على مدى الاسابيع القليلة الماضية، حفل برنامج عدد من المسؤولين بزيارات ديبلوماسية غربية ذات طابع سياسي وعسكري، كان قاسمها الوحيد اختبار مدى جهوزية الارض اللبنانية لتحمل تداعيات التطورات السورية. وظهر جلياً في كثير من اللقاءات التي تسربت خطوطها العريضة، ان ثمة عنواناً رئيسياً تركز في الاحاديث الاوروبية على ضرورة فصل لبنان عن المسار السوري، وابداء الحرص الديبلوماسي على منح لبنان حصانة اوروبية ودولية، لمنع انزلاقه نحو حافة الهاوية.

وشدد أكثر من زائر على المسؤولين اللبنانيين بضرورة الاخذ في الحسبان امكان ان تطول الازمة السورية، الامر الذي يستدعي لملمة الوضع الداخلي وعدم انجراف اي طرف داخلي الى خرق الهدنة المضبوطة الايقاع على الساحة اللبنانية. وسأل الاوروبيون كثيراً عن تفاصيل داخلية من زاوية انعكاسها على بعثاتهم وعلى القوات الدولية العاملة في الجنوب، وابدوا اهتماما ايضاً بأوضاع النازحين السوريين، ومدى قدرة لبنان على استيعابهم، ولا سيما ان تقديرات غير رسمية تحدثت عن وصول نحو مئة الف نازح سوري الى لبنان. والفارق بين العدد الرسمي والعدد الذي تقدره مفوضية العليا للاجئين، هو ان كثيراً من العائلات الميسورة او المتوسطة الحال لم تسجل نفسها ولم تتجمع في اماكن وبقع تشرف عليها المفوضية، بل تملك شققها الخاصة، او توزعت (كما فعلت العائلات المسيحية في جبل لبنان) على مدى الاشهر الماضية عند اقاربها في لبنان.

طرح الأوروبيون أسئلة ونالوا ايضاً عنها أجوبة مقنعة، حول عناصر ضبط الوضع الداخلي، رغم ما يطفو من حوادث امنية. والابرز في المقابل تطور الكلام الاميركي خلال الزيارات الرسمية الى لبنان، وصولا الى جملة مواقف نقلت في لقاءات عقدتها السفيرة الاميركية مورا كونيللي حول الوضع الداخلي.

في تموز، زار لبنان كل من السناتور الاميركي جون ماكين، مع كل ما احدثته تصريحاته من لغط حول المنطقة العازلة والتوضيحات التي اعطيت حول قيام هذه المنطقة في تركيا. وتبعه نائب وزير الخارجية وليم بيرنز الذي لحظ بحسب بيان السفارة «سياسة النأي بالنفس اللبنانية وأعاد التأكيد على اهتمام الولايات المتحدة ببقاء لبنان منيعاً ضد أعمال العنف في سوريا». وفي اقل من أسبوع زار لبنان في مستهل الشهر الجاري كل من قائد القوات الخاصة في القيادة الوسطى الاميركية الجنرال كين توف وقائد القوات البحرية في القيادة الوسطى الاميركية جون ميلر، اللذين بحثا في المساعدات العسكرية للجيش اللبناني.

لم يلغ ميلر زيارته الى لبنان، التي تزامنت مع قطع اهالي المخطوفين الـ 11 في سوريا طريق المطار، ولم يطرح حتى اسئلة حول هذا الموضوع. بدا وكأن ما حدث لم يشكل عائقا لديه للمجيء الى بيروت. واهتم ميلر، كما الجنرال توف، بتزويد الجيش بالمساعدات اللازمة ولا سيما لضبط الحدود، وبدا الاهتمام الاميركي لافتا من خلال رسالة جوابية ايجابية في اقل من شهر على الطلب الذي تقدمت به قيادة الجيش من القيادة الاميركية المركزية، بشأن هذه المساعدات.

تمحورت زيارات المسؤولين العسكريين الاميركيين حول الاستقرار في لبنان، وضرورة ضبط الحدود وأهمية تحييد لبنان عن الصراع السوري. وتركز الحرص العسكري الاميركي على الاستقرار بما يوازي همّ الديبلوماسيين الاميركيين والاوروبين خلال لقاءاتهم مسؤولين في الحكومة او اركان القوى السياسية، بضرورة ايلاء الجانب الانساني لقضية النازحين السوريين الاولوية، من دون التطرق الى البحث في اقامة مناطق عازلة او مخيمات سكنية.

لكن، في الايام الاخيرة، برزت لهجة اميركية مختلفة عن الاجواء السابقة. اذ تدرجت من تقديم تطمينات وطرح اسئلة توضيحية الى اقتراحات مباشرة واعطاء اشارات سياسية توجيهية حول الوضع الداخلي. في جعبة الديبلوماسية الاميركية، بحسب سياسي لبنان، محاولة لعزل موضوع حزب الله عن التطور السوري، وايجاد الفرصة الملائمة لخلق ضغط داخلي متنام على الحزب والتضييق عليه في اكثر من ملف. والكلام الاميركي تمحور حول اربعة عناوين: أولاً، تكرار التلميح في اللقاءات السياسية إلى تورط حزب الله في عملية بلغاريا، والتلويح باستعداد اسرائيل للرد على الحزب ولبنان، في حال ثبوت تورطه. ثانياً، كلام مباشر وصريح حول عدم تراجع واشنطن عن الضغط على الاتحاد الاوروبي من اجل وضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الارهابية. ثالثاً، بعد توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، اهتم الديبلوماسيون الاميركيون بمعرفة تفاصيل العملية، ومدى تورط دمشق فيها، وصولا الى طلب اتخاذ إجراءات حاسمة في حق السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، على خلفية نتائج التحقيقات القضائية، طارحين أسئلة عن الجدوى من بقائه في لبنان. رابعاً، ارتفعت لهجة التحذير الاميركية لرعايا الولايات المتحدة، وكذلك لعدد من القادة اللبنانيين حول المخاوف من عمليات اغتيال، (خارج اطار النفي الموضعي لما يتعلق بلقاء السفيرة الاميركية مورا كونيللي والعماد ميشال عون) وهو ما ترافق مع سلسلة تحذيرات امنية لهؤلاء بضرورة السفر او التزام اقصى درجات الحيطة.

ويلفت سياسي مطلع الى ان تغير اللهجة الاميركية، لم يقتصر على الاطار الامني. بالنسبة الى الاميركيين ثمة فرصة سانحة اليوم لتطويق حزب الله وحلفائه، وهذا الامر بدأ يأخذ مداه في ايقاع متسارع وضمن اطار سياسي متكامل، يتبلور في السجال المتعدد الوجوه حول الحوار الداخلي وقانون الانتخاب واداء الحكومة. وجاءت قضية سماحة لتضيف الى المشهد جرعة اضافية لاستهداف الفريق الذي يمثله واصابة عصفورين بحجر واحد، سوريا والحزب وكل الفريق السياسي المؤيد لهذا المحور. من هنا توقع ارتفاع حدة الخطاب السياسي وجنوحه نحو التشدد اكثر فأكثر، ما يسمح تدريجا بتلمس آفاق جديدة للوضع الداخلي، على ابواب مرحلة حساسة سورياً.


  • فريق ماسة
  • 2012-08-14
  • 9596
  • من الأرشيف

لهجة أميركية جديدة: فرصة لتطــويق حزب الله

على مدى الاسابيع القليلة الماضية، حفل برنامج عدد من المسؤولين بزيارات ديبلوماسية غربية ذات طابع سياسي وعسكري، كان قاسمها الوحيد اختبار مدى جهوزية الارض اللبنانية لتحمل تداعيات التطورات السورية. وظهر جلياً في كثير من اللقاءات التي تسربت خطوطها العريضة، ان ثمة عنواناً رئيسياً تركز في الاحاديث الاوروبية على ضرورة فصل لبنان عن المسار السوري، وابداء الحرص الديبلوماسي على منح لبنان حصانة اوروبية ودولية، لمنع انزلاقه نحو حافة الهاوية. وشدد أكثر من زائر على المسؤولين اللبنانيين بضرورة الاخذ في الحسبان امكان ان تطول الازمة السورية، الامر الذي يستدعي لملمة الوضع الداخلي وعدم انجراف اي طرف داخلي الى خرق الهدنة المضبوطة الايقاع على الساحة اللبنانية. وسأل الاوروبيون كثيراً عن تفاصيل داخلية من زاوية انعكاسها على بعثاتهم وعلى القوات الدولية العاملة في الجنوب، وابدوا اهتماما ايضاً بأوضاع النازحين السوريين، ومدى قدرة لبنان على استيعابهم، ولا سيما ان تقديرات غير رسمية تحدثت عن وصول نحو مئة الف نازح سوري الى لبنان. والفارق بين العدد الرسمي والعدد الذي تقدره مفوضية العليا للاجئين، هو ان كثيراً من العائلات الميسورة او المتوسطة الحال لم تسجل نفسها ولم تتجمع في اماكن وبقع تشرف عليها المفوضية، بل تملك شققها الخاصة، او توزعت (كما فعلت العائلات المسيحية في جبل لبنان) على مدى الاشهر الماضية عند اقاربها في لبنان. طرح الأوروبيون أسئلة ونالوا ايضاً عنها أجوبة مقنعة، حول عناصر ضبط الوضع الداخلي، رغم ما يطفو من حوادث امنية. والابرز في المقابل تطور الكلام الاميركي خلال الزيارات الرسمية الى لبنان، وصولا الى جملة مواقف نقلت في لقاءات عقدتها السفيرة الاميركية مورا كونيللي حول الوضع الداخلي. في تموز، زار لبنان كل من السناتور الاميركي جون ماكين، مع كل ما احدثته تصريحاته من لغط حول المنطقة العازلة والتوضيحات التي اعطيت حول قيام هذه المنطقة في تركيا. وتبعه نائب وزير الخارجية وليم بيرنز الذي لحظ بحسب بيان السفارة «سياسة النأي بالنفس اللبنانية وأعاد التأكيد على اهتمام الولايات المتحدة ببقاء لبنان منيعاً ضد أعمال العنف في سوريا». وفي اقل من أسبوع زار لبنان في مستهل الشهر الجاري كل من قائد القوات الخاصة في القيادة الوسطى الاميركية الجنرال كين توف وقائد القوات البحرية في القيادة الوسطى الاميركية جون ميلر، اللذين بحثا في المساعدات العسكرية للجيش اللبناني. لم يلغ ميلر زيارته الى لبنان، التي تزامنت مع قطع اهالي المخطوفين الـ 11 في سوريا طريق المطار، ولم يطرح حتى اسئلة حول هذا الموضوع. بدا وكأن ما حدث لم يشكل عائقا لديه للمجيء الى بيروت. واهتم ميلر، كما الجنرال توف، بتزويد الجيش بالمساعدات اللازمة ولا سيما لضبط الحدود، وبدا الاهتمام الاميركي لافتا من خلال رسالة جوابية ايجابية في اقل من شهر على الطلب الذي تقدمت به قيادة الجيش من القيادة الاميركية المركزية، بشأن هذه المساعدات. تمحورت زيارات المسؤولين العسكريين الاميركيين حول الاستقرار في لبنان، وضرورة ضبط الحدود وأهمية تحييد لبنان عن الصراع السوري. وتركز الحرص العسكري الاميركي على الاستقرار بما يوازي همّ الديبلوماسيين الاميركيين والاوروبين خلال لقاءاتهم مسؤولين في الحكومة او اركان القوى السياسية، بضرورة ايلاء الجانب الانساني لقضية النازحين السوريين الاولوية، من دون التطرق الى البحث في اقامة مناطق عازلة او مخيمات سكنية. لكن، في الايام الاخيرة، برزت لهجة اميركية مختلفة عن الاجواء السابقة. اذ تدرجت من تقديم تطمينات وطرح اسئلة توضيحية الى اقتراحات مباشرة واعطاء اشارات سياسية توجيهية حول الوضع الداخلي. في جعبة الديبلوماسية الاميركية، بحسب سياسي لبنان، محاولة لعزل موضوع حزب الله عن التطور السوري، وايجاد الفرصة الملائمة لخلق ضغط داخلي متنام على الحزب والتضييق عليه في اكثر من ملف. والكلام الاميركي تمحور حول اربعة عناوين: أولاً، تكرار التلميح في اللقاءات السياسية إلى تورط حزب الله في عملية بلغاريا، والتلويح باستعداد اسرائيل للرد على الحزب ولبنان، في حال ثبوت تورطه. ثانياً، كلام مباشر وصريح حول عدم تراجع واشنطن عن الضغط على الاتحاد الاوروبي من اجل وضع «حزب الله» على لائحة المنظمات الارهابية. ثالثاً، بعد توقيف الوزير السابق ميشال سماحة، اهتم الديبلوماسيون الاميركيون بمعرفة تفاصيل العملية، ومدى تورط دمشق فيها، وصولا الى طلب اتخاذ إجراءات حاسمة في حق السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي، على خلفية نتائج التحقيقات القضائية، طارحين أسئلة عن الجدوى من بقائه في لبنان. رابعاً، ارتفعت لهجة التحذير الاميركية لرعايا الولايات المتحدة، وكذلك لعدد من القادة اللبنانيين حول المخاوف من عمليات اغتيال، (خارج اطار النفي الموضعي لما يتعلق بلقاء السفيرة الاميركية مورا كونيللي والعماد ميشال عون) وهو ما ترافق مع سلسلة تحذيرات امنية لهؤلاء بضرورة السفر او التزام اقصى درجات الحيطة. ويلفت سياسي مطلع الى ان تغير اللهجة الاميركية، لم يقتصر على الاطار الامني. بالنسبة الى الاميركيين ثمة فرصة سانحة اليوم لتطويق حزب الله وحلفائه، وهذا الامر بدأ يأخذ مداه في ايقاع متسارع وضمن اطار سياسي متكامل، يتبلور في السجال المتعدد الوجوه حول الحوار الداخلي وقانون الانتخاب واداء الحكومة. وجاءت قضية سماحة لتضيف الى المشهد جرعة اضافية لاستهداف الفريق الذي يمثله واصابة عصفورين بحجر واحد، سوريا والحزب وكل الفريق السياسي المؤيد لهذا المحور. من هنا توقع ارتفاع حدة الخطاب السياسي وجنوحه نحو التشدد اكثر فأكثر، ما يسمح تدريجا بتلمس آفاق جديدة للوضع الداخلي، على ابواب مرحلة حساسة سورياً.

المصدر : الاخبار/هيام القصيفي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة