انتهى المؤتمر الرابع الكبير لحزب العدالة والتنمية إلى مجموعة من الدلالات التي ركّزت عليها الصحف التركية أمس. واحتل الهدف الذي أعلنه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان، وهو العام 2071، حيزا بارزا في تعليقات الكتاب.

ويكاد هناك إجماع على انه لم يعد مهما من يكون في قيادة حزب العدالة والتنمية للمرحلة المقبلة، ولا من يكون في رئاسة الحكومة، ما دام اردوغان سيكون رئيسا للجمهورية عام 2014 بعد أن يكون كرّس تبعية كاملة للحزب له.

برزت الثنائية الإسلامية - التركية في أساس مشروع اردوغان للعام 2071 في مصادرة مبكرة للأجيال المقبلة، وما تريده لتركيا. علما بأن مجرد الإشارة لموقعة «ملاذكرد» في العام 1071 يستفز الأكراد الذين قضى السلاجقة والسلطان ألب ارسلان، الذي تمثل به اردوغان، على دويلاتهم التي كانت قائمة في شمال كردستان قبل أن ينتقل إلى محاربة الروم. وهي إشارة تفرّغ استعداد اردوغان للانفتاح على الأكراد من أي جدّية.

وإذا كان من ملاحظة مركزية فهي غياب الاتحاد الأوروبي، ولو بكلمة واحدة عن خطاب اردوغان ما يطرح علامات استفهام بل يؤكد أن الرغبة في تزعم العالم الإسلامي وليس عضوية الاتحاد الأوروبي هي الهدف المركزي لأردوغان وفريق عمله.

وفي هذا الإطار تحول مؤتمر حزب العدالة والتنمية إلى مؤتمر للإخوان المسلمين في العالم الإسلامي، مع حضور أبرز قياداتهم من مصر وتونس وفلسطين. لكن يؤخذ على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أن عداءه للنظام السوري قد ترجم مبايعة لتركيا زعيمة للعالم الإسلامي. هذه التركيا التي هي نفسها العضو في حلف شمال الأطلسي والمتحالفة مع الولايات المتحدة والغرب الذين هم في أصل بلاء النكبة الفلسطينية والداعمون الأساسيون للمشروع الصهيوني. وهذه التركيا هي نفسها التي لها علاقات اقتصادية تزداد ازدهارا مع إسرائيل، وهي التي نصبت الدرع الصاروخي ضد بلد إسلامي، هو إيران، وتحمي الأمن القومي الإسرائيلي.

حتى عندما انتقد اردوغان في خطابه إسرائيل، فلم يشر لا إلى الاحتلال الإسرائيلي ولا إلى المستوطنات ولا إلى تهويد القدس، بل جل ما أعلنه انه لن يطبع العلاقات مع تل أبيب إلا بعد اعتذارها. ولو افترضنا أن إسرائيل اعتذرت وعادت العلاقات إلى طبيعتها بين تركيا وإسرائيل، فما الذي سيكون عليه موقف خالد مشعل وحركة حماس بالعموم؟

أن العداء للنظام السوري كان يجب ألا يبرر لمشعل أن يبايع اردوغان زعيم «هذه التركيا»، زعيما للعالم الإسلامي. بل إن هذه المبايعة تثير من القلق والخوف من فتن جديدة في العالم الإسلامي أكثر مما تثير من التأييد في ظل الاصطفاف التركي الحالي لطرف ضد آخر. ويعرف مشعل أكثر من غيره أن إشارته إلى خيار المقاومة كسبيل وحيد لتحرير الأرض لا تقع موقعا حسنا لدى أنقرة حزب العدالة والتنمية، التي تعترف بإسرائيل والمنتقدة دائما لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة على المستوطنات الإسرائيلية. ألم ترد كل هذه الحقائق على ذهن مشعل وهو يستعد لإلقاء خطابه؟ أم أن الأمور باتت اخطر من ذلك، وهو أن حركة حماس على أبواب مرحلة جديدة من التغيرات انسجاما مع ما يسمى بالربيع العربي؟.

صحيفة طرف توقفت عند «مانيفستو» اردوغان فقالت «لقد كانت واضحة الإشارات إلى النزعة القومية - الإسلامية في خطاب اردوغان أمام مؤتمر حزب العدالة والتنمية. أشار كثيرا إلى السلطان ألب ارسلان الذي انتصر على البيزنطيين عام 1071. ووضع اردوغان نصب عينيه هدف العام 2071 الذكرى الألف لمعركة «ملاذكرد».

استذكر اردوغان حرفيا عبارات السلطان ألب ارسلان وجيشه القوي الذي لا يقهر، وأشعار قراقوتش ومحمد عارف وغيرهما حيث يولد الأبطال مع أذان الفجر ويموتون مع أذان المغرب، مستلهما من التاريخ ما يوجّه به شباب حزب العدالة والتنمية.

خطبة اردوغان الطويلة أمام المؤتمر «مانيفستو» بإشارات إسلامية - تركية، «مانيفستو» ولد فأرا وجهه متوجه نحو الشرق.

وفي حوار مع صحيفة «أقشام» قال رئيس مركز «أنار» (ANAR) لاستطلاع الرأي إبراهيم اوصلو إن حزب العدالة والتنمية قد أكمل في مؤتمره الرابع مأسسة الحزب، وهو خرج من المؤتمر بخريطة طريق تحدد مستقبله بمعزل عن زعيم الحزب. وقد فضل اردوغان أن يختار استراتيجية تحل محله بدلا من شخص معين. وهي خريطة ستقود الحزب إلى العام 2023 كائنا من يكون زعيمه.

وكتبت صحيفة «حرييت» إن «المهم في مؤتمر حزب العدالة والتنمية ليس خطاب اردوغان بل تشكيلة اللجنة المركزية الجديدة للحزب التي تحدد النخب القيادية الجديدة. لقد حدد اردوغان شكل القيادة التي ستخلفه، لكن هذه القيادة لا تختلف عن سابقتها: مروحة واسعة من أقصى اليمين إلى القسم المحافظ. ولماذا يغيّر اردوغان؟ انه يربح الانتخابات واحدة تلو أخرى، وسيكون الزعيم القوي في قصر الرئاسة. يريد الحفاظ على نظام موجود من دون تغييره. لكن ألا يلفت أن اردوغان لم يتلفظ باسم عبد الله غول ولا مرة واحدة؟».

وتطرق سميح ايديز، في مقالة له في صحيفة «ميللييت»، إلى توجهات اردوغان المشرقية، قائلا «لا جديد في خطاب اردوغان أمام المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية. كرر ما هو معروف عن سوريا وإسرائيل. لكن من المثير انه لم يتلفظ بكلمة الاتحاد الأوروبي ولا مرة واحدة. وعندما مر اسما فرنسا وألمانيا في كلمته إنما من باب انتقادهما في موضوع الاسلاموفوبيا. لم يحضر زعماء أوروبيون المؤتمر، إما لأنهم لم يدعوا أو لأنهم دعوا ولم يلبوا الدعوة. ولن يغيب عن انتباه الأوروبيين أن اردوغان لم يتحدث عن معايير أوروبية لتركيا بل عن معايير إسلامية. وعكست الروح الجهادية لأردوغان وجود خالد مشعل في المؤتمر. هذا لا يعني إضعاف روابط تركيا بالأطلسي، لكنها الضرورات الدولية هي التي تبقي هذه الروابط بينما الهوى في مكان آخر».

 

  • فريق ماسة
  • 2012-10-01
  • 9365
  • من الأرشيف

تـركيا الأطلسـيـة وزعامـة الأمــة الإســلامـيـة!

انتهى المؤتمر الرابع الكبير لحزب العدالة والتنمية إلى مجموعة من الدلالات التي ركّزت عليها الصحف التركية أمس. واحتل الهدف الذي أعلنه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان، وهو العام 2071، حيزا بارزا في تعليقات الكتاب. ويكاد هناك إجماع على انه لم يعد مهما من يكون في قيادة حزب العدالة والتنمية للمرحلة المقبلة، ولا من يكون في رئاسة الحكومة، ما دام اردوغان سيكون رئيسا للجمهورية عام 2014 بعد أن يكون كرّس تبعية كاملة للحزب له. برزت الثنائية الإسلامية - التركية في أساس مشروع اردوغان للعام 2071 في مصادرة مبكرة للأجيال المقبلة، وما تريده لتركيا. علما بأن مجرد الإشارة لموقعة «ملاذكرد» في العام 1071 يستفز الأكراد الذين قضى السلاجقة والسلطان ألب ارسلان، الذي تمثل به اردوغان، على دويلاتهم التي كانت قائمة في شمال كردستان قبل أن ينتقل إلى محاربة الروم. وهي إشارة تفرّغ استعداد اردوغان للانفتاح على الأكراد من أي جدّية. وإذا كان من ملاحظة مركزية فهي غياب الاتحاد الأوروبي، ولو بكلمة واحدة عن خطاب اردوغان ما يطرح علامات استفهام بل يؤكد أن الرغبة في تزعم العالم الإسلامي وليس عضوية الاتحاد الأوروبي هي الهدف المركزي لأردوغان وفريق عمله. وفي هذا الإطار تحول مؤتمر حزب العدالة والتنمية إلى مؤتمر للإخوان المسلمين في العالم الإسلامي، مع حضور أبرز قياداتهم من مصر وتونس وفلسطين. لكن يؤخذ على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أن عداءه للنظام السوري قد ترجم مبايعة لتركيا زعيمة للعالم الإسلامي. هذه التركيا التي هي نفسها العضو في حلف شمال الأطلسي والمتحالفة مع الولايات المتحدة والغرب الذين هم في أصل بلاء النكبة الفلسطينية والداعمون الأساسيون للمشروع الصهيوني. وهذه التركيا هي نفسها التي لها علاقات اقتصادية تزداد ازدهارا مع إسرائيل، وهي التي نصبت الدرع الصاروخي ضد بلد إسلامي، هو إيران، وتحمي الأمن القومي الإسرائيلي. حتى عندما انتقد اردوغان في خطابه إسرائيل، فلم يشر لا إلى الاحتلال الإسرائيلي ولا إلى المستوطنات ولا إلى تهويد القدس، بل جل ما أعلنه انه لن يطبع العلاقات مع تل أبيب إلا بعد اعتذارها. ولو افترضنا أن إسرائيل اعتذرت وعادت العلاقات إلى طبيعتها بين تركيا وإسرائيل، فما الذي سيكون عليه موقف خالد مشعل وحركة حماس بالعموم؟ أن العداء للنظام السوري كان يجب ألا يبرر لمشعل أن يبايع اردوغان زعيم «هذه التركيا»، زعيما للعالم الإسلامي. بل إن هذه المبايعة تثير من القلق والخوف من فتن جديدة في العالم الإسلامي أكثر مما تثير من التأييد في ظل الاصطفاف التركي الحالي لطرف ضد آخر. ويعرف مشعل أكثر من غيره أن إشارته إلى خيار المقاومة كسبيل وحيد لتحرير الأرض لا تقع موقعا حسنا لدى أنقرة حزب العدالة والتنمية، التي تعترف بإسرائيل والمنتقدة دائما لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة على المستوطنات الإسرائيلية. ألم ترد كل هذه الحقائق على ذهن مشعل وهو يستعد لإلقاء خطابه؟ أم أن الأمور باتت اخطر من ذلك، وهو أن حركة حماس على أبواب مرحلة جديدة من التغيرات انسجاما مع ما يسمى بالربيع العربي؟. صحيفة طرف توقفت عند «مانيفستو» اردوغان فقالت «لقد كانت واضحة الإشارات إلى النزعة القومية - الإسلامية في خطاب اردوغان أمام مؤتمر حزب العدالة والتنمية. أشار كثيرا إلى السلطان ألب ارسلان الذي انتصر على البيزنطيين عام 1071. ووضع اردوغان نصب عينيه هدف العام 2071 الذكرى الألف لمعركة «ملاذكرد». استذكر اردوغان حرفيا عبارات السلطان ألب ارسلان وجيشه القوي الذي لا يقهر، وأشعار قراقوتش ومحمد عارف وغيرهما حيث يولد الأبطال مع أذان الفجر ويموتون مع أذان المغرب، مستلهما من التاريخ ما يوجّه به شباب حزب العدالة والتنمية. خطبة اردوغان الطويلة أمام المؤتمر «مانيفستو» بإشارات إسلامية - تركية، «مانيفستو» ولد فأرا وجهه متوجه نحو الشرق. وفي حوار مع صحيفة «أقشام» قال رئيس مركز «أنار» (ANAR) لاستطلاع الرأي إبراهيم اوصلو إن حزب العدالة والتنمية قد أكمل في مؤتمره الرابع مأسسة الحزب، وهو خرج من المؤتمر بخريطة طريق تحدد مستقبله بمعزل عن زعيم الحزب. وقد فضل اردوغان أن يختار استراتيجية تحل محله بدلا من شخص معين. وهي خريطة ستقود الحزب إلى العام 2023 كائنا من يكون زعيمه. وكتبت صحيفة «حرييت» إن «المهم في مؤتمر حزب العدالة والتنمية ليس خطاب اردوغان بل تشكيلة اللجنة المركزية الجديدة للحزب التي تحدد النخب القيادية الجديدة. لقد حدد اردوغان شكل القيادة التي ستخلفه، لكن هذه القيادة لا تختلف عن سابقتها: مروحة واسعة من أقصى اليمين إلى القسم المحافظ. ولماذا يغيّر اردوغان؟ انه يربح الانتخابات واحدة تلو أخرى، وسيكون الزعيم القوي في قصر الرئاسة. يريد الحفاظ على نظام موجود من دون تغييره. لكن ألا يلفت أن اردوغان لم يتلفظ باسم عبد الله غول ولا مرة واحدة؟». وتطرق سميح ايديز، في مقالة له في صحيفة «ميللييت»، إلى توجهات اردوغان المشرقية، قائلا «لا جديد في خطاب اردوغان أمام المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية. كرر ما هو معروف عن سوريا وإسرائيل. لكن من المثير انه لم يتلفظ بكلمة الاتحاد الأوروبي ولا مرة واحدة. وعندما مر اسما فرنسا وألمانيا في كلمته إنما من باب انتقادهما في موضوع الاسلاموفوبيا. لم يحضر زعماء أوروبيون المؤتمر، إما لأنهم لم يدعوا أو لأنهم دعوا ولم يلبوا الدعوة. ولن يغيب عن انتباه الأوروبيين أن اردوغان لم يتحدث عن معايير أوروبية لتركيا بل عن معايير إسلامية. وعكست الروح الجهادية لأردوغان وجود خالد مشعل في المؤتمر. هذا لا يعني إضعاف روابط تركيا بالأطلسي، لكنها الضرورات الدولية هي التي تبقي هذه الروابط بينما الهوى في مكان آخر».  

المصدر : السفير /محمد نور الدين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة