بوجودهم اساساً.. كما حاول ان يلعب بالورقة الكردية في سوريا، فإذا باللعبة ترتد عليه على ذلك النحو الدراماتيكي، بعدما تجاوزت انقرة كل قواعد العلاقات الدولية وراحت تفاوض حكومة اقليم كردستان لابرام صفقة نفطية معها، فيما زار اوغلو مسعود البرزاني على انه رئيس دولة ودون اي اعتبار للحكومة المركزية، دون اغفال الاستقبال الاحتفالي لطارق الهاشمي على انه الاداة الذهبية التي يمكن استخدامها مذهبيا لزعزعة الدولة في العراق وللاغراض العثمانية إياها… وعلى امل ان تكون تركيا درعا للعرب لا درعا لمن حولوا العرب الى ركام. هذه امنية لا مكان لها في الادبيات العثمانية الحديثة!

المصدر : نبيه برجي\ الديار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة