من غير المتوقع أن تقف سورية مكتوفة الأيدي إزاء محاولات فرض منطقة حظر جوي في عدد من المناطق. وبينما تخطط أنقرة وواشنطن لتزويد المعارضة بصواريخ ستينغر، تتجه دمشق لمنح الأكراد صواريخ سام بالتزامن مع اخلاء قواتها من مناطق تواجد «أعداء أنقرة»، بما يسمح لسورية باعادة خلط الأوراق

تختزل معركة حلب كل قصة الصراع الدولي والإقليمي الراهن على سورية. والأيام المقبلة لن ترسم، حتماً، نهاية لهذه المعركة، لكنها سترسم أخطر فصول تطورات ما بات يصطلح على تسميته بالأزمة السورية. داخل الكواليس الدولية، لم تعد خافية نوعية المواجهة المقبلة، انطلاقاً من ساحة حرب حلب التي ستبقى مفتوحة بقرار دولي، وانطلاقاً من صعوبة حسم الخلفيات المسببة لهذه الحرب. ويتشابك فيها الملف الكردي في المنطقة وملف الغاز المكتشف حديثاً في مياه المتوسط، وملف إيران على طاولة مجموعة الـ5 + 1، وملف الأقليات المشرقية امتداداً حتى داخل تركيا (الأكراد والعلويين).

 

الخطة الأميركية ــ التركية المقبلة

في ختام زيارتها لتركيا، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أن واشنطن وأنقرة تدرسان إقامة مناطق حظر للطيران فوق منطقة سورية، وخطوات أخرى لمساعدة قوات المعارضة السورية. وأكدت أن على تركيا والولايات المتحدة الخوض في تفاصيل هذه الخطط، موضحةً أن استخبارات البلدين وجيشيهما أمام مسؤوليات وأدوار مهمة عليهما القيام بها، وستشكل مجموعة عمل من البلدين لتحقيق هذا الأمر.

مصدر دبلوماسي كشف لـ«الأخبار» أبرز مضامين السيناريو الاستخباري ــ العسكري التركي والاميركي الذي تحدثت عنه كلينتون وتحفظت عن إعطاء تفاصيل بشأنه. وبحسب هذا المصدر، فإن المقصود بمنطقة الحظر الجوي ليس فرضه بواسطة طائرات أميركية أو تركية أو حتى أطلسية، ذلك أن قرار حلف شمالي الأطلسي لا يزال على حاله، وهو عدم التورط العسكري مباشرة في سوريا. ووفقاً للمصدر، فإن المقصود هو اقامة منطقة تخضع لسيطرة المعارضة تمتد من النصف الشمالي لمدينة حلب وصولاً إلى شرق إدلب حتى حدود منطقة الحسكة الكردية وحتى غرب القامشلي...، يوجد جزر ديموغرافية كردية في مكانين حصراً، هما عفرين وقرى تقع غرب أعزاز.

وتتطلع الخطة التركية ــ الأميركية إلى فرض حظر جوي في هذه المنطقة على سلاح الجو السوري، من خلال تدخل تركي غير معلن، وذلك بالنيابة عن كل الحلف الأطلسي ومجموعة دول أصدقاء الشعب السوري. وقوام الحظر تزويد المعارضة بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، على أن تدار هذه الصواريخ بواسطة ضباط أتراك، وعدم وضعها بأيدي المجموعات السورية المسلحة لتجنب تسربها إلى أيدي القاعدة، ولا سيما أن الاستخبارات الغربية، تكوّن لديها إدراك عميق بأن القوة الصلبة من بين كل المعارضة السورية المسلحة تتكون من أصوليين إسلاميين.

والفلسفة العسكرية التي تقوم عليها هذه الخطة، تنطلق أولاً من أن تأمين الحماية لهذه المنطقة بصواريخ ستينغر، سيؤدي الى حظر جوي فوقها من الأرض، على أن يتم تشغيل هذه الصواريخ بواسطة ضباط أتراك وبشكل غير معلن. ثانياً، يوجد رهان على أن صواريخ ستينغر، التي نجحت في هزيمة الجيش السوفياتي في أفغانستان، ستحقق نفس النتيجة مع الجيش السوري. فالستينغر، بعكس صواريخ سام، قادر على تضليل البالونات الحرارية التي تطلقها الطائرات المقاتلة لتفادي اصابتها. ورغم أن ستينغر هو صاروخ مضاد للطائرات ذات المستوى المنخفض عن سطح الأرض (11 ألف قدم)، ما يعني أنه لن يكون بامكانه مواجهة طائرات ميغ القادرة على القصف من ارتفاع عال، الا أن الاستخبارات الاميركية والتركية تعتقد أن نوعية المنطقة التي سيتم اختيارها لاقامة المنطقة الآمنة عليها ستكون بمعظمها مكونة من مناطق مرتفعة. ويذكر المصدر الدبلوماسي أن المجاهدين في أفغانستان عملوا انطلاقاً من الأمكنة العالية في تكتيكات اسقاط طائرات ميغ بنسبة نجاح وصلت الى 72 في المئة، وكان اجمالي ما أسقطوه هو 270 طائرة.

ويتمتع ستينغر بميزة أنه يمكن لحامله استخدامه والاختفاء من مكان انطلاقه بسرعة، كما أن منظومته كدفاع جوي متحرك ومحمول على الكتف أو من عربات ذات عجلات خفيفة التدريع، ستساعد على تغطية معظم المجال الجوي للمنطقة الآمنة.

 

وتلحظ هذه الخطة أيضاً، عاملاً اضافياً يتمثل في أن حلب ستبقى ساحة حرب مفتوحة، لن يصار إلى حسمها، وذلك في نفس الوقت التي سيتم فيه إنجاز المنطقة المحمية بصواريخ ستينغر المشغلة من ضباط أتراك، وستقوم هذه المنطقة بوظيفة القاعدة الخلفية اللوجستية للمعارضة السورية واستقبال المنشقين من الجيش السوري والمتطوعين إلى جانب "المجاهدين" غير السوريين. وتقول المعلومات إن أول صفقة من صواريخ ستينغر وصلت فعلاً الى هذه المنطقة.

استراتيجية القضم

تراهن الخطة الآنفة على أنه بالاضافة إلى إقامة المنطقة المحمية، فإن المعارضة السورية انطلاقاً منها ستمارس عسكرياً سياسة قضم المزيد من الأراضي الواقعة تحت سلطة الدولة ، وذلك عبر محاولة فتح واحد من الممرين التاليين: الأول عبر ريف حلب الغربي ــ إدلب ــ حماه ــ والالتفاف من غرب حمص باتجاه الحدود اللبنانية. ومن ميزات هذا الممر أنه يؤمن لمنطقة المعارضة المحمية، اطلالة على البحر من خلال مرفأ طرابلس الذي سيكون عملياً خاضعاً لسيطرة الامتداد اللبناني السلفي والمناصر للمعارضة السورية. وتجدر الاشارة في هذا المجال إلى السعي المستمر من قبل القوى اللبنانية الملتحمة مع المعارضة السورية في طرابلس إلى «تنقية» المدينة من أي وجود عسكري آخر، وذلك عبر إقصاء القوى الطرابلسية المؤيدة لفريق ٨ آذار. وآخر وقائع هذا التوجه، حصل خلال الأسبوع الماضي حينما قامت قوات سلفية باقتحام حي في الميناء بطرابلس مسيطر عليه من أتباع الشيخ هاشم منقارة، وأجبرت الأخير تحت الضغط العسكري والتهويل باستمراره، على سحب القوة العسكرية التابعة له من هذا الحي الى منطقة شكا. وتفاوضه القوات السلفية الآن على التخلي عن مسجد الحي، أو كحد أقصى أن يبقى تحت إدارة الشيخ منقارة، ولكن بصفته الشخصية لا الحزبية، ما دام المسجد من أملاكه الخاصة.

أما الممر الثاني، فيمتد عبر شرق ريف حلب جنوباً نحو تدمر، ومن ثم إلى الشام. وهذا الخط يلتف حول حمص وهو صحراوي. والخيار العسكري ضمن هذه الخطة، يتمثل بأنه في حال لم يكن ممكناً الحسم على الخط الأول، فإنه سيصار إلى محاولة الحسم على الخط الثاني. وينطلق مبدأ انتقاء الخطين من الحاجة العسكرية إلى تحاشي استعصاء امكانية السيطرة على خط الرستن ــ حمص ــ تل كلخ، ذلك أن اندفاع الجيش السوري لجعل الاشتباك دائماً على هذا الخط الأخير، جمّد القدرة على فرض تغييرات لوجستية لمصلحة المعارضة فيه. ومن هنا، نشأت الحاجة إلى إيجاد خط اشتباك بديل يمكن تحقيق إنجازات عسكرية عليه وفق استراتيجية القضم الآنفة.

سام لأكراد منطقة الحسكة

تتوقع المصادر الغربية بثقة، واستناداً إلى معلومات استخبارية وحسّية على صلة برصد وقائع ميدانية على الأرض، بأن أحد أبرز الردود التي سيبادر إليها النظام السوري بوجه تزويد المعارضة بمنطقة حظر جوي بواسطة صواريخ ستينغر يشغلها ضباط أتراك، يتمثل في إقامة منطقة كردية تمتد على مناطق واسعة من محافظة الحسكة السورية الواقعة على حدود جنوب شرق الأناضول، التي يقطنها الأكراد السوريون. ومؤخراً قامت السلطة المركزية في دمشق بإخلاء المنطقة بالكامل من الجيش السوري ومؤسساتها الأمنية والحكومية، وتم تسليمها ظاهرياً إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي ينظر إليه على أنه الفرع السوري للحزب العمالي الكردستاني، الذي بات عملياً يشرف على هذه المنطقة عسكرياً.

وتنظر تركيا بخشية كبيرة إلى هذا الإجراء السوري لانعكاساته الخطرة على أمنها القومي، كونه سيجعل مساحة الاشتباك التركي مع الأكراد ممتدة على مساحة واسعة. ويكفي لاستكشاف هذه الحقيقة إدراك الوقائع الديموغرافية التالية: مدينة المالكية، الكائنة في أقصى شمال شرق سوريا، والتي أخلتها السلطة المركزية السورية لمصلحة حزب العمال الكردستاني تقع على مثلث الحدود السورية ــ العراقية ــ التركية، وتقابلها مباشرةً داخل الأراضي التركية مدينة ديار بكر في جنوب شرق تركيا التي تشهد اشتباكات مستديمة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. الحال ذاتها تنطبق على مدينة القامشلي التي تقابلها داخل تركيا مدينة نوسيبنين الكردية التركية.

والإجراء الأشد خطورة الذي تتوقعه كل من الاستخبارات التركية والأميركية، هو أن النظام السوري سيلجأ للرد على تسليح المنطقة المحمية داخل الأراضي السورية بصواريخ ستينغر، بتزويد المنطقة الكردية في الحسكة  بصواريخ سام قادرة على إسقاط الطائرات التركية ليس فقط فوق أجواء هذه المنطقة بل فوق أجواء الاراضي التركية حيث تجري الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. وما يضاعف قلق أنقرة من احتمال اتخاذ دمشق هذا الإجراء، هو معلومات استخبارية تفيد بأن موسكو نجحت في تطوير جيل جديد من صواريخ سام قادر على تضليل البالونات الحرارية التي تتسلح بها الطائرات لتلافي إصابتها به.

في المحصلة، فإنه في مقابل التفكير الأميركي ــ التركي بانشاء منطقة حظر جوي بواسطة صواريخ ستينغر تشمل أعزاز، ريف حلب، إدلب وجسر الشغور، فإن دمشق تقيم منطقة كردية، ستصبح محمية بصواريخ سام من الجيل الجديد، وهي تمتد على ديموغرافيا منطقة الحسكة، وتكون بضمنها مدينة المالكية المقابلة لديار بكر معقل الحزب العمال الكردستاني داخل الاراضي التركية.

الغاز في قلب الصراع

يشكل الصراع على شكل خطوط أنابيب تصدير الغاز إلى أوروبا الغربية، والدول المصدرة له، احدى الخلفيات غير المرئية للصراع الحالي في سوريا وعليها. أوروبا تعتمد اليوم، بشكل أساسي، في استيراد الغاز الذي يشغل معاملها ويمدها بالدفء على شبكتي خط نقل: الخط الأول خط الغاز الروسي والثاني خط الغاز الجزائري الذي يعبر المتوسط، ولموسكو حصة فيه أيضاً.

وهناك منذ سنوات، مشروع قيد الاعداد للاستفادة من الغاز المكتشف حديثاً في مياه المتوسط، قوامه تعاون إسرائيلي ــ قطري ــ يوناني تشارك فيه قبرص، ويهدف إلى جر الغاز الاسرائيلي من حقل ليفيتان الواقع على مسافة ٢١ كيلومتراً في محاذاة الناقورة والمتنازع عليه مع لبنان (يؤمن ١٥٠ سنة تصديراً للغاز)، إلى بر اليونان ليتم بيعه إلى أوروبا على غرار ما يفعل اليوم أنبوب الغاز الروسي. وهذا الخط لن يكون فقط منافساً اقتصادياً لخط الغاز الروسي، بل سياسي أيضاً، لأن اعتماد الأوروبيين الغربيين بنسبة عالية، على الغاز الروسي يؤمن لموسكو حيوية سياسية في العالم.

 

وعلى هذا، فإن بروز خط أنبوب ثالث لجر الغاز الاسرائيلي من أنبوب الناقورة إلى أوروبا الغربية بمشاركة دول أخرى ليست تركيا بعيدة عنها، ولا قطر التي مولت بالفعل في السنوات الأخيرة إنشاء محطة في اليونان لتسييل الغاز، سيجعل أوروبا تستبدل اعتمادها على الغاز الروسي بالغاز الاسرائيلي. وسيكون لهذا نتائج اقتصادية وسياسية استراتيجية.

تنافس على الغاز

تمتلك سوريا منطقة اقتصادية محاذية لتركيا وقبرص اليونانية ولبنان. وهذه المنطقة أكبر بكثير من المنطقة الاقتصادية اللبنانية، لأن السواحل السورية أطول من الساحل اللبناني، وهي قانونياً تمتد ٢٣٥ كلم من الشواطئ، ما يعني أنها تصل إلى قبرص. وبالتالي، فإن المناطق الاقتصادية القبرصية التركية والقبرصية اليونانية واللبنانية والتركية متداخلة مع المنطقة الاقتصادية السورية.

وهذا الواقع يخلق قضية استراتيجية وتاريخية للدول المنخرطة في طموحات الإفادة من مخزونات الغاز، نظراً لكونه يحقق أمرين اثنين. الأول، الاكتفاء الذاتي من الطاقة للبلدان المستفيدة، ويلاحظ في هذا المجال أن إيران نظراً لكون نفطها يشارف على النضوب، تحاول إيجاد بدائل نووية، بينما بلدان المتوسط تطفئها كميات الغاز الموجودة تحت سطح بحارها والتي لا تحتاج إلى عمليات تكرير كبيرة، من تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى الطاقة. الأمر الثاني يتمثل بأن هذه الكميات الكبيرة من الغاز تسمح لها بتصدير مناسيب كبيرة منه الى اوروبا الغربية.

 

الاخبار

  • فريق ماسة
  • 2012-08-14
  • 10072
  • من الأرشيف

معادلة سورية جديدة: «سام» مقابل «ستينغر»!

من غير المتوقع أن تقف سورية مكتوفة الأيدي إزاء محاولات فرض منطقة حظر جوي في عدد من المناطق. وبينما تخطط أنقرة وواشنطن لتزويد المعارضة بصواريخ ستينغر، تتجه دمشق لمنح الأكراد صواريخ سام بالتزامن مع اخلاء قواتها من مناطق تواجد «أعداء أنقرة»، بما يسمح لسورية باعادة خلط الأوراق تختزل معركة حلب كل قصة الصراع الدولي والإقليمي الراهن على سورية. والأيام المقبلة لن ترسم، حتماً، نهاية لهذه المعركة، لكنها سترسم أخطر فصول تطورات ما بات يصطلح على تسميته بالأزمة السورية. داخل الكواليس الدولية، لم تعد خافية نوعية المواجهة المقبلة، انطلاقاً من ساحة حرب حلب التي ستبقى مفتوحة بقرار دولي، وانطلاقاً من صعوبة حسم الخلفيات المسببة لهذه الحرب. ويتشابك فيها الملف الكردي في المنطقة وملف الغاز المكتشف حديثاً في مياه المتوسط، وملف إيران على طاولة مجموعة الـ5 + 1، وملف الأقليات المشرقية امتداداً حتى داخل تركيا (الأكراد والعلويين).   الخطة الأميركية ــ التركية المقبلة في ختام زيارتها لتركيا، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أن واشنطن وأنقرة تدرسان إقامة مناطق حظر للطيران فوق منطقة سورية، وخطوات أخرى لمساعدة قوات المعارضة السورية. وأكدت أن على تركيا والولايات المتحدة الخوض في تفاصيل هذه الخطط، موضحةً أن استخبارات البلدين وجيشيهما أمام مسؤوليات وأدوار مهمة عليهما القيام بها، وستشكل مجموعة عمل من البلدين لتحقيق هذا الأمر. مصدر دبلوماسي كشف لـ«الأخبار» أبرز مضامين السيناريو الاستخباري ــ العسكري التركي والاميركي الذي تحدثت عنه كلينتون وتحفظت عن إعطاء تفاصيل بشأنه. وبحسب هذا المصدر، فإن المقصود بمنطقة الحظر الجوي ليس فرضه بواسطة طائرات أميركية أو تركية أو حتى أطلسية، ذلك أن قرار حلف شمالي الأطلسي لا يزال على حاله، وهو عدم التورط العسكري مباشرة في سوريا. ووفقاً للمصدر، فإن المقصود هو اقامة منطقة تخضع لسيطرة المعارضة تمتد من النصف الشمالي لمدينة حلب وصولاً إلى شرق إدلب حتى حدود منطقة الحسكة الكردية وحتى غرب القامشلي...، يوجد جزر ديموغرافية كردية في مكانين حصراً، هما عفرين وقرى تقع غرب أعزاز. وتتطلع الخطة التركية ــ الأميركية إلى فرض حظر جوي في هذه المنطقة على سلاح الجو السوري، من خلال تدخل تركي غير معلن، وذلك بالنيابة عن كل الحلف الأطلسي ومجموعة دول أصدقاء الشعب السوري. وقوام الحظر تزويد المعارضة بصواريخ ستينغر المضادة للطائرات، على أن تدار هذه الصواريخ بواسطة ضباط أتراك، وعدم وضعها بأيدي المجموعات السورية المسلحة لتجنب تسربها إلى أيدي القاعدة، ولا سيما أن الاستخبارات الغربية، تكوّن لديها إدراك عميق بأن القوة الصلبة من بين كل المعارضة السورية المسلحة تتكون من أصوليين إسلاميين. والفلسفة العسكرية التي تقوم عليها هذه الخطة، تنطلق أولاً من أن تأمين الحماية لهذه المنطقة بصواريخ ستينغر، سيؤدي الى حظر جوي فوقها من الأرض، على أن يتم تشغيل هذه الصواريخ بواسطة ضباط أتراك وبشكل غير معلن. ثانياً، يوجد رهان على أن صواريخ ستينغر، التي نجحت في هزيمة الجيش السوفياتي في أفغانستان، ستحقق نفس النتيجة مع الجيش السوري. فالستينغر، بعكس صواريخ سام، قادر على تضليل البالونات الحرارية التي تطلقها الطائرات المقاتلة لتفادي اصابتها. ورغم أن ستينغر هو صاروخ مضاد للطائرات ذات المستوى المنخفض عن سطح الأرض (11 ألف قدم)، ما يعني أنه لن يكون بامكانه مواجهة طائرات ميغ القادرة على القصف من ارتفاع عال، الا أن الاستخبارات الاميركية والتركية تعتقد أن نوعية المنطقة التي سيتم اختيارها لاقامة المنطقة الآمنة عليها ستكون بمعظمها مكونة من مناطق مرتفعة. ويذكر المصدر الدبلوماسي أن المجاهدين في أفغانستان عملوا انطلاقاً من الأمكنة العالية في تكتيكات اسقاط طائرات ميغ بنسبة نجاح وصلت الى 72 في المئة، وكان اجمالي ما أسقطوه هو 270 طائرة. ويتمتع ستينغر بميزة أنه يمكن لحامله استخدامه والاختفاء من مكان انطلاقه بسرعة، كما أن منظومته كدفاع جوي متحرك ومحمول على الكتف أو من عربات ذات عجلات خفيفة التدريع، ستساعد على تغطية معظم المجال الجوي للمنطقة الآمنة.   وتلحظ هذه الخطة أيضاً، عاملاً اضافياً يتمثل في أن حلب ستبقى ساحة حرب مفتوحة، لن يصار إلى حسمها، وذلك في نفس الوقت التي سيتم فيه إنجاز المنطقة المحمية بصواريخ ستينغر المشغلة من ضباط أتراك، وستقوم هذه المنطقة بوظيفة القاعدة الخلفية اللوجستية للمعارضة السورية واستقبال المنشقين من الجيش السوري والمتطوعين إلى جانب "المجاهدين" غير السوريين. وتقول المعلومات إن أول صفقة من صواريخ ستينغر وصلت فعلاً الى هذه المنطقة. استراتيجية القضم تراهن الخطة الآنفة على أنه بالاضافة إلى إقامة المنطقة المحمية، فإن المعارضة السورية انطلاقاً منها ستمارس عسكرياً سياسة قضم المزيد من الأراضي الواقعة تحت سلطة الدولة ، وذلك عبر محاولة فتح واحد من الممرين التاليين: الأول عبر ريف حلب الغربي ــ إدلب ــ حماه ــ والالتفاف من غرب حمص باتجاه الحدود اللبنانية. ومن ميزات هذا الممر أنه يؤمن لمنطقة المعارضة المحمية، اطلالة على البحر من خلال مرفأ طرابلس الذي سيكون عملياً خاضعاً لسيطرة الامتداد اللبناني السلفي والمناصر للمعارضة السورية. وتجدر الاشارة في هذا المجال إلى السعي المستمر من قبل القوى اللبنانية الملتحمة مع المعارضة السورية في طرابلس إلى «تنقية» المدينة من أي وجود عسكري آخر، وذلك عبر إقصاء القوى الطرابلسية المؤيدة لفريق ٨ آذار. وآخر وقائع هذا التوجه، حصل خلال الأسبوع الماضي حينما قامت قوات سلفية باقتحام حي في الميناء بطرابلس مسيطر عليه من أتباع الشيخ هاشم منقارة، وأجبرت الأخير تحت الضغط العسكري والتهويل باستمراره، على سحب القوة العسكرية التابعة له من هذا الحي الى منطقة شكا. وتفاوضه القوات السلفية الآن على التخلي عن مسجد الحي، أو كحد أقصى أن يبقى تحت إدارة الشيخ منقارة، ولكن بصفته الشخصية لا الحزبية، ما دام المسجد من أملاكه الخاصة. أما الممر الثاني، فيمتد عبر شرق ريف حلب جنوباً نحو تدمر، ومن ثم إلى الشام. وهذا الخط يلتف حول حمص وهو صحراوي. والخيار العسكري ضمن هذه الخطة، يتمثل بأنه في حال لم يكن ممكناً الحسم على الخط الأول، فإنه سيصار إلى محاولة الحسم على الخط الثاني. وينطلق مبدأ انتقاء الخطين من الحاجة العسكرية إلى تحاشي استعصاء امكانية السيطرة على خط الرستن ــ حمص ــ تل كلخ، ذلك أن اندفاع الجيش السوري لجعل الاشتباك دائماً على هذا الخط الأخير، جمّد القدرة على فرض تغييرات لوجستية لمصلحة المعارضة فيه. ومن هنا، نشأت الحاجة إلى إيجاد خط اشتباك بديل يمكن تحقيق إنجازات عسكرية عليه وفق استراتيجية القضم الآنفة. سام لأكراد منطقة الحسكة تتوقع المصادر الغربية بثقة، واستناداً إلى معلومات استخبارية وحسّية على صلة برصد وقائع ميدانية على الأرض، بأن أحد أبرز الردود التي سيبادر إليها النظام السوري بوجه تزويد المعارضة بمنطقة حظر جوي بواسطة صواريخ ستينغر يشغلها ضباط أتراك، يتمثل في إقامة منطقة كردية تمتد على مناطق واسعة من محافظة الحسكة السورية الواقعة على حدود جنوب شرق الأناضول، التي يقطنها الأكراد السوريون. ومؤخراً قامت السلطة المركزية في دمشق بإخلاء المنطقة بالكامل من الجيش السوري ومؤسساتها الأمنية والحكومية، وتم تسليمها ظاهرياً إلى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي ينظر إليه على أنه الفرع السوري للحزب العمالي الكردستاني، الذي بات عملياً يشرف على هذه المنطقة عسكرياً. وتنظر تركيا بخشية كبيرة إلى هذا الإجراء السوري لانعكاساته الخطرة على أمنها القومي، كونه سيجعل مساحة الاشتباك التركي مع الأكراد ممتدة على مساحة واسعة. ويكفي لاستكشاف هذه الحقيقة إدراك الوقائع الديموغرافية التالية: مدينة المالكية، الكائنة في أقصى شمال شرق سوريا، والتي أخلتها السلطة المركزية السورية لمصلحة حزب العمال الكردستاني تقع على مثلث الحدود السورية ــ العراقية ــ التركية، وتقابلها مباشرةً داخل الأراضي التركية مدينة ديار بكر في جنوب شرق تركيا التي تشهد اشتباكات مستديمة بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. الحال ذاتها تنطبق على مدينة القامشلي التي تقابلها داخل تركيا مدينة نوسيبنين الكردية التركية. والإجراء الأشد خطورة الذي تتوقعه كل من الاستخبارات التركية والأميركية، هو أن النظام السوري سيلجأ للرد على تسليح المنطقة المحمية داخل الأراضي السورية بصواريخ ستينغر، بتزويد المنطقة الكردية في الحسكة  بصواريخ سام قادرة على إسقاط الطائرات التركية ليس فقط فوق أجواء هذه المنطقة بل فوق أجواء الاراضي التركية حيث تجري الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. وما يضاعف قلق أنقرة من احتمال اتخاذ دمشق هذا الإجراء، هو معلومات استخبارية تفيد بأن موسكو نجحت في تطوير جيل جديد من صواريخ سام قادر على تضليل البالونات الحرارية التي تتسلح بها الطائرات لتلافي إصابتها به. في المحصلة، فإنه في مقابل التفكير الأميركي ــ التركي بانشاء منطقة حظر جوي بواسطة صواريخ ستينغر تشمل أعزاز، ريف حلب، إدلب وجسر الشغور، فإن دمشق تقيم منطقة كردية، ستصبح محمية بصواريخ سام من الجيل الجديد، وهي تمتد على ديموغرافيا منطقة الحسكة، وتكون بضمنها مدينة المالكية المقابلة لديار بكر معقل الحزب العمال الكردستاني داخل الاراضي التركية. الغاز في قلب الصراع يشكل الصراع على شكل خطوط أنابيب تصدير الغاز إلى أوروبا الغربية، والدول المصدرة له، احدى الخلفيات غير المرئية للصراع الحالي في سوريا وعليها. أوروبا تعتمد اليوم، بشكل أساسي، في استيراد الغاز الذي يشغل معاملها ويمدها بالدفء على شبكتي خط نقل: الخط الأول خط الغاز الروسي والثاني خط الغاز الجزائري الذي يعبر المتوسط، ولموسكو حصة فيه أيضاً. وهناك منذ سنوات، مشروع قيد الاعداد للاستفادة من الغاز المكتشف حديثاً في مياه المتوسط، قوامه تعاون إسرائيلي ــ قطري ــ يوناني تشارك فيه قبرص، ويهدف إلى جر الغاز الاسرائيلي من حقل ليفيتان الواقع على مسافة ٢١ كيلومتراً في محاذاة الناقورة والمتنازع عليه مع لبنان (يؤمن ١٥٠ سنة تصديراً للغاز)، إلى بر اليونان ليتم بيعه إلى أوروبا على غرار ما يفعل اليوم أنبوب الغاز الروسي. وهذا الخط لن يكون فقط منافساً اقتصادياً لخط الغاز الروسي، بل سياسي أيضاً، لأن اعتماد الأوروبيين الغربيين بنسبة عالية، على الغاز الروسي يؤمن لموسكو حيوية سياسية في العالم.   وعلى هذا، فإن بروز خط أنبوب ثالث لجر الغاز الاسرائيلي من أنبوب الناقورة إلى أوروبا الغربية بمشاركة دول أخرى ليست تركيا بعيدة عنها، ولا قطر التي مولت بالفعل في السنوات الأخيرة إنشاء محطة في اليونان لتسييل الغاز، سيجعل أوروبا تستبدل اعتمادها على الغاز الروسي بالغاز الاسرائيلي. وسيكون لهذا نتائج اقتصادية وسياسية استراتيجية. تنافس على الغاز تمتلك سوريا منطقة اقتصادية محاذية لتركيا وقبرص اليونانية ولبنان. وهذه المنطقة أكبر بكثير من المنطقة الاقتصادية اللبنانية، لأن السواحل السورية أطول من الساحل اللبناني، وهي قانونياً تمتد ٢٣٥ كلم من الشواطئ، ما يعني أنها تصل إلى قبرص. وبالتالي، فإن المناطق الاقتصادية القبرصية التركية والقبرصية اليونانية واللبنانية والتركية متداخلة مع المنطقة الاقتصادية السورية. وهذا الواقع يخلق قضية استراتيجية وتاريخية للدول المنخرطة في طموحات الإفادة من مخزونات الغاز، نظراً لكونه يحقق أمرين اثنين. الأول، الاكتفاء الذاتي من الطاقة للبلدان المستفيدة، ويلاحظ في هذا المجال أن إيران نظراً لكون نفطها يشارف على النضوب، تحاول إيجاد بدائل نووية، بينما بلدان المتوسط تطفئها كميات الغاز الموجودة تحت سطح بحارها والتي لا تحتاج إلى عمليات تكرير كبيرة، من تحقيق الاكتفاء الذاتي على مستوى الطاقة. الأمر الثاني يتمثل بأن هذه الكميات الكبيرة من الغاز تسمح لها بتصدير مناسيب كبيرة منه الى اوروبا الغربية.   الاخبار

المصدر : الأخبار


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة