دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
توقيف الوزير الأسبق ميشال سماحة كان وقعه ثقيلاً جداً على دمشق. حركة اتصالات متسارعة بين القيادة السورية وأبرز الحلفاء في لبنان وبالأخص سليمان فرنجية. أيقظ الأخير أحد الامنيين اللبنانيين من نومه بعد وقت قصير جداً من التوقيف صباح الخميس الماضي وأبلغه بتوقيف سماحة، فرد المسؤول الأمني اللبناني: «هؤلاء جنّوا حتماً» (فرع المعلومات).
أبعد من الصدمة والدهشة، ساد انطباع في أكثر من دائرة سورية على معرفة وثيقة بالرجل بأننا «نواجه مشروع انقلاب سياسي في لبنان»، وثمة من دق جرس التحذير من العاصفة التي تهبّ على سوريا من لبنان: «الأمر خطير، ليس المستهدف ميشال سماحة بشخصه فقط، بل سوريا ورئيسها بالدرجة الاولى».
واضح أن لميشال سماحة مكانته المرموقة لدى القيادة السورية وتحديداً عند الرئيس الاسد: «ليس هكذا يكافأ ميشال سماحة. تاريخه يشهد على جرأته ومسالمته. ما هذا الكلام السخيف الذي لا يستقيم لأحد بأنه ينقل عبوات ناسفة، ولنفرض أن سوريا قررت ان تفكر بهذه الطريقة. أليس بمقدورها أن تجد ثلاثين ألف «متبرع» قبل أن يصل الدور الى ميشــال سماحة»، يقول مسؤول سوري.
وفضلاً عن عدم فهم مبرر التعامل بطريقة مهينة مع موقوف ذي تاريخ سياسي مثل سماحة، شكلت التسريبات ومسارعة القضاء اللبناني الى الادعاء على اللواء علي المملوك وعلى أحد الضباط الأمنيين السوريين (العقيد عدنان) صدمة ثانية: «انها خطوة غريبة لا بل مريبة وتنم عن استفزاز متعمّد، خاصة أن الادعاء تمّ بناء على تحقيق أولي. في القانون، القاعدة الاساس ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن خطوة القضاء اللبناني تنطوي على إدانة مسبقة».
يقول مسؤول سوري إن سوريا قد تتفهّم حقيقة أن «فرع المعلومات» معروف بولائه للفريق المعادي لسوريا في لبنان وخارجه، وأن ما قام به ينطلق من خلفية استهداف سوريا التي تعرف كيف تدافع عن نفسها كما عن حلفائها، ولكنها لا تستطيع أن تفهم موقف الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، فما بدر عنهما (في قضية سماحة) كان له وقعه السيئ في دمشق.
يقول زوار العاصمة السورية إنه بدلاً من أن يكون الرئيس سليمان «حامي القانون وفي موقع الحكم بين اللبنانيين كما الحامي للعلاقة الاخوية بين لبنان وسوريا، فوجئنا بأنه لم ينتظر جلاء الصورة لا بل كان في طليعة مستقبلي أشرف ريفي ووسام الحسن وقام بتهنئة «فرع المعلومات» على ما قام به، متبنياً بالتالي التحقيق الأولي بالكامل».
يسأل زوار دمشق «ماذا يريد أن يقول ميشال سليمان لسوريا ولغير سوريا في موقفه هذا؟ وماذا يريد نجيب ميقاتي من خلال توفير الغطاء السياسي الكامل لـ«فرع المعلومات»، على الرغم من علمه أن الرواية الاتهامية تصدر من طرف واحد، والطرف الثاني لم يقل كلمته بعد، ولا نريد الحديث عن وليد جنبلاط وافتراءاته، ولكن يبدو واضحاً ان رئيسي الجمهورية والحكومة أصبحا معه في الجبهة ذاتها».
لدى سوريا، يقول المسؤول السوري، خزان كبير من المآخذ على لبنان ومسؤوليه، ولكنها في تعاطيها مع الشقيق اللبناني كانت تراعي دائماً مبدأ الاخوة، وعدم مفاقمة الوضع الداخلي في دولة محكومة بتناقضات غريبة تضعفها. فشعار النأي بالنفس الذي سبق وأعلنته الحكومة اللبنانية استوعبته سوريا، وإن لم تستسغه، ولكن بقي هذا الشعار مجرّد كلام في الجانب اللبناني بدليل آلاف الانتهاكات عبر الحدود اللبنانية منذ سنة ونصف حتى الآن.
يقدم المسؤول السوري مضبطة اتهامية: «هل نسي اللبنانيون «لطف الله 2» وغيرها من بواخر السلاح التي وصلت الى طرابلس؟ من حرك ساكناً حيالها، ومن حرك ساكناً حيال الصحافيين الذي يصلون الى لبنان ومن ثم يتم ادخالهم بصورة غير شرعية الى الأراضي السورية وبينهم من تولى «فرع المعلومات» نقلهم وآخرهم البريطانيون الثلاثة الذين وصلوا تموز الماضي، وقبلهم الفرنسيون وغيرهم وغيرهم الذين بدلاً من ان تحاسبهم السلطات اللبنانية يفاخر المسؤولون اللبنانيون انهم وصلوا بخير الى الأراضي اللبنانية».
يسأل المسؤول السوري «هل نسي اللبنانيون أن منطقة الشمال، بخاصة عكار، تشكل اكبر حاضنة للمسلحين اللبنانيين والسوريين والمتعددي الجنسيات الذين يتسللون يومياً الى الأراضي السورية، بلا حسيب او رقيب وماذا عن اولئك الارهابيين الذين فاخروا أمام القضاء اللبناني بارتكاب مجازر في سوريا لا بل تفاخر بعضهم عبر الإعلام بما ارتكب، ومنهم من اعترف امام القضاء اللبناني وجاء من يعدل إفادته لإخلاء سبيله، وهذا ما تم بالفعل».
تكمن «الإساءة الكبرى»، بحسب المسؤول السوري في محاولة نفي هذه الوقائع من قبل بعض المسؤولين اللبنانيين ولعل المثال على ذلك تجلى حينما قدم مندوب سوريا في مجلس الأمن بشار الجعفري تقريراً مفصلاً حول ما تتعرّض له سوريا من الجانب اللبناني، فسارع ميشال سليمان الى النفي، لا بل إنه وصل الى حد الطلب علناً بتوجيه كتاب احتجاج الى السلطات السورية على ما سمّاه خرقاً سورياً في مشاريع القاع.
برغم كل ما حصل على مدى سنة ونصف تقريباً، تعاطت سوريا بهدوء ـ يقول المسؤول السوري ـ واكتفت بإرسال مذكرات بهذا الخصوص الى السلطات اللبنانية، «حرصاً على العلاقة الاخوية المشتركة، وفي المقابل، كانت الصورة معكوسة في لبنان وهذا بحد ذاته يمثل شراكة غير مباشرة في الدم السوري، والواضح أن هناك في لبنان من لا يحسن الوفاء ويريد تسديد الفواتير للغرب والأتراك والقطريين وبندر بن سلطان».
ولكن هل هناك اختراق واستدراج في قضية ميشال سماحة؟
«إذا كان هناك من اختراق، فهو من صنعهم ومن تزوير أيديهم، ومشكلة بعض اللبنانيين أنهم يتصرفون وكأن الرئيس بشار الاسد سيسقط غداً، ولطالما دلت التجربة مع هؤلاء أنهم يعقدون الامل دائماً على رهانات خاسرة. هناك حرب كونية على سورية وفشلت في إخضاعها والعاصفة الاتهامية الآتية من لبنان تندرج في سياقها»، يختم المسؤول السوري كلامه.
المصدر :
نبيل هيثم - السفير
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة