قال الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة في جلسة مجلس الأمن التي عقدت لدراسة الاوضاع الانسانية في سورية قال: إن بعض الدول لا ترى موضوع المساعدات الإنسانية إلا من منظور أجنداتها السياسية والتدخلية ولا تستطيع أن تفهم نبل هذا الموضوع إلا في إطار توظيف هذه المساعدات الإنسانية في خدمة أهدافها التدخلية في شؤون الدول الأخرى ومن بينها سورية.

الجعفري قال: لو كانت هذه الجلسة مخصصة صدقا لبحث سبل تأمين المساعدة الإنسانية للشعب السوري فلماذا يصر البعض على الترويج للعمل خارج إطار الأمم المتحدة في مخالفة واضحة لنصوص القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

ولفت الجعفري إلى أنه من غير المفهوم أن تشارك بعض الدول أيضا في تقديم المساعدة الإنسانية ولو بمبالغ رمزية وشروط مسبقة عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (الأوتشا) وفي ذات الوقت تفرض تلك الدول إياها عقوبات اقتصادية جائرة تركت تداعيات إنسانية خطيرة على مجمل حياة الشعب السوري ومست لقمة عيشه ورفاهه وحرمته من الدواء والمعدات الطبية.

وتساءل الجعفري كيف يمكن فهم قيام بعض الدول التي دفعت باتجاه تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي بذريعة التعاطف مع الشعب السوري وكيف يمكن فهم قيام تلك الدول بالحديث عن تقديم المساعدات الإنسانية إلى سورية والتباكي على الوضع الإنساني للشعب السوري في الوقت الذي لم تساهم فيه تلك الدول العربية والإسلامية في تقديم أي مساهمات لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي وقعتها الأوتشا مع الحكومة السورية علما بأن ضعف التمويل يشكل العقبة الأساسية التي تواجه تنفيذ تلك الخطة.

وأضاف الجعفري.. كم نتمنى اليوم أن تصدق النوايا عندما يتحدث البعض عن التعامل مع الجانب الإنساني للأزمة .. وأنا أقول هذا لأن هناك انطباعا لدينا في سورية أن البعض يريد مساعدة الشعب السوري ولكن بشرط أن تستمر هذه المساعدة حتى آخر سوري في سورية.

وقال الجعفري أود أن أستذكر حكمة صينية معروفة تقول "تبدأ الحكمة بتسمية الأمور بأسمائها" لؤكد أن الطريقة المثلى إن صدقت النوايا لمساعدة الشعب السوري تكمن أولا وقبل كل شيء في معالجة الأسباب التي أدت إلى معاناته إذ أن استمرار الجماعات المسلحة المدعومة خارجيا في تدمير مختلف سبل العيش من بنى تحتية ومرافق صحية وتعليمية وخدمية وطرق مواصلات ومصادر الطاقة ووسائل إيصالها ودور عبادة ومتاحف ونشر العنف وإباحة القتل الحلال وترويع الآمنين هي كلها أمور تقف بشكل مباشر وراء هذه المعاناة التي استفحلت عندما حاولت الجماعات المسلحة السيطرة عسكريا على أحياء آهلة بالسكان في بعض المدن الرئيسية متخذة المدنيين دروعا بشرية.

الجعفري أضاف إنني أنصحكم في هذا المجال بقراءة المقال الذي كتبه الصحفي البريطاني في جريدة الأندبندنت روبرت فيسك حول ما رآه وما شاهده في حلب وهو مقال يؤكد ما أقوله في بياني اليوم.

وأشار الجعفري إلى أن هذا التوصيف يتفق تماما مع ما أقر به كبار مسؤولي الأمم المتحدة أنفسهم ومن بينهم الجنرال روبرت مود وغيره ومثال على ذلك ما أسمته تلك الجماعات المسلحة تارة باسم معركة حمص وطورا باسم معركة دمشق الكبرى والآن باسم معركة حلب وكأنها كلها معارك تجري خارج سورية أو أنها معارك تجري بين سورية ودولة أخرى وكأن أحدا في هذه القاعة لا يعرف أن حلب وحمص ودمشق هي مدن في سورية.

وقال الجعفري سؤالي لكم جميعا هنا .. هل هناك أي دولة في العالم ترضى بأن يسيطر المسلحون والإرهابيون والمرتزقة المدعومون من الخارج على أحياء من مدنها وهل من الممكن أن تتخلى أي حكومة من حكوماتكم عن واجبها في حماية مواطنيها وتركهم تحت رحمة الإرهاب والتطرف والعنف.

وقال الجعفري: إن بعض ممثلي دول المجلس قالوا العبارات التالية "خطة النقاط الست ولدت ميتة .. المراقبون العرب ثم الأمميون شهود زور .. لا للحل السياسي السلمي .. لا للحوار الوطني .. لا حل إلا بتسليح المعارضة .. لا بد من التدخل العسكري الخارجي وإسقاط النظام ... يجب إنشاء ممرات آمنة ومناطق عازلة وحكومات مؤقتة .. لا رجعة عن القتال ضد سلطة الدولة السورية وإسقاط مؤسساتها .. الرئيس السوري فقد شرعيته وعليه أن يتنحى" وهذه كلها اقتباسات من تصريحات رسمية نسبت إلى مسؤولين في دول بعضها ممثل في هذا المجلس وبعضها من منطقتنا فإذا كانت هذه العبارات تشكل جوهر تصريحات وتوجهات بعض الأطراف العربية والإقليمية والدولية التي تدعم المجموعات المسلحة ومن يمثلها خارج سورية فكيف يمكن وقف العنف وحل الأزمة في سورية سلميا.

وتساءل الجعفري ألم يحن الأوان بعد كي نأخذ جميعنا العبرة من الكوارث والمصائب والويلات التي نجمت عن سياسات التدخل الخارجي لبعض القوى الدولية النافذة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

وقال الجعفري إزاء تلك السلبية تجاوبت الحكومة السورية مع المطالب الشعبية المحقة وتعاملت بانفتاح وإيجابية مع كل المبادرات الهادفة إلى حل الأزمة سلميا وسياسيا بما في ذلك تطبيق خطة النقاط الست التي قدمت لها سورية كل الدعم وتعاونت في إطارها مع بعثة المراقبين ووفرت كل التسهيلات اللازمة لعملها ضمن حدود الاتفاقات التي وقعت مع الأمم المتحدة وكوفي عنان وضمن حدود السيادة والاستقلال الوطني.

وأوضح الجعفري أن سورية رحبت بالبيان الختامي الصادر عن اجتماع مجموعة العمل في جنيف وفقا للبيان الرسمي الصادر في حينه عن وزارة الخارجية كما أنها وافقت على تعيين الأخضر الإبراهيمي كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ولكن المستغرب أن بعض الدول التي كانت جزءا من التوافق على البيان سارعت إلى وأده حيا بعد صدوره بساعات وذلك عبر خلق مسارات موازية غير توافقية هدفها إجهاض أي جهد أو تحرك لحل الأزمة في سورية سلميا بما في ذلك تعطيل الحوار الوطني بقيادة سورية وتسويق فكرة حتيمة التدخل العسكري تحت ذرائع إنسانية واهية بما يؤكد حكما وجود هوس هستيري لدى ساسة تلك الدول لاستهداف سورية الوطن والدولة والشعب.

وأشار الجعفري إلى أن القراءة الخاطئة وغير الموضوعية لدى البعض والإصرار على سياسة الإملاءات والتدخل السافر في الشؤون الداخلية السورية لدى البعض الآخر وكذلك عدم تعاون بعض الدول مع خطة النقاط الست أدى للأسف إلى استقالة كوفي عنان وإلى عدم التمديد لبعثة المراقبين في سورية.

وعرض الجعفري على أعضاء المجلس جدولا يتضمن 107 أسماء وهويات لإرهابيين أجانب عرب من تونس وليبيا والسعودية والأردن ومصر وغير عرب قتلوا في حلب على يد قوات الجيش وحفظ النظام وطلب تعميمه كوثيقة رسمية من وثائق الأمم المتحدة.

وأكد الجعفري أن سورية استقبلت ملايين اللاجئين على مر العقود الماضية بسبب أعمال عدائية لا علاقة لها بها والسيد انطونيو غوتيرس المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يعرف تماما معنى ذلك لأنه كان وما يزال شاهد عيان على مدى ضيافة سورية لملايين اللاجئين عربا وغير عرب ممن احتضنتهم مجانا ودون أن تروج أو تسوق مأساتهم في أي محفل دولي.

وقال الجعفري إن سورية لم تنصب لملايين اللاجئين الذين قصدوها خياما في معسكرات على الحدود وفي الصحراء بهدف استغلالهم والتلاعب بهم وبآلامهم وآمالهم بل قامت بواجبها تجاههم وتقاسمت معهم مواردها المحدودة وعاملتهم كما يعامل السوريون أنفسهم وذلك انطلاقا من روابط الأخوة ومن مسؤولياتها الإنسانية والتزاماتها الدولية.

وأوضح الجعفري أن السوريين يشعرون بالألم والحسرة عند رؤيتهم لبعض من إخوانهم يرغمون على الإقامة في خيام على الحدود في ظروف مزرية للغاية حيث يتم ترهيبهم زيفا من العودة إلى وطنهم والإساءة إلى كرامتهم عبر تحويلهم إلى لاجئين سجناء في مخيمات أقل ما توصف به أنها معسكرات اعتقال.

وطالب الجعفري باسم الحكومة السورية من الدول التي استقبلت لاجئين سوريين أن تسمح لمن يريد العودة بالعودة وألا تقفل المخيمات أمام حق اللاجئين بالعودة إلى وطنهم الأم سورية.

وقال الجعفري: إننا نشكر في نفس الوقت من يمد يد المساعدة الإنسانية لأولئك اللاجئين بدون أجندة سياسية.

ولفت مندوب سورية لدى الامم المتحدة إلى تحويل بعض هذه المخيمات إلى مراكز عسكرية يتم تجميع الإرهابيين فيها وتدريبهم تمهيدا لإرسالهم إلى سورية لاحقا لارتكاب جرائمهم البشعة كما حدث ويحدث اليوم في حلب.

وأكد الجعفري أن ما يخطط الآن لسورية في بعض العواصم شيء وما يريده الشعب السوري من إصلاح حقيقي والانتقال إلى حياة أفضل هو شيء آخر تماما إذ لم تعد التحديات تتعلق بتحقيق مطالب إصلاحية مشروعة ومحقة فقط بل إن التحدي الأكبر يتمثل الآن في حماية سورية الدولة ومواجهة أجندات التطرف والإرهاب التي ترنوا إلى إعادة سورية بتاريخها الحضاري المتسامح إلى عصر الجاهلية ومحاكم التفتيش.

وقال الجعفري: إننا لا نريد في سورية أن نقيم ديمقراطية طائفية فسورية كانت وستبقى دولة لكل السوريين بدون استثناء وبجميع مكوناتها وسورية حضارة قبل أن تكون دولة.

وأضاف الجعفري إننا استمعنا بكل اهتمام إلى تصريح وزير خارجية فرنسا في 29 تموز الماضي عندما قال إن هناك أسلحة تسلم من قبل قطر والسعودية ودول أخرى إلى المجموعات المسلحة .. وبناءا على ذلك فنحن نتوقع من فرنسا التي بحوزتها تلك المعلومات حول تهريب الاسلحة إلى سورية أن تتخذ الإجراءات المناسبة المنوطة بها بحكم مسؤولياتها كعضو دائم في مجلس الأمن وكرئيس حالي للمجلس من أجل ضمان الاحترام الصارم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وروح ونص قراري مجلس الأمن رقم 2042 و 2043 طالما أن الجميع يعرف بأن التغاضي عن تهريب هذه الأسلحة إلى المسلحين في سورية يضرب بعرض الحائط كل هذه الأحكام.

وأشار الجعفري إلى أن كبريات الصحافة التركية والعالمية ذكرت الدور الذي تقوم به الحكومة التركية وليس الشعب التركي الشقيق والمجاور الذي تربطه بالشعب السوري كل أواصر الجغرافيا والتاريخ .. في سفك دماء السوريين ونقول ذلك لأن عنان عزى أسباب فشله إلى ثلاثة أسباب رئيسية كان أحدها هو عدم تعاون الأطراف والدول التي لها تأثير على المجموعات المسلحة لوقف العنف.

وتابع مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة إننا جميعا نعرف أن الجارة تركيا لو اكتفت باستقبال اللاجئين السوريين فوق أراضيها لكنا لها ممنونين ولكن أن تستضيف الدولة التركية فوق أراضيها قيادات جماعات مسلحة تقوم بأعمال إجرامية وإرهابية عبر الحدود المشتركة مع سورية وتسمح لهذه المجموعات بإقامة معسكرات تدريب عسكرية للتيارات السلفية والوهابية والأصولية والجاهلية القادمة مما قبل التاريخ فعند إذ تصبح الحكومة التركية وليس الشعب التركي شريكا رئيسيا في سفك الدماء السورية وأنا كنت أتمنى أن أقول هذا الكلام لوزير خارجية تركيا وليس لأخي وصديقي سعادة السفير الذي أعرف مدى استقامته المهنية والأخلاقية.

وقال الجعفري: إن تهريب السلاح عبر لبنان يجري من قبل أطراف سياسية في لبنان وليس لبنان الرسمي فعندما تصادر الحكومة اللبنانية سفينة أسلحة قادمة من ليبيا اسمها (لطف الله 2)ولكنها في الحقيقة غضب الله مليئة بالأسلحة ومعدة للأرسال إلى سورية فهذه مسألة لا تليق بالعلاقات الأخوية والأواصر القائمة بين البلدين ولعلم المجلس فقد تلى تلك السفينة سبعة سفن أخرى محملة بالأسلحة أيضا ومعدة للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية.

وأضاف الجعفري.. إن ممثل لبنان اشتكى من وجود 20 ألف سوري في لبنان ولكننا في يوم من الأيام استقبلنا نصف سكان لبنان ضيوفا في سورية بسبب العدوان الإسرائيلي عليه عام 2006 ولم نأت حينها إلى مجلس الأمن لنطلب أي مساعدة بل فتحنا بيوتنا كشعب ودولة لإخواننا اللبنانيين.

وأوضح الجعفري أن إغلاق سفارات البعض في دمشق حجب الرؤية عن عواصمها وانقطعت سبل التحليل الصائب لما يجري ولذلك أنا لا ألوم ما قاله السيد الوزير المغربي لأنني لا أريد أن أفتح جروح البعض وأنا أدعو الوزير المغربي إلى تصحيح علاقات المغرب مع الدول المجاورة له وتلبية مطالب الإصلاح لدى الشعب المغربي وفي مقدمتها إلغاء الطقوس الملكية التي عفى عنها الزمان والتي تقضي من كل مغربي أن يركع أمام الملك ويقبل يديه ... ثم ماذا عن قضية الصحراء الغربية فهل تريدون أن نفتحها للحديث حيث أن هناك شعبا في الصحراء يطالب بحقوقه.

وقال الجعفري إنني عملت في السفارة السورية في باريس خلال فترة رئاسة فرانسوا ميتران لفرنسا وحينها كنت شابا ودبلوماسيا حديث العهد وتعلمت خلال دراستي الجامعية في فرنسا من المؤسسات الفرنسية قيم الاستقلال والقيم الوطنية وأن أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول يعتبر أمرا مرفوضا كما أنني كنت مطلعا على الرسائل الأساسية لجان جاك روسو ومونتسكيو وغيرهما وعلى المبادئء السامية للقانون الدولي وأنا أتذكر مبدأ أعتز به بشكل كبير وهو أن رمز الدولة يجب أن يحترم.. والذي هو رئيس الدولة ولذلك سأمتنع عن انتقاد رئيس فرنسا و وزرائها وأقول لوزير الخارجية الفرنسي إنك خاطبتني كممثل لبلدي ونيابة عن شعبي وحكومتي ولذلك سأخاطبك باسمهما لأعبر عن قلقنا الكبير فيما يخص إضافة معنى جديد إلى ذكرياتنا وعلاقاتنا القديمة التي تعود إلى أيام الاحتلال حيث أننا حاولنا التخلص من تلك الذكريات الأليمة منذ عام 1946 .

وأضاف الجعفري أتوجه إلى زميلي سفير ألمانيا الذي دعا إلى بناء سورية المستقبل لكل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم ثم قال إنه لا مستقبل للأسد في سورية الجديدة وأنا هنا أساله من خولك أن تتحدث باسم الشعب السوري .. أليس ذلك خروجا عن التقاليد الدبلوماسية في هذا المحفل المهم.

وقال الجعفري: إذا كان سعادة سفير ألمانيا حريصا على بناء سورية المستقبل لكل السوريين فلماذا نشرت صحيفة (دي فيلت) الألمانية مقالا قبل يومين جاء فيه أن الحكومة الألمانية تقوم حاليا بإعداد مخطط في أروقة البرلمان الألماني (البوندستاغ) لترتيب استقبال مواطنين سوريين مسيحيين فلماذا مسيحيين فقط ولماذا نريد تفكيك بنية هذا المجتمع السوري المتسامح الجميل الذي تحدثتم عنه كلكم وأترك هذا السؤال لعناية الجميع.

  • فريق ماسة
  • 2012-08-30
  • 11042
  • من الأرشيف

الجعفري يعري كل من تكلم بحق سورية في مجلس الأمن.. سورية استقبلت ملايين اللاجئين على مر العقود الماضية مجانا ودون أن تروج أو تسوق مأساتهم في أي محفل دولي

قال الدكتور بشار الجعفري مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة في جلسة مجلس الأمن التي عقدت لدراسة الاوضاع الانسانية في سورية قال: إن بعض الدول لا ترى موضوع المساعدات الإنسانية إلا من منظور أجنداتها السياسية والتدخلية ولا تستطيع أن تفهم نبل هذا الموضوع إلا في إطار توظيف هذه المساعدات الإنسانية في خدمة أهدافها التدخلية في شؤون الدول الأخرى ومن بينها سورية. الجعفري قال: لو كانت هذه الجلسة مخصصة صدقا لبحث سبل تأمين المساعدة الإنسانية للشعب السوري فلماذا يصر البعض على الترويج للعمل خارج إطار الأمم المتحدة في مخالفة واضحة لنصوص القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ولفت الجعفري إلى أنه من غير المفهوم أن تشارك بعض الدول أيضا في تقديم المساعدة الإنسانية ولو بمبالغ رمزية وشروط مسبقة عبر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (الأوتشا) وفي ذات الوقت تفرض تلك الدول إياها عقوبات اقتصادية جائرة تركت تداعيات إنسانية خطيرة على مجمل حياة الشعب السوري ومست لقمة عيشه ورفاهه وحرمته من الدواء والمعدات الطبية. وتساءل الجعفري كيف يمكن فهم قيام بعض الدول التي دفعت باتجاه تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي بذريعة التعاطف مع الشعب السوري وكيف يمكن فهم قيام تلك الدول بالحديث عن تقديم المساعدات الإنسانية إلى سورية والتباكي على الوضع الإنساني للشعب السوري في الوقت الذي لم تساهم فيه تلك الدول العربية والإسلامية في تقديم أي مساهمات لتمويل خطة الاستجابة الإنسانية التي وقعتها الأوتشا مع الحكومة السورية علما بأن ضعف التمويل يشكل العقبة الأساسية التي تواجه تنفيذ تلك الخطة. وأضاف الجعفري.. كم نتمنى اليوم أن تصدق النوايا عندما يتحدث البعض عن التعامل مع الجانب الإنساني للأزمة .. وأنا أقول هذا لأن هناك انطباعا لدينا في سورية أن البعض يريد مساعدة الشعب السوري ولكن بشرط أن تستمر هذه المساعدة حتى آخر سوري في سورية. وقال الجعفري أود أن أستذكر حكمة صينية معروفة تقول "تبدأ الحكمة بتسمية الأمور بأسمائها" لؤكد أن الطريقة المثلى إن صدقت النوايا لمساعدة الشعب السوري تكمن أولا وقبل كل شيء في معالجة الأسباب التي أدت إلى معاناته إذ أن استمرار الجماعات المسلحة المدعومة خارجيا في تدمير مختلف سبل العيش من بنى تحتية ومرافق صحية وتعليمية وخدمية وطرق مواصلات ومصادر الطاقة ووسائل إيصالها ودور عبادة ومتاحف ونشر العنف وإباحة القتل الحلال وترويع الآمنين هي كلها أمور تقف بشكل مباشر وراء هذه المعاناة التي استفحلت عندما حاولت الجماعات المسلحة السيطرة عسكريا على أحياء آهلة بالسكان في بعض المدن الرئيسية متخذة المدنيين دروعا بشرية. الجعفري أضاف إنني أنصحكم في هذا المجال بقراءة المقال الذي كتبه الصحفي البريطاني في جريدة الأندبندنت روبرت فيسك حول ما رآه وما شاهده في حلب وهو مقال يؤكد ما أقوله في بياني اليوم. وأشار الجعفري إلى أن هذا التوصيف يتفق تماما مع ما أقر به كبار مسؤولي الأمم المتحدة أنفسهم ومن بينهم الجنرال روبرت مود وغيره ومثال على ذلك ما أسمته تلك الجماعات المسلحة تارة باسم معركة حمص وطورا باسم معركة دمشق الكبرى والآن باسم معركة حلب وكأنها كلها معارك تجري خارج سورية أو أنها معارك تجري بين سورية ودولة أخرى وكأن أحدا في هذه القاعة لا يعرف أن حلب وحمص ودمشق هي مدن في سورية. وقال الجعفري سؤالي لكم جميعا هنا .. هل هناك أي دولة في العالم ترضى بأن يسيطر المسلحون والإرهابيون والمرتزقة المدعومون من الخارج على أحياء من مدنها وهل من الممكن أن تتخلى أي حكومة من حكوماتكم عن واجبها في حماية مواطنيها وتركهم تحت رحمة الإرهاب والتطرف والعنف. وقال الجعفري: إن بعض ممثلي دول المجلس قالوا العبارات التالية "خطة النقاط الست ولدت ميتة .. المراقبون العرب ثم الأمميون شهود زور .. لا للحل السياسي السلمي .. لا للحوار الوطني .. لا حل إلا بتسليح المعارضة .. لا بد من التدخل العسكري الخارجي وإسقاط النظام ... يجب إنشاء ممرات آمنة ومناطق عازلة وحكومات مؤقتة .. لا رجعة عن القتال ضد سلطة الدولة السورية وإسقاط مؤسساتها .. الرئيس السوري فقد شرعيته وعليه أن يتنحى" وهذه كلها اقتباسات من تصريحات رسمية نسبت إلى مسؤولين في دول بعضها ممثل في هذا المجلس وبعضها من منطقتنا فإذا كانت هذه العبارات تشكل جوهر تصريحات وتوجهات بعض الأطراف العربية والإقليمية والدولية التي تدعم المجموعات المسلحة ومن يمثلها خارج سورية فكيف يمكن وقف العنف وحل الأزمة في سورية سلميا. وتساءل الجعفري ألم يحن الأوان بعد كي نأخذ جميعنا العبرة من الكوارث والمصائب والويلات التي نجمت عن سياسات التدخل الخارجي لبعض القوى الدولية النافذة في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء. وقال الجعفري إزاء تلك السلبية تجاوبت الحكومة السورية مع المطالب الشعبية المحقة وتعاملت بانفتاح وإيجابية مع كل المبادرات الهادفة إلى حل الأزمة سلميا وسياسيا بما في ذلك تطبيق خطة النقاط الست التي قدمت لها سورية كل الدعم وتعاونت في إطارها مع بعثة المراقبين ووفرت كل التسهيلات اللازمة لعملها ضمن حدود الاتفاقات التي وقعت مع الأمم المتحدة وكوفي عنان وضمن حدود السيادة والاستقلال الوطني. وأوضح الجعفري أن سورية رحبت بالبيان الختامي الصادر عن اجتماع مجموعة العمل في جنيف وفقا للبيان الرسمي الصادر في حينه عن وزارة الخارجية كما أنها وافقت على تعيين الأخضر الإبراهيمي كممثل خاص للأمين العام للأمم المتحدة ولكن المستغرب أن بعض الدول التي كانت جزءا من التوافق على البيان سارعت إلى وأده حيا بعد صدوره بساعات وذلك عبر خلق مسارات موازية غير توافقية هدفها إجهاض أي جهد أو تحرك لحل الأزمة في سورية سلميا بما في ذلك تعطيل الحوار الوطني بقيادة سورية وتسويق فكرة حتيمة التدخل العسكري تحت ذرائع إنسانية واهية بما يؤكد حكما وجود هوس هستيري لدى ساسة تلك الدول لاستهداف سورية الوطن والدولة والشعب. وأشار الجعفري إلى أن القراءة الخاطئة وغير الموضوعية لدى البعض والإصرار على سياسة الإملاءات والتدخل السافر في الشؤون الداخلية السورية لدى البعض الآخر وكذلك عدم تعاون بعض الدول مع خطة النقاط الست أدى للأسف إلى استقالة كوفي عنان وإلى عدم التمديد لبعثة المراقبين في سورية. وعرض الجعفري على أعضاء المجلس جدولا يتضمن 107 أسماء وهويات لإرهابيين أجانب عرب من تونس وليبيا والسعودية والأردن ومصر وغير عرب قتلوا في حلب على يد قوات الجيش وحفظ النظام وطلب تعميمه كوثيقة رسمية من وثائق الأمم المتحدة. وأكد الجعفري أن سورية استقبلت ملايين اللاجئين على مر العقود الماضية بسبب أعمال عدائية لا علاقة لها بها والسيد انطونيو غوتيرس المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يعرف تماما معنى ذلك لأنه كان وما يزال شاهد عيان على مدى ضيافة سورية لملايين اللاجئين عربا وغير عرب ممن احتضنتهم مجانا ودون أن تروج أو تسوق مأساتهم في أي محفل دولي. وقال الجعفري إن سورية لم تنصب لملايين اللاجئين الذين قصدوها خياما في معسكرات على الحدود وفي الصحراء بهدف استغلالهم والتلاعب بهم وبآلامهم وآمالهم بل قامت بواجبها تجاههم وتقاسمت معهم مواردها المحدودة وعاملتهم كما يعامل السوريون أنفسهم وذلك انطلاقا من روابط الأخوة ومن مسؤولياتها الإنسانية والتزاماتها الدولية. وأوضح الجعفري أن السوريين يشعرون بالألم والحسرة عند رؤيتهم لبعض من إخوانهم يرغمون على الإقامة في خيام على الحدود في ظروف مزرية للغاية حيث يتم ترهيبهم زيفا من العودة إلى وطنهم والإساءة إلى كرامتهم عبر تحويلهم إلى لاجئين سجناء في مخيمات أقل ما توصف به أنها معسكرات اعتقال. وطالب الجعفري باسم الحكومة السورية من الدول التي استقبلت لاجئين سوريين أن تسمح لمن يريد العودة بالعودة وألا تقفل المخيمات أمام حق اللاجئين بالعودة إلى وطنهم الأم سورية. وقال الجعفري: إننا نشكر في نفس الوقت من يمد يد المساعدة الإنسانية لأولئك اللاجئين بدون أجندة سياسية. ولفت مندوب سورية لدى الامم المتحدة إلى تحويل بعض هذه المخيمات إلى مراكز عسكرية يتم تجميع الإرهابيين فيها وتدريبهم تمهيدا لإرسالهم إلى سورية لاحقا لارتكاب جرائمهم البشعة كما حدث ويحدث اليوم في حلب. وأكد الجعفري أن ما يخطط الآن لسورية في بعض العواصم شيء وما يريده الشعب السوري من إصلاح حقيقي والانتقال إلى حياة أفضل هو شيء آخر تماما إذ لم تعد التحديات تتعلق بتحقيق مطالب إصلاحية مشروعة ومحقة فقط بل إن التحدي الأكبر يتمثل الآن في حماية سورية الدولة ومواجهة أجندات التطرف والإرهاب التي ترنوا إلى إعادة سورية بتاريخها الحضاري المتسامح إلى عصر الجاهلية ومحاكم التفتيش. وقال الجعفري: إننا لا نريد في سورية أن نقيم ديمقراطية طائفية فسورية كانت وستبقى دولة لكل السوريين بدون استثناء وبجميع مكوناتها وسورية حضارة قبل أن تكون دولة. وأضاف الجعفري إننا استمعنا بكل اهتمام إلى تصريح وزير خارجية فرنسا في 29 تموز الماضي عندما قال إن هناك أسلحة تسلم من قبل قطر والسعودية ودول أخرى إلى المجموعات المسلحة .. وبناءا على ذلك فنحن نتوقع من فرنسا التي بحوزتها تلك المعلومات حول تهريب الاسلحة إلى سورية أن تتخذ الإجراءات المناسبة المنوطة بها بحكم مسؤولياتها كعضو دائم في مجلس الأمن وكرئيس حالي للمجلس من أجل ضمان الاحترام الصارم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وروح ونص قراري مجلس الأمن رقم 2042 و 2043 طالما أن الجميع يعرف بأن التغاضي عن تهريب هذه الأسلحة إلى المسلحين في سورية يضرب بعرض الحائط كل هذه الأحكام. وأشار الجعفري إلى أن كبريات الصحافة التركية والعالمية ذكرت الدور الذي تقوم به الحكومة التركية وليس الشعب التركي الشقيق والمجاور الذي تربطه بالشعب السوري كل أواصر الجغرافيا والتاريخ .. في سفك دماء السوريين ونقول ذلك لأن عنان عزى أسباب فشله إلى ثلاثة أسباب رئيسية كان أحدها هو عدم تعاون الأطراف والدول التي لها تأثير على المجموعات المسلحة لوقف العنف. وتابع مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة إننا جميعا نعرف أن الجارة تركيا لو اكتفت باستقبال اللاجئين السوريين فوق أراضيها لكنا لها ممنونين ولكن أن تستضيف الدولة التركية فوق أراضيها قيادات جماعات مسلحة تقوم بأعمال إجرامية وإرهابية عبر الحدود المشتركة مع سورية وتسمح لهذه المجموعات بإقامة معسكرات تدريب عسكرية للتيارات السلفية والوهابية والأصولية والجاهلية القادمة مما قبل التاريخ فعند إذ تصبح الحكومة التركية وليس الشعب التركي شريكا رئيسيا في سفك الدماء السورية وأنا كنت أتمنى أن أقول هذا الكلام لوزير خارجية تركيا وليس لأخي وصديقي سعادة السفير الذي أعرف مدى استقامته المهنية والأخلاقية. وقال الجعفري: إن تهريب السلاح عبر لبنان يجري من قبل أطراف سياسية في لبنان وليس لبنان الرسمي فعندما تصادر الحكومة اللبنانية سفينة أسلحة قادمة من ليبيا اسمها (لطف الله 2)ولكنها في الحقيقة غضب الله مليئة بالأسلحة ومعدة للأرسال إلى سورية فهذه مسألة لا تليق بالعلاقات الأخوية والأواصر القائمة بين البلدين ولعلم المجلس فقد تلى تلك السفينة سبعة سفن أخرى محملة بالأسلحة أيضا ومعدة للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية. وأضاف الجعفري.. إن ممثل لبنان اشتكى من وجود 20 ألف سوري في لبنان ولكننا في يوم من الأيام استقبلنا نصف سكان لبنان ضيوفا في سورية بسبب العدوان الإسرائيلي عليه عام 2006 ولم نأت حينها إلى مجلس الأمن لنطلب أي مساعدة بل فتحنا بيوتنا كشعب ودولة لإخواننا اللبنانيين. وأوضح الجعفري أن إغلاق سفارات البعض في دمشق حجب الرؤية عن عواصمها وانقطعت سبل التحليل الصائب لما يجري ولذلك أنا لا ألوم ما قاله السيد الوزير المغربي لأنني لا أريد أن أفتح جروح البعض وأنا أدعو الوزير المغربي إلى تصحيح علاقات المغرب مع الدول المجاورة له وتلبية مطالب الإصلاح لدى الشعب المغربي وفي مقدمتها إلغاء الطقوس الملكية التي عفى عنها الزمان والتي تقضي من كل مغربي أن يركع أمام الملك ويقبل يديه ... ثم ماذا عن قضية الصحراء الغربية فهل تريدون أن نفتحها للحديث حيث أن هناك شعبا في الصحراء يطالب بحقوقه. وقال الجعفري إنني عملت في السفارة السورية في باريس خلال فترة رئاسة فرانسوا ميتران لفرنسا وحينها كنت شابا ودبلوماسيا حديث العهد وتعلمت خلال دراستي الجامعية في فرنسا من المؤسسات الفرنسية قيم الاستقلال والقيم الوطنية وأن أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول يعتبر أمرا مرفوضا كما أنني كنت مطلعا على الرسائل الأساسية لجان جاك روسو ومونتسكيو وغيرهما وعلى المبادئء السامية للقانون الدولي وأنا أتذكر مبدأ أعتز به بشكل كبير وهو أن رمز الدولة يجب أن يحترم.. والذي هو رئيس الدولة ولذلك سأمتنع عن انتقاد رئيس فرنسا و وزرائها وأقول لوزير الخارجية الفرنسي إنك خاطبتني كممثل لبلدي ونيابة عن شعبي وحكومتي ولذلك سأخاطبك باسمهما لأعبر عن قلقنا الكبير فيما يخص إضافة معنى جديد إلى ذكرياتنا وعلاقاتنا القديمة التي تعود إلى أيام الاحتلال حيث أننا حاولنا التخلص من تلك الذكريات الأليمة منذ عام 1946 . وأضاف الجعفري أتوجه إلى زميلي سفير ألمانيا الذي دعا إلى بناء سورية المستقبل لكل السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم ثم قال إنه لا مستقبل للأسد في سورية الجديدة وأنا هنا أساله من خولك أن تتحدث باسم الشعب السوري .. أليس ذلك خروجا عن التقاليد الدبلوماسية في هذا المحفل المهم. وقال الجعفري: إذا كان سعادة سفير ألمانيا حريصا على بناء سورية المستقبل لكل السوريين فلماذا نشرت صحيفة (دي فيلت) الألمانية مقالا قبل يومين جاء فيه أن الحكومة الألمانية تقوم حاليا بإعداد مخطط في أروقة البرلمان الألماني (البوندستاغ) لترتيب استقبال مواطنين سوريين مسيحيين فلماذا مسيحيين فقط ولماذا نريد تفكيك بنية هذا المجتمع السوري المتسامح الجميل الذي تحدثتم عنه كلكم وأترك هذا السؤال لعناية الجميع.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة